الناجون من القصف الفضائي يتحوّلون إلى كائنات هجينة لا حية ولا ميتة.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناجون من القصف الفضائي يتحوّلون إلى كائنات هجينة لا حية ولا ميتة.

    فيلم "ارتفاع".. حكاية النيازك التي تحيل الأرض إلى خراب


    الناجون من القصف الفضائي يتحوّلون إلى كائنات هجينة لا حية ولا ميتة.
    الاثنين 2021/08/30
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    مصير مجهول في عالم ديستوبي

    البدايات التقليدية في سينما الخيال العلمي تقدّم للمُشاهد لقطات لحياة طبيعية ما تلبث أن تنقلب رأسا على عقب لسبب ما، كالكوارث الطبيعية والحروب والصراعات أو الهجمات القادمة من الفضاء أو غير ذلك. ولا يختلف فيلم “ارتفاع” للمخرج إيدي آريا عن ذلك النوع من أفلام الخيال العلمي، إذ ينتقل بنا بعد تمهيد بسيط إلى عائلة تجتمع على العشاء عندما يقع اهتزاز ينتهي بموت الجميع اختناقا، إلاّ طفلة واحدة.

    ينطلق فيلم “ارتفاع” للمخرج إيدي آريا من فرضية أن الأرض يمكن أن تتعرّض لهجوم فضائي من أطباق طائرة كان الأميركيون يحقّقون في شأنها منذ عقود، ويظهر جنرالات في الجيش الأميركي وهم يتحدّثون عن تلك الظاهرة، لننتقل بعدها إلى الهجوم الوحشي الذي تكون قد تعرضت له مدينة أميركية وكل الظن أنه هجوم بنيازك أدّت إلى موت العشرات ونجاة بضعة أشخاص، في المقابل كان من الغريب أنهم نجوا بأعجوبة.

    الناجون وقد أصبحوا كائنات أخرى، إذ أن استنشاق مخلفات النيازك كان قد أحدث تغييرا هائلا في تركيبتهم الجينية والوراثية أدّت إلى تحوّلهم إلى كائنات جامدة لا تنام ولا تأكل ولا تنبض، لكنها حية.

    هذا الهلع الذي يضرب الجميع يستدعي بحثا علميا للظاهرة، وهو ما تتصدّى له الدكتورة لورين (الممثلة نيكول شالمو)، وهي المتخصّصة في علوم الفلك وكائنات الفضاء وحركة الأجرام السماوية، ومعلوم أن هذه الممثلة ظلت إلى وقت قريب تصارع مرض السرطان وهي في بدايات انطلاقها.

    الفيلم يستند إلى قصة متخيلة عن سقوط نيازك فضائية على الأرض تحوّل الناجين إلى كائنات هجينة

    تقرأ لورين بحزن وتراقب كل ما يجري من حولها، وهي ممثلة بارعة من فئة جيل الممثلات اللائي يستطعن بجدارة إيصال الأفكار دون الكثير من الكلام، بل من خلال تعابير الوجه وحركات الجسد فقط.

    لورين تمضي في التعمّق في أبعاد ظاهرة النيازك هذه لتتوصّل إلى أن الحادثة نفسها التي وقعت في الولايات المتحدة سبق وأن وقعت في مدينة روسية، وتشاهد امرأة تشهد بما عاشته، لكن لمجرد إفشائها سر ذلك الهجوم المجهول يتم قتلها فورا من أجل إسكاتها.

    والحاصل أننا صرنا في هذه الدراما الفيلمية نقترب من ذلك النوع من الصراع والحرب الباردة مع الروس مع أنهم ليسوا مسؤولين عن الحادثة.

    الحيرة الممزوجة بالدهشة والخوف هي تلك القوى الدرامية التي أراد من خلالها المخرج تحريك شخصياته، وهو ما نجح فيه من دون أدنى شك وظلت لورين تؤدّي دورا متقنا في تتبعها لهول الكارثة وصولا إلى ملاقاة إحدى الشخصيات الناجية، لنكتشف في ما بعد أن لورين نفسها هي إحدى الناجين وأنها منجذبة إلى عالم مجهول.

    تنتج الضربات على الأرض نبتة ذات تويجتين غريبتين سوف تكتشف لورين في ما بعد أنهما نفسهما نبتتا في الهجوم النيزكي في روسيا، وأن هذه النبتة الصغيرة ما تبلث أن تتحوّل إلى شجرة عملاقة، لكنها شجرة من نوع خاص تحتوي مواد خاصة قادرة على جذب الناجين باتجاهها، يذكر أحد الباحثين فكرة تلك الشجرة بأنها تشبه توجه المسلمين إلى قبلة واحدة.

    تشتبك في هذا الفيلم مسارات سردية متعددة وينجح المخرج في بناء دراما نفسية واجتماعية عميقة، كما ينجح في بناء نسيج درامي متماسك يجمع بين العديد من الشخصيات المتنوعة، كما أنه في المقابل يقدّم شخصية لورين كنتاج موضوعي للأزمة الطاحنة لتي ضربت الجميع بلا رحمة.

    من هنا يمكننا النظر إلى هذه الدراما الغزيرة والمتنوعة من زوايا مختلفة، فقد تم إنتاج الكائنات الهجينة من الخارجين من ضربة النيازك، وقد تحوّلوا إلى كائنات منقادة إلى المجهول في مقابل العجز عن فهم تلك الأسرار الكامنة وراء كل ما جرى.

    في المقابل كان الهلع البشري قد تفاقم مع حقيقة أن الهواء صار مسموما في كل مكان، فيما تكون المجموعة الناجية قد تحوّلت هي الأخرى إلى لغز محيّر لا قرار له.


    بالطبع يتم تحشيد قوات الجيش الأميركي والمارينز وصولا إلى الرئيس الأميركي نفسه الذي يجتمع مع العلماء والمستشارين، وعندما تسرد لورين القصة يتحدّث الرئيس بجهل تام بأن ما شاهدته لا يستند إلى أدلة ولا يدل على شيء بل هو وضع أقرب إلى الفبركة غير الحقيقية، أما لورين فتدرك أن الأزمة أكبر من حدود التصوّر في كارثيتها.

    لا تحتاج لورين في أدائها المتقن إلى الكثير من الكلام، لاسيما وأننا نكتشف في ما بعد أنها تعيش أزمة ذاتية حقيقية، فهي الأخرى تتماهى مع تلك الشخصيات المأزومة فتتعاطف معها وتحاول إيجاد خلاص لها.

    ولنمض في هذه الدراما المؤثرة والمصنوعة بشكل متقن، حيث يختلط الترقب بالإثارة مع الخيال الواسع الذي ينقلنا إلى مرحلة يقبل فيها الجيمع ما يجري بكل بساطة.

    استند الفيلم في بنائه على ثيمة ليست جديدة لجهة احتمالات الغزو الفضائي، لكنه وفي الوقت ذاته توسّع فيها باتجاه ذلك الجدل والحيرة المرتبطة بكائنات حية وليست حية من الذين ضربتهم الأشعة والمواد السامة التي تسبّب فيها سقوط ذلك النيزك المجهول الذي قلب حياة الناس رأسا على عقب، وجعلهم في حيرة بصدد فهم حقيقة ما جرى في مقابل شخصيات ناجية تتفاعل مع شجرة عملاقة وتتلقى أوامرها منها.


    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    طاهر علوان
    كاتب عراقي مقيم في لندن
يعمل...
X