الذكاء الاصطناعي يمتدّ إلى ما بعد خراب الأرض
"المنطقة 414".. شرطي تحرّ يبحث عن امرأة مفقودة وسط عالم ديستوبي قاحل.
الاثنين 2021/09/13
انشرWhatsAppTwitterFacebook
تحالف الإنسان والروبوت للوصول إلى الحقيقة
لا شك أن فكرة الاكتشاف والتحرّي هي إحدى الأفكار السائدة في أفلام الخيال العلمي، وخاصة تلك التي تقدّم صورة للمستقبل في ظل الديستوبيا القاتمة التي طالما تم توظيفها في هذا النوع من الأفلام. لكن الميزة المختلفة في فيلم “المنطقة 414” أن المستقبل والديستوبيا الأرضية يتزامنان مع تطوّر الذكاء الاصطناعي وتحوّل البشرية إلى كانتونات منعزلة.
يكرّس فيلم “المنطقة 414” للمخرج أندرو بيرد فكرة خراب الأرض مع تطوّر الذكاء الاصطناعي في عالم مستقبلي معزول، وإن بطريقة مغايرة ومعالجة مختلفة، لكنها سوف تدور في إطار ما خلفته سلسلة “متسابق المتاهة” في أذهاننا، ولهذا ما أن تشاهد هذا الفيلم المصنوع بعناية وإتقان، حتى تستذكر تلك السلسلة.
بعد مقابلة قصيرة مع ديفيد (الممثل غاي بيرس) سيتم تكليف شرطي التحرّي السابق وصاحب التاريخ المديد في العمليات السرية وتخليص الرهائن باسترجاع ابنة الملياردير فيدت (الممثل الأسترالي ترافيس فيمل) التي كانت قد دخلت المنطقة 414 واختفت في وسطها، ومن هنا سوف ننطلق في التعرّف على ذلك العالم الديستوبي المجهول.
"المنطقة 414" يستعرض واقعا مستقبليا يعيش فيه البشري والروبوتي حالة من الاغتراب وسط بيئة قاحلة
تقوم الفكرة على أساس أن تلك المنطقة محصنة وشديدة الحراسة وكان قد أنشأها فيدت لغرض تسويق الكائنات النسائية التي هي في أشكال بشرية وكأنها طبيعية، بينما هي مجرد روبوتات وكائنات تعمل بموجب بروتوكولات الذكاء الاصطناعي.
ومن منطلق أن ابنة الملياردير لا تريد أن تكون نسخة من أبيها وأن لا تكون مجرد وريثة مجد ليس لها فيه مجهود، تقرّر ولوج ذلك العالم المجهول وتختلط مع الكائنات الروبوتية التي يتم بيعها حتى لحظة اكتشافها مقتولة في ظروف غامضة.
يغوض ديفيد في ذلك العالم المجهول ويحاور النساء الروبوتيات اللائي عرفن ابنة الملياردير عن قرب حتى لقائه مع جين (الممثلة ماتيلدا لوتز) التي تؤدّي دورا بارعا يجمع بين كونها امرأة طبيعية وبين كونها كائنا روبوتيا.
وهنا تثار ثيمة المرأة والذكاء الاصطناعي والتي سبق وشاهدناها في العديد من الأفلام ومن أبرزها فيلم “إكس ماشينا” و”الذكاء الاصطناعي” و”أوتوماتا” و”إيف” و”روبو لاف” وغيرها، حيث يتم بناء شخصية جين على مستويين وهما فكرة تطوّر نظام الذكاء الاصطناعي لديها إلى درجة تحريك المشاعر، وفكرة التباعد مع البيئة المحيطة إلى درجة أن ذلك الكائن الاصطناعي يشعر بأنه في سجن داخل الذات.
ومن هذه المعطيات الفكرية والفلسفية والنفسية تبنى الحوارات المكتوبة بشكل متميّز في هذا الفيلم، والتي تقدّم واقعا مستقبليا يعيش فيه الطرفان البشري والروبوتي أو الاصطناعي حالة من الاغتراب في بيئة قاحلة.
أسرار غامضة تتكشّف تباعا
وإذا نظرنا في شخصية ديفيد في إطار تطوّر المسارات السردية بين الشخصيات، فإنه ذلك الشرطي السابق الذي يقول سجله إنه تم تسريحه من الخدمة بسبب مقتل صديق له بطريقة غير متعمدة أثناء العمل، وأنه عجز عن إنقاذ زوجته التي توفيت منتحرة، وكل ذلك يتم تلقينه إلى جين التي تكشف له عن تاريخه، ومن ثم تتفاعل معه من أجل العثور على ابنة الملياردير، ومن هناك يتم اكتشاف العالم السري للمنطقة 414.
لا يكتفي ديفيد بالمغامرة لوحدها بل إنه بحسه الأمني يضع شقيق الملياردير جوزيف (الممثل جوناثان آريس) في دائرة الاتهام، وهنا تقع المواجهة بينهما والتي تستدعي من جوزيف السعي لقتل الروبوت جين، والتي سيقع لها تطوّر آخر في تمرّدها على سيطرة النظام الرقمي وقدرتها بعد ذلك على الدفاع عن نفسها.
ينجح المخرج في تأسيس بيئة رقمية متكاملة وأجواء ديستوبية معزولة عن العالم الخارجي، ويوظف خلال ذلك ومن أجل تعزيز جماليات المكان الإضاءة وعناصر التصوير والغرافيك والموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية من أجل تعميق حالة الاغتراب المكاني، ومن أجل ترسيخ فكرة تلك البقعة المنقطعة عمّا حولها والتي تعجّ بأجناس وملامح شتى يتم تطويرها بشكل سري في ذلك المكان.
الفيلم تدور أحداثه في منطقة محصنة، أنشأت لتسويق كائنات نسائية تعمل بموجب بروتوكولات الذكاء الاصطناعي
وإذا ربطنا ما بين بداية الفيلم ومرحلة الذروة فيه سوف نجد خطا دراميا وسرديا بارعا تم الاشتغال عليه من خلال شخصية ديفيد، فها هو في المشاهد الأولى يطلق النار على امرأة من ذات الفصيلة المتطوّرة صناعيا، ولا يكتفي بذلك بل إنه يقوم بانتزاع العقل الرقمي المستقرّ في دماغها، وبذلك بدأ رحلته في التعامل مع تلك الكائنات ومن ثم مصاحبة جين والتقاء هدفيهما في خوض المغامرة إلى نهايتها.
ويحسب للمخرج أيضا اختياره المتقن لمجمل الشخصيات بملامحها المميّزة التي انسجمت مع ثيمة الفيلم الأساسية حتى تكاملت الأجواء وملامح الشخصيات مع الواقع الغريب المحيط، والذي يعجّ بتلك الكائنات مع استمرار ملفت لاستخدام الجانب الصوتي في شكل نداءات متكرّرة موجّهة إلى المتواجدين في تلك المستعمرة المجهولة إلى إتباع التعليمات في كل ما يتعلق بتواجدها وحركتها في ذلك المكان.
في المقابل تم توسيع دور الشخصية الرئيسية ديفيد، فهو لن يتقيّد بتوجيه الملياردير بصرف النظر عن التحقيق بل إنه يعود إلى سيرته البوليسية في التحرّي والوصول إلى الحقيقة،
وهو ما يوصله إلى شخصية القاتل الحقيقي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
"المنطقة 414".. شرطي تحرّ يبحث عن امرأة مفقودة وسط عالم ديستوبي قاحل.
الاثنين 2021/09/13
انشرWhatsAppTwitterFacebook
تحالف الإنسان والروبوت للوصول إلى الحقيقة
لا شك أن فكرة الاكتشاف والتحرّي هي إحدى الأفكار السائدة في أفلام الخيال العلمي، وخاصة تلك التي تقدّم صورة للمستقبل في ظل الديستوبيا القاتمة التي طالما تم توظيفها في هذا النوع من الأفلام. لكن الميزة المختلفة في فيلم “المنطقة 414” أن المستقبل والديستوبيا الأرضية يتزامنان مع تطوّر الذكاء الاصطناعي وتحوّل البشرية إلى كانتونات منعزلة.
يكرّس فيلم “المنطقة 414” للمخرج أندرو بيرد فكرة خراب الأرض مع تطوّر الذكاء الاصطناعي في عالم مستقبلي معزول، وإن بطريقة مغايرة ومعالجة مختلفة، لكنها سوف تدور في إطار ما خلفته سلسلة “متسابق المتاهة” في أذهاننا، ولهذا ما أن تشاهد هذا الفيلم المصنوع بعناية وإتقان، حتى تستذكر تلك السلسلة.
بعد مقابلة قصيرة مع ديفيد (الممثل غاي بيرس) سيتم تكليف شرطي التحرّي السابق وصاحب التاريخ المديد في العمليات السرية وتخليص الرهائن باسترجاع ابنة الملياردير فيدت (الممثل الأسترالي ترافيس فيمل) التي كانت قد دخلت المنطقة 414 واختفت في وسطها، ومن هنا سوف ننطلق في التعرّف على ذلك العالم الديستوبي المجهول.
"المنطقة 414" يستعرض واقعا مستقبليا يعيش فيه البشري والروبوتي حالة من الاغتراب وسط بيئة قاحلة
تقوم الفكرة على أساس أن تلك المنطقة محصنة وشديدة الحراسة وكان قد أنشأها فيدت لغرض تسويق الكائنات النسائية التي هي في أشكال بشرية وكأنها طبيعية، بينما هي مجرد روبوتات وكائنات تعمل بموجب بروتوكولات الذكاء الاصطناعي.
ومن منطلق أن ابنة الملياردير لا تريد أن تكون نسخة من أبيها وأن لا تكون مجرد وريثة مجد ليس لها فيه مجهود، تقرّر ولوج ذلك العالم المجهول وتختلط مع الكائنات الروبوتية التي يتم بيعها حتى لحظة اكتشافها مقتولة في ظروف غامضة.
يغوض ديفيد في ذلك العالم المجهول ويحاور النساء الروبوتيات اللائي عرفن ابنة الملياردير عن قرب حتى لقائه مع جين (الممثلة ماتيلدا لوتز) التي تؤدّي دورا بارعا يجمع بين كونها امرأة طبيعية وبين كونها كائنا روبوتيا.
وهنا تثار ثيمة المرأة والذكاء الاصطناعي والتي سبق وشاهدناها في العديد من الأفلام ومن أبرزها فيلم “إكس ماشينا” و”الذكاء الاصطناعي” و”أوتوماتا” و”إيف” و”روبو لاف” وغيرها، حيث يتم بناء شخصية جين على مستويين وهما فكرة تطوّر نظام الذكاء الاصطناعي لديها إلى درجة تحريك المشاعر، وفكرة التباعد مع البيئة المحيطة إلى درجة أن ذلك الكائن الاصطناعي يشعر بأنه في سجن داخل الذات.
ومن هذه المعطيات الفكرية والفلسفية والنفسية تبنى الحوارات المكتوبة بشكل متميّز في هذا الفيلم، والتي تقدّم واقعا مستقبليا يعيش فيه الطرفان البشري والروبوتي أو الاصطناعي حالة من الاغتراب في بيئة قاحلة.
أسرار غامضة تتكشّف تباعا
وإذا نظرنا في شخصية ديفيد في إطار تطوّر المسارات السردية بين الشخصيات، فإنه ذلك الشرطي السابق الذي يقول سجله إنه تم تسريحه من الخدمة بسبب مقتل صديق له بطريقة غير متعمدة أثناء العمل، وأنه عجز عن إنقاذ زوجته التي توفيت منتحرة، وكل ذلك يتم تلقينه إلى جين التي تكشف له عن تاريخه، ومن ثم تتفاعل معه من أجل العثور على ابنة الملياردير، ومن هناك يتم اكتشاف العالم السري للمنطقة 414.
لا يكتفي ديفيد بالمغامرة لوحدها بل إنه بحسه الأمني يضع شقيق الملياردير جوزيف (الممثل جوناثان آريس) في دائرة الاتهام، وهنا تقع المواجهة بينهما والتي تستدعي من جوزيف السعي لقتل الروبوت جين، والتي سيقع لها تطوّر آخر في تمرّدها على سيطرة النظام الرقمي وقدرتها بعد ذلك على الدفاع عن نفسها.
ينجح المخرج في تأسيس بيئة رقمية متكاملة وأجواء ديستوبية معزولة عن العالم الخارجي، ويوظف خلال ذلك ومن أجل تعزيز جماليات المكان الإضاءة وعناصر التصوير والغرافيك والموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية من أجل تعميق حالة الاغتراب المكاني، ومن أجل ترسيخ فكرة تلك البقعة المنقطعة عمّا حولها والتي تعجّ بأجناس وملامح شتى يتم تطويرها بشكل سري في ذلك المكان.
الفيلم تدور أحداثه في منطقة محصنة، أنشأت لتسويق كائنات نسائية تعمل بموجب بروتوكولات الذكاء الاصطناعي
وإذا ربطنا ما بين بداية الفيلم ومرحلة الذروة فيه سوف نجد خطا دراميا وسرديا بارعا تم الاشتغال عليه من خلال شخصية ديفيد، فها هو في المشاهد الأولى يطلق النار على امرأة من ذات الفصيلة المتطوّرة صناعيا، ولا يكتفي بذلك بل إنه يقوم بانتزاع العقل الرقمي المستقرّ في دماغها، وبذلك بدأ رحلته في التعامل مع تلك الكائنات ومن ثم مصاحبة جين والتقاء هدفيهما في خوض المغامرة إلى نهايتها.
ويحسب للمخرج أيضا اختياره المتقن لمجمل الشخصيات بملامحها المميّزة التي انسجمت مع ثيمة الفيلم الأساسية حتى تكاملت الأجواء وملامح الشخصيات مع الواقع الغريب المحيط، والذي يعجّ بتلك الكائنات مع استمرار ملفت لاستخدام الجانب الصوتي في شكل نداءات متكرّرة موجّهة إلى المتواجدين في تلك المستعمرة المجهولة إلى إتباع التعليمات في كل ما يتعلق بتواجدها وحركتها في ذلك المكان.
في المقابل تم توسيع دور الشخصية الرئيسية ديفيد، فهو لن يتقيّد بتوجيه الملياردير بصرف النظر عن التحقيق بل إنه يعود إلى سيرته البوليسية في التحرّي والوصول إلى الحقيقة،
وهو ما يوصله إلى شخصية القاتل الحقيقي.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن