هايات غير سعيدة على الشاشات لحياة أرضية في حالة انهيار
المتغيرات التي يشهدها الكون والتهديد بنهايات مأساوية خلقا نوعا من الأفلام يختص بجماليات الديستوبيا الأرضية.
الأحد 2021/10/17
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مصائر مؤلمة في عالم منهار
يجري تداول الكثير عما آلت إليه المتغيرات على سطح الكرة الأرضية في ما يتعلق بالظواهر والنتائج المترتبة عن الاحتباس الحراري وما تواجهه البشرية من نهايات غير سعيدة ومخيفة، وهو ما ظلت الشاشات ساحة لنقل تفاصيله من خلال شخصيات تواجه المصاعب والتحديات في وسط عالم ديستوبي يمثل الانهيار الكامل على سطح تلك الأرض التي تعيش شيخوخة متوقعة وتداعيات غير محدودة مع خروج المتغيرات الجغرافية والطبيعية عن السيطرة.
ولعلها صورة تراجيدية مستقبلية تلك التي عني بها العديد من المخرجين وشهدت العديد من التجارب الملفتة للنظر والتي كان محورها الأساس هو الإنسان في وسط أزماته الطاحنة وهو يواجه قدره بصدر عار ولربما صار شائعا في موازاة ذلك أن تكتفي الحكومات بالتعبير عن القلق وفي أقصاها إعلان حالة الطوارئ لغرض التصدي للجائحة القادمة.
وعلى فرض أن هنالك ما يدفع بشكل جدي إلى هذا النوع من الأفلام فإنها يمكن أن تختصر بجماليات الديستوبيا الأرضية التي نحن بصددها.
قدمت السينما العالمية في أكثر من فيلم يعالج ثيمة الانهيار العظيم، شخصيات الزومبي التي تكون قد أصيبت بالوباء المترتب عن خراب العالم، وقد شهدنا مثل تلك القصص في العديد من أفلام الخيال العلمي حتى صارت شخصية الزومبي المسعور والمتعطش للدماء علامة فارقة في مثل هذه النوعية من الأفلام.
ونستحضر هنا أفلاما من هذا النوع، نذكر منها أفلام “ليلة الموتى الأحياء” (إنتاج 1968)، “يوم الموتى” (1985)، “رجل المقبرة” (1994)، “فجر الموت” (2004)، وكل من فيلمي “بعد أسابيع” و”كوكب الرعب” (2007)، وأيضا “أرض الزومبي” و”ثلج ميت” (2009)، وأفلام أخرى كثيرة.
وفي الفيلم الجديد “صندوق الطيور” للمخرجة الحاصلة على الأوسكار والغزيرة الإنتاج سوزان بيير، سوف نكون في مواجهة نوع مختلف كليا من كائنات الزومبي، بل إنها تبدو وكأن وجودها عرضي في وسط الأزمة.
يوميات أحد الناجين من الكارثة
والحاصل أن وباء يفتك بروسيا تنقله وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات، يجعل البشر يمارسون أفعال الزومبي ثم يقدمون على الانتحار بأي طريقة، وفيما الجمهور يتفرج، إذ بالوباء يفتك بالناس في أماكن أخرى ومنها الولايات المتحدة.
تتعدد خطوط السرد في هذه الدراما المتصاعدة، حيث الأحداث مأخوذة من رواية حملت نفس العنوان للكاتب جوش ميلرمان، إذ ترتبط مالوري بإنسان ودود هو جندي سابق في العراق، وهو توم (الممثل تريفانت روديس) الذي يرعى مالوري وطفليها، علما أن الولادة تتم بمعجزة في أثناء احتجاز الجميع في منزل دوغلاس.
وحفل الفيلم بتحولات زمانية ومكانية فرضتها المعالجة السينمائية التي اعتمدتها المخرجة في التنقل بين أزمنة وأماكن من الماضي والحاضر، وهي معالجة كانت دافعا لغزارة تعبيرية وتنوع جمالي في الأماكن، وخاصة مشاهد هرب مالوري والطفلين ثم إبحارها معهما.
فيلم “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” هو فيلم آخر ينتمي لذات النوع وهو يقدم صورة لحلم الأميركان في حقبة الانهيار وهو ينتقل إلى فوضى عارمة.
ليس أكثر من أسبوع، وتهيج أميركا وتموج وتعجّ بالجريمة وتعمّ الفوضى ثم يعمّ الشلل التام ويعجز المجرمون عن ارتكاب جرائمهم، ويتم وصول السلطات إلى المسروقات الضخمة التي يراد الهرب بها إلى الخارج. هي خلاصة فيلم “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” للمخرج أوليفيه ميغاتون الذي تعرضه حاليا نتفليكس، والذي تزامن مع الاحتجاجات الأخيرة للشارع الأميركي.
ينجح المخرج في رسم صورة واقع شامل متّسع أصابه العطب وتفشّى فيه الخراب ولا يتردّد في استخدام اللقطات العامة التي تظهر كل التفاصيل، فهو لا يخشى أن تعلق صورة مشرقة وسط الخراب لأن نسبة الخراب تكون هي الطاغية.
قدم المخرج أوليفيه ميغاتون أسلوبا سرديا مميزا وحيث الفوضى تعمّ الشوارع المليئة بالمشردين والصعاليك، علاوة على القتل والتعدّي وتعرية الفتيات، هو كل ما يظهره الفيلم في جزئه الأخير، وهنا يقول تعليق عابر في الفيلم إن الحكومة الأميركية كان هدفها من كل هذا السيطرة على عقول الناس على اعتبارهم كانوا جميعا مجرد فئران تجارب.
وها نحن في زمن ما بعد الحرب العالمية الثالثة، وقد مرّ أكثر من عقد من السنين وجدت فيه البشرية نفسها عاجزة عن لمّ شتاتها بل إن الناجين لم يعد مهمّا من يكونون. ولكن الأهم هو ماذا سيفعلون وكيف سوف يوازنون مسار حياتهم حتى أن الكارثة أفقدتهم أسماءهم ولم يعودوا يستخدمون تلك الأسماء لمناداة بعضهم.
في مدخل كأنه لفيلم وثائقي، يستعرض المخرج أندرو جيلبيرت في فيلم “حافة الانقراض” يوميات أحد الناجين (الممثل لوك هوبسون) وهو الشخصية الرئيسية في العمل السينمائي، يعيش وحيدا في قبو يخزّن فيه الطعام واللوازم الأخرى بعدما صار الحصول على الغذاء أمرا بالغ الصعوبة.
وفي مثل هذه الأجواء التي تقدّمها العديد من أفلام الخيال العلمي سوف تبرز مهارات فردية مؤثرة. لكن في هذا الفيلم ضعفت فيه تلك المهارات بل إن الشخصية الرئيسية التي بدت مقنعة في أدائها، إلّا أنها كانت الأكثر هشاشة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
المتغيرات التي يشهدها الكون والتهديد بنهايات مأساوية خلقا نوعا من الأفلام يختص بجماليات الديستوبيا الأرضية.
الأحد 2021/10/17
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مصائر مؤلمة في عالم منهار
يجري تداول الكثير عما آلت إليه المتغيرات على سطح الكرة الأرضية في ما يتعلق بالظواهر والنتائج المترتبة عن الاحتباس الحراري وما تواجهه البشرية من نهايات غير سعيدة ومخيفة، وهو ما ظلت الشاشات ساحة لنقل تفاصيله من خلال شخصيات تواجه المصاعب والتحديات في وسط عالم ديستوبي يمثل الانهيار الكامل على سطح تلك الأرض التي تعيش شيخوخة متوقعة وتداعيات غير محدودة مع خروج المتغيرات الجغرافية والطبيعية عن السيطرة.
ولعلها صورة تراجيدية مستقبلية تلك التي عني بها العديد من المخرجين وشهدت العديد من التجارب الملفتة للنظر والتي كان محورها الأساس هو الإنسان في وسط أزماته الطاحنة وهو يواجه قدره بصدر عار ولربما صار شائعا في موازاة ذلك أن تكتفي الحكومات بالتعبير عن القلق وفي أقصاها إعلان حالة الطوارئ لغرض التصدي للجائحة القادمة.
وعلى فرض أن هنالك ما يدفع بشكل جدي إلى هذا النوع من الأفلام فإنها يمكن أن تختصر بجماليات الديستوبيا الأرضية التي نحن بصددها.
قدمت السينما العالمية في أكثر من فيلم يعالج ثيمة الانهيار العظيم، شخصيات الزومبي التي تكون قد أصيبت بالوباء المترتب عن خراب العالم، وقد شهدنا مثل تلك القصص في العديد من أفلام الخيال العلمي حتى صارت شخصية الزومبي المسعور والمتعطش للدماء علامة فارقة في مثل هذه النوعية من الأفلام.
ونستحضر هنا أفلاما من هذا النوع، نذكر منها أفلام “ليلة الموتى الأحياء” (إنتاج 1968)، “يوم الموتى” (1985)، “رجل المقبرة” (1994)، “فجر الموت” (2004)، وكل من فيلمي “بعد أسابيع” و”كوكب الرعب” (2007)، وأيضا “أرض الزومبي” و”ثلج ميت” (2009)، وأفلام أخرى كثيرة.
وفي الفيلم الجديد “صندوق الطيور” للمخرجة الحاصلة على الأوسكار والغزيرة الإنتاج سوزان بيير، سوف نكون في مواجهة نوع مختلف كليا من كائنات الزومبي، بل إنها تبدو وكأن وجودها عرضي في وسط الأزمة.
يوميات أحد الناجين من الكارثة
والحاصل أن وباء يفتك بروسيا تنقله وسائل الإعلام وشاشات الفضائيات، يجعل البشر يمارسون أفعال الزومبي ثم يقدمون على الانتحار بأي طريقة، وفيما الجمهور يتفرج، إذ بالوباء يفتك بالناس في أماكن أخرى ومنها الولايات المتحدة.
تتعدد خطوط السرد في هذه الدراما المتصاعدة، حيث الأحداث مأخوذة من رواية حملت نفس العنوان للكاتب جوش ميلرمان، إذ ترتبط مالوري بإنسان ودود هو جندي سابق في العراق، وهو توم (الممثل تريفانت روديس) الذي يرعى مالوري وطفليها، علما أن الولادة تتم بمعجزة في أثناء احتجاز الجميع في منزل دوغلاس.
وحفل الفيلم بتحولات زمانية ومكانية فرضتها المعالجة السينمائية التي اعتمدتها المخرجة في التنقل بين أزمنة وأماكن من الماضي والحاضر، وهي معالجة كانت دافعا لغزارة تعبيرية وتنوع جمالي في الأماكن، وخاصة مشاهد هرب مالوري والطفلين ثم إبحارها معهما.
فيلم “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” هو فيلم آخر ينتمي لذات النوع وهو يقدم صورة لحلم الأميركان في حقبة الانهيار وهو ينتقل إلى فوضى عارمة.
ليس أكثر من أسبوع، وتهيج أميركا وتموج وتعجّ بالجريمة وتعمّ الفوضى ثم يعمّ الشلل التام ويعجز المجرمون عن ارتكاب جرائمهم، ويتم وصول السلطات إلى المسروقات الضخمة التي يراد الهرب بها إلى الخارج. هي خلاصة فيلم “الأيام الأخيرة للجريمة في أميركا” للمخرج أوليفيه ميغاتون الذي تعرضه حاليا نتفليكس، والذي تزامن مع الاحتجاجات الأخيرة للشارع الأميركي.
ينجح المخرج في رسم صورة واقع شامل متّسع أصابه العطب وتفشّى فيه الخراب ولا يتردّد في استخدام اللقطات العامة التي تظهر كل التفاصيل، فهو لا يخشى أن تعلق صورة مشرقة وسط الخراب لأن نسبة الخراب تكون هي الطاغية.
قدم المخرج أوليفيه ميغاتون أسلوبا سرديا مميزا وحيث الفوضى تعمّ الشوارع المليئة بالمشردين والصعاليك، علاوة على القتل والتعدّي وتعرية الفتيات، هو كل ما يظهره الفيلم في جزئه الأخير، وهنا يقول تعليق عابر في الفيلم إن الحكومة الأميركية كان هدفها من كل هذا السيطرة على عقول الناس على اعتبارهم كانوا جميعا مجرد فئران تجارب.
وها نحن في زمن ما بعد الحرب العالمية الثالثة، وقد مرّ أكثر من عقد من السنين وجدت فيه البشرية نفسها عاجزة عن لمّ شتاتها بل إن الناجين لم يعد مهمّا من يكونون. ولكن الأهم هو ماذا سيفعلون وكيف سوف يوازنون مسار حياتهم حتى أن الكارثة أفقدتهم أسماءهم ولم يعودوا يستخدمون تلك الأسماء لمناداة بعضهم.
في مدخل كأنه لفيلم وثائقي، يستعرض المخرج أندرو جيلبيرت في فيلم “حافة الانقراض” يوميات أحد الناجين (الممثل لوك هوبسون) وهو الشخصية الرئيسية في العمل السينمائي، يعيش وحيدا في قبو يخزّن فيه الطعام واللوازم الأخرى بعدما صار الحصول على الغذاء أمرا بالغ الصعوبة.
وفي مثل هذه الأجواء التي تقدّمها العديد من أفلام الخيال العلمي سوف تبرز مهارات فردية مؤثرة. لكن في هذا الفيلم ضعفت فيه تلك المهارات بل إن الشخصية الرئيسية التي بدت مقنعة في أدائها، إلّا أنها كانت الأكثر هشاشة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن