"الطفرة" تجربة جينية تقود إلى نهايات مأساوية
كائن وحشي مهجّن يتمرّد على مطوّريه ويفتك بمن حوله دون هوادة.
الاثنين 2021/10/18
انشرWhatsAppTwitterFacebook
خطر داهم من الخلف
في المستقبليات التي تعيشها البشرية هناك الذكاء الاصطناعي وعلم الوراثة والجينات وما يتبعه، ممّا عرف بالاستنساخ، وكلها اشتغلت عليها سينما الخيال العلمي وأسبغت عليها أجواءً من الصراع المحموم، بعد أن تتمرّد القوى والقدرات والنماذج التي ابتكرها الإنسان لخدمته، لتصبح عدوّا له، ومن ذلك حروب الروبوت والذكاء الاصطناعي على البشر.
يعالج فيلم “الطفرة” للمخرج وكاتب السيناريو سكوت جيفري ثيمة طالما اشتغلت عليها سينما الخيال العلمي، والمتمثلة في صراع الإنسان ضدّ الذكاء الاصطناعي، من خلال إجراء تجارب جينية تفضي إلى إحداث طفرات كبيرة في الكائنات التي يتم إجراء التجارب عليها، وذلك من خلال قيام بيتر (الممثل نك دامان) بإجراء تجارب في منزله بمشاركة زوجته الطبيبة سارا (الممثلة سارا كوهين)، وسوف تنتهي هذه التجارب نهاية مأساوية في القسم الأول من الفيلم بهجوم كائن وحشي على بيتر وافتراسه بطريقة وحشية.
"الطفرة" بدا محاكاة مكرّرة لأفلام عديدة عالجت ثيمة الصراع المحموم بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، دون جديد يُذكر
تتحوّل قصة مقتل ذلك الطبيب إلى لغز محيّر لدى الشرطة بعد عجزها عن إيجاد السبب الحقيقي وراء مقتل ذلك الباحث من جهة، ووجود آثار مخالب حيوانية تدلّ على أن المفترس حيوان وحشي من جهة أخرى، ممّا يدفع أجهزة الشرطة إلى الاستعانة بعالم مختصّ في علم الحيوان، وبهذا النوع من الكائنات ذات المخلب، وهو البروفيسور ألين (الممثل ريكاردو فريتاس) الذي ما يلبث أن يبدأ تحرياته ويتأكّد من أن هناك كائنا وحشيا يقبع في مكان ما، ومن الممكن أن يخرج من مخبئه في أي لحظة لافتراس ضحاياه، وهو ما يدفعه إلى مطالبة الشرطة بأن تعلن نوعا من الإغلاق وتحذّر السكان من هذا الخطر الداهم. لكن الشرطة لن تستجيب لطلب كهذا.
والحاصل أننا أمام دراما يفترض أنها تحمل الكثير من الخوف والترقّب وهي خلاصة يوميات الدكتور ألين ومساعدته في تعقّب ذلك الكائن وجمع عينات قد تدلّ عليه، لكن ذلك المسار الدرامي لا يبدو كافيا لسدّ الثغرات المرتبطة بدوافع الشخصيات، لاسيما مع تداخل دور سارا التي تحوم حولها شبهات الشرطة بأن لها يدا في مقتل زوجها.
وها نحن مع مغامرة وترقّب ودراما مأساوية ما تلبث أن تتكرّر من خلال هجوم ذلك الكائن الوحشي على ضحاياه، فتارة يتم الهجوم في مقهى وتارة أخرى في زاوية معتّمة في طريق ما، وبذلك يتضخّم اللغز المرتبط بالقاتل المفترس وكيف استطاع أن يجد لنفسه مخبأ في مكان ما، وكيف يتربّص بضحاياه، وهو ما يدفع الطبيبة إلى التقرّب من البروفيسور الباحث بدعوى أنها تريد تقديم كافة المعلومات التي قد تسهّل الإمساك بالمفترس، ولكي تقتصّ هي بنفسها منه وذلك انتقاما منها لزوجها.
هذا النوع من الدراما، المرتبطة بتطوير الجينات الكامنة في حيوان ما يلبث أن يخرج عن السيطرة، يتحوّل إلى قضية رأي عام وأزمة كبرى تثبت العجز الكامل عن الوصول إلى أية نتيجة تُذكر. وحتى تجارب البروفيسور واقتفاؤه أثر ذلك الكائن بدَوَا شديديْ السطحية وغير مقنعيْن، وبدا دوره غير ذي أهمية كبيرة في السياق الفيلمي، فيما يفترض أنه سوف يستخدم أدواته العلمية للإيقاع بذلك الكائن، وإذا به -وفي مفارقة غريبة- يصبح هو أيضا أحد ضحاياه عندما يهجم عليه الكائن المفترس ويمزّق ظهره دون أن يقتله.
هذه المفارقة تدفع رجال الشرطة إلى المزيد من التدخل من أجل ملاحقة المفترس، لكن المبالغة في المسار الفيلمي تتّجه إلى عجز الجميع عن إلحاق أي ضرر بذلك المفترس، فلا ضربه بالرصاص يمكن أن يؤدّي إلى قتله أو إلحاق جرح به، وكأنه كائن مدرّع لا يؤثّر فيه إطلاق الرصاص، في وقت تقترب فيه سارا من الكائن المفترس وتكون قادرة على قتله، لكنها تعتذر متأسفة لنكتشف في ما بعد أنها هي المسؤولة عن تطوير ذلك الكائن جينيا، ومن ثم تمرّده وخروجه عن السيطرة.
كائن وحشيّ يتربّص بالجميع
يقدّم الفيلم سلسلة من المشاهد المصنوعة بمستوى ضعيف للغاية، وخاصة المشاهد التي يتسلّل فيها المفترس إلى أحد المطاعم ويجهز على ضحاياه تباعا، فيما الجميع لا يبدو عليهم أي رد فعل من الذعر أو إيجاد طريقة لمواجهته، ثم تشاء الصدف أن يكون ضابط التحقيق في مسألة الكائن المفترس جالسا في المطعم ذاته ويستغرق الأمر منه زمنا حتى يخرج المسدس من الحقيبة، وعندها يجهز عليه المفترس ويقضي عليه بطريقة وحشية.
ويكمل ذلك الإخفاق ضعف استخدام مشاهد الحركة والخدع السينمائية وضعف المونتاج، وكلها أضعفت المسار الفيلمي وجعلت بين هذا الفيلم وأفلام أخرى من هذا النوع فاصلة شاسعة، بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك في ما يخصّ المفترس نفسه الذي بدا واضحا أنه مجرّد جلد ورأس حيوان، فيما الذي يقوم بالحركات ممثل من الممثلين وهو أمر معتاد ومشروع إذا تكاملت العناصر الفنية الأخرى لتقديم شخصية مقنعة قائمة على المغامرة والترّقب، وهو ما لا يحصل هنا.
في موازاة ذلك زجّ المخرج بالعديد من الممثلين الذين توزّعت أدوارهم باتجاه الكشف عن القاتل المفترس، لكن ضعف القصة السينمائية والحبكات الثانوية أضعف البناء الدرامي برمته، وبدا هذا الفيلم مجرّد محاكاة مكرّرة لأفلام عديدة من هذا النوع مع أنه حاول الإبقاء على الحد الأدنى من الإثارة لأجل إقناعنا بأننا أمام مغامرة ممتعة ومرعبة في الوقت ذاته، لكنه لم يوفق في الوفاء لتلك المعادلة الصعبة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان