الإنتاج السينمائي التونسي يجب تحريره من المكاتب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإنتاج السينمائي التونسي يجب تحريره من المكاتب

    قرن من السينما وقرن من المشاكل والتحديات


    الإنتاج السينمائي التونسي يجب تحريره من المكاتب وأروقة الوزارة المكتظة بالدخلاء والمنتفعين وأشباه الموهوبين.
    السبت 2022/12/31
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    من حق التونسيين سينما دائمة

    تقليد جميل ومحمود أن تحتفل العائلة السينمائية في تونس هذه الأيام، بمرور مئة عام على عرض فيلم “زهرة” كأوّل شريط روائي قصير أنجزه التونسي ألبير شمامة شكلي، عام 1922، وتتولى وزارة الثقافة إعادة عرضه في نسخة مرممة من طرف المكتبة السينمائية ببولونيا.

    خطوة تبدو في ظاهرها حضارية ولطيفة أن تتولى وزيرة الثقافة التونسية حياة قطاط القرمازي تكريم عدد من العارضين السينمائيين المتجولين في القرى والبلدات التونسية في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، والذين كان لهم الفضل في المساعدة على نشر الثقافة السينمائية في كامل ربوع البلاد، لكن أين ما ينفع السينما والسينمائيين الآن وهنا؟

    هذه الاستذكارات وما يرافقها من معارض وتكريمات، تشكل التفاتة لا بد منها نحو ماض سينمائي تفخر به البلاد، ويجعل جيل السينمائيين الشبان يشعر بأن له جذورا ولا يطفو فوق صفحات المياه الآسنة، ولكن أين هذا الجيل السينمائي الجديد، ماذا أنجز وماذا قدمت له وزارة الثقافة التي تبدو أشبه بهيئة إحياء التراث أكثر منها جهة فاعلة ومخصبة ومحرضة على الإنتاج الشبابي.

    ليس مطلوبا من وزارة الثقافة طبعا أن تكون جهة منتجة وممولة وداعمة لكل من “تخول له نفسه تقديم شيء يسميه سينما”، خصوصا أن عدد من يُحسبون على السينما، ويقدمون أنفسهم كمخرجين شبان، قد تضاعف في السنوات الأخيرة بشكل لافت ومحير أحيانا.

    كما أنه ليس من الوجاهة ولا المنطق أن تلعب الوزارة دور المنتج والمسوق والمقتني لأفلام الشباب، فإنها بالمقابل ليست “تكية” تمنح المال العام والعائدات من دافعي الضرائب إلى كل من يحك رأسه ويتقدم إليها بـ”شخبطات” وهذيانات” يسميها سيناريوهات أفلام ثم الجميع يشكك في نزاهة لجان الإشراف وكفاءتها، فما العمل؟


    حضرنا في المهرجانات والملتقيات أشباه أفلام تحتفي بالضحالة والركاكة، ولا يمتلك أصحابها أبسط الأبجديات السينمائية، ومع ذلك حظيت بالدعم وشراء العروض من قبل الوزارة. هذا عداك عن الذين قبضوا المال ثم اختفوا ليصرفوا تلك المستحقات على شؤونهم الخاصة، وقد اطمئنوا أن لا جهات قانونية تلاحقهم، فـ”المال الداشر يعلم الآخرين على السرقة” كما يقولون.

    الغاية إذن، ليست في الكم الذي يختفي في زحمته عدد هائل من الشعوذات والمشاريع الخلّبية والسيناريوهات الملفقة بل في الكيف، والعناية بالنوع الذي ينبغي أن تشرف عليه لجان وهيئات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والاستقامة. وهذا هو السؤال.

    الحقيقة أن هذه المعضلة لم تجد لها حلا شافيا منذ سنوات، وتستمر الآن في المزيد من التعقيد والتجاذبات بين أهل الشأن. وبات جميع أصحاب المهنة يدركون أن الإشراف المباشر من القطاع العام على السينما، والثقافة ككل، هو الذي يصيب بالعقم ويؤثر على دورة الإنتاج، وذلك لكثرة البيروقراطية وتفشي الفساد والمحسوبية، وزاد عن ذلك أن بعضهم يتهم الوزارة بغلق أبواب التمويل أجنبية ومصادرها دون مبرر.

    الأمثلة على هذا كثيرة ومتنوعة في تونس والعالم العربي، لذلك اقتضى التركيز على القطاع الخاص وهو ضعيف وخجول بطبعه، بالإضافة إلى جهات عمومية ليست من صلب وزارة الثقافة والقطاع السينمائي، مع صناديق الدعم الدولية المختلفة، وهي كثيرة وتحتوي على بعض النزاهة، دون أن تهمل شروطها وخياراتها طبعا.

    السينما فن يمكن أن يستثمر فيه الجميع من قطاعات عامة وخاصة، وجهات محلية وأجنبية، لذلك ينبغي أن تتسع فيه الرؤية وتكسر دوائر الاحتكار المغلقة، وتقع الاستفادة من الكفاءات الحقيقية، لا من فئات المنتفعين والبيروقراطيين وضعاف الموهبة.

    وبالعودة إلى وزارة الثقافة التونسية التي تعتزم إقامة مئوية السينما التونسية بجملة إجراءات وفعاليات وقرارات حاسمة، لا باحتفاليات مكررة ومحنطة، فإن الأجدر بها أن تنفض غبار الرتابة، وتضخ دماء جديدة في اللجان المشرفة والمسؤولة، لا أن تتوكأ على نفس الحيطان المتداعية، وتستعين بذات الأسماء المكرسة.



    برنامج الاحتفالية بمئوية السينما التونسية جاء مبشرا هذا العام، فوفق ما أكدته وزارة الثقافة ستتواصل قافلة “على خطى شمامة شكلي” في مناطق التصوير الأجنبي بمناطق الجنوب التونسي مثل دوز، مطماطة وجزيرة جربة، وذلك بالاشتراك مع الجمعية التونسية للطيران المدني من الخامس والعشرين إلى الثلاثين من ديسمبر الحالي.

    وتستمر الاحتفالية سنة كاملة، مما ينشط السياحة الداخلية ويشرك قطاعات أخرى، وبذلك يكون الإنتاج السينمائي التونسي قد بدأ يتحرر شيئا فشيئا من المكاتب وأروقة الوزارة التي تكتظ بالدخلاء والمنتفعين وأشباه الموهوبين.

    أمام هذه الخطوة التي تبدو إلى حد الآن شكلانية، ومازلنا “لا نعرف خيرها من شرها” كما يقال، تُسجل ضد وزيرة الثقافة التونسية عدة نقاط سلبية من شأنها أن تؤثر سلبا على الإنتاج السينمائي التونسي الذي شهد تقدما في السنوات الأخيرة، ومن أخطرها في نظر الكثيرين أنها ألغت الدورة السنوية لأيام قرطاج السينمائية وعادت بها القهقرى وقررت تنظيم المهرجان كل سنتين.

    وفي هذا الإطار، يقول المنتج السينمائي التونسي المعروف الحبيب بالهادي، بأن الوزيرة، بفعلتها هذه، ضربت عرض الحائط بموقع المهرجان على خارطة المهرجانات العربية والأفريقية غير عابئة بما سيحدث جراء هذا الغياب من فقدان المكانة التي وصلت إليها أيام قرطاج السينمائية لدى جيل جديد من السينمائيين في المنطقة العربية والأفريقية.

    وحذر بالهادي مما وصفه “اليتم الذي سينجرّ عن غيابه لسينمائيينا الشباب الذين تدافعوا على إبداع أفلام مجددة وهم في حاجة إلى مهرجان سنوي كبير ليقدموا أفلامهم الغزيرة”، مذكرا بأننا اليوم “أصبحنا ننتج أكثر من ثمانين فيلما في السنة ونحن في حاجة إلى مهرجان دولي سنوي وكان على الوزيرة قبل اتخاذ القرار، فتح ورشة عمل تتناول وضعية المهرجان أو حتى الاطلاع على بعض أفكار الذين سبقوها” على حد قوله.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حكيم مرزوقي
    كاتب تونسي
يعمل...
X