المد والجزر".. الناجون من دمار الأرض يفترسهم التطهير العرقي
امرأة تخوض مغامرة ملحمية مع من تبقى من البشر.
الاثنين 2021/07/19
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مهمة إنقاذ شبه مستحيلة في عالم ديستوبي
الأرض في سينما الخيال العلمي وقد أصابها الدمار الشامل وتحوّلت إلى خراب ولم تعد صالحة للعيش، هي الديستوبيا نفسها التي تتكرّر في العديد من الأفلام ومن بينها الفيلم الجديد “المد والجزر” للمخرج تيم فيلباوم، حيث لم يبق إلاّ بعض الناجين الذين يكابدون صراعا مستميتا من أجل البقاء.
تهبط المركبة الفضائية بسرعة خارقة، وهي مشتعلة بالنيران لينتهي بها المطاف محطمة، وليس إلاّ قمرة القيادة وفضائيين اثنين تلقي بهما مظلة الهبوط في مكان مهجور ومغمور بالمياه، من هنا تبدأ تراجيديا فيلم “المد والجزر” عندما يكون المتبقي من الأرض المغمورة مكانا لعصابات تستحوذ على كل شيء.
ويعني مخرج الفيلم السويسري تيم فيلباوم بالمكان الذي سوف يكون مسرحا للأحداث ويركّز منذ البداية على اللقطات العامة التي تظهر فيها الشخصية الرئيسية، الفضائية بليك (الممثلة نورا أرنيزيدير) وهي تستكشف المكان مستخدمة جهازا متطوّرا لقياس مستوى التلوث بالإشعاعات المميتة، وتكتشف أن المكان خال من تلك الإشعاعات، ولهذا صار متاحا لعيش ثلة من قطاع الطرق الذين سرعان ما ستجد نفسها أسيرة عندهم في ما يشبه البئر الضخم الذي يحتجزون فيه أسراهم.
تمكث بليك في ذلك السجن عاجزة عن إنقاذ صديقها في الرحلة بعد تعرّضه لإصابة خطيرة، لينتهي بها المطاف مع ثلة من النساء المختطفات، اللائي تم فصلهنّ عن أولادهنّ.
الفيلم يسرد حكاية مجموعة بشرية تعيش عزلتها الكاملة في منطقة منسية من الأرض تسعى رائدة فضاء لإنقاذها
تتّسع هذه الدراما الفيلمية إلى قضية إنسانية حساسة، وهي أن البشر المتبقين صاروا قلة قليلة، ولهذا لا بد من تكاثر سلالات جديدة وخلال ذلك يجري التخلّص ممّن هم أكبر سنا.
يصنع الفيلم وفريقه تركيبا صوريا بارعا وملفتا للنظر خلال المحاولات اليائسة التي تقوم بها بليك للتشبّث ببعض أسباب الحياة المتبقية، وبذلك تدخل تلك الدراما السوداوية في نفق قاتم، حيث الشخصيات غارقة في ما يشبه المستنقعات، وبينما بليك تحاول أن تجد لها طريقا ما لكي تكمل المهمة التي جاءت من أجلها.
ولنعد إلى تلك المغامرة المحملة بالحس الإنساني العميق لجهة ما تعلمته بليك من والدها “إننا من أجل الكثيرين”، وهو ما مثّل شعارا ولازمة تردّدها من أجل إنقاذ الآخرين، بينما تتجمّع من حولها تلك الكائنات المشرّدة بملابسها البالية وكل منها يريد إيقاع الأذى بها.
على أن بصيص الأمل بالنسبة إلى بليك يتمثل في وجود نساء وأطفال ممّا يدل على نواة مجتمع كامل يمكن أن ينشأ ويتطوّر بمرور الوقت، بينما ذكرى الأب لا تكاد تفارقها وهو الذي دفعها لكي تصبح رائدة فضاء من أجل إنقاذ من يمكن إنقاذه.
لكن التحوّل في هذه الدراما شديدة التعقيد والمأساوية يتمثل في اكتشاف وجود جيبسون (الممثل لين غلين) على أنه هو قائد تلك المجموعات المتبقية، والذي يقوم بعملية تطهير عرقي بشعة ولا يرأف بأحد، بما في ذلك إصدار الأوامر لقتل أمهات الفتيات الصغيرات اللاتي لم يعدن يصلحن لشيء، حيث أصبح الناجون هم المستقبل الواعد الذين يبتزون الآخرين.
ولننتقل في مسار هذه الدراما المتقنة الصنع إلى المواقف التي تجمع بين بليك وبين جيبسون الذي يروي لها مثلا كيف قتل والدها من قبل عصابات خطرة على الحدود، وهو ما يطمئن بليك بأن والدها قد مات وهو يقوم بواجبه من أجل الآخرين، بينما يحتفظ بليك بزوجة وطفل آسيويين.
تندفع بليك في ذلك العالم المقفل للبحث عن حلول وبدائل، لكنها ستصدم بأن جيبسون هو الذي وراء قتل أولئك النسوة، ولهذا يتفاقم لديها الشك حتى لحظة العثور على والدها وهو مسجون بعيدا عن قبضة جيبسون.
في المقابل يمكن القول إن الحيز المكاني المتميز كان علامة فارقة في هذه الدراما، إذ اختار المخرج أن ينسج مكانا موضوعيا عبّر بجمالية عن تلك الكائنات التي تعيش عزلتها الكاملة والباحثة أحيانا عن خارطة الطريق للنجاة من الخراب المحيط بها من كل جانب.
ويضاف إلى ذلك تلك السلسلة من التحوّلات الدرامية التي تكون كافية لإنتاج دراما فيلمية متقنة تتنوّع فيها الشخصيات، ويتصاعد فيها الصراع وتتجسّد فيها حالة الانقسام والكفاح ضدّ جيبسون بدوافعه العنصرية التي تجعله يميّز البشرية الناجية دون سواها، ويطلق عليها اسما يميّزها، حتى نكتشف أن الأب كان موقفه متفوّقا لجهة إنقاذ الناس وهو ما لم يرق لجيبسون ممّا دفعه لاحتجازه.
وفي موازاة ذلك يظهر جيبسون في مظهر العطوف على الناس، إلى أن تكتشف بليك أن المرأة الآسيوية الخائفة الصامتة التي يعاملها جيبسون كزوجة له وقد تبنى طفلها أيضا، ما هي إلاّ زوجة أبيها الذي أنقذها من موت محقّق وما الولد الصغير إلاّ أخاها.
والحاصل أنه من خلال هذه الدراما المتصاعدة تمكّن المخرج وبنجاح من إيجاد نسيج حياتي في تلك البقعة المنسية التي شهدت الخراب الأرضي حتى لم يبق شيء صالح للعيش، وهو المتغيّر الذي تم من خلاله الانتقال السلس والموضوعي من مجتمع الأزمة الهش إلى المجتمع الوجودي والإنساني القائم على الإيثار والموضوعية الذي نشأت عليه بليك.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
امرأة تخوض مغامرة ملحمية مع من تبقى من البشر.
الاثنين 2021/07/19
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مهمة إنقاذ شبه مستحيلة في عالم ديستوبي
الأرض في سينما الخيال العلمي وقد أصابها الدمار الشامل وتحوّلت إلى خراب ولم تعد صالحة للعيش، هي الديستوبيا نفسها التي تتكرّر في العديد من الأفلام ومن بينها الفيلم الجديد “المد والجزر” للمخرج تيم فيلباوم، حيث لم يبق إلاّ بعض الناجين الذين يكابدون صراعا مستميتا من أجل البقاء.
تهبط المركبة الفضائية بسرعة خارقة، وهي مشتعلة بالنيران لينتهي بها المطاف محطمة، وليس إلاّ قمرة القيادة وفضائيين اثنين تلقي بهما مظلة الهبوط في مكان مهجور ومغمور بالمياه، من هنا تبدأ تراجيديا فيلم “المد والجزر” عندما يكون المتبقي من الأرض المغمورة مكانا لعصابات تستحوذ على كل شيء.
ويعني مخرج الفيلم السويسري تيم فيلباوم بالمكان الذي سوف يكون مسرحا للأحداث ويركّز منذ البداية على اللقطات العامة التي تظهر فيها الشخصية الرئيسية، الفضائية بليك (الممثلة نورا أرنيزيدير) وهي تستكشف المكان مستخدمة جهازا متطوّرا لقياس مستوى التلوث بالإشعاعات المميتة، وتكتشف أن المكان خال من تلك الإشعاعات، ولهذا صار متاحا لعيش ثلة من قطاع الطرق الذين سرعان ما ستجد نفسها أسيرة عندهم في ما يشبه البئر الضخم الذي يحتجزون فيه أسراهم.
تمكث بليك في ذلك السجن عاجزة عن إنقاذ صديقها في الرحلة بعد تعرّضه لإصابة خطيرة، لينتهي بها المطاف مع ثلة من النساء المختطفات، اللائي تم فصلهنّ عن أولادهنّ.
الفيلم يسرد حكاية مجموعة بشرية تعيش عزلتها الكاملة في منطقة منسية من الأرض تسعى رائدة فضاء لإنقاذها
تتّسع هذه الدراما الفيلمية إلى قضية إنسانية حساسة، وهي أن البشر المتبقين صاروا قلة قليلة، ولهذا لا بد من تكاثر سلالات جديدة وخلال ذلك يجري التخلّص ممّن هم أكبر سنا.
يصنع الفيلم وفريقه تركيبا صوريا بارعا وملفتا للنظر خلال المحاولات اليائسة التي تقوم بها بليك للتشبّث ببعض أسباب الحياة المتبقية، وبذلك تدخل تلك الدراما السوداوية في نفق قاتم، حيث الشخصيات غارقة في ما يشبه المستنقعات، وبينما بليك تحاول أن تجد لها طريقا ما لكي تكمل المهمة التي جاءت من أجلها.
ولنعد إلى تلك المغامرة المحملة بالحس الإنساني العميق لجهة ما تعلمته بليك من والدها “إننا من أجل الكثيرين”، وهو ما مثّل شعارا ولازمة تردّدها من أجل إنقاذ الآخرين، بينما تتجمّع من حولها تلك الكائنات المشرّدة بملابسها البالية وكل منها يريد إيقاع الأذى بها.
على أن بصيص الأمل بالنسبة إلى بليك يتمثل في وجود نساء وأطفال ممّا يدل على نواة مجتمع كامل يمكن أن ينشأ ويتطوّر بمرور الوقت، بينما ذكرى الأب لا تكاد تفارقها وهو الذي دفعها لكي تصبح رائدة فضاء من أجل إنقاذ من يمكن إنقاذه.
لكن التحوّل في هذه الدراما شديدة التعقيد والمأساوية يتمثل في اكتشاف وجود جيبسون (الممثل لين غلين) على أنه هو قائد تلك المجموعات المتبقية، والذي يقوم بعملية تطهير عرقي بشعة ولا يرأف بأحد، بما في ذلك إصدار الأوامر لقتل أمهات الفتيات الصغيرات اللاتي لم يعدن يصلحن لشيء، حيث أصبح الناجون هم المستقبل الواعد الذين يبتزون الآخرين.
ولننتقل في مسار هذه الدراما المتقنة الصنع إلى المواقف التي تجمع بين بليك وبين جيبسون الذي يروي لها مثلا كيف قتل والدها من قبل عصابات خطرة على الحدود، وهو ما يطمئن بليك بأن والدها قد مات وهو يقوم بواجبه من أجل الآخرين، بينما يحتفظ بليك بزوجة وطفل آسيويين.
تندفع بليك في ذلك العالم المقفل للبحث عن حلول وبدائل، لكنها ستصدم بأن جيبسون هو الذي وراء قتل أولئك النسوة، ولهذا يتفاقم لديها الشك حتى لحظة العثور على والدها وهو مسجون بعيدا عن قبضة جيبسون.
في المقابل يمكن القول إن الحيز المكاني المتميز كان علامة فارقة في هذه الدراما، إذ اختار المخرج أن ينسج مكانا موضوعيا عبّر بجمالية عن تلك الكائنات التي تعيش عزلتها الكاملة والباحثة أحيانا عن خارطة الطريق للنجاة من الخراب المحيط بها من كل جانب.
ويضاف إلى ذلك تلك السلسلة من التحوّلات الدرامية التي تكون كافية لإنتاج دراما فيلمية متقنة تتنوّع فيها الشخصيات، ويتصاعد فيها الصراع وتتجسّد فيها حالة الانقسام والكفاح ضدّ جيبسون بدوافعه العنصرية التي تجعله يميّز البشرية الناجية دون سواها، ويطلق عليها اسما يميّزها، حتى نكتشف أن الأب كان موقفه متفوّقا لجهة إنقاذ الناس وهو ما لم يرق لجيبسون ممّا دفعه لاحتجازه.
وفي موازاة ذلك يظهر جيبسون في مظهر العطوف على الناس، إلى أن تكتشف بليك أن المرأة الآسيوية الخائفة الصامتة التي يعاملها جيبسون كزوجة له وقد تبنى طفلها أيضا، ما هي إلاّ زوجة أبيها الذي أنقذها من موت محقّق وما الولد الصغير إلاّ أخاها.
والحاصل أنه من خلال هذه الدراما المتصاعدة تمكّن المخرج وبنجاح من إيجاد نسيج حياتي في تلك البقعة المنسية التي شهدت الخراب الأرضي حتى لم يبق شيء صالح للعيش، وهو المتغيّر الذي تم من خلاله الانتقال السلس والموضوعي من مجتمع الأزمة الهش إلى المجتمع الوجودي والإنساني القائم على الإيثار والموضوعية الذي نشأت عليه بليك.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان