توق الذات لمعرض التحولات.. وطفو الفراشة بين حكائية اللوحات
علاء رشيدي 18 يونيو 2022
تشكيل
"جنازة الفراشة"، من معرض "توق" للفنانة عزة أبو ربعية
شارك هذا المقال
حجم الخط اللوحة كتوق الذات إلى رحلة الفراشة
لا تبدو مهمة كتابة الجديد حيال موضوعة "الفراشة" بمقدار مشاق تحقيق معرض فني يحمل ما هو مبتكر حولها، ويجمع اللوحة، الحفر، النحت والموسيقى. فمن الصعوبة للوهلة الأولى ابتكار الجديد الفني في معالجة هذا الكائن الذي طالما حضر في المخيلة الفنية عبر التاريخ.
في معرضها المقام حاليًا في "غاليري صالح بركات" في بيروت، بعنوان "توق.. 2022"، تكثف الفنانة عزة أبو ربعية المستويات الفنية والفكرية التي يمكن التنويع عليها في احتمالات التعامل التشكيلي والنفسي ـ الذاتي مع حضور الكائن المكثف في دلالاته، الفراشة. فانطلاقًا، من تجربة ذاتية عاشتها الفنانة تتعلق بحضور الفراشة الوجداني والذهني في بواطنها، عملت الفنانة بجهد متراكم للاستلهام التعبيري والفلسفي من كائن مفترض فنيًا كفراشة، ويفترض مجازيًا أنها التوق الإنساني إلى رحلة الكائن ـ الحشرة في تحولات الذات.
يتضمن البروشور الصادر والمرافق للمعرض مجموعة النصوص؛ النص النقدي بقلم ماتيلد أيوب، وثلاثة نصوص شعرية أحدها بعنوان "توق"، من كتابة الفنانة نفسها، ونص شعري ـ نثري آخر بقلم الباحث الدكتور نبراس شحيد، ونص شعري أخير بقلم الفنانة نلسي مسعود بعنوان "رحلة، رحلة". في النص الافتتاحي في بروشور الغاليري، توسع الكاتبة ماتيلد أيوب من رؤيتها لدور الفنانة في المعرض، بما يتجاوز الرسم، إلى "الإخراج المشهدي"، وحتى "محركة الدمى"، حسب تعابيرها. ذلك أن الفنانة نادرًا ما تستعمل الحبر والألوان المائية، بينما حققت لوحاتها ـ كائناتها من مادة القماش التوالي المتراكب على سطح اللوحة.
توازن الطفو والسقوط بين اللوحة والموسيقى
تفتتح الفنانة معرضها بشذرة شعرية بعنوان "توق":
تَوْق
أن أفعل كُّل شيء.. وكُّل شيء ...
أن أطير وأسقط.. وأضرب فأهرب..
أثور وأهدأ.. أعشق وأكره
(من قصيدة توق، عزة أبو ربعية).
إن الأفعال المذكورة في المقطع السابق من الطيران، السقوط، الارتطام، والهروب تحضر كأحداث في عدد من اللوحات. يبدو لنا الحضور البشري، أو الفراشاتي، في لوحة بعنوان "Awaiting/ انتظار"، وكأنه في حالة سكونية من الثبات على مستوى سطح الأرض. إن التداخل بين الأعضاء الإنسانية، والأطراف الفراشاتية، مع التراب الأرضي، يعبر عن العلاقة بين الإنسان ـ الكائن ـ الفراشة من جهة، وبين الطبيعة من جهة أخرى. هي علاقات تتأرجح في اللوحات بين الارتباط والارتهان. ورغم أن الثبات السكوني هو الإيحاء الطاغي في هذه اللوحة. في المقابل، تظهر لوحات أخرى باعتبارها تنويعة متعارضة، لوحة "Awaken/ الاستيقاظ الحيوي" تبين الحركة الممزوجة بالخفة، والجسد الطافي في حضور المكان من حوله. هذا الارتحال في تعبيرية اللوحات بين اليائس والحيوي، بين السكوني والحركي، بين المنعزل والمفرط في الانخراط، لا يقتصر على دورة الحياة العضوية للفراشة، وإنما تعالج اللوحات كل هذه المفاهيم على مستوى التعبير الإنساني أيضًا. يصور عمل بعنوان "Apprenhension/ الخشية؛ التخوف" حضورًا إنسانيًا انطوائيًا بتموضعه الجسدي، ويوحي بالتداخل بين الجسد الإنساني والشرنقة. تأخذ الفنانة هنا من الفراشة حالة القلق من التحول القادم المجهول. وفي لوحة مقابلة بعنوان "Re-Up/ أو الوقوف مجددًا؛ النهوض مجددًا" تحمل فيها فراشتين بأجنحتهما جسدًا نسائيًا من لوني الأبيض والأسود، يرتفع مطواعًا مع قوة دفع الفراشة التي تحمل من تحت الإبط، وكأنها في رقصة تانغو ثنائية.
توق الفراشة إلى ذاتها، صيرورة الولادة المكتملة بالموت:
أموت فأحيا.. أحمل وألد
أطير وأسقط.. أخاف وأثور
أرتجف وأدفأ.. أبكي وأضحك
هكذا هو إيقاع رفرفة أجنحتها!
أخذ ٌوردٌّ يصنعان مسار حركتها.
كنبضات قلب ولهفته، تّواق، عطش
لفعل كُل شيء واّللاشيء…
(من قصيدة توق، عزة أبو ربعية).
تحضر أيضًا في المعرض الموضوعات الفلسفية: الولادة؛، التشكل؛ التحول؛ التكون؛ ومن ثم الفناء، كما ذكر في النص التعريفي بالمعرض: (معرض توق يتناول المحاولات الفوضوية في محاولة الكائن الإنساني الوجود عبر الزمان والمكان، والتي تفضي به إلى تحولات مستمرة). هذه المراحل الكثيفة الدلالات في حياة الكائن "الفراشة" يعبر عنها فنيًا عبر لوحات المعرض. لوحة بعنوان "Rebirth/ الانبعاث" تمتزج فيها أعضاء الطيران، مثل الأجنحة، والذيل، مع جسد إنساني ضخم مكسو بالشعر، يحضر بضخامة تجعله عبئًا على الأجنحة الممتدة بألوان من تدرجات البني. وفي الإطار نفسه تتميز لوحة "مغامرة/ Adventure" بما ترصده من تفاصيل لحظة التحول، فالكتل التشكيلية تقترح على العين شرنقة في تحولها إلى فراشة، وامرأة في تحولها إلى الاستعراضية، وكذلك جسد في اكتسابه المزايا الذكورية والنسائية، فيتحول كيان الحشرة ـ الفراشة إلى عضو ذكري في أسفل امتداد اللوحة، الذي يبدو في الآن عينه عضوًا لامرأة ترتدي فستانًا متكلف الأناقة. إذًا، هي تحولات الكينوني، الحيواني، الجنساني، والإنساني.
الرسم بين المفرد والثنائي، والعزف بين الأنا والآخر
تتعدد الأعمال التي تحقق في محتواها حضورًا فرديًا وثنائيًا في الآن عينه، في عمل (روحان في جسد واحد) من حبر وألوان مائية، بأبعاد (31 * 70) سم، تمتد أشكال ثنائية تندمج بكيان أحادي، أو تتفرق الأعضاء المشكلة للجسد الواحد إلى انقسام ثنائي. وفي سلسلة سكيتشات بعنوان "التحولات" ينقسم الجسد الإنساني، فتتحول اليرقات إلى عشاق بشريين، فتكتسب الهيئات الفراشية شغف القبلة، وإيحاء التقارب الجنسي الإنساني، فاللقاء بين الجسدين يتم عند الشفاه، وتحت الركبة، هي عملية الانقسام الذاتي، والولادة الثنائية، في الآن عينه. الفعل الجنسي في الانفصال والاتحاد، وينتقل الشغف في معرض الفنانة من الإنساني إلى العضوي، من الشهوة الجسدية، إلى غاية البقاء التزاوجية.
يكتب الباحث نبراس شحيد نصًا أدبيًا مرافقًا لبروشور المعرض: "فتاة فتحت ذراعيها وصرخت. فراشة عابرة اجتاحتها. لم تكن الفتاة تعرف أن لرفرفة الجناحين زلزالًا، وأن الفراشة على الرغم من هشاشتها مخيفة. فكل من تزوره لا بد من أن يتشرنق، أن يتمزق، أن يتحول. جناحاها جسمان يتعانقان هنيهة ثم ينفصلان، تحولات عدة، ذكر في أنثى، وأنثى في ذكر". إنها التفاعلية التأثيرية بين الزائرة الفراشة والمستقبلة الفتاة. وكما أي لقاء بين الأصلي والطارئ، فإن احتمالات التأثر والتأثير حتمية. وجود أي كائن يفرض على الذات أخرويتها، إنها علاقة التداخل بين الذات والغير، بين الأنا ووجود الآخر. وهذا ما يحيلنا إلى الحكاية الشهيرة للفيلسوف الصيني جوانغ زي أبرز الفلاسفة الصينيين ما بعد كونفوشيوس، والذي كتب في التعبير عن الوجود والوهم، عن الذات والآخر، وعن الإنسان والفراشة: "رأيت أنا جوانغ زي مرة في منامي أني فراشة ترفرف بجناحيها في هذا المكان وذاك، أني فراشة حقًا من جميع الوجوه. ولم أكن أدرك شيئًا أكثر من تتبعي لخيالاتي التي تشعرني بأني فراشة. أما ذاتيتي الإنسانية فلم أكن أدركها قط. ثم استيقظت على حين غفلة، وها أنذا منطرح على الأرض رجلًا كما كنت، ولست أعرف الآن هل كنت في ذلك الوقت رجلًا يحلم بأنه فراشة، أو أنني الآن فراشة تحلم بأنها رجل".
أمام كل هذه الجدليات، التحولات، الاحتمالات المتعارضة أحيانًا التي تكتنفها فكرة الفراشة، فإن سؤال الأنا يصبح جوهريًا، خصوصًا أمام لا نهائية التحولات التي لا تعاش بالمتعة والمرح فحسب، وإنما تترافق مع القلق. فحضور الخوف والذعر في لوحات مثل "خشية" نابع من صعوبة تجربة التحول اللانهائي، بالأدق التنوع المقلق لمصير لا ينتهي، هو رحلة الفراشة في كل هذه التحولات. يتابع الباحث د. شحيد: "لطخات حمراء صفراء زرقاء تحمل غبار الحكايات البعيدة، تنقلها فراشة مهاجرة هنا، وتنقلب في لوحة أخرى جسدًا يراقصه شاب شبق يعزف فيه لحن الغموض، وتحبل بها امرأة في عمل ثان، ويصير جناحاها شفاهًا لقبلة في آخر". هذا التحول المستمر يقترح سؤال الأنا القلقة في العمل المعنون "من أنا؟". سؤال الشك، الضياع، يظهر على القماش بألوان زيتية تشكل جسدًا نسائيًا عالقًا ـ أو متحررًا من أعضاء الحشرة الفراشة. التعالق توالد، أو عملية صراع للتحرر، انفكاك جسدين أم اتحادهما، أم توهان عن الذات وخصوصية النوع، كبشر أو حشرة، كامرأة أم فراشة. العري هو الأجنحة، والشرنقة هي العمود الفقري.
في مشاركتها الشعرية، تكتب الفنانة نلسي مسعود في العلاقة مع الفراشة، وفي ما يتعلق بوجودها كإمكانية لطرح التساؤلات على الأنا:
"لقد حررت الدمى نفسها من قيود الشرنقة وتحولت إلى فراشة،
صمت
من أنت يا فراشة؟
لماذا تحضرين خلفي؟ هل أنت توقي العميق إلى الألم.
حرة، هشة، منيرة، حازمة، متوحدة، جميلة ومخيفة. هكذا تتبعت صوتك.
عبر الطبقات المتتالية لقماش اللوحة، أتلمس مشاعري بشفافية..
بحماسك وتجددك توقظين حب الرغبة باللهو الطفولي.
لا أرغب بإيذائك، بل فقط التواجد معك، بعد أن زلزلت كياني
لقد عشت عبرك، وعشت معك أيضًا.
لقد حملتك عاليًا، متحولةً إلى مئات الكائنات.
الرحلة كانت قاسية، منهكة، لكنها مثيرة،
كذلك هي مصائرنا، الآيلة إلى الموت الحتمي.
(من قصيدة بعنوان "رحلة، رحلة".. كتابة نلسي مسعود)
بالإضافة إلى نصها الشعري، تشارك النحاتة نلسي مسعود فنيًا أيضًا بجزء من المعرض، لتسهم في تحقيق الأبعاد الحكائية فيه، فأعمالها النحتية تقدم عالمًا من الشرانق الضخمة من مادة الليف تحتل الصالة العلوية للمعرض. هي تبني عالم حياة الفراشة بين الشرانق الليفية التي تشكل وعاءً لمرحلة التحول للفراشة، وتشكل العالم الطبيعي الذي يساعدها على إتمام تحولاتها البيولوجية والجنسية. فكما أن المواد هي التي تمنح الروح وجودها. وكما أن اليرقات تتحول إلى فراشات، فإن العمل الفني أيضًا يمكنه أن يصبح حكاية، أو سلسلة سيرة حياة. ولهذا فالكائن المختار في المعرض، أي الفراشة، تعبر في كل اللوحات ـ الحكايات، ومجموعة أعمال المعرض تحقق بتتاليها في ذهن المتلقي حكاية ببداية ونهاية، بحياة وموت، لكنها بمقدار حتمية نهايتها بمقدار القناعة باستعادتها وانبعاثها إلى ما لا نهاية.
هذه الرحلة برفقة الفراشة في البحث عن المعنى هو ما يميز شذرات محمود درويش الشعرية في قصيدته "أثر الفراشة":
أَثر الفراشة
أَثر الفراشة لا يُرَى
أَثر الفراشة لا يزولُ
هو جاذبيّةُ غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضحُ السبيلُ
(من قصيدة "أثر الفراشة".. محمود درويش)
التحولات العضوية كخلاص من التصنيفات الجنسية.. الفراشة واللوحة نموذجًا
كما في المقطع السابق من قصيدة محمود درويش، تتفتح تأويلات الشهوي، الجنسي، والجنساني، والشبقي في مساحات موضوعات المعرض. في اللوحات، تحرك الشهوة الشخصيات الإنسانية والحضور الفراشي، ويحدد الجنس طبيعة التزاوج والعلاقة مع الآخر، لكنه جنس متحول أيضًا عند الفراشة، فتركز الفنانة في مونولوج الفيديو المرافق في المعرض: "أنها لا امرأة ولا رجل، يمكن عم تحلم"، وكأن الحلم احتمال التحرر من التصنيفات الجنسية، لذلك يبدو من البديهي القول إن الفراشة كائن ممتاز لمعالجة الجنسانية. لكن الجانب الجنساني، كما الجانب الوجودي، لا يقتصر على معالجة الفنانة للكائنات، أو للحشرة، بل يحضر الشبق الإنساني في ذروة التحول الفراشاتي. تركز الفنانة في أكثر من عمل على تواصل جنسي، عملها بعنوان "The Kiss/ القبلة" عبارة عن خلفية رمادية محايدة تبدو صناعية تمتد على كامل مساحة اللوحة، وبصعوبة تكشف العين خطوط الحفر التي تشكل جذعين إنسانيين في حالة قبلة، إن الرمادي الصناعي المصمت يتعارض مع الحس العاطفي الطاغي في لحظة القبلة.
هنا يبدو أن للفراشة دورًا مختلفًا، هي فوق الرأسين المتقاربين داخل الشعر المنسدل عند الكتف، كأنها تبارك القبلة، أو حاميتها البريئة القدرة، وفي أكثر من لوحة تظهر الفراشة في مواضع مختلفة منهمكة في الأفعال، أو تحيط بها كحضور هامشي، أو مركزي. هذه الانتقالات من لوحة إلى أخرى تصنع حكاية ممتدة على رحلة لوحات المعرض التي تتنوع في تقنياتها بين الأقمشة الملصقة على سطح اللوحة، وبعضها بالحبر والألوان المائية.
عمل موسيقي مرافق للمعرض
بدأت الفنانة مشروع تحقيق عنصر موسيقي ـ سماعي يرافق الأعمال الفنية، وعمل الموسيقي خالد عمران على التأليف من خلال مرحلة من الحوارات والتواصل الفني والفكري في عملية صيرورة تحقيق اللوحات، ليقدم مقطوعة إلكترونية من الموسيقى الملموسة Concret من 24 دقيقة، تتألف من نقط صوتية تستمر في تحقيق العالم الغرائبي المرافق لعالم الفراشة، الطفو والسقوط، الامتداد والإيقاع، التنقيطية واللحنية، وتتخلل الموسيقى الممتدة لحنيًا وزمانيًا، تصريحات، أو مونولوجات الفنانة عن علاقتها بالفراشة، والتأثير الملهم والمثير للدهشة، وللقلق، في الوقت نفسه. يخبر خالد عمران: "حاولت تسجيل الأصوات خلال عملية الرسم التي تقوم بها الفنانة، وجمعت أصوات التلصيق، الحف، التلوين، أو ضربات الفرشاة. هذه الأصوات لعمليات الرسم، ويالأدق الأفعال اليومية الهامشية، هي ما تحقق كل العالم الصوتي والموسيقي الذي يصعب تخيل امتداده في محيط الفراشة الطبيعي".
أخيرًا، إن التأمل في النتاج الفني للفنانة عزة أبو ربعية خلال الفترة الأخيرة، بدءًا من معرضها الأول "أثر" (2018)، والثاني "على ذلك الخيط" (2019)، وصولًا إلى "توق" (2022)، ورغم التقارب الذي يمكن أن توحي به العناوين المختارة للمعارض الثلاثة، وميزة الحكائية التي تتشكل في اللوحة، وفي العلاقة بين لوحات المعرض، ككل، إلا أن لكل من المعارض المذكورة موضوعات ومقترحات فنية وجمالية وفكرية متغايرة.
ومع الجديد، في معرضها الحالي، تكتمل فكرة المتلقي عن فنانة في حالة من البحث المستمر، والتجريب المستمر، توقًا إلى تحقيق الفنون الجميلة، وطفوًا متواصلًا في فضاءات الإلهام بين العالم والذات.
علاء رشيدي 18 يونيو 2022
تشكيل
"جنازة الفراشة"، من معرض "توق" للفنانة عزة أبو ربعية
شارك هذا المقال
حجم الخط اللوحة كتوق الذات إلى رحلة الفراشة
لا تبدو مهمة كتابة الجديد حيال موضوعة "الفراشة" بمقدار مشاق تحقيق معرض فني يحمل ما هو مبتكر حولها، ويجمع اللوحة، الحفر، النحت والموسيقى. فمن الصعوبة للوهلة الأولى ابتكار الجديد الفني في معالجة هذا الكائن الذي طالما حضر في المخيلة الفنية عبر التاريخ.
في معرضها المقام حاليًا في "غاليري صالح بركات" في بيروت، بعنوان "توق.. 2022"، تكثف الفنانة عزة أبو ربعية المستويات الفنية والفكرية التي يمكن التنويع عليها في احتمالات التعامل التشكيلي والنفسي ـ الذاتي مع حضور الكائن المكثف في دلالاته، الفراشة. فانطلاقًا، من تجربة ذاتية عاشتها الفنانة تتعلق بحضور الفراشة الوجداني والذهني في بواطنها، عملت الفنانة بجهد متراكم للاستلهام التعبيري والفلسفي من كائن مفترض فنيًا كفراشة، ويفترض مجازيًا أنها التوق الإنساني إلى رحلة الكائن ـ الحشرة في تحولات الذات.
"الارتحال في تعبيرية اللوحات بين اليائس والحيوي، بين السكوني والحركي، بين المنعزل والمفرط في الانخراط، لا يقتصر على دورة الحياة العضوية للفراشة، وإنما تعالج اللوحات كل هذه المفاهيم على مستوى التعبير الإنساني" |
يتضمن البروشور الصادر والمرافق للمعرض مجموعة النصوص؛ النص النقدي بقلم ماتيلد أيوب، وثلاثة نصوص شعرية أحدها بعنوان "توق"، من كتابة الفنانة نفسها، ونص شعري ـ نثري آخر بقلم الباحث الدكتور نبراس شحيد، ونص شعري أخير بقلم الفنانة نلسي مسعود بعنوان "رحلة، رحلة". في النص الافتتاحي في بروشور الغاليري، توسع الكاتبة ماتيلد أيوب من رؤيتها لدور الفنانة في المعرض، بما يتجاوز الرسم، إلى "الإخراج المشهدي"، وحتى "محركة الدمى"، حسب تعابيرها. ذلك أن الفنانة نادرًا ما تستعمل الحبر والألوان المائية، بينما حققت لوحاتها ـ كائناتها من مادة القماش التوالي المتراكب على سطح اللوحة.
توازن الطفو والسقوط بين اللوحة والموسيقى
تفتتح الفنانة معرضها بشذرة شعرية بعنوان "توق":
تَوْق
أن أفعل كُّل شيء.. وكُّل شيء ...
أن أطير وأسقط.. وأضرب فأهرب..
أثور وأهدأ.. أعشق وأكره
(من قصيدة توق، عزة أبو ربعية).
إن الأفعال المذكورة في المقطع السابق من الطيران، السقوط، الارتطام، والهروب تحضر كأحداث في عدد من اللوحات. يبدو لنا الحضور البشري، أو الفراشاتي، في لوحة بعنوان "Awaiting/ انتظار"، وكأنه في حالة سكونية من الثبات على مستوى سطح الأرض. إن التداخل بين الأعضاء الإنسانية، والأطراف الفراشاتية، مع التراب الأرضي، يعبر عن العلاقة بين الإنسان ـ الكائن ـ الفراشة من جهة، وبين الطبيعة من جهة أخرى. هي علاقات تتأرجح في اللوحات بين الارتباط والارتهان. ورغم أن الثبات السكوني هو الإيحاء الطاغي في هذه اللوحة. في المقابل، تظهر لوحات أخرى باعتبارها تنويعة متعارضة، لوحة "Awaken/ الاستيقاظ الحيوي" تبين الحركة الممزوجة بالخفة، والجسد الطافي في حضور المكان من حوله. هذا الارتحال في تعبيرية اللوحات بين اليائس والحيوي، بين السكوني والحركي، بين المنعزل والمفرط في الانخراط، لا يقتصر على دورة الحياة العضوية للفراشة، وإنما تعالج اللوحات كل هذه المفاهيم على مستوى التعبير الإنساني أيضًا. يصور عمل بعنوان "Apprenhension/ الخشية؛ التخوف" حضورًا إنسانيًا انطوائيًا بتموضعه الجسدي، ويوحي بالتداخل بين الجسد الإنساني والشرنقة. تأخذ الفنانة هنا من الفراشة حالة القلق من التحول القادم المجهول. وفي لوحة مقابلة بعنوان "Re-Up/ أو الوقوف مجددًا؛ النهوض مجددًا" تحمل فيها فراشتين بأجنحتهما جسدًا نسائيًا من لوني الأبيض والأسود، يرتفع مطواعًا مع قوة دفع الفراشة التي تحمل من تحت الإبط، وكأنها في رقصة تانغو ثنائية.
توق الفراشة إلى ذاتها، صيرورة الولادة المكتملة بالموت:
أموت فأحيا.. أحمل وألد
أطير وأسقط.. أخاف وأثور
أرتجف وأدفأ.. أبكي وأضحك
هكذا هو إيقاع رفرفة أجنحتها!
أخذ ٌوردٌّ يصنعان مسار حركتها.
كنبضات قلب ولهفته، تّواق، عطش
لفعل كُل شيء واّللاشيء…
(من قصيدة توق، عزة أبو ربعية).
تحضر أيضًا في المعرض الموضوعات الفلسفية: الولادة؛، التشكل؛ التحول؛ التكون؛ ومن ثم الفناء، كما ذكر في النص التعريفي بالمعرض: (معرض توق يتناول المحاولات الفوضوية في محاولة الكائن الإنساني الوجود عبر الزمان والمكان، والتي تفضي به إلى تحولات مستمرة). هذه المراحل الكثيفة الدلالات في حياة الكائن "الفراشة" يعبر عنها فنيًا عبر لوحات المعرض. لوحة بعنوان "Rebirth/ الانبعاث" تمتزج فيها أعضاء الطيران، مثل الأجنحة، والذيل، مع جسد إنساني ضخم مكسو بالشعر، يحضر بضخامة تجعله عبئًا على الأجنحة الممتدة بألوان من تدرجات البني. وفي الإطار نفسه تتميز لوحة "مغامرة/ Adventure" بما ترصده من تفاصيل لحظة التحول، فالكتل التشكيلية تقترح على العين شرنقة في تحولها إلى فراشة، وامرأة في تحولها إلى الاستعراضية، وكذلك جسد في اكتسابه المزايا الذكورية والنسائية، فيتحول كيان الحشرة ـ الفراشة إلى عضو ذكري في أسفل امتداد اللوحة، الذي يبدو في الآن عينه عضوًا لامرأة ترتدي فستانًا متكلف الأناقة. إذًا، هي تحولات الكينوني، الحيواني، الجنساني، والإنساني.
الرسم بين المفرد والثنائي، والعزف بين الأنا والآخر
تتعدد الأعمال التي تحقق في محتواها حضورًا فرديًا وثنائيًا في الآن عينه، في عمل (روحان في جسد واحد) من حبر وألوان مائية، بأبعاد (31 * 70) سم، تمتد أشكال ثنائية تندمج بكيان أحادي، أو تتفرق الأعضاء المشكلة للجسد الواحد إلى انقسام ثنائي. وفي سلسلة سكيتشات بعنوان "التحولات" ينقسم الجسد الإنساني، فتتحول اليرقات إلى عشاق بشريين، فتكتسب الهيئات الفراشية شغف القبلة، وإيحاء التقارب الجنسي الإنساني، فاللقاء بين الجسدين يتم عند الشفاه، وتحت الركبة، هي عملية الانقسام الذاتي، والولادة الثنائية، في الآن عينه. الفعل الجنسي في الانفصال والاتحاد، وينتقل الشغف في معرض الفنانة من الإنساني إلى العضوي، من الشهوة الجسدية، إلى غاية البقاء التزاوجية.
"في لوحة "Rebirth/ الانبعاث"، تمتزج أعضاء الطيران، مثل الأجنحة، والذيل، مع جسد إنساني ضخم مكسو بالشعر، يحضر بضخامة تجعله عبئًا على الأجنحة الممتدة بألوان من تدرجات البني" |
يكتب الباحث نبراس شحيد نصًا أدبيًا مرافقًا لبروشور المعرض: "فتاة فتحت ذراعيها وصرخت. فراشة عابرة اجتاحتها. لم تكن الفتاة تعرف أن لرفرفة الجناحين زلزالًا، وأن الفراشة على الرغم من هشاشتها مخيفة. فكل من تزوره لا بد من أن يتشرنق، أن يتمزق، أن يتحول. جناحاها جسمان يتعانقان هنيهة ثم ينفصلان، تحولات عدة، ذكر في أنثى، وأنثى في ذكر". إنها التفاعلية التأثيرية بين الزائرة الفراشة والمستقبلة الفتاة. وكما أي لقاء بين الأصلي والطارئ، فإن احتمالات التأثر والتأثير حتمية. وجود أي كائن يفرض على الذات أخرويتها، إنها علاقة التداخل بين الذات والغير، بين الأنا ووجود الآخر. وهذا ما يحيلنا إلى الحكاية الشهيرة للفيلسوف الصيني جوانغ زي أبرز الفلاسفة الصينيين ما بعد كونفوشيوس، والذي كتب في التعبير عن الوجود والوهم، عن الذات والآخر، وعن الإنسان والفراشة: "رأيت أنا جوانغ زي مرة في منامي أني فراشة ترفرف بجناحيها في هذا المكان وذاك، أني فراشة حقًا من جميع الوجوه. ولم أكن أدرك شيئًا أكثر من تتبعي لخيالاتي التي تشعرني بأني فراشة. أما ذاتيتي الإنسانية فلم أكن أدركها قط. ثم استيقظت على حين غفلة، وها أنذا منطرح على الأرض رجلًا كما كنت، ولست أعرف الآن هل كنت في ذلك الوقت رجلًا يحلم بأنه فراشة، أو أنني الآن فراشة تحلم بأنها رجل".
أمام كل هذه الجدليات، التحولات، الاحتمالات المتعارضة أحيانًا التي تكتنفها فكرة الفراشة، فإن سؤال الأنا يصبح جوهريًا، خصوصًا أمام لا نهائية التحولات التي لا تعاش بالمتعة والمرح فحسب، وإنما تترافق مع القلق. فحضور الخوف والذعر في لوحات مثل "خشية" نابع من صعوبة تجربة التحول اللانهائي، بالأدق التنوع المقلق لمصير لا ينتهي، هو رحلة الفراشة في كل هذه التحولات. يتابع الباحث د. شحيد: "لطخات حمراء صفراء زرقاء تحمل غبار الحكايات البعيدة، تنقلها فراشة مهاجرة هنا، وتنقلب في لوحة أخرى جسدًا يراقصه شاب شبق يعزف فيه لحن الغموض، وتحبل بها امرأة في عمل ثان، ويصير جناحاها شفاهًا لقبلة في آخر". هذا التحول المستمر يقترح سؤال الأنا القلقة في العمل المعنون "من أنا؟". سؤال الشك، الضياع، يظهر على القماش بألوان زيتية تشكل جسدًا نسائيًا عالقًا ـ أو متحررًا من أعضاء الحشرة الفراشة. التعالق توالد، أو عملية صراع للتحرر، انفكاك جسدين أم اتحادهما، أم توهان عن الذات وخصوصية النوع، كبشر أو حشرة، كامرأة أم فراشة. العري هو الأجنحة، والشرنقة هي العمود الفقري.
في مشاركتها الشعرية، تكتب الفنانة نلسي مسعود في العلاقة مع الفراشة، وفي ما يتعلق بوجودها كإمكانية لطرح التساؤلات على الأنا:
"لقد حررت الدمى نفسها من قيود الشرنقة وتحولت إلى فراشة،
صمت
من أنت يا فراشة؟
لماذا تحضرين خلفي؟ هل أنت توقي العميق إلى الألم.
حرة، هشة، منيرة، حازمة، متوحدة، جميلة ومخيفة. هكذا تتبعت صوتك.
عبر الطبقات المتتالية لقماش اللوحة، أتلمس مشاعري بشفافية..
بحماسك وتجددك توقظين حب الرغبة باللهو الطفولي.
لا أرغب بإيذائك، بل فقط التواجد معك، بعد أن زلزلت كياني
لقد عشت عبرك، وعشت معك أيضًا.
لقد حملتك عاليًا، متحولةً إلى مئات الكائنات.
الرحلة كانت قاسية، منهكة، لكنها مثيرة،
كذلك هي مصائرنا، الآيلة إلى الموت الحتمي.
(من قصيدة بعنوان "رحلة، رحلة".. كتابة نلسي مسعود)
بالإضافة إلى نصها الشعري، تشارك النحاتة نلسي مسعود فنيًا أيضًا بجزء من المعرض، لتسهم في تحقيق الأبعاد الحكائية فيه، فأعمالها النحتية تقدم عالمًا من الشرانق الضخمة من مادة الليف تحتل الصالة العلوية للمعرض. هي تبني عالم حياة الفراشة بين الشرانق الليفية التي تشكل وعاءً لمرحلة التحول للفراشة، وتشكل العالم الطبيعي الذي يساعدها على إتمام تحولاتها البيولوجية والجنسية. فكما أن المواد هي التي تمنح الروح وجودها. وكما أن اليرقات تتحول إلى فراشات، فإن العمل الفني أيضًا يمكنه أن يصبح حكاية، أو سلسلة سيرة حياة. ولهذا فالكائن المختار في المعرض، أي الفراشة، تعبر في كل اللوحات ـ الحكايات، ومجموعة أعمال المعرض تحقق بتتاليها في ذهن المتلقي حكاية ببداية ونهاية، بحياة وموت، لكنها بمقدار حتمية نهايتها بمقدار القناعة باستعادتها وانبعاثها إلى ما لا نهاية.
هذه الرحلة برفقة الفراشة في البحث عن المعنى هو ما يميز شذرات محمود درويش الشعرية في قصيدته "أثر الفراشة":
أَثر الفراشة
أَثر الفراشة لا يُرَى
أَثر الفراشة لا يزولُ
هو جاذبيّةُ غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتَّضحُ السبيلُ
(من قصيدة "أثر الفراشة".. محمود درويش)
التحولات العضوية كخلاص من التصنيفات الجنسية.. الفراشة واللوحة نموذجًا
كما في المقطع السابق من قصيدة محمود درويش، تتفتح تأويلات الشهوي، الجنسي، والجنساني، والشبقي في مساحات موضوعات المعرض. في اللوحات، تحرك الشهوة الشخصيات الإنسانية والحضور الفراشي، ويحدد الجنس طبيعة التزاوج والعلاقة مع الآخر، لكنه جنس متحول أيضًا عند الفراشة، فتركز الفنانة في مونولوج الفيديو المرافق في المعرض: "أنها لا امرأة ولا رجل، يمكن عم تحلم"، وكأن الحلم احتمال التحرر من التصنيفات الجنسية، لذلك يبدو من البديهي القول إن الفراشة كائن ممتاز لمعالجة الجنسانية. لكن الجانب الجنساني، كما الجانب الوجودي، لا يقتصر على معالجة الفنانة للكائنات، أو للحشرة، بل يحضر الشبق الإنساني في ذروة التحول الفراشاتي. تركز الفنانة في أكثر من عمل على تواصل جنسي، عملها بعنوان "The Kiss/ القبلة" عبارة عن خلفية رمادية محايدة تبدو صناعية تمتد على كامل مساحة اللوحة، وبصعوبة تكشف العين خطوط الحفر التي تشكل جذعين إنسانيين في حالة قبلة، إن الرمادي الصناعي المصمت يتعارض مع الحس العاطفي الطاغي في لحظة القبلة.
"مجموعة أعمال المعرض تحقق بتتاليها في ذهن المتلقي حكاية ببداية ونهاية، بحياة وموت، لكنها بمقدار حتمية نهايتها بمقدار القناعة باستعادتها وانبعاثها إلى ما لا نهاية" |
هنا يبدو أن للفراشة دورًا مختلفًا، هي فوق الرأسين المتقاربين داخل الشعر المنسدل عند الكتف، كأنها تبارك القبلة، أو حاميتها البريئة القدرة، وفي أكثر من لوحة تظهر الفراشة في مواضع مختلفة منهمكة في الأفعال، أو تحيط بها كحضور هامشي، أو مركزي. هذه الانتقالات من لوحة إلى أخرى تصنع حكاية ممتدة على رحلة لوحات المعرض التي تتنوع في تقنياتها بين الأقمشة الملصقة على سطح اللوحة، وبعضها بالحبر والألوان المائية.
عمل موسيقي مرافق للمعرض
بدأت الفنانة مشروع تحقيق عنصر موسيقي ـ سماعي يرافق الأعمال الفنية، وعمل الموسيقي خالد عمران على التأليف من خلال مرحلة من الحوارات والتواصل الفني والفكري في عملية صيرورة تحقيق اللوحات، ليقدم مقطوعة إلكترونية من الموسيقى الملموسة Concret من 24 دقيقة، تتألف من نقط صوتية تستمر في تحقيق العالم الغرائبي المرافق لعالم الفراشة، الطفو والسقوط، الامتداد والإيقاع، التنقيطية واللحنية، وتتخلل الموسيقى الممتدة لحنيًا وزمانيًا، تصريحات، أو مونولوجات الفنانة عن علاقتها بالفراشة، والتأثير الملهم والمثير للدهشة، وللقلق، في الوقت نفسه. يخبر خالد عمران: "حاولت تسجيل الأصوات خلال عملية الرسم التي تقوم بها الفنانة، وجمعت أصوات التلصيق، الحف، التلوين، أو ضربات الفرشاة. هذه الأصوات لعمليات الرسم، ويالأدق الأفعال اليومية الهامشية، هي ما تحقق كل العالم الصوتي والموسيقي الذي يصعب تخيل امتداده في محيط الفراشة الطبيعي".
أخيرًا، إن التأمل في النتاج الفني للفنانة عزة أبو ربعية خلال الفترة الأخيرة، بدءًا من معرضها الأول "أثر" (2018)، والثاني "على ذلك الخيط" (2019)، وصولًا إلى "توق" (2022)، ورغم التقارب الذي يمكن أن توحي به العناوين المختارة للمعارض الثلاثة، وميزة الحكائية التي تتشكل في اللوحة، وفي العلاقة بين لوحات المعرض، ككل، إلا أن لكل من المعارض المذكورة موضوعات ومقترحات فنية وجمالية وفكرية متغايرة.
ومع الجديد، في معرضها الحالي، تكتمل فكرة المتلقي عن فنانة في حالة من البحث المستمر، والتجريب المستمر، توقًا إلى تحقيق الفنون الجميلة، وطفوًا متواصلًا في فضاءات الإلهام بين العالم والذات.