"جيش اللصوص" مغامرات تقطع الأنفاس بحثا عن خزائن عجيبة
دراما اللصوص في مقابل رجال الشرطة ومهارات العصابات وذكائهم في جو فانتازي.
الأحد 2021/11/14
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سباق مع الزمن لفتح الخزائن
الحياة السرية الكامنة في الأشياء المحيطة بنا تكفي لكي نخوض مغامرة كاملة لاكتشافها والبحث عن إجابات على العديد من الأسئلة، وهنالك أيضا أسرار الصنعة المرتبطة بتلك الحياة السرية، لاحظ مثلا تلك التروس الخفية والمكونات العجيبة لآلات معقدة تفنّن الإنسان في صنعها فكيف إذا صارت هذه كلها موضوعا سينمائيا، كما هو الحال في فيلم “جيش اللصوص”.
القصة في فيلم “جيش اللصوص” مرتبطة بسلسلة محدودة من خزائن الأموال العملاقة التي صنعها شخص ألماني عبقري يدعى هانس وانغر، وهي موضوع هذا الفيلم للمخرج ماثياس شويغهوفر وهو نفسه الشخصية الرئيسية في الفيلم بدور سيباستيان، الشاب المصرفي المولع بخزائن الأموال وأسرارها، وخاصة تلك الخزانات العملاقة الفريدة من نوعها التي صنعها هانس وانغر حتى يغدو الأمر بمثابة ولع شخصي في تتبع مسيرة ذلك العبقري وماذا حل بتلك الخزائن العجيبة.
يقدم المخرج تلك الخزائن ليس بوصفها صناديق جامدة لحفظ الأموال في البنوك بل على أنها نتاج عبقرية خاصة ترتبط بحركات الموسيقى، ولهذا فإن ولع سيباستيان وهو يتعامل مع تلك الخزائن هو أن يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية وخاصة موسيقى فاغنر، وهو يستخرج من الحركات السيمفونية ما يربطها بالحركات التي تنطوي عليها الأجزاء السرية الغامضة والمتوارية من تلك الخزائن.
بناء سردي محكم
البناء السردي للفيلم قائم على مستويين هما الواقعي من مطاردة وانتقام في مقابل الخيالي وحالة الديستوبيا الأرضية
إذا مضينا مع سيباستيان في التفاعل مع متعة الاكتشاف التي ينطوي عليها فتح تلك الخزائن العجيبة فإننا سوف نشاهد ذلك الصانع الماهر هانس وانغر الذي كان قد كرس نفسه لصنع تلك الخزائن العملاقة العجيبة بعدما فقد زوجته وابنه، ولهذا كانت آخر تلك الخزائن هي تلك التي أقفلها على نفسها ولم يستطع أي أحد أن يخرجه من جوفها وكانت النتيجة أن تم رميها في البحر وصارت الخزانة بمثابة قبر لذلك العبقري.
أما على الجانب الآخر فإن سيباستيان يروي قصة هانس وانغر وخزائنه العجيبة ويبث ذلك من خلال قناة يوتيوب، لكنه لا يوفق في اجتذاب مشاهدين للحلقة التي بثها سوى تعليق واحد ووحيد يدعوه إلى الحضور إلى مكان معين إذا كان راغبا في المضي في حل مغاليق تلك الخزانات.
إنه الذهاب إلى هدف مجهول واستجابة لنداء غامض، وهو ما سوف نشهده في ما يتعلق بسيباستيان وهو ذاهب إلى مكان مجهول واستجابة لنداء مجهول.
المكان معزز بالحراسة ويشهد سلسلة من المسابقات تعيده أيضا إلى عالم الخزائن من جديد، وهنا سوف يجد سيباستيان نفسه من ضمن المتسابقين المكلفين بفتح الخزائن في عملية مقامرة ومراهنة على من سوف ينجح في المهمة.
هذا الانتقال سوف يقدم لنا صورة سيباستيان مضطربا ومن دون أن يكون مستعدا وبلا معرفة بما يجري، والفكرة هي استخدام المهارات الشخصية في فتح مجموعة من الخزائن، ويكون سيباستيان من بين متسابقين كثر لكن ينتهي الأمر بنجاحه في إنجاز المهمة ببراعة.
هذه الدائرة الغامضة التي تديرها شخصيات سرية سوف نلتقط من بينها صورة فتاة ترصد سيباستيان وهي نفسها التي استدرجته وجلبته إلى ذلك المكان، وهنا سوف ننتقل حسيا وبصريا إلى سياق درامي وتعبيري مختلف وغير متوقع، وتلك علامة مهمة من علامات البراعة في السيناريو والإخراج في السير بالدراما في منطقة هي خارج توقع المشاهد أو في سياق قلب التوقعات.
ما يلبث أن يكون ذلك الموقف منطلقا لتعرف سيباستيان بغويندولين (الممثلة ناتالي إيمانويل)، هذه الشخصية الرئيسية التي سوف تحمل معها علامات تغيير لم تكن محسوبة ولا متوقعة.
تخطط غويندولين للسطو على أحد المصارف الباريسية، ولهذا فلا بد من إدخال سيباستيان مباشرة في تلك العملية، حيث يكون الهدف مرة أخرى هو واحدة من الخزانات الفريدة التي كان قد صنعها هانس وانغر، وما يلبث سيباستيان أن يجد الأمر بالنسبة له بمثابة متعة خالصة ونوعا من الاكتشاف والمغامرة الفريدة التي يحلم بها في الوصول إلى واحدة من معجزات وانغر وأسراره الخفية.
الخزانات العجيبة هنا في توالي ظهورها في شكل أهداف تقود إلى مطاردات سابقة وراهنة مع وحدة بوليسية مرتبطة بالإنتربول، وبذلك نكون أمام جزئية في البناء الدرامي مرسومة ببراعة، وهي بمثابة عمليات كر وفر بين الطرفين قائمة على العديد من المفارقات الطريفة.
من علامات براعة السيناريو والإخراج في هذا الفيلم السير بالدراما في منطقة هي خارج توقع المشاهد
يمكننا هنا أن نتوقف عند هذا النوع من المعالجة الفيلمية وإدارة الأحداث وكيفية جعل كل نقطة تحول في مسار الدراما تنطوي على مشاهد تجتذب المشاهد وتزيد من مساحة الترقب والرغبة في الاكتشاف.
وابتداء من هذا التحول في المسار الدرامي نكون كمن يشاهد فيلما من أفلام الحركة والأفلام البوليسية، وقد برع المخرج وكاتب السيناريو في تقديم حبكة درامية متميزة في إطار لم يخل من الكوميديا، التي شملت شبكة من خمسة أشخاص وهم العصابة المتخصصة بالسطو على البنوك ببراعة وقدرة فائقة.
تتقاسم المجموعة المهمات، فأحدهم هو السائق الماهر ذو القدرات الفائقة في الهروب، يقابله قاتل متمرس سريع الحركة، فيما تتولى غويندولين مهمة القيادة، أما صديقتها كورينا (الممثلة روبي في) فهي محترفة في القرصنة واختراق أنظمة المراقبة والإنذار في البنوك، ولهذا بدا اختراق البنك الفرنسي منطويا على الكثير من المشاهد الطريفة، بينما أدت غويندولين دور المقاتلة الشرسة والشجاعة سريعة الحركة التي تفتك بالحراس تباعا وفي ذات الوقت تمتنع عن سفك الدماء ومنع قتل أي أحد.
الانشغال بالتفاصيل يمكن عده عنصرا آخر إضافيا في هذه الدراما الفيلمية، ومن ذلك كيفية الدخول إلى البنوك مع الاتصال المباشر بكورينا التي تعطي الإرشادات من غرفة سيطرة، بعدما تقوم بتعطيل أجهزة المراقبة تباعا، مما يتيح للمجموعة أن تضطلع بالمهمة.
ولا شك أن وجود الخزائن الثلاث العملاقة والفريدة من نوعها في ثلاثة بلدان سوف يكون سببا آخر بالنسبة لسيباستيان لخوض المغامرة، مع أنه عاجز عن مواجهة أي أحد أو الاعتداء بالضرب ضد أي أحد، وهو الذي يتصور أن غويندولين التي جلبته إلى المجموعة وأقنعته بالقيام بالمهمة سوف تكون مهتمة به، لكنه يكتشف أنها مرتبطة مع أليكسيس (الممثل ستيوارت مارتن) وهذه نقطة تحول إضافية سوف تسهم في تغيير وتوجيه مسار الدراما باتجاه آخر مختلف.
ينسج الفيلم بناء سرديا متميزا قائما على التنوع سواء بالنسبة لأداء الشخصيات أو بالنسبة إلى الأماكن، فضلا عن تلك الأسرار المرتبطة بتلك الخزائن العجيبة، فبالنسبة إلى أداء الشخصيات كان هنالك تنوع ما بين غويندولين وكورينا، وحتى عند النظر إلى صديقها أليكسيس فهنا ثمة شخصية إشكالية، فمن جهة يتسم بالتهور والعنف بينما تتميز غويندولين بشخصيتها الهادئة المتزنة.
وعلى صعيد التنوع أيضا نجد أن شخصية سيباستيان تتجه بالأحداث باتجاه مسار آخر، فهو ليس هدفه إيذاء حراس البنوك ولا ارتكاب أي جريمة تذكر، وكل ما يخصه هو شغفه بالخزانات الألمانية التي يسعى لفك مغاليقها وأسرارها والنجاح في فتحها تباعا، ليضيف تلك المهمة إلى عبقرية صانعها الألماني من جهة، ولكي يجسد البناء السردي القائم على مستويين هما الواقعي القائم على المطاردة والانتقام في مقابل الخيالي أو الذي يجسد حالة الديستوبيا الأرضية وتفشي وباء فتاك في العديد من المدن الأميركية، مما يدفع السكان إلى الهرب حيث يلاحقهم الفامباير في كل مكان.
السباق مع الزمن
لعل القسم الخاص بسينما ومعالجة فيلم الخيال العلمي هو إشكالية أخرى، لكنها إشكالية تم طرحها جانبيا، من خلال ما يتم بثه من مشاهد على شاشات التلفزيون مرتبطة بتفشي وباء فتاك ينتقل من شخص إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى في الولايات المتحدة، عبر ما يعرف بالأحياء الأموات.
ويراود هؤلاء الأحياء الأموات سيباستيان حتى في أحلامه وهم ينقضون عليه، حتى تحسب أن ذلك هامشا خياليا، لكننا سرعان ما نكتشف أنها ظاهرة حقيقية متفاقمة يتم عرض وقائعها من خلال نشرات الأخبار، حيث جموع من آكلي لحوم البشر تسير بغير هدف وتكتسح الشوارع.
واقعيا وفي ظل هذه المشاهد يحيلنا الفيلم إلى ما يشبه السباق مع الزمن أو الصراع، فقبل وصول الوباء إلى أماكن أخرى تدفع السلطات إلى إقفال كل شيء، لهذا على الجميع إنهاء المهمة.
سوف نتذكر هنا فيلم “جيش الموتى” للمخرج زاك سيندرس وكان قد مثل فيه الممثل الرئيس في هذا الفيلم ماثياس شويغهوفر، وكنا قد ناقشناه في هذه الصفحة في آخر شهر مايو الماضي، وكأننا قد انتقلنا إلى سلسلة الأحداث المرتبطة بالسطو على المصارف بهذه الطريقة، في وقت كان جيش الموتى ينتشر في لاس فيغاس الأميركية وعمليات إبادة البشر على أشدها، كانت هنالك ثلة من السراق يكملون مهمتهم بالسطو على الخزانات العملاقة لعدد من البنوك المختارة بعناية.
مدينة القمار الشهيرة سوف تتحوّل إلى مدينة زومبي بامتياز بسبب تفشي الوباء في أوساط السكان، ممّا يستدعي عزلها عن سائر الولايات الأميركية وترك من فيها لقدرهم.
على هذه الخلفية وبعد مشاهد فنتازية في نوادي القمار والتعرّي يكون قد تحوّل كل من فيها إلى زومبي، بينما هناك خزانة ضخمة بكمّ هائل من الأموال، ويتم تكليف سكوت (الممثل ديف بوتيستا) بتشكيل فريق محترف يجازف بحياته ويذهب إلى عقر دار الزومبي، ويخترق أماكنهم وصولا إلى عمارة بعينها تقع في أحد طوابقها تلك الخزانة.
بتكثيف استخدام مشاهد الحركة والمفارقات الكوميدية، ما يجعل هذا النوع من الدراما قريبا من الجمهور
ومنذ البداية ينجح المخرج في اختيار ممثلين متنوّعين مختلفي الأهواء ومختلفي الأهداف لأداء تلك المهمة، ويتحوّل المال إلى غاية تستحق تلك المغامرة، وتكون المهمة سببا في عودة ديف إلى ابنته كيت (الممثلة إيلا بوميل) التي تعنى بمهمة إنسانية لإنقاذ فتاتين وأمّهما من الزومبي.
وبحسب هذه المقاربة يمكن النظر إلى الفيلمين على أنهما نسجا مسارات سردية متشابهة مع أنها مفصولة مكانيا، إلا أن ثمة وشيجة ورابطا بينهما لجهة طريقة سرد الأحداث، وخلال ذلك السعي للوصول إلى تلك الخزانات السرية الفظيعة التي شكلت محور ثيمتي الفيلمين.
لكن في المقابل سوف نكتشف مفارقات اللحظات الأخيرة من إتمام المهمة وما بعدها من تخلي أليكسيس عن إنقاذ سيباستيان وهم يهمون بالفرار، وكان ذلك بسبب الإحساس المتفاقم بالغيرة لجهة غويندولين، ويجد سيباستيان فعلا نفسه وحيدا ووجها لوجه مع قدره إذ تم التخلي عنه، ولهذا سوف يبقى هو الوحيد الذي تطارده الشرطة من مكان إلى آخر في سلسلة من مشاهد الحركة المتميزة والمصنوعة بعناية.
ولعل الملفت للنظر هنا هو قدرة أليكسيس على الخروج من الأزمة الذاتية والعاطفية، لاسيما وأنه غير مصدق بتخلص غويندولين منه بهذه السهولة، بعد أن أكمل المهمة الأولى، ولهذا فإنه يخوض مطاردة بلا هوادة مع أجهزة الشرطة بينما تخوض غويندولين نزاعا مع صديقها وتقرر بالنتيجة التخلي عنه والبحث عن سيباستيان والاعتذار منه، ومن ثم إقناعه لكي يمضيان في المهمة كما في السابق.
دراما اللصوص في مقابل رجال الشرطة ومهارات وذكاء العصابات التي صارت عابرة للحدود والدول، كما في هذا الفيلم الذي يمتلك من عناصر المتعة، خاصة بتكثيف استخدام مشاهد الحركة والمفارقات الكوميدية، ما يجعل هذا النوع من الدراما قريبا من الجمهور ومؤهلا لكي يحقق نتائج جيدة على صعيد شباك التذاكر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
دراما اللصوص في مقابل رجال الشرطة ومهارات العصابات وذكائهم في جو فانتازي.
الأحد 2021/11/14
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سباق مع الزمن لفتح الخزائن
الحياة السرية الكامنة في الأشياء المحيطة بنا تكفي لكي نخوض مغامرة كاملة لاكتشافها والبحث عن إجابات على العديد من الأسئلة، وهنالك أيضا أسرار الصنعة المرتبطة بتلك الحياة السرية، لاحظ مثلا تلك التروس الخفية والمكونات العجيبة لآلات معقدة تفنّن الإنسان في صنعها فكيف إذا صارت هذه كلها موضوعا سينمائيا، كما هو الحال في فيلم “جيش اللصوص”.
القصة في فيلم “جيش اللصوص” مرتبطة بسلسلة محدودة من خزائن الأموال العملاقة التي صنعها شخص ألماني عبقري يدعى هانس وانغر، وهي موضوع هذا الفيلم للمخرج ماثياس شويغهوفر وهو نفسه الشخصية الرئيسية في الفيلم بدور سيباستيان، الشاب المصرفي المولع بخزائن الأموال وأسرارها، وخاصة تلك الخزانات العملاقة الفريدة من نوعها التي صنعها هانس وانغر حتى يغدو الأمر بمثابة ولع شخصي في تتبع مسيرة ذلك العبقري وماذا حل بتلك الخزائن العجيبة.
يقدم المخرج تلك الخزائن ليس بوصفها صناديق جامدة لحفظ الأموال في البنوك بل على أنها نتاج عبقرية خاصة ترتبط بحركات الموسيقى، ولهذا فإن ولع سيباستيان وهو يتعامل مع تلك الخزائن هو أن يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية وخاصة موسيقى فاغنر، وهو يستخرج من الحركات السيمفونية ما يربطها بالحركات التي تنطوي عليها الأجزاء السرية الغامضة والمتوارية من تلك الخزائن.
بناء سردي محكم
البناء السردي للفيلم قائم على مستويين هما الواقعي من مطاردة وانتقام في مقابل الخيالي وحالة الديستوبيا الأرضية
إذا مضينا مع سيباستيان في التفاعل مع متعة الاكتشاف التي ينطوي عليها فتح تلك الخزائن العجيبة فإننا سوف نشاهد ذلك الصانع الماهر هانس وانغر الذي كان قد كرس نفسه لصنع تلك الخزائن العملاقة العجيبة بعدما فقد زوجته وابنه، ولهذا كانت آخر تلك الخزائن هي تلك التي أقفلها على نفسها ولم يستطع أي أحد أن يخرجه من جوفها وكانت النتيجة أن تم رميها في البحر وصارت الخزانة بمثابة قبر لذلك العبقري.
أما على الجانب الآخر فإن سيباستيان يروي قصة هانس وانغر وخزائنه العجيبة ويبث ذلك من خلال قناة يوتيوب، لكنه لا يوفق في اجتذاب مشاهدين للحلقة التي بثها سوى تعليق واحد ووحيد يدعوه إلى الحضور إلى مكان معين إذا كان راغبا في المضي في حل مغاليق تلك الخزانات.
إنه الذهاب إلى هدف مجهول واستجابة لنداء غامض، وهو ما سوف نشهده في ما يتعلق بسيباستيان وهو ذاهب إلى مكان مجهول واستجابة لنداء مجهول.
المكان معزز بالحراسة ويشهد سلسلة من المسابقات تعيده أيضا إلى عالم الخزائن من جديد، وهنا سوف يجد سيباستيان نفسه من ضمن المتسابقين المكلفين بفتح الخزائن في عملية مقامرة ومراهنة على من سوف ينجح في المهمة.
هذا الانتقال سوف يقدم لنا صورة سيباستيان مضطربا ومن دون أن يكون مستعدا وبلا معرفة بما يجري، والفكرة هي استخدام المهارات الشخصية في فتح مجموعة من الخزائن، ويكون سيباستيان من بين متسابقين كثر لكن ينتهي الأمر بنجاحه في إنجاز المهمة ببراعة.
هذه الدائرة الغامضة التي تديرها شخصيات سرية سوف نلتقط من بينها صورة فتاة ترصد سيباستيان وهي نفسها التي استدرجته وجلبته إلى ذلك المكان، وهنا سوف ننتقل حسيا وبصريا إلى سياق درامي وتعبيري مختلف وغير متوقع، وتلك علامة مهمة من علامات البراعة في السيناريو والإخراج في السير بالدراما في منطقة هي خارج توقع المشاهد أو في سياق قلب التوقعات.
ما يلبث أن يكون ذلك الموقف منطلقا لتعرف سيباستيان بغويندولين (الممثلة ناتالي إيمانويل)، هذه الشخصية الرئيسية التي سوف تحمل معها علامات تغيير لم تكن محسوبة ولا متوقعة.
تخطط غويندولين للسطو على أحد المصارف الباريسية، ولهذا فلا بد من إدخال سيباستيان مباشرة في تلك العملية، حيث يكون الهدف مرة أخرى هو واحدة من الخزانات الفريدة التي كان قد صنعها هانس وانغر، وما يلبث سيباستيان أن يجد الأمر بالنسبة له بمثابة متعة خالصة ونوعا من الاكتشاف والمغامرة الفريدة التي يحلم بها في الوصول إلى واحدة من معجزات وانغر وأسراره الخفية.
الخزانات العجيبة هنا في توالي ظهورها في شكل أهداف تقود إلى مطاردات سابقة وراهنة مع وحدة بوليسية مرتبطة بالإنتربول، وبذلك نكون أمام جزئية في البناء الدرامي مرسومة ببراعة، وهي بمثابة عمليات كر وفر بين الطرفين قائمة على العديد من المفارقات الطريفة.
من علامات براعة السيناريو والإخراج في هذا الفيلم السير بالدراما في منطقة هي خارج توقع المشاهد
يمكننا هنا أن نتوقف عند هذا النوع من المعالجة الفيلمية وإدارة الأحداث وكيفية جعل كل نقطة تحول في مسار الدراما تنطوي على مشاهد تجتذب المشاهد وتزيد من مساحة الترقب والرغبة في الاكتشاف.
وابتداء من هذا التحول في المسار الدرامي نكون كمن يشاهد فيلما من أفلام الحركة والأفلام البوليسية، وقد برع المخرج وكاتب السيناريو في تقديم حبكة درامية متميزة في إطار لم يخل من الكوميديا، التي شملت شبكة من خمسة أشخاص وهم العصابة المتخصصة بالسطو على البنوك ببراعة وقدرة فائقة.
تتقاسم المجموعة المهمات، فأحدهم هو السائق الماهر ذو القدرات الفائقة في الهروب، يقابله قاتل متمرس سريع الحركة، فيما تتولى غويندولين مهمة القيادة، أما صديقتها كورينا (الممثلة روبي في) فهي محترفة في القرصنة واختراق أنظمة المراقبة والإنذار في البنوك، ولهذا بدا اختراق البنك الفرنسي منطويا على الكثير من المشاهد الطريفة، بينما أدت غويندولين دور المقاتلة الشرسة والشجاعة سريعة الحركة التي تفتك بالحراس تباعا وفي ذات الوقت تمتنع عن سفك الدماء ومنع قتل أي أحد.
الانشغال بالتفاصيل يمكن عده عنصرا آخر إضافيا في هذه الدراما الفيلمية، ومن ذلك كيفية الدخول إلى البنوك مع الاتصال المباشر بكورينا التي تعطي الإرشادات من غرفة سيطرة، بعدما تقوم بتعطيل أجهزة المراقبة تباعا، مما يتيح للمجموعة أن تضطلع بالمهمة.
ولا شك أن وجود الخزائن الثلاث العملاقة والفريدة من نوعها في ثلاثة بلدان سوف يكون سببا آخر بالنسبة لسيباستيان لخوض المغامرة، مع أنه عاجز عن مواجهة أي أحد أو الاعتداء بالضرب ضد أي أحد، وهو الذي يتصور أن غويندولين التي جلبته إلى المجموعة وأقنعته بالقيام بالمهمة سوف تكون مهتمة به، لكنه يكتشف أنها مرتبطة مع أليكسيس (الممثل ستيوارت مارتن) وهذه نقطة تحول إضافية سوف تسهم في تغيير وتوجيه مسار الدراما باتجاه آخر مختلف.
ينسج الفيلم بناء سرديا متميزا قائما على التنوع سواء بالنسبة لأداء الشخصيات أو بالنسبة إلى الأماكن، فضلا عن تلك الأسرار المرتبطة بتلك الخزائن العجيبة، فبالنسبة إلى أداء الشخصيات كان هنالك تنوع ما بين غويندولين وكورينا، وحتى عند النظر إلى صديقها أليكسيس فهنا ثمة شخصية إشكالية، فمن جهة يتسم بالتهور والعنف بينما تتميز غويندولين بشخصيتها الهادئة المتزنة.
وعلى صعيد التنوع أيضا نجد أن شخصية سيباستيان تتجه بالأحداث باتجاه مسار آخر، فهو ليس هدفه إيذاء حراس البنوك ولا ارتكاب أي جريمة تذكر، وكل ما يخصه هو شغفه بالخزانات الألمانية التي يسعى لفك مغاليقها وأسرارها والنجاح في فتحها تباعا، ليضيف تلك المهمة إلى عبقرية صانعها الألماني من جهة، ولكي يجسد البناء السردي القائم على مستويين هما الواقعي القائم على المطاردة والانتقام في مقابل الخيالي أو الذي يجسد حالة الديستوبيا الأرضية وتفشي وباء فتاك في العديد من المدن الأميركية، مما يدفع السكان إلى الهرب حيث يلاحقهم الفامباير في كل مكان.
السباق مع الزمن
لعل القسم الخاص بسينما ومعالجة فيلم الخيال العلمي هو إشكالية أخرى، لكنها إشكالية تم طرحها جانبيا، من خلال ما يتم بثه من مشاهد على شاشات التلفزيون مرتبطة بتفشي وباء فتاك ينتقل من شخص إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى في الولايات المتحدة، عبر ما يعرف بالأحياء الأموات.
ويراود هؤلاء الأحياء الأموات سيباستيان حتى في أحلامه وهم ينقضون عليه، حتى تحسب أن ذلك هامشا خياليا، لكننا سرعان ما نكتشف أنها ظاهرة حقيقية متفاقمة يتم عرض وقائعها من خلال نشرات الأخبار، حيث جموع من آكلي لحوم البشر تسير بغير هدف وتكتسح الشوارع.
واقعيا وفي ظل هذه المشاهد يحيلنا الفيلم إلى ما يشبه السباق مع الزمن أو الصراع، فقبل وصول الوباء إلى أماكن أخرى تدفع السلطات إلى إقفال كل شيء، لهذا على الجميع إنهاء المهمة.
سوف نتذكر هنا فيلم “جيش الموتى” للمخرج زاك سيندرس وكان قد مثل فيه الممثل الرئيس في هذا الفيلم ماثياس شويغهوفر، وكنا قد ناقشناه في هذه الصفحة في آخر شهر مايو الماضي، وكأننا قد انتقلنا إلى سلسلة الأحداث المرتبطة بالسطو على المصارف بهذه الطريقة، في وقت كان جيش الموتى ينتشر في لاس فيغاس الأميركية وعمليات إبادة البشر على أشدها، كانت هنالك ثلة من السراق يكملون مهمتهم بالسطو على الخزانات العملاقة لعدد من البنوك المختارة بعناية.
مدينة القمار الشهيرة سوف تتحوّل إلى مدينة زومبي بامتياز بسبب تفشي الوباء في أوساط السكان، ممّا يستدعي عزلها عن سائر الولايات الأميركية وترك من فيها لقدرهم.
على هذه الخلفية وبعد مشاهد فنتازية في نوادي القمار والتعرّي يكون قد تحوّل كل من فيها إلى زومبي، بينما هناك خزانة ضخمة بكمّ هائل من الأموال، ويتم تكليف سكوت (الممثل ديف بوتيستا) بتشكيل فريق محترف يجازف بحياته ويذهب إلى عقر دار الزومبي، ويخترق أماكنهم وصولا إلى عمارة بعينها تقع في أحد طوابقها تلك الخزانة.
بتكثيف استخدام مشاهد الحركة والمفارقات الكوميدية، ما يجعل هذا النوع من الدراما قريبا من الجمهور
ومنذ البداية ينجح المخرج في اختيار ممثلين متنوّعين مختلفي الأهواء ومختلفي الأهداف لأداء تلك المهمة، ويتحوّل المال إلى غاية تستحق تلك المغامرة، وتكون المهمة سببا في عودة ديف إلى ابنته كيت (الممثلة إيلا بوميل) التي تعنى بمهمة إنسانية لإنقاذ فتاتين وأمّهما من الزومبي.
وبحسب هذه المقاربة يمكن النظر إلى الفيلمين على أنهما نسجا مسارات سردية متشابهة مع أنها مفصولة مكانيا، إلا أن ثمة وشيجة ورابطا بينهما لجهة طريقة سرد الأحداث، وخلال ذلك السعي للوصول إلى تلك الخزانات السرية الفظيعة التي شكلت محور ثيمتي الفيلمين.
لكن في المقابل سوف نكتشف مفارقات اللحظات الأخيرة من إتمام المهمة وما بعدها من تخلي أليكسيس عن إنقاذ سيباستيان وهم يهمون بالفرار، وكان ذلك بسبب الإحساس المتفاقم بالغيرة لجهة غويندولين، ويجد سيباستيان فعلا نفسه وحيدا ووجها لوجه مع قدره إذ تم التخلي عنه، ولهذا سوف يبقى هو الوحيد الذي تطارده الشرطة من مكان إلى آخر في سلسلة من مشاهد الحركة المتميزة والمصنوعة بعناية.
ولعل الملفت للنظر هنا هو قدرة أليكسيس على الخروج من الأزمة الذاتية والعاطفية، لاسيما وأنه غير مصدق بتخلص غويندولين منه بهذه السهولة، بعد أن أكمل المهمة الأولى، ولهذا فإنه يخوض مطاردة بلا هوادة مع أجهزة الشرطة بينما تخوض غويندولين نزاعا مع صديقها وتقرر بالنتيجة التخلي عنه والبحث عن سيباستيان والاعتذار منه، ومن ثم إقناعه لكي يمضيان في المهمة كما في السابق.
دراما اللصوص في مقابل رجال الشرطة ومهارات وذكاء العصابات التي صارت عابرة للحدود والدول، كما في هذا الفيلم الذي يمتلك من عناصر المتعة، خاصة بتكثيف استخدام مشاهد الحركة والمفارقات الكوميدية، ما يجعل هذا النوع من الدراما قريبا من الجمهور ومؤهلا لكي يحقق نتائج جيدة على صعيد شباك التذاكر.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن