ما بعد خراب الأرض لن تبقى سوى الذكريات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما بعد خراب الأرض لن تبقى سوى الذكريات

    ما بعد خراب الأرض لن تبقى سوى الذكريات


    "ذكريات".. فيلم يبحر الناجون فيه من الديستوبيا نحو الماضي هربا من مستقبلهم المرير.
    الاثنين 2021/09/06
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    علاقة حب في الزمن الصعب

    لطالما تشكّلت في الأذهان صورة متخيّلة لشكل الحياة المدمّرة والأرض التي تغيّر شكلها وصعبت الحياة فيها، ولتنتقل من طور الحياة السعيدة إلى نوع من الديستوبيا المريرة التي تقدّم ثلة من البشر الناجين الذين يكابدون من أجل العيش، وتلك ليست إلاّ حصيلة قدّمتها وما تزال العديد من أفلام الخيال العلمي.

    يندرج فيلم “ذكريات” للمخرجة ليسا جوي ضمن أفلام الخيال العلمي التي تطرح ثيمة ما بعد الفناء، وهو إنتاج ضخم من “وارنر بروذرز” بتكلفة فاقت أربعة وخمسين مليون دولار، وقد وظفت له إمكانات إنتاجية كبيرة خاصة في المشاهد الخارجية، أما المشاهد الداخلية وهي التي تحتل أغلب مساحة الفيلم فإنها لم تتطلب الكثير من مستلزمات الإنتاج الضخم.

    والحاصل أن البشرية وهي تواجه مصيرها القاتم تجد نفسها في مفارقة ونقطة فاصلة ما بين الماضي السعيد والحاضر التعيس، ولهذا تجد في العودة إلى الماضي واستذكاره متعة خاصة، بالإضافة إلى ما يوفرّه ذلك النوع من الاسترجاع والذكريات من توثيق ومعلومات لأغراض المحاكم والقضايا الجنائية، وهو ما يضطلع به نيكولاس (الممثل هيو جاكمان) وشريكته في العمل إيميلي (الممثلة ثانديوي نيوتن).

    تلجأ المخرجة منذ بداية الفيلم إلى التعليق الخارجي (فويس أوفر) من وجهة نظر الشخصية الرئيسية نيكولاس الذي يكابد ذكريات الحرب التي نجهل كل شيء عنها، سوى أنها ذكرياته القاسية التي ما انفكت تلاحقه هو وزميلته إيميلي وهما يعيشان في مدينة أميركية مغمورة بالمياه، حيث انتشر فيها المشرّدون والعصابات وتحطمت السدود، وباتت الحياة تجري وقائعها غالبا في الليل لأن النهار يحمل معه درجة حرارة لا تطاق وإشعاعات قاتلة.

    يمضي نيكولاس يومياته في مهمة إخضاع زبائنه لما يشبه التنويم المغناطيسي داخل حوض للمياه ويتولى هو قيادتهم إلى ماضيهم، وعلى مساحة مقابلة يبدأ عرض الذكريات في شكل يشبه العرض المسرحي أو الصوري ثلاثي الأبعاد، فيما الشخصيات غارقة في غيبوبة تامة، وهناك سوف تتكشّف العديد من الحقائق حول نيكولاس.

    الفيلم يسرد رحلة مشوقة عبر الذاكرة، حيث يستحيل فيها استرجاع المرء للماضي نوعا من الإدمان اللذيذ، ولكنه استرجاع قاتل

    على أن التحوّل الدرامي الذي سوف يقلب الأحداث ويغيّر مسارها يبدأ ساعة ظهور ماي (الممثلة ريبيكا فورغيسون) التي تأتي طالبة المساعدة في العودة إلى الماضي لمعرفة المكان الذي فقدت فيه أشياء مهمة، ومن هنا تبدأ علاقتها مع نيكولاس وندخل بذلك في مسار سردي مواز للأحداث الجارية والمرتبطة بالديستوبيا، وهو خط درامي سوف يقودنا في ما بعد إلى عالم مخفي من العصابات وتجار المخدرات وفيهم عصابة آسيوية تصبح ماي في ما بعد خليلة زعيمها.

    تتراكم خيالات وذكريات نيكولاس سواء منها المرتبطة بمآسي الحرب أو تلك التي أوصلته إلى ذاكرة مشوّشة بأن وجود ماي كان على الدوام جزءا أساسيا من حياته، لكنه اليوم وبعد مرور عدة سنوات على علاقته بها تكون قد اختفت نهائيا وخلفت وراءها فراغا وحزنا في داخل نيكولاس.

    في موازاة ذلك تبرز العلاقة الإنسانية العميقة ما بين نيكولاس ومساعدته وشريكته إيميلي التي تبدو أكثر تعاطفا وحرصا عليه من أي شخص آخر، ولهذا فإن دورها يبدو مصمما بعناية، فهي تكمل دور نيكولاس وهي التي سوف تنقذه من موت محقّق على أيدي عصابة آسيوية، كما أن كليهما من المحاربين القدماء حيث كانا معا في الحرب.

    ونشهد مرارا كيف تعنى إيميلي بمشاعر نيكولاس وتخشى عليه، فيما هو يجابهها بشراسة مندفعا بلا روية بحثا عن حبيبته الغائبة.

    يأخذ الفيلم منحى رومانسيا مع الكثير ممّا هو عاطفي لجهة علاقة نيكولاس مع المغنية ماي التي سوف يكتشف جانبا من أسرار اختفائها بالصدفة، بينما هو يقدّم للشرطة معلومات عن عصابة إجرامية يتم إخضاع أحد عناصرها للتنويم المغناطيسي، وهو الذي سوف يكشف عن علاقة ماي بزعيم العصابة الآسيوية.

    وهكذا نمضي مع أحداث متقاطعة ما بين تلك الرحلات الافتراضية إلى الماضي وبين تصدّع الحياة في الحاضر وخرابها، وهنا تكون العودة إلى الماضي نوعا من الإدمان اللذيذ، ولكنه قد يكون قاتلا ومؤذيا خاصة بالنسبة إلى نيكولاس وهو الذي في كل مرة يغطس مسترجعا ذكرياته مع حبيبته ماي حتى بدت تلك العلاقة الرومانسية معضلة وإشكالية في هذا المسار الفيلمي، إذ كيف تتّسق تلك العلاقة المليئة بالذكريات والشعر والرسوم والأجواء الرومانسية والحميمية مع بيئة مجدبة وغير ودية وديستوبيا قاتمة ودراما سوداء؟

    وهذا التساؤل تحديدا وغيره من التساؤلات طرحته مجلة فيرايتي منتقدة الفيلم في كونه لم يوفّق في مخاطبة الجمهور العريض من الشباب، كونه فيلما يخصّ شريحة من هم أكبر سنا.

    وإذا توقفنا عند المتطلبات الإنتاجية التي قادت إلى ذلك النوع من الإنتاج الضخم، فلا شك أنها المشاهد الخارجية واستخدام الزوارق والقطارات المعلقة بسبب كون المدينة مغمورة بالمياه على افتراض قصة الدمار التي أدّت إلى هذا الواقع اليومي، وحيث يخوض نيكولاس في المياه وهو يسير في الشوارع شبه الغارقة، منتظرا أن يخرج من جوف حياة ماضوية قاتمة محملة بقصص الحرب ومن علاقة إشكالية لا يعلم فيها مصير حبيبته التي اختفت فجأة.


    بحث في الماضي عن حاضر أكثر إشراقا





    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    طاهر علوان
يعمل...
X