فيلم "تائه في المكان".. حكاية رجل يبحث عمّن تبقّى من أهله وسط عالم ديستوبي قاحل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم "تائه في المكان".. حكاية رجل يبحث عمّن تبقّى من أهله وسط عالم ديستوبي قاحل

    صراع البقاء يمتد إلى ما بعد خراب الأرض


    فيلم "تائه في المكان".. حكاية رجل يبحث عمّن تبقّى من أهله وسط عالم ديستوبي قاحل.
    الاثنين 2021/08/09
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    من لا يقتل يُقتل

    تعنى سينما الخيال العلمي بما يمكن أن يكون عليه شكل الحياة على سطح الأرض بعد الفناء والانهيار الكامل، وهي في الواقع صورة تراجيدية ليست جديدة رسمها خيال كتّاب السيناريو وهم يتداولون أخبار الكوارث الطبيعية المترتبة على الاحتباس الحراري، فضلا عن الصراعات الممكنة بين الدول والتي قد تستعمل فيها أسلحة فتاكة وذات دمار شامل تنهي الحياة على سطح الأرض.

    يرسم المخرج تشارليز كونكين في فيلم “تائه في المكان” صورة قاتمة لفلول تائهة تمثل ما بقي من مجتمع الولايات المتحدة بعد فناء الكوكب الأزرق، وقد تفرّقوا في الصحارى والأراضي القفراء المديدة.

    يمكن القول إن هذا الفيلم هو فيلم القتل والترويع بامتياز، وكأننا أمام نسخة جديدة من سلسلة التطهير، فلا أحد يفرّق هذا عن ذاك، والكل في وسط أجواء قاتمة والكل يرتدي الكمامات أو أقنعة الوقاية من الغازات السامة، وعلى هذا رسم الفيلم مسار الأحداث على أنها برمتها ترتبط بغريزة الصراع من أجل البقاء بكل ما تعنيه من إبادة عشوائية للناجين، فإن لم يسارع الشخص التائه في تلك القفار إلى قتل من يلوح له، فلسوف يُقتل.

    تبرز في الفيلم الشخصية الرئيسية التي لا يجري التعريف بها إلاّ قليلا، وهو آرون جود بدور ترافيس رمسيس الذي تختلط في داخله مشاعر الرعب ونزعة الانتقام والجزع في العثور على زوجته وشقيقه، ولهذا يشقّ طريقه في وسط صحارى مترامية، فيما هو يقتل يمينا وشمالا كل ما تطاله يداه سائلا الجميع عن مصير زوجته وشقيقه.

    يحتشد الفيلم بالكثير من مشاهد الفلاش باك حتى تختلط علينا، هل هي وقائع تجري في الحاضر أم أنها جزء من استرجاعات ترافيس الباحث عن مصير ما ينقذه، ولهذا تتداعى في رأسه الصور والذكريات ولا تكاد تنتهي حتى بعدما يعثر على أحد المسلحين الذي يخبره بأنهم قد أجهزوا على زوجته، فعلا.

    الفيلم يرسم مسار أحداثه على فكرة الصراع من أجل البقاء بكل ما تعنيه من إبادة عشوائية للناجين

    كل ذلك لا يمنع ترافيس من التوغل في تلك الأرض القفراء المترامية، وقد برع المخرج في تجسيدها وعني بشكل كبير إلى إظهار جماليات تلك البيئة الشاسعة الممتدة، وإظهار ترافيس على أنه ليس إلاّ نقطة في ذلك المدى الفسيح، وخلال ذلك تمرّ به العديد من الشخصيات ومن بينها الفتاة صاحبة القطة (الممثلة كاتي بيترس)، وهي الأخرى ضائعة في ذلك التيه، ولهذا سوف تنظم إلى ترافيس في بحثه المضني فيما هي سوف تبحث عن شقيقها المفقود.

    ولعل فكرة الفقدان في حد ذاتها بدت موضوعية ومقنعة ولها ما يبرّرها، وهي جزئية في البناء الفيلمي غطّت على الكثير من جوانب الضعف في هذه الدراما، فعلى الرغم من براعة المخرج وفريقه في إظهار ذلك العالم الديستوبي القاحل، إلاّ أنه لم يوفّق كثيرا في بناء حبكة قوية ومتماسكة تقود إلى تصعيد درامي مقنع، حيث لم يتبلور أي نوع من الصراع بين ترافيس وأيّ خصم له، ولهذا يبدو أن الأمر قد التبس على المخرج ظانا أن القتل هو تعبير عن الصراع، بينما كان تفاقم مشاهد القتل والترويع وقطع الرؤوس فيه الكثير من الإسراف والمبالغة.

    وأما إذا عدنا إلى جماليات تلك البيئة الصحراوية، لوجدنا في ذلك الامتداد القاحل ما هو جدير بالمشاهدة في هذا الفيلم من خلال رسم صور تعبيرية للبيئة الصحراوية الصافية، وقد بدت المشاهد غزيرة في بنائها الصّوري مع أنها تميّزت أيضا بالرتابة اللونية، إذ طغى اللون الأصفر والترابي على تلك البيئة واقترب أحيانا من اللون البني ليستمر إلى اللون الأحمر في بعض المشاهد، وبذلك وجد الجمهور العريض في هذا التنويع ما يغطّي على العيوب المرتبطة بالدراما.

    استخدم المخرج أيضا وبكثافة حوار الشخص الثالث من خلال ما نسميه “فويس أوفر” وعلى أساس ما يرويه ترافيس عن نفسه وعن معاناته وما يجري من حوله من خراب، فضلا عن معاناته ويأسه في العثور على زوجته وشقيقه، وخلال ذلك نشهد العديد من المتغيرات التي تتعلق بظهور شخصيات تائهة هي الأخرى.

    لكن ظهور الفتاة صاحبة القطة سوف يحجّم من عدوانية ترافيس ويقلّل نزعة القتل التي لا تكاد تفارقه، والتي تتصدّى لها الفتاة في كون الأشخاص الذين يقتلهم تباعا من الممكن الاستفادة منهم للتصدّي للأغراب، كما أن قسما منهم لا يعلم شيئا عمّا يُطالب به ترفيس، فهم صامتون في مواجهته وعاجزون عن إقناعه بالعدول عمّا هو ماض إليه.

    إلا أن مشكلة هذا الفيلم تكمن في ذلك الامتداد الطويل لظهور الشخصيات وانغماسها في القتل ومن دون أن يتبلور إلى صيغة درامية متصاعدة تسهم في التشويق ودفع المشاهد إلى الاستمتاع بالأحداث، وإلاّ فما الجدوى من كل عمليات القتل تلك والتي يمكن القول إنها أغرقت الفيلم وطغت على ما سواها.

    في المقابل يمكن القول إن هذا الفيلم يضاف إلى سلسلة الديستوبيا الأرضية ليقدّم في المقابل صورة قاتمة لحياة مدمرة وصراع مجتمعي أميركي داخلي، وقد تفشى السلاح وتسبّب في إطلاق يد العديد من القتلة التائهين في البراري.






    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    طاهر علوان
    كاتب عراقي مقيم في لندن
يعمل...
X