مشروع صحي غامض يحوّل البشر إلى كائنات مدمّرة
"المزروع".. حين يسيطر الذكاء الاصطناعي على عقل امرأة ويدفعها إلى ارتكاب جرائم لا تنتهي.
الاثنين 2021/10/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
شخصية طيّعة لا تملك مصيرها
يتغلغل الذكاء الاصطناعي في الواقع اليومي للبشر ويصل إلى أدقّ تفاصيل الحياة الشخصية إلى درجة تمكّنه من الذهاب بعيدا في الخيال حد السيطرة والتحكّم الكلي في قدرات الكائن البشري، فيوقعه في جرائم لا حصر لها ولا مصلحة له فيها. وهذا ما يقدّمه فيلم الخيال العلمي الجديد “المزروع” للمخرج فابيان دوفيل.
يستعرض فيلم “المزروع” للمخرج فابيان دوفيل الكثير من التفاصيل الغامضة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فهناك حياة ظاهرية أمامنا لشخصيات وأماكن ما تلبث أن تنقلب رأسا على عقب من خلال ما تفعله شخصيات تعمل من وراء الستار، وتستخدم ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي من مستويات متقدّمة لتحقيق العديد من الأهداف الغامضة، بما في ذلك ما يقتضيه الوصول إلى الهدف من تجنيد للبشر والسيطرة الكاملة عليهم من خلال النفاذ إلى نقاط ضعفهم.
ويقدّم الفيلم سارة (الممثلة ميشيل غيرولامي) التي تعيش حالة من الاغتراب والإحباط الشديد تجاه الكثير ممّا يجري حولها حتى تتجسّم أمامها فاصلة تستدعي منها أن تبحث عن حل لنفسها، وبالطبع سوف يكون الحصول على المال بطريقة سهلة هو حلم الغالبية من البشر، ولهذا لم يكن أمامها سوى الانضمام إلى مشروع يعرف بالعلاج الصحي الديناميكي، والذي هو باختصار شديد يعمل على تجنيد أناس مُطيعين ينفذّون ما يصلهم من أوامر بصمت وبلا أدنى ردّة فعل.
الخلايا الرقمية المزروعة في جسد البطلة تحوّلها إلى كائن طيّع ينفّذ الأوامر دون اعتراض، فإما أن تقتل أو تُقتل
في المقابل سوف تتعرّض سارة لعملية جراحية يتمّ فيها زرع خلايا رقمية تُتيح السيطرة عليها من خلال شخصية ليكس التي تُلقي عليها الأوامر، ومثل سارة هناك الكثيرون كما في المشاهد التي تظهر العديد من المتحمّسين للالتحاق بهذا العمل، وهم يقبلونه متفائلين، لكن من دون أن يعلموا ما سوف ينتظرهم.
على أن التحوّل في هذه الدراما الفيلمية هو ليس ما ألفناه من مشاهد تُظهر سارة في عزلتها وإحساسها بالفراغ والوحدة، بل من خلال الانتقال المباغت إلى الأوامر التي تصدر لها لكي تنتقم من أشخاص محدّدين، وخلال ذلك يتم توجيهها للذهاب إلى عناوين محدّدة، وهناك تقوم بتنفيذ الأوامر التي تصلها من ليكس مباشرة في رأسها تفرض عليها قتل من تتلقّى الأوامر بقتلهم.
الانتقال من الأجواء المرتبطة بعزلة الكائن إلى منطقة الجريمة هو التحوّل الجذري في هذه الدراما، حيث أن مفهوم الطاعة العمياء ما يلبث أن يتطوّر ويتدرّج وصولا إلى الطاعة في قتل أشخاص محدّدين.
وكما يبدو فإن العمليات الانتقامية الغامضة وتصفية الحسابات الحاصلة بين الأشخاص أو الشركات، حولّت سارة إلى أداة طيعة للتنفيذ دون أن تكون لها أي مصلحة فيها، ويلاحظ أنها تعجز في كل مرة عن رفض الأوامر التي تصلها من ليكس، فإما أن تقتل أو تُقتل، ولهذا فإنها لا تجد حلا لنفسها في تلك الأزمة سوى المضي في تنفيذ الأوامر وهي صاغرة.
في المقابل يقدّم المخرج سارة بوصفها شخصية إشكالية، فهي تظهر في العديد من المشاهد وهي تعيش حالة من الاغتراب المكاني، فالمدينة الهائلة لا تتّسع لأحلامها من جهة ولا توفّر لها أسباب حياة متوازنة، ولهذا فإنها تظهر في حجم متضائل أمام ناطحات السحاب والشوارع العريضة، وهي تعيش في وسط ذلك أقرب إلى المتشرّدة، وتظهر في لقطات أخرى وهي مجرد حجم صغير في فلاة واسعة لا حصر لها، كما تظهر أيضا غريبة عن البشر الذين لم تعد تنتمي إليهم بفضل التلاعب الذي وقع في داخل شخصيتها وغيّر من سلوكها وطريقة تفكيرها.
ومن جهة أخرى وفي موازاة ذلك الشعور المرير والقاسي بالاغتراب المكاني، فإن سارة تبقى مشدودة إلى أسرتها، خاصة والديها، ولهذا فإنها في سعيها للحفاظ عليها تعلن استعدادها للقيام بجميع المهام التي تكلّف بها في مقابل حماية والديها وعدم تعرّضهما للأذى، وذلك ما سوف نشاهده في العديد من المواقف التي يتمّ فيها ابتزازها بوالديها وحتى التعدّي عليها لغرض السيطرة عليها.
سيطرة الذكاء الاصطناعي على عقل امرأة
في المقابل تسعى سارة للتمرّد على ما هي عليه ومحاولة الخروج من برنامج الاستعباد الذي تخضع إليه صاغرة، لكنها تجد أن الذكاء الاصطناعي ما يلبث أن يرسل في إثرها قتلة مأجورين تم تجنيدهم لملاحقتها وحتى قتلها إذا اقتضت الضرورة في حال خروجها عن البروتوكولات التي عليها اتباعها.
وليس الانتقام الشخصي والتهديد بالتصفية القوة الوحيدة التي تشلّ حركة سارة بل إن النظام الذي تخضع له بالإمكان أن يشلّ قدراتها ويتسلّل إلى نقاط ضعفها حتى تسقط مغشيا عليها، وحتى تعلن الندم والعودة إلى ذلك النظام الصارم الذي يتحوّل إلى حلقة مغلقة من الصعب أو من المستحيل الخروج منها.
وهو ما سوف نشاهد نتائجه لاحقا في إجهازها على جون إليوت مدير البرنامج الذي يأتيها الأمر بوجوب التخلّص منه ومن قبله مصمّمة البرنامج غريس التي تحاول إنقاذ سارة، لكنها تتعرّض للاغتيال مباشرة، وفي النهاية يتوصّل الذكاء الاصطناعي مع سارة إلى التهديد الأخير، وهو استخدام فايروس تدميري يقضي على حياتها إن حاولت التمرّد مجدّدا أو الخروج على إرادة الذكاء الاصطناعي الصارمة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
"المزروع".. حين يسيطر الذكاء الاصطناعي على عقل امرأة ويدفعها إلى ارتكاب جرائم لا تنتهي.
الاثنين 2021/10/04
انشرWhatsAppTwitterFacebook
شخصية طيّعة لا تملك مصيرها
يتغلغل الذكاء الاصطناعي في الواقع اليومي للبشر ويصل إلى أدقّ تفاصيل الحياة الشخصية إلى درجة تمكّنه من الذهاب بعيدا في الخيال حد السيطرة والتحكّم الكلي في قدرات الكائن البشري، فيوقعه في جرائم لا حصر لها ولا مصلحة له فيها. وهذا ما يقدّمه فيلم الخيال العلمي الجديد “المزروع” للمخرج فابيان دوفيل.
يستعرض فيلم “المزروع” للمخرج فابيان دوفيل الكثير من التفاصيل الغامضة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فهناك حياة ظاهرية أمامنا لشخصيات وأماكن ما تلبث أن تنقلب رأسا على عقب من خلال ما تفعله شخصيات تعمل من وراء الستار، وتستخدم ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي من مستويات متقدّمة لتحقيق العديد من الأهداف الغامضة، بما في ذلك ما يقتضيه الوصول إلى الهدف من تجنيد للبشر والسيطرة الكاملة عليهم من خلال النفاذ إلى نقاط ضعفهم.
ويقدّم الفيلم سارة (الممثلة ميشيل غيرولامي) التي تعيش حالة من الاغتراب والإحباط الشديد تجاه الكثير ممّا يجري حولها حتى تتجسّم أمامها فاصلة تستدعي منها أن تبحث عن حل لنفسها، وبالطبع سوف يكون الحصول على المال بطريقة سهلة هو حلم الغالبية من البشر، ولهذا لم يكن أمامها سوى الانضمام إلى مشروع يعرف بالعلاج الصحي الديناميكي، والذي هو باختصار شديد يعمل على تجنيد أناس مُطيعين ينفذّون ما يصلهم من أوامر بصمت وبلا أدنى ردّة فعل.
الخلايا الرقمية المزروعة في جسد البطلة تحوّلها إلى كائن طيّع ينفّذ الأوامر دون اعتراض، فإما أن تقتل أو تُقتل
في المقابل سوف تتعرّض سارة لعملية جراحية يتمّ فيها زرع خلايا رقمية تُتيح السيطرة عليها من خلال شخصية ليكس التي تُلقي عليها الأوامر، ومثل سارة هناك الكثيرون كما في المشاهد التي تظهر العديد من المتحمّسين للالتحاق بهذا العمل، وهم يقبلونه متفائلين، لكن من دون أن يعلموا ما سوف ينتظرهم.
على أن التحوّل في هذه الدراما الفيلمية هو ليس ما ألفناه من مشاهد تُظهر سارة في عزلتها وإحساسها بالفراغ والوحدة، بل من خلال الانتقال المباغت إلى الأوامر التي تصدر لها لكي تنتقم من أشخاص محدّدين، وخلال ذلك يتم توجيهها للذهاب إلى عناوين محدّدة، وهناك تقوم بتنفيذ الأوامر التي تصلها من ليكس مباشرة في رأسها تفرض عليها قتل من تتلقّى الأوامر بقتلهم.
الانتقال من الأجواء المرتبطة بعزلة الكائن إلى منطقة الجريمة هو التحوّل الجذري في هذه الدراما، حيث أن مفهوم الطاعة العمياء ما يلبث أن يتطوّر ويتدرّج وصولا إلى الطاعة في قتل أشخاص محدّدين.
وكما يبدو فإن العمليات الانتقامية الغامضة وتصفية الحسابات الحاصلة بين الأشخاص أو الشركات، حولّت سارة إلى أداة طيعة للتنفيذ دون أن تكون لها أي مصلحة فيها، ويلاحظ أنها تعجز في كل مرة عن رفض الأوامر التي تصلها من ليكس، فإما أن تقتل أو تُقتل، ولهذا فإنها لا تجد حلا لنفسها في تلك الأزمة سوى المضي في تنفيذ الأوامر وهي صاغرة.
في المقابل يقدّم المخرج سارة بوصفها شخصية إشكالية، فهي تظهر في العديد من المشاهد وهي تعيش حالة من الاغتراب المكاني، فالمدينة الهائلة لا تتّسع لأحلامها من جهة ولا توفّر لها أسباب حياة متوازنة، ولهذا فإنها تظهر في حجم متضائل أمام ناطحات السحاب والشوارع العريضة، وهي تعيش في وسط ذلك أقرب إلى المتشرّدة، وتظهر في لقطات أخرى وهي مجرد حجم صغير في فلاة واسعة لا حصر لها، كما تظهر أيضا غريبة عن البشر الذين لم تعد تنتمي إليهم بفضل التلاعب الذي وقع في داخل شخصيتها وغيّر من سلوكها وطريقة تفكيرها.
ومن جهة أخرى وفي موازاة ذلك الشعور المرير والقاسي بالاغتراب المكاني، فإن سارة تبقى مشدودة إلى أسرتها، خاصة والديها، ولهذا فإنها في سعيها للحفاظ عليها تعلن استعدادها للقيام بجميع المهام التي تكلّف بها في مقابل حماية والديها وعدم تعرّضهما للأذى، وذلك ما سوف نشاهده في العديد من المواقف التي يتمّ فيها ابتزازها بوالديها وحتى التعدّي عليها لغرض السيطرة عليها.
سيطرة الذكاء الاصطناعي على عقل امرأة
في المقابل تسعى سارة للتمرّد على ما هي عليه ومحاولة الخروج من برنامج الاستعباد الذي تخضع إليه صاغرة، لكنها تجد أن الذكاء الاصطناعي ما يلبث أن يرسل في إثرها قتلة مأجورين تم تجنيدهم لملاحقتها وحتى قتلها إذا اقتضت الضرورة في حال خروجها عن البروتوكولات التي عليها اتباعها.
وليس الانتقام الشخصي والتهديد بالتصفية القوة الوحيدة التي تشلّ حركة سارة بل إن النظام الذي تخضع له بالإمكان أن يشلّ قدراتها ويتسلّل إلى نقاط ضعفها حتى تسقط مغشيا عليها، وحتى تعلن الندم والعودة إلى ذلك النظام الصارم الذي يتحوّل إلى حلقة مغلقة من الصعب أو من المستحيل الخروج منها.
وهو ما سوف نشاهد نتائجه لاحقا في إجهازها على جون إليوت مدير البرنامج الذي يأتيها الأمر بوجوب التخلّص منه ومن قبله مصمّمة البرنامج غريس التي تحاول إنقاذ سارة، لكنها تتعرّض للاغتيال مباشرة، وفي النهاية يتوصّل الذكاء الاصطناعي مع سارة إلى التهديد الأخير، وهو استخدام فايروس تدميري يقضي على حياتها إن حاولت التمرّد مجدّدا أو الخروج على إرادة الذكاء الاصطناعي الصارمة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن