كائنات فضائية مسعورة تهبط إلى الأرض وتعبث بالبشر
"السماء البيضاء".. مصابون بوباء خطير يحاصرون أربعة أشخاص في غابة مغلقة ويحولونهم إلى زومبي.
الاثنين 2021/11/01
انشرWhatsAppTwitterFacebook
تأهب مستمّر وفزع دائم
لا شك أن أجواء الأوبئة والأمراض التي تتفشى فجأة تقدّم موضوعا إضافيا يعزّز تجارب سينما الخيال العلمي ويبني على تلك القصص واقعا موازيا يظهر معاناة البشر الناجين من الوباء، وكيف يمضون أيامهم ويمارسون حياتهم وهم في مواجهة تدفّق أولئك المصابين، وهو ما يظهر عادة في أفلام الزومبي أو في أفلام أخرى تُحاكي هذا النوع من الأفلام بشكل أو بآخر. كما هو الحال، ولو بشكل مقتضب، مع فيلم “السماء البيضاء” للمخرج آدم ويلسون.
يندرج فيلم “السماء البيضاء” للمخرج آدم ويلسون ضمن فئة سينما الخيال العلمي التي تحاكي أفلام الزومبي، مستعرضا مجموعة من الشخصيات التي تجد نفسها تصارع من أجل البقاء، وسط عوامل وأسباب غير مسيطر عليها تجعل الشخصيات في حالة من التأهب المستمّر والفزع الدائم.
ويقدّم الفيلم أربع شخصيات رئيسية هي التي تقود الأحداث في هذه الدراما الفيلمية، وخلال معاناتهم ومواجهاتهم تتكشّف أهدافهم وطباعهم وسلوكياتهم، فالفكرة تنطلق من قيام جوش (الممثل جوردان ماكفارين) برحلة في الغابة هو وصديقته هايلي (الممثلة ناتالي مارتنز)، وهي تصرّ على أن تصحبهما أختها سينا (الممثلة ماكينا غويلر) لغرض الترفيه عنها بسبب معاناتها من الإدمان.
لكن ما لم يكن في الحسبان ومع الساعات الأولى لمكوثهم في الغابة، وهم في مخيمهم البسيط تقع مفاجآت غريبة وغير متوقعة، فتارة يسمعون أصواتا في الغابة وتارة أخرى تتراءى لهم أضواء في السماء، ثم لتكتمل الصورة من خلال هجوم أشخاص يشبهون كائنات الفامباير وهم يسيرون بلا هدف وسط الغابة.
من هنا سوف يبدأ الصراع والمفاجآت والمطاردات بين الفريقين، وخاصة بعد انضمام ليام (الممثل إيد ديمبرلين) الذي هو على معرفة بتحركات تلك الكائنات المسعورة، كما أنه يعزّز من فرص نجاة الثلاثة من المأزق الذي هم فيه، لكن ذلك لن يخلّص المجموعة من الحالة التي تعيشها سينا، والتي تعاني بشدة من آثار الإدمان وتصبح غريبة الأطوار بين الحين والآخر، فيما هي تواجه صعوبة في التخلي عن تعاطي المخدرات، وهو ما يساعدها ليام فيه، فيما هو يشتّت المجموعة ويحول دون مسعاهم المشترك للنجاة.
على أن التحوّل الدرامي الجذري في مسار الأحداث يكمن في تعرّض جوش إلى جرح بسبب هجوم أحد المصابين عليه، وهو الذي سوف يتفاعل في ما بعد إلى درجة تجعله لا يتمكّن من السيطرة على تصرفاته، وخلال ذلك يتمّ تعزيز الفيلم بمشاهد إنسانية تتمثّل في عطف هايلي عليه ومساعدتها له حتى اللحظة الأخيرة، بينما يعمد ليام إلى تكميم فمها وتكتيفها لكي تقع ضحية لهجوم صديقها جوش، وبالتالي التخلص من كليهما.
الفيلم يتتبّع مسار شخصيات معزولة عن العالم الخارجي لا تملك الكثير من الخيارات أمام حصار يضربه عليهم مصابون بوباء خطير
في واقع الأمر لن نخرج كثيرا عن نطاق الدوامة التي لا تكاد تنتهي في وسط تلك الغابة المتشعبّة، فيما الشخصيات تتنقل بين أحراشها وبين الحين والآخر تتعرّض إلى مخاطر جديدة بسبب هجوم المزيد من المصابين في سلسلة من مشاهد الترقب والهلع الشديد الذي تعاني منه الشخصيات بسبب التحوّلات المفاجئة.
ولكي نقتنع أكثر بكون الكارثة كبيرة وخارجة عن السيطرة تظهر في العمق كتلة معلقة في السماء أقرب إلى مركبة فضائية عملاقة، فضلا عن لقطات قصف وانفجارات وتحليق طائرات مقاتلة ومروحية، لكن المخرج أخفق في ربط كل هذه الصور بالأحداث الرئيسية.
وكانت محاولة تشغيل جهاز الراديو حلا معقولا لكي نستمع ونعلم شيئا عمّا يجري، وما هو السبب وراء كل ما يحدث، مع أن المخرج أراد من خلال ذلك الإيحاء بأن كارثة ما قد ضربت الأرض مصحوبة بهجوم فضائي، لكنه لم يطوّر هذه الفرضية ولم يتقدّم بها خطوة إلى الأمام وترك الفكرة وهي مفتوحة على المجهول.
وأما إذا عدنا إلى دوافع الشخصيات في هذه الدراما الفيلمية، فإننا نجد تعارضا ملحوظا ما بين جوش وصديقته من جهة وليام وسينا من جهة أخرى، وكأنهما قد شكّلا فريقين متعارضين يسعى كل منهما لتحقيق أهدافه منفصلا عن الآخرين، لكن ليام وسينا كانا أكثر لامبالاة ولم تكن أفعالهما لتتناسب مع خطورة الأزمة، حيث كان كل هم ليام هو التخلص من جوش مشهرا مسدسه باتجاهه مرارا حتى فتك به الفايروس وقتله.
وبسبب محدودية الأحداث في تلك الغابة المغلقة فقد كان ذلك حيزا مكانيا لا خروج منه، وبذلك كانت المجموعة المعزولة عن العالم الخارجي لا تملك الكثير من الخيارات أمامها، كما أن المخرج لم يتعمّق كثيرا في الغوص في تفاصيل الشخصيات وأهدافها ودوافعها وما يدور حولها وترك مساحات للعديد من الأسئلة دون تقديم أي إجابة عنها.
في المقابل كانت هايلي هي الأكثر توازنا ومنطقية في ردود أفعالها ومواقفها، وهي التي حرصت على تكامل المجموعة لكي تتخلّص من المأزق، كما أنها هي التي ظلت تحرص على تخليص شقيقتها من الإدمان وإقناعها بذلك مرارا، لكن تلك المواقف مجتمعة لم تكن ذات جدوى أمام عبثية سينا وأنانية ليام وإصابة جوش، وبذلك بقيت هايلي الناجية الوحيدة والمتوازنة في فضاء مجهول ومعبأ بالأسرار والمفاجآت، وذلك في إطار مقاربة ومعالجة درامية لثيمة من ثيمات الخيال العلمي لم تفلح في تقديم الكثير من النجاحات الإخراجية والعناصر الجمالية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
"السماء البيضاء".. مصابون بوباء خطير يحاصرون أربعة أشخاص في غابة مغلقة ويحولونهم إلى زومبي.
الاثنين 2021/11/01
انشرWhatsAppTwitterFacebook
تأهب مستمّر وفزع دائم
لا شك أن أجواء الأوبئة والأمراض التي تتفشى فجأة تقدّم موضوعا إضافيا يعزّز تجارب سينما الخيال العلمي ويبني على تلك القصص واقعا موازيا يظهر معاناة البشر الناجين من الوباء، وكيف يمضون أيامهم ويمارسون حياتهم وهم في مواجهة تدفّق أولئك المصابين، وهو ما يظهر عادة في أفلام الزومبي أو في أفلام أخرى تُحاكي هذا النوع من الأفلام بشكل أو بآخر. كما هو الحال، ولو بشكل مقتضب، مع فيلم “السماء البيضاء” للمخرج آدم ويلسون.
يندرج فيلم “السماء البيضاء” للمخرج آدم ويلسون ضمن فئة سينما الخيال العلمي التي تحاكي أفلام الزومبي، مستعرضا مجموعة من الشخصيات التي تجد نفسها تصارع من أجل البقاء، وسط عوامل وأسباب غير مسيطر عليها تجعل الشخصيات في حالة من التأهب المستمّر والفزع الدائم.
ويقدّم الفيلم أربع شخصيات رئيسية هي التي تقود الأحداث في هذه الدراما الفيلمية، وخلال معاناتهم ومواجهاتهم تتكشّف أهدافهم وطباعهم وسلوكياتهم، فالفكرة تنطلق من قيام جوش (الممثل جوردان ماكفارين) برحلة في الغابة هو وصديقته هايلي (الممثلة ناتالي مارتنز)، وهي تصرّ على أن تصحبهما أختها سينا (الممثلة ماكينا غويلر) لغرض الترفيه عنها بسبب معاناتها من الإدمان.
لكن ما لم يكن في الحسبان ومع الساعات الأولى لمكوثهم في الغابة، وهم في مخيمهم البسيط تقع مفاجآت غريبة وغير متوقعة، فتارة يسمعون أصواتا في الغابة وتارة أخرى تتراءى لهم أضواء في السماء، ثم لتكتمل الصورة من خلال هجوم أشخاص يشبهون كائنات الفامباير وهم يسيرون بلا هدف وسط الغابة.
من هنا سوف يبدأ الصراع والمفاجآت والمطاردات بين الفريقين، وخاصة بعد انضمام ليام (الممثل إيد ديمبرلين) الذي هو على معرفة بتحركات تلك الكائنات المسعورة، كما أنه يعزّز من فرص نجاة الثلاثة من المأزق الذي هم فيه، لكن ذلك لن يخلّص المجموعة من الحالة التي تعيشها سينا، والتي تعاني بشدة من آثار الإدمان وتصبح غريبة الأطوار بين الحين والآخر، فيما هي تواجه صعوبة في التخلي عن تعاطي المخدرات، وهو ما يساعدها ليام فيه، فيما هو يشتّت المجموعة ويحول دون مسعاهم المشترك للنجاة.
على أن التحوّل الدرامي الجذري في مسار الأحداث يكمن في تعرّض جوش إلى جرح بسبب هجوم أحد المصابين عليه، وهو الذي سوف يتفاعل في ما بعد إلى درجة تجعله لا يتمكّن من السيطرة على تصرفاته، وخلال ذلك يتمّ تعزيز الفيلم بمشاهد إنسانية تتمثّل في عطف هايلي عليه ومساعدتها له حتى اللحظة الأخيرة، بينما يعمد ليام إلى تكميم فمها وتكتيفها لكي تقع ضحية لهجوم صديقها جوش، وبالتالي التخلص من كليهما.
الفيلم يتتبّع مسار شخصيات معزولة عن العالم الخارجي لا تملك الكثير من الخيارات أمام حصار يضربه عليهم مصابون بوباء خطير
في واقع الأمر لن نخرج كثيرا عن نطاق الدوامة التي لا تكاد تنتهي في وسط تلك الغابة المتشعبّة، فيما الشخصيات تتنقل بين أحراشها وبين الحين والآخر تتعرّض إلى مخاطر جديدة بسبب هجوم المزيد من المصابين في سلسلة من مشاهد الترقب والهلع الشديد الذي تعاني منه الشخصيات بسبب التحوّلات المفاجئة.
ولكي نقتنع أكثر بكون الكارثة كبيرة وخارجة عن السيطرة تظهر في العمق كتلة معلقة في السماء أقرب إلى مركبة فضائية عملاقة، فضلا عن لقطات قصف وانفجارات وتحليق طائرات مقاتلة ومروحية، لكن المخرج أخفق في ربط كل هذه الصور بالأحداث الرئيسية.
وكانت محاولة تشغيل جهاز الراديو حلا معقولا لكي نستمع ونعلم شيئا عمّا يجري، وما هو السبب وراء كل ما يحدث، مع أن المخرج أراد من خلال ذلك الإيحاء بأن كارثة ما قد ضربت الأرض مصحوبة بهجوم فضائي، لكنه لم يطوّر هذه الفرضية ولم يتقدّم بها خطوة إلى الأمام وترك الفكرة وهي مفتوحة على المجهول.
وأما إذا عدنا إلى دوافع الشخصيات في هذه الدراما الفيلمية، فإننا نجد تعارضا ملحوظا ما بين جوش وصديقته من جهة وليام وسينا من جهة أخرى، وكأنهما قد شكّلا فريقين متعارضين يسعى كل منهما لتحقيق أهدافه منفصلا عن الآخرين، لكن ليام وسينا كانا أكثر لامبالاة ولم تكن أفعالهما لتتناسب مع خطورة الأزمة، حيث كان كل هم ليام هو التخلص من جوش مشهرا مسدسه باتجاهه مرارا حتى فتك به الفايروس وقتله.
وبسبب محدودية الأحداث في تلك الغابة المغلقة فقد كان ذلك حيزا مكانيا لا خروج منه، وبذلك كانت المجموعة المعزولة عن العالم الخارجي لا تملك الكثير من الخيارات أمامها، كما أن المخرج لم يتعمّق كثيرا في الغوص في تفاصيل الشخصيات وأهدافها ودوافعها وما يدور حولها وترك مساحات للعديد من الأسئلة دون تقديم أي إجابة عنها.
في المقابل كانت هايلي هي الأكثر توازنا ومنطقية في ردود أفعالها ومواقفها، وهي التي حرصت على تكامل المجموعة لكي تتخلّص من المأزق، كما أنها هي التي ظلت تحرص على تخليص شقيقتها من الإدمان وإقناعها بذلك مرارا، لكن تلك المواقف مجتمعة لم تكن ذات جدوى أمام عبثية سينا وأنانية ليام وإصابة جوش، وبذلك بقيت هايلي الناجية الوحيدة والمتوازنة في فضاء مجهول ومعبأ بالأسرار والمفاجآت، وذلك في إطار مقاربة ومعالجة درامية لثيمة من ثيمات الخيال العلمي لم تفلح في تقديم الكثير من النجاحات الإخراجية والعناصر الجمالية.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن