نساء محاصرات بعلاج نفسي يفقدهن السيطرة على الحواس
فيلم "المنوم المغناطيسي".. دراما نفسية بطلها طبيب ماكر.
الأحد 2021/12/05
شخصيات متقابلة لكل منها هدفه
قد لا تتسع الدراما الفيلمية في بعض الأحيان إلى تداخل أنواع سينمائية متعددة، لكنها في كل الأحوال أحد الحلول التي يلجأ إليها السينمائيون لاستقطاب المزيد من الجمهور الذي سوف يجد تنوّعا ماثلا أمامه يتمثل في خطوط سردية متعددة وتحولات في الدراما الفيلمية كما هو الحال في فيلم “المنوم المغناطيسي”.
مع تداخل الأنواع السينمائية نجد أنه لا نوعا سينمائيا هو المتسيد في بعض الأفلام، وهو ما ينطبق على فيلم “المنوم المغناطيسي”، الذي نحن بصدده الآن للمخرجين مات أنغيل وسوزان كوت.
فالإشكالية الأولى التي سوف نكون في مواجهتها أن الفيلم يتحدث عن شخصيات واقعية ونسق اجتماعي محدد هو الذي سوف تنشأ وتتطور فيه تلك الدراما ومجمل الخطوط السردية في هذا الفيلم، وذلك من خلال شخصيات سيكون لقاؤها سببا في إيجاد طريقة تقليدية في السيناريو في التعريف بالشخصيات الرئيسية، وهو شكل ملفت وأقرب إلى تقديم الممثلين الرئيسيين على خشبة المسرح، بينما المعتاد هو الكشف عن الشخصيات تباعا ولأسباب شتى وتثبت أن الشخصيات عندها ما يكفي من الأسباب لكي يتم إظهارها بهذا الشكل.
وواقعيا فإن جين أو جينيفر (الممثلة كايت سيغيل) هي الشخصية الرئيسية التي من خلالها سوف نتعرف على الشخصيات الرئيسية والأكثر أهمية في هذا الفيلم، ومعلوم أن كايت سيغيل هي ممثلة لها حضور متميز في العشرات من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي شاركت فيها، وهي علاوة على كونها ممثلة كاتبة للسيناريو ومنتجة (مواليد 1982) وعرفت بتعاونها السابق مع زوجها المخرج مايك فلانغان وكنا قد شاهدناها في آخر أعمالها في مسلسل “قدّاس منتصف الليل” الذي عرض مؤخرا من خلال منصة نتفليكس، وقد قدمت في ذلك المسلسل أداء متميزا لم يعتمد قط على إغراءات جسدية أو مواصفات تعودت نجمات السينما والمسلسلات التلفزيونية على استخدامها لغرض الترويج لأنفسهن، بينما كان أداء كايت هو الذي ميّزها بشكل كبير.
في فخ الدكتور ميد
جينيفر في هذا الفيلم فتاة شابة خرجت توا من علاقة فاشلة ربطتها مع برايان (الممثل جيم كالكا) وكانت محصلتها أن فقدت طفلا لم يعش معها سوى شهر واحد، ثم مات مخلفا في داخلها جرحا قاسيا ترتب عليه انفصالها عن برايان، لأن دوره كان سلبيا في وسط الأزمة.
وسعيا من صديقتها جينا (الممثلة لوسي غيست) وزوجها لإخراج جينيفر من عزلتها ووحدتها فإنهما يدعوانها إلى حفل أقاماه، وهناك سوف تلتقي صديقها السابق برايان، ومن ثم سوف تتعرف على الطبيب النفسي الدكتور ميد (الممثل جاسون أومارا) وخلال تلك الأمسية سوف تظهر ملامح الخطوط السردية والصراعات القادمة ومواقف الشخصيات، فها هو الدكتور ميد مراقب حذر لكل من حوله، وحتى بعد تعرفه للوهلة الأولى على جين فإنه يبدأ في التحرّي عنها وعن عملها وعلاقاتها، ثم وهي تقابل الصديق والحبيب السابق المصاب بحساسية قاتلة ضد زيت السمسم في مقابل الطبيب الذي كأنه يؤدي مهمة التحقق من الشخصيات المحيطة بها وخاصة جينيفر التي سرعان ما سوف تتقبل فكرة القيام بجلسة نفسية مع الدكتور ميد لغرض الخروج من أزمتها وبتشجيع من صديقتها جينا التي سبق وزارت الطبيب في عيادته.
☚ يمكن القول إن الفيلم دراما نفسية بامتياز من منطلق ما تعيشه الشخصيات من أزمات لا تعترف بها
وتبرز هنا الإشكالية والقوة الدافعة باتجاه الحبكة الدرامية ممثلة في سعي الدكتور ميد لإقناع جينيفر بالخضوع إلى جلسة للتنويم المغناطسي، ومن منطلق أن ذلك سوف يكون سببا كافيا لكي تتمكن من الولوج إلى منطقة اللاوعي وهناك سوف تسيطر على مخاوفها.
ما بين التردد والإحباط والحزن والوحدة وبين ضغط الصديقة تجد جينيفر نفسها محاطة بقوى لا تستطيع مقاومتها متشبثة بقشة عسى أن تكون الجلسات مع الطبيب النفسي قادرة على انتشالها مما هي فيه.
هذا التطويق للشخصية الرئيسية سوف يزداد إحكاما مع لقاء جينيفر بحبيبها السابق برايان والذي لا تستطيع أن تتذكر كيف أنها قد دعته وكيف مرت السهرة بينهما تلك الليلة، وفي ذلك تحول آخر في الدراما، إذ ما نلبث أن نكتشف أن برايان قد سقط مغشيا عليه وأنه يصارع الموت في المستشفى بسبب تناوله ذلك الزيت القاتل دون علم جينيفر، وهنا نجد أن تلك الانتقالات في المشاهد لم تكن منطقية، ولم يكن يربطها رابط مباشر، وبذلك تدخل جينيفر في دوامة أنها لا تستطيع السيطرة على الزمن ولا على الذكريات ولا على علاقاتها اليومية وأن هنالك قوة ما كانت تسيطر عليها في كل مرة لتأخذها في مسارات لم تكن متوقعة.
وعلى هذا سوف نجد أنفسنا في دائرة من الأسئلة حيث يعمد المخرج وكاتب السيناريو إلى بث معلومات غير مكتملة تكفي لإثارة الأسئلة في ما يتعلق بكل ما يحيط بجينيفر، وهو الذي سوف نجد مخرجاته في بحثها في ما تيسر لها من مصادر عبر الإنترنت عن حقيقة شخصية الدكتور ميد ومن هو ولماذا وكيف صار يمتلك كل هذا التأثير والسطوة عليها وهي التي من طبيعتها التمرد ورفض سيطرة الآخرين عليها.
الشخصيات المتقابلة التي يريد كل منها أن يصل إلى هدفه هي علامة فارقة هنا، لكن تبدو شخصية الدكتور ميد مدهشة في كل مرة، فهو يذكرك بذلك النمط من الشخصيات السايكوباثية لكن في أشد مراحلها سباتا وبرودا، فهو لا يتردد عن التجسس على أي أحد، وتعقب جينيفر وصديقتها حتى وهما تلوذان بقسم الشرطة وبالمحقق المختص الذي سبق له وأن قام بأعمال تحرّ واسعة ضد الدكتور ميد لكنها أغلقت جميعا، ولهذا كان عليه البحث بجدية ومن جديد للوصول إلى حقيقة تلك الشخصية التي تحوم من حولها العديد من الشبهات.
وفي إطار من الإثارة والخيال الذي هو أقرب إلى لغة الخيال العلمي تبرز سيطرة الدكتور ميد على شخصيتين مهمتين إحداهما واحدة من مريضاته والثانية هي جينا، فهو يقوم بتسليط تلك المريضة على المحقق ويد (الممثل ديول هيل) وحيث تقتحم شقته وتهاجمه بوحشية بواسطة سكين وتقوم بطعنه مرات عدة لكنه ينجو بأعجوبة ويجد نفسه مقيدا إلى سرير، لكن ما يلبث أن يقوم بعملية الهجوم الأخير على معاقل ذلك الدكتور الذي ثبت أنه ينتحل شخصية والده وأنه فقد زوجته والخلاصة أنه أصيب بهوس مرضي يتمثل في التعرف بأي امرأة لها ملامح شبه بزوجته المتوفيه وبعد ذلك يقوم بالإجهاز عليها والتخلص منها وهو ما وقع قبل ذلك مرارا.
الغموض الذي يرافق موت مجموعة من النساء كن قد خضعن للتنويم المغناطيسي على يد الدكتور ميد يثير المزيد من التساؤلات من دون إجابات مؤكدة، ولهذا سوف يقع التحول الدرامي المفاجئ ويتم بث الحكايات الثانوية من خلال شخصيتين وما سوف يصدر عنهما من أفعال مفاجئة بشكل متزامن، وهما جينيفر التي سوف تدخل الوكر الحقيقي الذي يختبئ فيه الدكتور ميد وقلعته الحصينة التي يجلب إليها ضحاياه، وكلّهن تقريبا كثيرات الشبه بزوجته المتوفاة، ولهذا فإنه يحرص على ارتدائهن أجمل الثياب في أمسية غامضة يمضي خلالها في استخدام التنويم المغناطيسي وهو ما سوف يقع لجينيفر، فها هي قد خضعت لسيطرته بشكل كامل مع أن هنالك قوة ما في داخلها تدفعها إلى محاولة الرفض والتمرد، ولكن من دون جدوى فقوته مستحكمة وتقودها بالنتيجة إلى تلك المرحلة من السيطرة.
دراما نفسية
في المقابل هنالك رد الفعل من طرف المحقق ويد الذي سوف يأخذ زمام الأمور على عاتقه بالكامل ليتصدى مع قوة محترفة لمكائد الدكتور ميد، وحيث كان في كل مرة يتملص من أية تبعات قد تترتب عليه وكأن الحوادث كانت تقع بالصدفة وبعيد مدة من دخول النساء عيادته، وبينما يبدو الدكتور ميد بعيدا كل البعد عن القيام بأية أعمال إجرامية بحكم موقعه الاجتماعي ووظيفته كطبيب، لكن ميزة القتل عن بعد على فرض التحكم بلاوعي الشخصيات التي يختارها كانت هي القضية الأساسية في هذه الدراما.
يتجلى في هذه الدراما العامل النفسي بقوة بل يمكن القول بأنها دراما نفسية بامتياز من منطلق ما تعيشه الشخصيات من أزمات لا تريد الاعتراف بها ولا مواجهتها، فبالنسبة إلى جينيفر فهي كما وصفنا حالتها التي فيها كثير من عدم التوازن النفسي بسبب فقدانها لطفلها وإحباطها من علاقتها العاطفية وكونها إنسانة تعيش وحيدة في وسط مخاوف من كل جهة صارت تضغط بشدة على شخصيتها وتؤثر على توازنها النفسي، ولهذا كان وقوعها بين يدي الدكتور ميد طبيعيا.
من جهة أخرى هنالك جينا التي تدعي أنها تعيش بسعادة وتوازن مع زوجها، ولكنها في ذات الوقت تلجأ إلى الدكتور ميد بل وفوق ذلك ترتضي أن تخضع للتنويم المغناطيسي على يديه وذلك للتخلص من كوابيس ومخاوف كامنة في لاوعيها، فضلا عن كونها تعاني من فوبيا العناكب، ولهذا تكون نهايتها لهذا السبب بأن يسلط عليها الدكتور ميد حشرة تدب على ثيابها مما يتسبب ذلك في اصطدامها بشاحنة وموتها هي وزوجها.
في إطار من الإثارة والخيال الذي هو أقرب إلى لغة الخيال العلمي تبرز سيطرة الدكتور ميد على ضحاياه
وفي هذا الإطار النفسي كان انشغال الدكتور ميد بنقاط ضعف ضحاياه وقيامه بالنفاذ من خلالها لكن ما لا يمكن الاقتناع به أن تصل به القدرة أن يتمكن من السيطرة على الشخصيات عن بعد وكأنها تتحرك بالريموت كونترول، إذ من الممكن أن نتقبل أنه يخضع ضحاياه لعملية التنويم المغناطيسي وبالتالي ملامسته ذكرياتها وأحلامها وما هو متوار في عقلها الباطن، لكن أن يسيطر عليها بالكامل في الوقت الذي يريده بكلمة سرية واحدة فإن ذلك أقرب إلى الخيال المفرط وغير المقنع.
واقعيا هذه الدراما النفسية سرعان ما سوف تمتزج بالجريمة وذلك أمر متوقع وهو تحول مهم غير مسار الأحداث، إذ يبدو أن أية سلطة لا تستطيع إثبات شيء ضد الدكتور ميد وهي قناعة سوف تترسخ لدى جينيفر ولدى المحقق ويد، جينيفر مدفوعة بالانتقام لصديقتها جينا وأسبابها هي لأنه خدعها مستغلا كونه طبيبا نفسيا والتلاعب بها واستدعائها إلى غرفة نومه وما إلى ذلك، بينما الأمر بالنسبة إلى المحقق ويد يكمن في استعادة العدالة وإيقاف ذلك الطبيب المهووس عن التمادي في إيقاع المزيد من الضحايا.
والكشف عن شخصية ميد سوف يقودنا إلى ما هو أبعد من ذلك كونه ينتحل اسم شخص آخر متوفى منذ زمن هو والده، وهو عالم نفساني هو الآخر وقد اشتهر بعملياته النفسية التي كان يقوم بها لصالح المخابرات الأميركية، وقد ورث عنه الكثير من الصفات الإجرامية لجهة التنكيل بالضحايا الذين يأتمنون أنفسهم على أنهم بين يدي طبيب بينما هم يقعون تحت سيطرة كائن يستغل إمكانته ومعلوماته والعلم الذي درسه لغرض الإيقاع بالضحايا من دون أدنى رحمة، وهو ما سوف تكتشفه جينيفر بعد مواجهة شرسة ودامية يتم فيها استخدام الرصاص والسكين تنتهي بمقتل الدكتور ميد وإصابة المحقق بجروح بليغة كادت أن تودي بحياته، لكنه يكون قد خاطر حتى أزاح عدوا للبشر وأبعد شروره.
طاهر علوان
فيلم "المنوم المغناطيسي".. دراما نفسية بطلها طبيب ماكر.
الأحد 2021/12/05
شخصيات متقابلة لكل منها هدفه
قد لا تتسع الدراما الفيلمية في بعض الأحيان إلى تداخل أنواع سينمائية متعددة، لكنها في كل الأحوال أحد الحلول التي يلجأ إليها السينمائيون لاستقطاب المزيد من الجمهور الذي سوف يجد تنوّعا ماثلا أمامه يتمثل في خطوط سردية متعددة وتحولات في الدراما الفيلمية كما هو الحال في فيلم “المنوم المغناطيسي”.
مع تداخل الأنواع السينمائية نجد أنه لا نوعا سينمائيا هو المتسيد في بعض الأفلام، وهو ما ينطبق على فيلم “المنوم المغناطيسي”، الذي نحن بصدده الآن للمخرجين مات أنغيل وسوزان كوت.
فالإشكالية الأولى التي سوف نكون في مواجهتها أن الفيلم يتحدث عن شخصيات واقعية ونسق اجتماعي محدد هو الذي سوف تنشأ وتتطور فيه تلك الدراما ومجمل الخطوط السردية في هذا الفيلم، وذلك من خلال شخصيات سيكون لقاؤها سببا في إيجاد طريقة تقليدية في السيناريو في التعريف بالشخصيات الرئيسية، وهو شكل ملفت وأقرب إلى تقديم الممثلين الرئيسيين على خشبة المسرح، بينما المعتاد هو الكشف عن الشخصيات تباعا ولأسباب شتى وتثبت أن الشخصيات عندها ما يكفي من الأسباب لكي يتم إظهارها بهذا الشكل.
وواقعيا فإن جين أو جينيفر (الممثلة كايت سيغيل) هي الشخصية الرئيسية التي من خلالها سوف نتعرف على الشخصيات الرئيسية والأكثر أهمية في هذا الفيلم، ومعلوم أن كايت سيغيل هي ممثلة لها حضور متميز في العشرات من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي شاركت فيها، وهي علاوة على كونها ممثلة كاتبة للسيناريو ومنتجة (مواليد 1982) وعرفت بتعاونها السابق مع زوجها المخرج مايك فلانغان وكنا قد شاهدناها في آخر أعمالها في مسلسل “قدّاس منتصف الليل” الذي عرض مؤخرا من خلال منصة نتفليكس، وقد قدمت في ذلك المسلسل أداء متميزا لم يعتمد قط على إغراءات جسدية أو مواصفات تعودت نجمات السينما والمسلسلات التلفزيونية على استخدامها لغرض الترويج لأنفسهن، بينما كان أداء كايت هو الذي ميّزها بشكل كبير.
في فخ الدكتور ميد
جينيفر في هذا الفيلم فتاة شابة خرجت توا من علاقة فاشلة ربطتها مع برايان (الممثل جيم كالكا) وكانت محصلتها أن فقدت طفلا لم يعش معها سوى شهر واحد، ثم مات مخلفا في داخلها جرحا قاسيا ترتب عليه انفصالها عن برايان، لأن دوره كان سلبيا في وسط الأزمة.
وسعيا من صديقتها جينا (الممثلة لوسي غيست) وزوجها لإخراج جينيفر من عزلتها ووحدتها فإنهما يدعوانها إلى حفل أقاماه، وهناك سوف تلتقي صديقها السابق برايان، ومن ثم سوف تتعرف على الطبيب النفسي الدكتور ميد (الممثل جاسون أومارا) وخلال تلك الأمسية سوف تظهر ملامح الخطوط السردية والصراعات القادمة ومواقف الشخصيات، فها هو الدكتور ميد مراقب حذر لكل من حوله، وحتى بعد تعرفه للوهلة الأولى على جين فإنه يبدأ في التحرّي عنها وعن عملها وعلاقاتها، ثم وهي تقابل الصديق والحبيب السابق المصاب بحساسية قاتلة ضد زيت السمسم في مقابل الطبيب الذي كأنه يؤدي مهمة التحقق من الشخصيات المحيطة بها وخاصة جينيفر التي سرعان ما سوف تتقبل فكرة القيام بجلسة نفسية مع الدكتور ميد لغرض الخروج من أزمتها وبتشجيع من صديقتها جينا التي سبق وزارت الطبيب في عيادته.
☚ يمكن القول إن الفيلم دراما نفسية بامتياز من منطلق ما تعيشه الشخصيات من أزمات لا تعترف بها
وتبرز هنا الإشكالية والقوة الدافعة باتجاه الحبكة الدرامية ممثلة في سعي الدكتور ميد لإقناع جينيفر بالخضوع إلى جلسة للتنويم المغناطسي، ومن منطلق أن ذلك سوف يكون سببا كافيا لكي تتمكن من الولوج إلى منطقة اللاوعي وهناك سوف تسيطر على مخاوفها.
ما بين التردد والإحباط والحزن والوحدة وبين ضغط الصديقة تجد جينيفر نفسها محاطة بقوى لا تستطيع مقاومتها متشبثة بقشة عسى أن تكون الجلسات مع الطبيب النفسي قادرة على انتشالها مما هي فيه.
هذا التطويق للشخصية الرئيسية سوف يزداد إحكاما مع لقاء جينيفر بحبيبها السابق برايان والذي لا تستطيع أن تتذكر كيف أنها قد دعته وكيف مرت السهرة بينهما تلك الليلة، وفي ذلك تحول آخر في الدراما، إذ ما نلبث أن نكتشف أن برايان قد سقط مغشيا عليه وأنه يصارع الموت في المستشفى بسبب تناوله ذلك الزيت القاتل دون علم جينيفر، وهنا نجد أن تلك الانتقالات في المشاهد لم تكن منطقية، ولم يكن يربطها رابط مباشر، وبذلك تدخل جينيفر في دوامة أنها لا تستطيع السيطرة على الزمن ولا على الذكريات ولا على علاقاتها اليومية وأن هنالك قوة ما كانت تسيطر عليها في كل مرة لتأخذها في مسارات لم تكن متوقعة.
وعلى هذا سوف نجد أنفسنا في دائرة من الأسئلة حيث يعمد المخرج وكاتب السيناريو إلى بث معلومات غير مكتملة تكفي لإثارة الأسئلة في ما يتعلق بكل ما يحيط بجينيفر، وهو الذي سوف نجد مخرجاته في بحثها في ما تيسر لها من مصادر عبر الإنترنت عن حقيقة شخصية الدكتور ميد ومن هو ولماذا وكيف صار يمتلك كل هذا التأثير والسطوة عليها وهي التي من طبيعتها التمرد ورفض سيطرة الآخرين عليها.
الشخصيات المتقابلة التي يريد كل منها أن يصل إلى هدفه هي علامة فارقة هنا، لكن تبدو شخصية الدكتور ميد مدهشة في كل مرة، فهو يذكرك بذلك النمط من الشخصيات السايكوباثية لكن في أشد مراحلها سباتا وبرودا، فهو لا يتردد عن التجسس على أي أحد، وتعقب جينيفر وصديقتها حتى وهما تلوذان بقسم الشرطة وبالمحقق المختص الذي سبق له وأن قام بأعمال تحرّ واسعة ضد الدكتور ميد لكنها أغلقت جميعا، ولهذا كان عليه البحث بجدية ومن جديد للوصول إلى حقيقة تلك الشخصية التي تحوم من حولها العديد من الشبهات.
وفي إطار من الإثارة والخيال الذي هو أقرب إلى لغة الخيال العلمي تبرز سيطرة الدكتور ميد على شخصيتين مهمتين إحداهما واحدة من مريضاته والثانية هي جينا، فهو يقوم بتسليط تلك المريضة على المحقق ويد (الممثل ديول هيل) وحيث تقتحم شقته وتهاجمه بوحشية بواسطة سكين وتقوم بطعنه مرات عدة لكنه ينجو بأعجوبة ويجد نفسه مقيدا إلى سرير، لكن ما يلبث أن يقوم بعملية الهجوم الأخير على معاقل ذلك الدكتور الذي ثبت أنه ينتحل شخصية والده وأنه فقد زوجته والخلاصة أنه أصيب بهوس مرضي يتمثل في التعرف بأي امرأة لها ملامح شبه بزوجته المتوفيه وبعد ذلك يقوم بالإجهاز عليها والتخلص منها وهو ما وقع قبل ذلك مرارا.
الغموض الذي يرافق موت مجموعة من النساء كن قد خضعن للتنويم المغناطيسي على يد الدكتور ميد يثير المزيد من التساؤلات من دون إجابات مؤكدة، ولهذا سوف يقع التحول الدرامي المفاجئ ويتم بث الحكايات الثانوية من خلال شخصيتين وما سوف يصدر عنهما من أفعال مفاجئة بشكل متزامن، وهما جينيفر التي سوف تدخل الوكر الحقيقي الذي يختبئ فيه الدكتور ميد وقلعته الحصينة التي يجلب إليها ضحاياه، وكلّهن تقريبا كثيرات الشبه بزوجته المتوفاة، ولهذا فإنه يحرص على ارتدائهن أجمل الثياب في أمسية غامضة يمضي خلالها في استخدام التنويم المغناطيسي وهو ما سوف يقع لجينيفر، فها هي قد خضعت لسيطرته بشكل كامل مع أن هنالك قوة ما في داخلها تدفعها إلى محاولة الرفض والتمرد، ولكن من دون جدوى فقوته مستحكمة وتقودها بالنتيجة إلى تلك المرحلة من السيطرة.
دراما نفسية
في المقابل هنالك رد الفعل من طرف المحقق ويد الذي سوف يأخذ زمام الأمور على عاتقه بالكامل ليتصدى مع قوة محترفة لمكائد الدكتور ميد، وحيث كان في كل مرة يتملص من أية تبعات قد تترتب عليه وكأن الحوادث كانت تقع بالصدفة وبعيد مدة من دخول النساء عيادته، وبينما يبدو الدكتور ميد بعيدا كل البعد عن القيام بأية أعمال إجرامية بحكم موقعه الاجتماعي ووظيفته كطبيب، لكن ميزة القتل عن بعد على فرض التحكم بلاوعي الشخصيات التي يختارها كانت هي القضية الأساسية في هذه الدراما.
يتجلى في هذه الدراما العامل النفسي بقوة بل يمكن القول بأنها دراما نفسية بامتياز من منطلق ما تعيشه الشخصيات من أزمات لا تريد الاعتراف بها ولا مواجهتها، فبالنسبة إلى جينيفر فهي كما وصفنا حالتها التي فيها كثير من عدم التوازن النفسي بسبب فقدانها لطفلها وإحباطها من علاقتها العاطفية وكونها إنسانة تعيش وحيدة في وسط مخاوف من كل جهة صارت تضغط بشدة على شخصيتها وتؤثر على توازنها النفسي، ولهذا كان وقوعها بين يدي الدكتور ميد طبيعيا.
من جهة أخرى هنالك جينا التي تدعي أنها تعيش بسعادة وتوازن مع زوجها، ولكنها في ذات الوقت تلجأ إلى الدكتور ميد بل وفوق ذلك ترتضي أن تخضع للتنويم المغناطيسي على يديه وذلك للتخلص من كوابيس ومخاوف كامنة في لاوعيها، فضلا عن كونها تعاني من فوبيا العناكب، ولهذا تكون نهايتها لهذا السبب بأن يسلط عليها الدكتور ميد حشرة تدب على ثيابها مما يتسبب ذلك في اصطدامها بشاحنة وموتها هي وزوجها.
في إطار من الإثارة والخيال الذي هو أقرب إلى لغة الخيال العلمي تبرز سيطرة الدكتور ميد على ضحاياه
وفي هذا الإطار النفسي كان انشغال الدكتور ميد بنقاط ضعف ضحاياه وقيامه بالنفاذ من خلالها لكن ما لا يمكن الاقتناع به أن تصل به القدرة أن يتمكن من السيطرة على الشخصيات عن بعد وكأنها تتحرك بالريموت كونترول، إذ من الممكن أن نتقبل أنه يخضع ضحاياه لعملية التنويم المغناطيسي وبالتالي ملامسته ذكرياتها وأحلامها وما هو متوار في عقلها الباطن، لكن أن يسيطر عليها بالكامل في الوقت الذي يريده بكلمة سرية واحدة فإن ذلك أقرب إلى الخيال المفرط وغير المقنع.
واقعيا هذه الدراما النفسية سرعان ما سوف تمتزج بالجريمة وذلك أمر متوقع وهو تحول مهم غير مسار الأحداث، إذ يبدو أن أية سلطة لا تستطيع إثبات شيء ضد الدكتور ميد وهي قناعة سوف تترسخ لدى جينيفر ولدى المحقق ويد، جينيفر مدفوعة بالانتقام لصديقتها جينا وأسبابها هي لأنه خدعها مستغلا كونه طبيبا نفسيا والتلاعب بها واستدعائها إلى غرفة نومه وما إلى ذلك، بينما الأمر بالنسبة إلى المحقق ويد يكمن في استعادة العدالة وإيقاف ذلك الطبيب المهووس عن التمادي في إيقاع المزيد من الضحايا.
والكشف عن شخصية ميد سوف يقودنا إلى ما هو أبعد من ذلك كونه ينتحل اسم شخص آخر متوفى منذ زمن هو والده، وهو عالم نفساني هو الآخر وقد اشتهر بعملياته النفسية التي كان يقوم بها لصالح المخابرات الأميركية، وقد ورث عنه الكثير من الصفات الإجرامية لجهة التنكيل بالضحايا الذين يأتمنون أنفسهم على أنهم بين يدي طبيب بينما هم يقعون تحت سيطرة كائن يستغل إمكانته ومعلوماته والعلم الذي درسه لغرض الإيقاع بالضحايا من دون أدنى رحمة، وهو ما سوف تكتشفه جينيفر بعد مواجهة شرسة ودامية يتم فيها استخدام الرصاص والسكين تنتهي بمقتل الدكتور ميد وإصابة المحقق بجروح بليغة كادت أن تودي بحياته، لكنه يكون قد خاطر حتى أزاح عدوا للبشر وأبعد شروره.
طاهر علوان