أكَّدت دراسةٌ علميَّة أنَّ الطّلاب الذين يستخدمون أقلامَهم لتدوين الملاحظات يتذكَّرون بشكلٍ أفضلَ من أولئك الذين يسجِّلون الملاحظاتِ باستخدام الحاسوب المحمول (Laptop)، كما أنَّهم يدركون أكثر ماهيَّةَ ما يدوِّنونه.
فكيف جرت هذه الدراسة؟ وماهي نتائجُها وأبعادُها؟
ينتشرُ اعتقادُ أنَّ «الأكثر هو الأفضل» في الكثير من مجتمعاتِنا وكذلك بين أوساطِ الطلابِ الذين ينطلقون منه للجزم بأنَّ استخدامَ جهازِ الكمبيوتر المحمول يعزِّزُ أداءَهم الأكاديمي، حيث يرونَ أنَّ استخدامَ جهاز الكمبيوتر المحمول داخل غرفةِ الصَّف يمكِّنُهُم من الانخراط داخلَ نشاطات عدَّة على الإنترنيت، والتعاونِ بسهولةٍ أكبر لإتمامِ مشاريعَ وأوراقٍ بحثيَّةٍ، ومن البحث عن المعلوماتِ المتعلِّقةِ بدروسِهِم عبر الشبكةِ العنكبوتيَّةِ «الإنترنيت» وكذلك من تدوينِ معلوماتٍ أكثر خلال تلقِّيهم محاضرةٍ معيَّنة.
ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الطلابَ الذين يستخدمون جهازَ الكمبيوتر المحمول داخلَ غرفةِ الصَّفِ يسجلِّون كميَّةً أكبر من المعلوماتِ مقارنةً بأولئك الذين يستخدمون أقلامَهم لتدوينِ هذه المعلومات، ويعود هذا الفارقُ إلى أنَّ غالبيَّةَ الطلَّاب أسرع في الطباعةِ على لوحةِ المفاتيح من الكتابةِ باستخدامِ أقلامِهم.
بالإضافةِ إلى أنَّ معظمِ الطلاب الذين يسجِّلون الملاحظات باستخدام جهازِ الكمبيوتر المحمول يدوِّنون حرفيَّا ما قاله المحاضِر بدءًا مِن أوَّلِ كلمةٍ صدرت منه وحتَّى آخر كلمة.
وفي الوقتِ الذي يعتقد فيه معظمُ الطلَّابُ أنَّ التدوينَ الحرفيَّ للمحاضرةِ يساعدُهم أكثر على المراجعةِ والاستعدادِ للامتحاناتِ لاحقًا، إلا أنَّ الحقيقةَ ليست كذلك!
فقد أكَّدت دراسةٌ أجراها الباحثان «بام مولر – Pam Mueller» و«دانيال أوبنهايمر – Daniel Oppenheimer» أنَّ الطلاب الذين يًدَوِّنون الملاحظات باستخدامِ أقلامِهم يتعلَّمون بشكلٍ أفضل من أولئك الذين يستعينون بجهازِ الكمبيوتر المحمول لإتمامِ ذلك.
مراحل الدراسة:
أجرى الباحثان «بام مولر» و«دانيال أوبنهايمر» ثلاث تجاربٍ على مجموعتين مختلفتين من الطلاب.
طلب الباحثان من مجموعة أولى تدوين المعلومات باستخدام جهازِ الكمبيوتر المحمول، بينما طلبا من المجموعة الثانيةِ تدوين الملاحظات باستخدام أقلامِهم.
راقبَ الباحثان عدَّة معايير: القدرةُ على التذكر، والقدرةُ على تجميع المعلوماتِ، والقدرةُ على الفهمِ الإدراكي للمحتوى المسجَّل وكذلك القدرة على تلخيص وإعادة صياغة المحتوى المسجَّل.
قارن الباحثان بين معايير المجموعة الأولى ومعايير المجموعة الثانية.
نتائجها:
وجد الباحثان أنَّ كميَّة المعلومات المسجَّلة من قِبَل المجموعةِ الأولى (المجموعة التي دوَّنت المعلومات باستخدام جهازِ الكمبيوتر المحمول) كانت أكبر من كميَّة المعلوماتِ المسجَّلةِ من قِبَل المجموعةِ الثانية (المجموعة التي دوَّنت المعلومات باستخدام أقلامِها).
ولكنَّ طلابَ المجموعةِ الثانية كانوا أكثر قدرةً على الفهمِ التصوري (Conceptual Understanding) وكذلك كانوا أكثر نجاحًا في تطبيق ودمجِ المواد من طلاب المجموعةِ الأولى.
كيف يمكن تفسير هذه النتيجة؟
يفترضُ الباحثان «بام مولر» و«دانيال أوبنهايمر» أنَّ تدوينَ المعلوماتِ باستخدامِ القلمِ يتطلَّبُ نوعًا من العمليَّاتِ المعرفيَّةِ (Cognitive processing) يختلفُ عن النوعِ الذي يتطلبه التدوين عبر استخدامِ جهازِ الكمبيوتر المحمول، وتختلفُ انعكاساتُ هذه العمليات المعرفية على التعلم.
فتسجيلُ الملاحظاتِ باستخدام القلمِ أبطأ من تدوينها باستخدامِ جهازِ الكمبيوتر المحمول وهو لا يمكِّنُ الطلاب من تدوينِ كلِّ ما يقولُه المحاضِر ولكنَّه يجبرُهم على الإصغاء لهذه المعلوماتِ بغية فهمِها وتلخيصِها وتدوينِ جوهِرها، وفي هذه العملية تنشيطٌ لمناطقَ في الدماغ لا ينشِّطُها تسجيل المعلومات حرفيًّا وكلمة كلمة عبر استخدامِ جهازِ الكمبيوتر المحمول، حيث يكونُ التركيزُ على سرعةِ التدوين ويكونُ الحرصُ مركَّزًا على عدم غيابِ أيِّ كلمة دون الالتفاتِ لأهميَّةِ فهم الكلماتِ المسموعةِ بما يشبه عملَ الآلة.
وهذا ما يقودُنا إلى الجزم أنَّ تدوينَ الملاحظاتِ باستخدامِ القلب يعزِّزُ عمليَّةَ الفهمِ والاحتفاظِ بالمعلوماتِ المفهومةِ لوقتٍ أطول داخل الدماغ.
هل توقَّف الباحثان عند هذا الحد؟
بالطبع لا، فقد اختبر الباحثان «بام مولر» و«دانيال أوبنهايمر» النظريَّةَ التي توصَّلا إليها على مئاتِ الطلاب من جامعة «برنستون» ومن جامعة «كاليفورنيا – لوس أنجلوس» (University of California, Los Angeles – UCLA)، وقد تنوَّعت مواضيع المحاضرات التي تلقَّاها هؤلاء الطلاب فَشَملت الخبز، الخفافيش، المعتقد، الخوارزميَّات، التنفُّس والاقتصاد.
وبعد تحليلِ محتوى الملاحظات التي سجَّلها هؤلاء الطلاب، وجد الباحثان «مولر» و«أوبنهايمر» أنَّ الطلاب الذين استخدموا جهازَ الكمبيوتر المحمول استطاعوا تسجيل كميَّةٍ من المعلومات تفوق الكميَّة التي استطاع تسجيلها الطلابُ الذين استعانوا بأقلامِهم.
وكذلك فقد ارتبط التسجيل الحرفي للمحاضرة مع انخفاضِ القدرةِ على تحليل محتواها، وقد أظهر الطلاب الذين استخدموا جهاز الكمبيوتر المحمول قدرةً عاليةً على الإعادةِ الحرفيَّةِ للمعلوماتِ المسجَّلة، لكنَّ هذه القدرة العالية كانت مترافقة مع انخفاضِ القدرةِ على تحليلِ المعلوماتِ المدوَّنة وإتمامِ الوظائفِ التي تتطلَّبُ مهاراتٍ عقليَّةٍ عالية والمتعلِّقة بتطبيق هذه المعلومات.
وهذا ما دفع الباحثان إلى حث مستخدمي جهاز الكمبيوتر المحمول على تلخيصِ المعلوماتِ وفهمِها وتدوين المفهوم بدلًا من التدوين الحرفي للمعلومات دون التفكيرِ بها، ولكنَّ النتائج لم تظهر أيَّ اختلافٍ واضحٍ في النقل الحرفي للمعلوماتِ بين الطلاب الذين تلقوا هذه النصيحة وبين الطلاب الذين لم يتلقوا هذه النصيحة، ومن الممكن أن يكونَ سبب فشلِ هذه النصيحة الاتجاه التلقائي لتسجيل المعلومات حرفيًّا دون التفكيرِ بِها عند استخدامِ جهازِ الكمبيوتر المحمول.
وتجدر الاشارة إلى أنَّ أغلب الدراسات التي قارنت بين جدوى تدوين الملاحظات باستخدامِ جهازِ الكمبيوتر المحمول أو باستخدام القلم قد استخدمت اختبارات الذاكرة القصيرة بعد مدة قصيرة من حصة التعلم (عادة أقل من ساعة) في حين أنَّ الاختبارات الجامعيَّة لا تجرى عادةً بعد هذه المدة القصيرة نسبيًّا بل بعد حوالي أسابيع من انتهاء عمليَّة التعلم وهذا ما يعطي مَن يستخدم جهاز الكمبيوتر المحمول ميزة القدرة على الرجوع للمعلومات المدوَّنة حرفيًّا عند الاستعدادِ لهذه الاختبارات.
هل كانت الملاحظة الأخيرة صحيحة؟
كلا، لم تكن كذلك!
فقد أعاد الباحثان «مولر» و«أوبنهايمر» دراسة المقارنة، ولكنَّهما أجريا الاختبارات بعد حوالي أسبوع من انتهاء عمليَّة التعلّم وما صاحبها من تدوينٍ للملاحظات لإعطاء المشاركين فرصة مراجعة المعلومات التي دوَّنوها (سواء عبر الاستعانة بجهاز الكمبيوتر المحمول أو عبر استخدام القلم) قبل الامتحان التقييمي.
واستنادًا إلى أنَّ الطلاب الذين دوَّنوا الملاحظات باستخدام جهازِ الكمبيوتر المحمول لم يكونوا بحاجةٍ لاستخدامِ عباراتِهم الخاصَّة التي تلخِّصُ المحتوى بل كانوا قادرين على الاطلاع على المحاضرة كما هي (دون أيَّة إضافة أو نقصان) متى أرادوا، وكذلك استنادًا إلى أنَّ الطلاب الذين سجَّلوا الملاحظات مستعينين بأقلامهم قد اضطروا إلى فهم المعلومات كليًّا تمهيدًا لكتابة تلخيصها باستخدام عباراتِهم الخاصَّة، فإنَّ علاماتِ الفريقِ الأوَّل على الأسئلة التي تتطلَّبُ الفهمَ، التحليل والإدراك كانت متدنيَّةً جدًّا.
لِماذا قام الباحثان «مولر» و«أوبنهايمر» بفصل الإنترنيت عن أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاصَّة بالطلاب الذين استهدفتهم الدراسة؟
يجزمُ الباحثان «مولر» و«أوبنهايمر» بأنَّ استخدام جهاز الكمبيوتر المحمول خلال عمليَّةِ التعلُّم يشكلُّ تهديدًا حقيقيَّا ويؤثِّر سلبًا على النتائج المحقَّقة، إذ تبيِّنُ الدراساتُ أنَّ الطلابَ يقضون حوالي 40% من وقتهم في المشاركة في ألعاب ونشاطاتٍ مختلفةٍ عبر الإنترنيت غير مرتبطة بعمليَّة التعلُّم.
وقد بيَّنت دراسةٌ استهدفت طلاب كليَّة الحقوق أنَّ حوالي 90% من الطلاب الذين شملتهم الدراسة شاركوا عبر الانترنيت في نشاطاتٍ غيرِ مرتبطةٍ بعمليَّةِ التعلُّم ولو لمدَّة خمس دقائق فقط وهذا ما أدَّى إلى انخفاضِ درجاتِهِم.
خلاصة واستنتاج:
تُقدّم التكنولوجيا العديدَ من الطرقِ والأدواتِ الإبداعيَّةِ التي تدفعُ بالطلابِ قُدُمًا خلال العمليَّة التعلميَّة، إذ غالبًا ما تكونُ هذه الأدواتُ إيجابيَّةً وديناميكيَّة.
ولكنَّ الأبحاث التي قام بها «مولر» و«أوبنهايمر» قد أكَّدت لنا أنَّه حتى وإن سمحت لنا التقنيَّات التكنولوجية المختلفة بإنجاز مهمَّاتنا بوقتٍ أقل إلا أنَّها لا تعزِّزُ التعليمَ دائمًا.
فالعمليَّةُ التعلميَّةُ لا تقتصرُ فقط على جمعِ واستذكارِ المعلومات، بل تتعدَّى ذلك لتشمل التحليل والفهم والتطبيق، فإذا أردنا طلّابًا يتمتعون بقدراتٍ تحليليَّةٍ عالية، وكذا بالقدرة على الربط، الاستنتاج، التركيبِ، الإبداعِ وتطبيق المعلوماتِ والمعارفِ المكتسبة حال تعرُّضِهم لحالاتٍ جديدة، كان لزامًا علينا أن ندرِّبَهم على هذه المهاراتِ لكي يمتلكوها ويكونوا قادرين على التكيّف وبالتالي علينا التركيز على النوعيَّةِ لا الكميَّة علَّنا نسمو بوطننا العربيِّ نحو القِمة والازدهار.
المصدر:.ibelieveinsci