مخرج كندي يسعى لإنهاء اللعنة السينمائية لرواية "دون"
دوني فيلنوف يعيد استلهام أشهر رواية خيال علمي في فيلم جديد.
الثلاثاء 2021/08/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فيلم يراهن على عوالم عجيبة
الرواية تكتسب في الأدب العالمي وفي فن الفيلم السينمائي بشكل خاص أهمية متميزة، ولولا هذه الأهمية لما ازدهر الحراك السينمائي، حيث قدمت الروايات للسينما الكثير من الأعمال المبهرة، بل وكانت المساهم الأبرز في نجاح هذا الفن وجماهيريته، ولكن تحويل رواية ناجحة إلى فيلم ليس بالأمر السهل ولا هو طريق نجاح مضمون، إذ قد يصبح العكس تماما.
باريس – هل سيغرق المخرج الكندي دوني فيلنوف في رمال أراكيس؟ يتوقع أن تشكّل النسخة الجديدة من “دون” حدثاً في مهرجان البندقية السينمائي، وهي رواية شعبية قرأها الملايين لكنها كانت بمثابة لعنة للمخرجين الذين تجرأوا على اقتباسها إلى السينما.
الرواية التي حققت نجاحا كبيرا خوّل لها التربع على عرش أدب الخيال العلمي كانت بمثابة الفخ للمخرجين السينمائيين الذين أغرتهم أجواؤها الغرائبية وعوالمها الخيالية الساحرة، وحاولوا تحويلها إلى السينما، لكنهم واجهوا الفشل.
رواية شعبية
تدور أحداث رواية “دون” (كثيب) للكاتب الأميركي فرانك هربرت في المستقبل بعد أكثر من 20 ألف سنة، بعدما استقرت البشرية في عدد لا محدود من الكواكب الصالحة للسكن، والتي تدار من قبل الطبقة الأرستقراطية العظمى، والتي تدين بالولاء للإمبراطور شادوم الرابع، حيث يعيش إقطاعيو النجوم وطبقة النبلاء، ويسيطرون على كل الكواكب.
وتحكي الرواية قصة بول أتريدس الصغير، ولي عهد ديكو أتريدس الذي سيطرت أسرته على صحراء كوكب أراكيس، المصدر الوحيد لبهارات ودواء ميلانج، وميلانج هي المادة الأكثر أهمية وقيمة في الكون، ما يزيد من أهمية إقطاعية أراكيس.
الفيلم اختبار لشركات الإنتاج السينمائي التقليدية التي أثرت فيها الجائحة والإقبال على منصات البث التدفقي
في أجواء مثيرة تصور الرواية واقع البشر بعد آلاف السنين من عصرنا، حيث يتنافس ذوو النفوذ والسلطة والقبائل للسيطرة على بهارات ميلانج، وهي عبارة عن مزيج يطيل العمر ويوفر قدرة على توقع المستقبل. تُحصد هذه التوابل على كوكب من الرمال الملتهبة، موبوء بالديدان العملاقة الهائلة، وتطلق عليه تسمية “أراكيس” أو “دون”.
من خلال أول الأجزاء الستة من سلسلة “دون” وضع هربرت عام 1965 أسس “أوبرا الفضاء” التي أصبحت عملًا رئيسياً في مجال الخيال العلمي، وكان له تأثير كبير وخصوصاً في سلسلة أفلام “ستار وورز” (حرب النجوم).
اجتذبت قصة الأمير الشاب بول أتريدس الذي أصبح نبي الـ”فريمن”، وهم شعب أراكيس، نحو 20 مليون قارئ اشتروا رواية الخيال العلمي التي أصبحت “الأكثر مبيعاً والأكثر قراءة” في العالم، وكذلك أكثر رواية علمية “كُتبَ عنها أو دُرِسَت وخصوصاً في إطار العمل الجامعي”، حسب توضيح الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا رينو غيليمين، وهو أحد أبرز هواة “دون” في فرنسا وشارك في مراجعة ترجمة هذه الرواية التي أصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي.
ولاحظ أن ما تخيلته هذه الرواية “أبهر أجيالاً من القراء”، كديدان الرمل، والعرق المعاد تدويره، أو الـ”بيتي جيسيريس”، وهي جماعة من المقاتلات القادرات على التأثير من خلال الفكر.
لم يقف نجاح الرواية عند حد إلهام السينمائيين، بل كانت مصدر إلهام كذلك لبعض الأغاني الموسيقية وألعاب الكمبيوتر وسلسلة من الأعمال المعتمدة على نفس الأصل، والتي شارك في كتابتها كيفن أندرسون جاي وابن الكاتب براين هربرت بداية من عام 1999.
ويرى عشاق هذه الرواية فيها عملاً رؤيوياً تناول استباقياً ما أصبح لاحقاً قضايا العصر كالاحتباس الحراري والنفوذ الكبير لشركات التكنولوجيا العملاقة المعروفة بـ”غافا” والأثر الواسع للتكنولوجيا.
فيلم ملعون
تبدو “دون” التي تجمع أجواء التراجيديا اليونانية والأسطورة التوراتية وملحمة القرون الوسطى رواية مثالية لاقتباس عمل سينمائي، لكن الأعمال التي استلهمتها للشاشة الكبيرة كوّنت عنها سمعة “الفيلم الملعون بامتياز”، وفق توضيح لويد شيري الذي أعاد نشر عمله المرجعي “كل شيء عن ‘دون‘” وأسس مدونتها الصوتية (بودكاست) “إنه أكثر من خيال علمي”.
فالفرنسي المولود في تشيلي أليخاندرو جودوروفسكي، الذي كان من المخرجين البارزين في سبعينات القرن العشرين، أخفق في مشروع اقتباس ضخم لهذه الرواية كرّس نفسه لإنجازه بين عامي 1973 و1977.
رواية شعبية قرأها الملايين لكنها كانت بمثابة لعنة للمخرجين الذين تجرأوا على اقتباسها إلى السينما.
وكان جودوروفسكي يعتزم إسناد أدوار في الفيلم للرسام الإسباني سلفادور دالي والنجم الفرنسي آلان ديلون والممثل والمخرج الأميركي أورسون ويلز ورسام القصص المصورة موبيوس وفرقة “بينك فلويد” الموسيقية.
لكنّ هذا المشروع الاستثنائي في تاريخ السينما لم يرَ النور بسبب نقص الإمكانيات، وأعدّ عنه فيلم وثائقي عام 2013 بعنوان “جودوروفسكيز دون”.
وبعدما كاد ريدلي سكوت يحوّل “دون” إلى عمل على الشاشة الكبيرة جاء دور ديفيد لينش. وبعد سبع نسخ من السيناريو تطلب الفيلم ستة أشهر من التصوير الشاق جداً في المكسيك، بديكورات ضخمة وآلاف الأزياء، لكن الآلة الهوليوودية ما لبثت أن سحقت إبداع صانع الفيلم.
فالفيلم الذي تولى دور البطولة فيه كايل ماكلاكلن وكان أحد أكبر الإنتاجات في ذلك الوقت بموازنة بلغت 40 مليون دولار، واجه فشلاً تجارياً لدى عرضه، فأصبح بمثابة “كابوس” بالنسبة إلى مخرج فيلم “مولهولاند درايف”.
في ضوء هذه التجارب الفاشلة، هل ينجح فيلنوف -وهو نفسه من أشد المعجبين بروايات فرانك هربرت- في استمالة المعجبين بـ”دون” والجمهور العام؟
لقد سبق لهذا المخرج ذي المكانة الكبيرة في هوليوود أن أثبت قدرته على معالجة أساطير الخيال العلمي من خلال فيلم “بلايد رانر 2049” عام 2017، وهو تكملة لتحفة ريدلي سكوت. في فيلمه “دون” جمع طاقماً من النجوم، كأوسكار أيزك وريبيكا فيرغسون وتيموتيه شالاميه وخافيير بارديم وزندايا.
ويشكّل فيلم فيلنوف اختباراً مهماً لشركات الإنتاج السينمائي التقليدية التي أنهكتها الجائحة وأثّر عليها الإقبال المتزايد على منصات البث التدفقي وتراجع نموذج الأبطال الخارقين، وتحلم أن يصبح “دون” سلسلة تجتذب الجماهير إلى دور السينما.
دوني فيلنوف يعيد استلهام أشهر رواية خيال علمي في فيلم جديد.
الثلاثاء 2021/08/31
انشرWhatsAppTwitterFacebook
فيلم يراهن على عوالم عجيبة
الرواية تكتسب في الأدب العالمي وفي فن الفيلم السينمائي بشكل خاص أهمية متميزة، ولولا هذه الأهمية لما ازدهر الحراك السينمائي، حيث قدمت الروايات للسينما الكثير من الأعمال المبهرة، بل وكانت المساهم الأبرز في نجاح هذا الفن وجماهيريته، ولكن تحويل رواية ناجحة إلى فيلم ليس بالأمر السهل ولا هو طريق نجاح مضمون، إذ قد يصبح العكس تماما.
باريس – هل سيغرق المخرج الكندي دوني فيلنوف في رمال أراكيس؟ يتوقع أن تشكّل النسخة الجديدة من “دون” حدثاً في مهرجان البندقية السينمائي، وهي رواية شعبية قرأها الملايين لكنها كانت بمثابة لعنة للمخرجين الذين تجرأوا على اقتباسها إلى السينما.
الرواية التي حققت نجاحا كبيرا خوّل لها التربع على عرش أدب الخيال العلمي كانت بمثابة الفخ للمخرجين السينمائيين الذين أغرتهم أجواؤها الغرائبية وعوالمها الخيالية الساحرة، وحاولوا تحويلها إلى السينما، لكنهم واجهوا الفشل.
رواية شعبية
تدور أحداث رواية “دون” (كثيب) للكاتب الأميركي فرانك هربرت في المستقبل بعد أكثر من 20 ألف سنة، بعدما استقرت البشرية في عدد لا محدود من الكواكب الصالحة للسكن، والتي تدار من قبل الطبقة الأرستقراطية العظمى، والتي تدين بالولاء للإمبراطور شادوم الرابع، حيث يعيش إقطاعيو النجوم وطبقة النبلاء، ويسيطرون على كل الكواكب.
وتحكي الرواية قصة بول أتريدس الصغير، ولي عهد ديكو أتريدس الذي سيطرت أسرته على صحراء كوكب أراكيس، المصدر الوحيد لبهارات ودواء ميلانج، وميلانج هي المادة الأكثر أهمية وقيمة في الكون، ما يزيد من أهمية إقطاعية أراكيس.
الفيلم اختبار لشركات الإنتاج السينمائي التقليدية التي أثرت فيها الجائحة والإقبال على منصات البث التدفقي
في أجواء مثيرة تصور الرواية واقع البشر بعد آلاف السنين من عصرنا، حيث يتنافس ذوو النفوذ والسلطة والقبائل للسيطرة على بهارات ميلانج، وهي عبارة عن مزيج يطيل العمر ويوفر قدرة على توقع المستقبل. تُحصد هذه التوابل على كوكب من الرمال الملتهبة، موبوء بالديدان العملاقة الهائلة، وتطلق عليه تسمية “أراكيس” أو “دون”.
من خلال أول الأجزاء الستة من سلسلة “دون” وضع هربرت عام 1965 أسس “أوبرا الفضاء” التي أصبحت عملًا رئيسياً في مجال الخيال العلمي، وكان له تأثير كبير وخصوصاً في سلسلة أفلام “ستار وورز” (حرب النجوم).
اجتذبت قصة الأمير الشاب بول أتريدس الذي أصبح نبي الـ”فريمن”، وهم شعب أراكيس، نحو 20 مليون قارئ اشتروا رواية الخيال العلمي التي أصبحت “الأكثر مبيعاً والأكثر قراءة” في العالم، وكذلك أكثر رواية علمية “كُتبَ عنها أو دُرِسَت وخصوصاً في إطار العمل الجامعي”، حسب توضيح الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا رينو غيليمين، وهو أحد أبرز هواة “دون” في فرنسا وشارك في مراجعة ترجمة هذه الرواية التي أصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي.
ولاحظ أن ما تخيلته هذه الرواية “أبهر أجيالاً من القراء”، كديدان الرمل، والعرق المعاد تدويره، أو الـ”بيتي جيسيريس”، وهي جماعة من المقاتلات القادرات على التأثير من خلال الفكر.
لم يقف نجاح الرواية عند حد إلهام السينمائيين، بل كانت مصدر إلهام كذلك لبعض الأغاني الموسيقية وألعاب الكمبيوتر وسلسلة من الأعمال المعتمدة على نفس الأصل، والتي شارك في كتابتها كيفن أندرسون جاي وابن الكاتب براين هربرت بداية من عام 1999.
ويرى عشاق هذه الرواية فيها عملاً رؤيوياً تناول استباقياً ما أصبح لاحقاً قضايا العصر كالاحتباس الحراري والنفوذ الكبير لشركات التكنولوجيا العملاقة المعروفة بـ”غافا” والأثر الواسع للتكنولوجيا.
فيلم ملعون
تبدو “دون” التي تجمع أجواء التراجيديا اليونانية والأسطورة التوراتية وملحمة القرون الوسطى رواية مثالية لاقتباس عمل سينمائي، لكن الأعمال التي استلهمتها للشاشة الكبيرة كوّنت عنها سمعة “الفيلم الملعون بامتياز”، وفق توضيح لويد شيري الذي أعاد نشر عمله المرجعي “كل شيء عن ‘دون‘” وأسس مدونتها الصوتية (بودكاست) “إنه أكثر من خيال علمي”.
فالفرنسي المولود في تشيلي أليخاندرو جودوروفسكي، الذي كان من المخرجين البارزين في سبعينات القرن العشرين، أخفق في مشروع اقتباس ضخم لهذه الرواية كرّس نفسه لإنجازه بين عامي 1973 و1977.
رواية شعبية قرأها الملايين لكنها كانت بمثابة لعنة للمخرجين الذين تجرأوا على اقتباسها إلى السينما.
وكان جودوروفسكي يعتزم إسناد أدوار في الفيلم للرسام الإسباني سلفادور دالي والنجم الفرنسي آلان ديلون والممثل والمخرج الأميركي أورسون ويلز ورسام القصص المصورة موبيوس وفرقة “بينك فلويد” الموسيقية.
لكنّ هذا المشروع الاستثنائي في تاريخ السينما لم يرَ النور بسبب نقص الإمكانيات، وأعدّ عنه فيلم وثائقي عام 2013 بعنوان “جودوروفسكيز دون”.
وبعدما كاد ريدلي سكوت يحوّل “دون” إلى عمل على الشاشة الكبيرة جاء دور ديفيد لينش. وبعد سبع نسخ من السيناريو تطلب الفيلم ستة أشهر من التصوير الشاق جداً في المكسيك، بديكورات ضخمة وآلاف الأزياء، لكن الآلة الهوليوودية ما لبثت أن سحقت إبداع صانع الفيلم.
فالفيلم الذي تولى دور البطولة فيه كايل ماكلاكلن وكان أحد أكبر الإنتاجات في ذلك الوقت بموازنة بلغت 40 مليون دولار، واجه فشلاً تجارياً لدى عرضه، فأصبح بمثابة “كابوس” بالنسبة إلى مخرج فيلم “مولهولاند درايف”.
في ضوء هذه التجارب الفاشلة، هل ينجح فيلنوف -وهو نفسه من أشد المعجبين بروايات فرانك هربرت- في استمالة المعجبين بـ”دون” والجمهور العام؟
لقد سبق لهذا المخرج ذي المكانة الكبيرة في هوليوود أن أثبت قدرته على معالجة أساطير الخيال العلمي من خلال فيلم “بلايد رانر 2049” عام 2017، وهو تكملة لتحفة ريدلي سكوت. في فيلمه “دون” جمع طاقماً من النجوم، كأوسكار أيزك وريبيكا فيرغسون وتيموتيه شالاميه وخافيير بارديم وزندايا.
ويشكّل فيلم فيلنوف اختباراً مهماً لشركات الإنتاج السينمائي التقليدية التي أنهكتها الجائحة وأثّر عليها الإقبال المتزايد على منصات البث التدفقي وتراجع نموذج الأبطال الخارقين، وتحلم أن يصبح “دون” سلسلة تجتذب الجماهير إلى دور السينما.