"المستوطنون".. الجرائم البشرية تنتقل إلى المريخ
أم وطفلتها تُصارعان غزاة مسلحين في مستعمرة افتراضية معزولة.
الاثنين 2021/08/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عالم معزول يخفي أسرارا غامضة
ما بعد انهيار الحياة على كوكب الأرض وافتراض وجود حياة أخرى في مجرات وكواكب بعيدة وإمكانية أن يعيش الإنسان فيها كانت ومازالت إشكالية انشغل بها المعنيون بالفلك واستكشاف الفضاء الخارجي، كما انشغلت بها سينما الخيال العلمي في عدة أفلام، كان آخرها “المستوطنون” للمخرج ويات روكفلر.
يستعرض فيلم “المستوطنون” للمخرج ويات روكفلر حياة افتراضية بعد فساد الأرض وخرابها، مع أننا لا نشاهد ذلك بشكل مباشر، لكنه يأتينا كتحصيل حاصل من خلال انتقال أشخاص من الأرض لغرض العيش في كوكب المريخ، وسط مستعمرة افتراضية معزولة تتراوح بين الصخور والأتربة الهائمة هناك في أرض وعرة تشبه تلك التي يتميّز بها ذلك الكوكب البعيد.
يبني المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، قصته السينمائية من خلال اختيار أربعة أشخاص لا غير هم الذين يقودون هذه الدراما التي تقع أحداثها في المستقبل، ويعكسون شكل صراعات تحوّلت مع البشر إلى الكوكب الأحمر، فانتقلت معهم بالنتيجة عمليات سفك الدماء بلا رحمة، حيث أن الصراع من أجل البقاء يسبق كل اعتبار.
يحمي رضا (الممثل جوني ميللر) زوجته إيلسا (الممثلة صوفيا بوتيلا) وطفلتهما من غزاة هامشيين مسلحين يتسلّلون فرادى قادمين من المجهول لغرض الاستيلاء على المستعمرة أو انتزاعها من تلك العائلة الصغيرة، ولهذا فإن إصبع رضا يبقى دوما على الزناد، وهو يقتنص أولئك الغرباء واحدا تلو الآخر في مشاهد تثير هلع الطفلة والزوجة، لكنها لن تتوّج بنهاية سعيدة فمع القسم الأول من الفيلم يخرج الزوج في مهمة مطاردة أولئك الدخلاء كالعادة، لكنه لن يعود.
الفيلم يستعرض حياة افتراضية بعد خراب الأرض، حيث ينتقل البشر إلى الكوكب الأحمر بحثا عن النجاة
عند هذا التحوّل تجد الأم وطفلتها نفسيهما في مواجهة قدرهما وحدهما في بيئة مسمومة، حيث ترتدي الشخصيتان أسمالا وتضعان على الدوام كمامات ضد الغازات. وإلى حد هذا التحوّل لن نشاهد كيف قُتل الزوج ومن قتله حتى يظهر جيري (الممثل إسماعيل كوردوفا) فجأة مطالبا بالمكان الذي يقر بأنه يعود إلى عائلته وأن على الأم وطفلتها أن تغادراه، لكنهما تبقيان لنكتشف سلسلة من عمليات القتل، وأن جيري هو الذي قتل رضا، ولهذا يسمح لهما بدفنه وتأبينه.
يبنى السرد الفيلمي على أقسام منفصلة كل منها يكشف عن مرحلة من مراحل حياة تلك المجموعة في تلك المستعمرة وينجح المخرج ببراعة في رسم الملامح الدرامية للشخصيات، وهو الذي منح للطفلة ريمي (الممثلة بروكلين برينس) دورا محوريا فهي الراصدة لكل شيء، طفولتها المبعثرة التي لم تعشها تجعلها في حالة ترقب مستمر، خاصة بعد ظهور جيري، خشية أن ينتقم منها ومن أمها أو يستميل الأم بشكل ما، وفي الحالتين كان وجوده ثقيلا على الأم والطفلة.
من جانب آخر يستخدم المخرج الشعور بالعزلة والانقطاع التام عن أي عالم حي وأيّ حياة أخرى لغرض أن يكشف المزيد من الشخصيات والأحداث؛ من ذلك الاندفاع الغريزي لجيري نحو إيلسا، والذي سوف تلاحظه ريمي فتكره أمها بسببه، وهنا سوف تتشابك مشاعر الكراهية ونزعة الانتقام بين الشخصيات، فإيلسا تعلم في داخلها أن جيري هو قاتل زوجها، ومع ذلك تستجيب له، وجيري يعلم أن إيلسا وزوجها هما اللذان قتلا والديه، وبينهما ريمي تحاول أن تجد لها مسارا ما وسط تشابك المشاعر والمواقف المتناقضة، ولهذا ربما يكون البحث عن ملاذ آخر هو الحل، لكن لا ملاذ آخر في ذلك الأفق المقفر.
تحالف الآلة والبشر في ردع الغزاة
وجسدت ريمي ما يمكن أن نسميه الانتقام الصامت -الذي يتّخذ شكل مشاعر سوداء متراكمة اشتغل عليها المخرج وكاتب السيناريو بصبر ودقة فأجاد إيصالها إلى المُشاهد- حيث قامت بحساب الأيام أو الوقائع والشطب على كل خمسة أيام بصمت.
وما سيلي ذلك هو شعور مرير بالحيرة والعجز؛ فمن جهة ظهر جيري بمثابة حام للطفلة وأمها محاولا النفاذ إلى حياتهما وأخذ دور الزوج الذي قتله بنفسه، ومن جهة أخرى تشعر إيلسا بالخيانة من التقرب من جيري والعين الراصدة هي ابنتها، ولهذا لن تجد حلا ولا بديلا إلاّ إخراج ما بداخلها من شعور بالمرارة من خلال محاولة التخلص من جيري بقتله. لكن المشهد الذي جسّد الصراع الدامي بينهما لم نشاهده بالتفصيل، فقد تم بناؤه من وجهة نظر ريمي التي هي خارج الكابينة تسمع صوتي الشخصيتين المتصارعتين، لننتهي بمشهد دفن الأم، إذ يكون جيري قد أنهى حياتها إلى الأبد.
في قسم آخر من الفيلم سننتقل إلى حياة جديدة لريمي وقد كبرت وتجمّدت مشاعر الانتقام داخلها، لكن غريزة جيري سوف تستمر في استهداف الفتاة بعدما استهدفت الأم، لكنه لم يكن يعلم أن الفتاة لم تنس قط ما جرى لوالديها، وهنا يستكمل المخرج تلك المواجهات المصنوعة بعناية بين الشخصيات لنستكشف ما الذي ستؤول إليه تلك العلاقة الإشكالية المضطربة بين الشخصيتين، لاسيما إثر محاولة ريمي الفرار من المكان دون جدوى.
لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن جيري ساعة يحاول الاعتداء على ريمي يكون الروبوت الصغير قد راقب كل شيء ليطلق رصاصة إلى عنق المعتدي تكملها ريمي برصاصة في الرأس، ولتبقى ريمي وروبوتها وحيدين في تلك المستعمرة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
أم وطفلتها تُصارعان غزاة مسلحين في مستعمرة افتراضية معزولة.
الاثنين 2021/08/23
انشرWhatsAppTwitterFacebook
عالم معزول يخفي أسرارا غامضة
ما بعد انهيار الحياة على كوكب الأرض وافتراض وجود حياة أخرى في مجرات وكواكب بعيدة وإمكانية أن يعيش الإنسان فيها كانت ومازالت إشكالية انشغل بها المعنيون بالفلك واستكشاف الفضاء الخارجي، كما انشغلت بها سينما الخيال العلمي في عدة أفلام، كان آخرها “المستوطنون” للمخرج ويات روكفلر.
يستعرض فيلم “المستوطنون” للمخرج ويات روكفلر حياة افتراضية بعد فساد الأرض وخرابها، مع أننا لا نشاهد ذلك بشكل مباشر، لكنه يأتينا كتحصيل حاصل من خلال انتقال أشخاص من الأرض لغرض العيش في كوكب المريخ، وسط مستعمرة افتراضية معزولة تتراوح بين الصخور والأتربة الهائمة هناك في أرض وعرة تشبه تلك التي يتميّز بها ذلك الكوكب البعيد.
يبني المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، قصته السينمائية من خلال اختيار أربعة أشخاص لا غير هم الذين يقودون هذه الدراما التي تقع أحداثها في المستقبل، ويعكسون شكل صراعات تحوّلت مع البشر إلى الكوكب الأحمر، فانتقلت معهم بالنتيجة عمليات سفك الدماء بلا رحمة، حيث أن الصراع من أجل البقاء يسبق كل اعتبار.
يحمي رضا (الممثل جوني ميللر) زوجته إيلسا (الممثلة صوفيا بوتيلا) وطفلتهما من غزاة هامشيين مسلحين يتسلّلون فرادى قادمين من المجهول لغرض الاستيلاء على المستعمرة أو انتزاعها من تلك العائلة الصغيرة، ولهذا فإن إصبع رضا يبقى دوما على الزناد، وهو يقتنص أولئك الغرباء واحدا تلو الآخر في مشاهد تثير هلع الطفلة والزوجة، لكنها لن تتوّج بنهاية سعيدة فمع القسم الأول من الفيلم يخرج الزوج في مهمة مطاردة أولئك الدخلاء كالعادة، لكنه لن يعود.
الفيلم يستعرض حياة افتراضية بعد خراب الأرض، حيث ينتقل البشر إلى الكوكب الأحمر بحثا عن النجاة
عند هذا التحوّل تجد الأم وطفلتها نفسيهما في مواجهة قدرهما وحدهما في بيئة مسمومة، حيث ترتدي الشخصيتان أسمالا وتضعان على الدوام كمامات ضد الغازات. وإلى حد هذا التحوّل لن نشاهد كيف قُتل الزوج ومن قتله حتى يظهر جيري (الممثل إسماعيل كوردوفا) فجأة مطالبا بالمكان الذي يقر بأنه يعود إلى عائلته وأن على الأم وطفلتها أن تغادراه، لكنهما تبقيان لنكتشف سلسلة من عمليات القتل، وأن جيري هو الذي قتل رضا، ولهذا يسمح لهما بدفنه وتأبينه.
يبنى السرد الفيلمي على أقسام منفصلة كل منها يكشف عن مرحلة من مراحل حياة تلك المجموعة في تلك المستعمرة وينجح المخرج ببراعة في رسم الملامح الدرامية للشخصيات، وهو الذي منح للطفلة ريمي (الممثلة بروكلين برينس) دورا محوريا فهي الراصدة لكل شيء، طفولتها المبعثرة التي لم تعشها تجعلها في حالة ترقب مستمر، خاصة بعد ظهور جيري، خشية أن ينتقم منها ومن أمها أو يستميل الأم بشكل ما، وفي الحالتين كان وجوده ثقيلا على الأم والطفلة.
من جانب آخر يستخدم المخرج الشعور بالعزلة والانقطاع التام عن أي عالم حي وأيّ حياة أخرى لغرض أن يكشف المزيد من الشخصيات والأحداث؛ من ذلك الاندفاع الغريزي لجيري نحو إيلسا، والذي سوف تلاحظه ريمي فتكره أمها بسببه، وهنا سوف تتشابك مشاعر الكراهية ونزعة الانتقام بين الشخصيات، فإيلسا تعلم في داخلها أن جيري هو قاتل زوجها، ومع ذلك تستجيب له، وجيري يعلم أن إيلسا وزوجها هما اللذان قتلا والديه، وبينهما ريمي تحاول أن تجد لها مسارا ما وسط تشابك المشاعر والمواقف المتناقضة، ولهذا ربما يكون البحث عن ملاذ آخر هو الحل، لكن لا ملاذ آخر في ذلك الأفق المقفر.
تحالف الآلة والبشر في ردع الغزاة
وجسدت ريمي ما يمكن أن نسميه الانتقام الصامت -الذي يتّخذ شكل مشاعر سوداء متراكمة اشتغل عليها المخرج وكاتب السيناريو بصبر ودقة فأجاد إيصالها إلى المُشاهد- حيث قامت بحساب الأيام أو الوقائع والشطب على كل خمسة أيام بصمت.
وما سيلي ذلك هو شعور مرير بالحيرة والعجز؛ فمن جهة ظهر جيري بمثابة حام للطفلة وأمها محاولا النفاذ إلى حياتهما وأخذ دور الزوج الذي قتله بنفسه، ومن جهة أخرى تشعر إيلسا بالخيانة من التقرب من جيري والعين الراصدة هي ابنتها، ولهذا لن تجد حلا ولا بديلا إلاّ إخراج ما بداخلها من شعور بالمرارة من خلال محاولة التخلص من جيري بقتله. لكن المشهد الذي جسّد الصراع الدامي بينهما لم نشاهده بالتفصيل، فقد تم بناؤه من وجهة نظر ريمي التي هي خارج الكابينة تسمع صوتي الشخصيتين المتصارعتين، لننتهي بمشهد دفن الأم، إذ يكون جيري قد أنهى حياتها إلى الأبد.
في قسم آخر من الفيلم سننتقل إلى حياة جديدة لريمي وقد كبرت وتجمّدت مشاعر الانتقام داخلها، لكن غريزة جيري سوف تستمر في استهداف الفتاة بعدما استهدفت الأم، لكنه لم يكن يعلم أن الفتاة لم تنس قط ما جرى لوالديها، وهنا يستكمل المخرج تلك المواجهات المصنوعة بعناية بين الشخصيات لنستكشف ما الذي ستؤول إليه تلك العلاقة الإشكالية المضطربة بين الشخصيتين، لاسيما إثر محاولة ريمي الفرار من المكان دون جدوى.
لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن جيري ساعة يحاول الاعتداء على ريمي يكون الروبوت الصغير قد راقب كل شيء ليطلق رصاصة إلى عنق المعتدي تكملها ريمي برصاصة في الرأس، ولتبقى ريمي وروبوتها وحيدين في تلك المستعمرة.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن