"مستيقظ".. عدم النوم يتسبّب في نهاية العالم
إشعاع كهرومغناطيسي يضرب الأرض ويصيب سكانها بالأرق والسهاد.
الاثنين 2021/06/21
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سرد فانتازي يجمع بين الإنساني والاجتماعي
يطرح المخرج الكندي مارك راسو في فيلم الفانتازيا والخيال العلمي “مستيقظ” الصادر حديثا عن نتفليكس إشكالية حيوية تهدّد وجود الإنسان على سطح الأرض، من خلال إبعاد النوم عن سكان الكوكب، فهل سينتهي العالم فعليا بغياب النوم؟
على طريقة “ماذا لو؟” تلك التي يستخدمها أساتذة الفن من أجل شحذ خيال الطلبة، يمكننا أن نفترض الفرضية الخيالية نفسها والتي خلاصتها، ماذا لو هرب النعاس عن الناس وعزّ النوم أو زالت قدرتهم على النوم وبقيت البشرية تعاني الأرق والسهاد؟
وإذا أخذنا بهذا الخيال الواسع، فإنه سوف يذهب بنا إلى كارثة أن الإنسان يموت بعد بضعة أيام من عدم النوم، وقبل ذلك سوف يمرّ بأطوار تشكّل القدرة على السيطرة والهلوسات والنزعات الفوضوية والعدوانية واحدة منها.
من هنا نبدأ مع فيلم “مستيقظ” المتميز موضوعا وإخراجا وتمثيلا للمخرج الكندي مارك راسو، وهو فيلمه الروائي الثالث بعد سلسلة أفلام قصيرة قام بإخراجها في مقابل إنتاج العديد من الأفلام، وحيث بدا واضحا نضج تجربته السينمائية.
ويرتكز الفيلم على شخصية امرأة تشكّل محور الأحداث وهي جيل (الممثلة غينا رودريغز) التي تعمل حارسة أمنية في إحدى المستشفيات، وتعيش وضعا عائليا مضطربا بسبب انفصالها عن زوجها وبقاء ابنها نواه (الممثل لوكيوس هويوس) وابنتها ماتيلدا (الممثلة أرينا غرينبلات) تحت رعاية جدتهما بقرار من المحكمة.
الفيلم يسرد واقعا بائسا ينذر بنهاية العالم، حيث ضرب إشعاع كهرومغناطيسي الأرض، فلا يتمكن أي إنسان من النوم
تكمل جيل مهمتها في تهريب الحبوب المخدرة والمنومة منتهية الصلاحية إلى إحدى العصابات، بينما تصطحب ابنيها إلى منزلها وعندها تكون الكارثة قد وقعت.
فقد ضرب إشعاع كهرومغناطيسي مكانا ما، وأدّى إلى انقطاع البث والاتصالات وخرجت السيارات عن السيطرة، لكن في المقابل هناك من يرمي التهمة كالمعتاد على ما يسمى “الإرهاب”، وما بين ضربة صينية وضربة إرهابية يعيش الناس في حالة من الهلع بسبب تفاقم عدم قدرتهم على النوم.
تتحوّل الطفلة ماتيلدا إلى عنصر أساسي في هذه الدراما الفيلمية لكونها هي وامرأة عجوز تستطيعان النوم بشكل طبيعي، وها هي الكنيسة ومراكز الأبحاث تتنافسان من أجل الحصول على ماتيلدا التي هي هبة إلهية من وجهة نظر الكنيسة وموضوع بحث علمي من وجهة نظر مركز الأبحاث، حيث تقع المذبحة الكبرى، وحيث تتمكن جيل من إنقاذ ابنتها وسط الرصاص والحرائق بعد دخول الجنود في حالة هستيريا وعدم القدرة على السيطرة بسبب عدم القدرة على النوم.
ولنعد إلى تلك الأم التي لا تريد سوى نجاة ولديها، وهي واقعيا تذكرنا بشخصية مالوري (الممثلة ساندرا بولاك) في فيلم “صندوق الطيور” المنتج في العام 2018، حيث هي معنية بإنقاذ أبنائها وسط عتمة حقيقية وحاملة لشتى أنواع المخاطر.
يزخر الفيلم بالمفاجآت وعناصر الحركة، فضلا عن خليط من الخيال العلمي والرعب وكل ذلك تنجح فيه الممثلة الرئيسية وحتى الطفلة ماتيلدا في نقلنا إلى تلك الأجواء الاستثنائية، ومن ذلك مثلا ذلك المشهد المؤثر عندما تسعى الأم لتدريب طفلتها على الدفاع عن نفسها في حال موتهم جميعا وبقائها على قيد الحياة، بينما الفتاة تكره السلاح وتقاوم استخدامه.
على أن التحوّلات الدرامية ما تلبث أن تتراكم تباعا عندما يصل الجميع إلى حافة النهاية، حيث السجناء شبه المخدرين والهستيريين يملأون الشوارع والاعتداءات العشوائية وإطلاق الرصاص في كل مكان بسبب الهلوسات وعدم القدرة على السيطرة على الفعل ورد الفعل.
دراما عميقة ومعبّرة لأم تسعى لإنقاذ أبنائها وسط عتمة حقيقية وحاملة لشتى أنواع المخاطر
براعة كاتب السيناريو مارك روسو الذي هو نفسه المخرج بالإضافة إلى جوزيف راسو حيث أنتجا سويا دراما عميقة ومعبّرة مأخوذة عن قصة للكاتب غريغوري بوريير تم تقديمها إخراجيا من خلال مقاربة سار فيها السرد الفيلمي على مسارين، أحدهما عاطفي وإنساني ويتعلق بمكابدة الأم ومجازفتها بكل شيء من أجل إنقاذ أبنائها أولا مع أن فرص النجاة والعيش تتضاءل، وأما الخط الثاني فهو تلك الدراما الاجتماعية الهائلة الممثلة في انهيار بشري كامل بسبب غياب العقل والحواس والشعور بالخطر بسبب فقدان القدرة على النوم.
وربما يكون مشهد الصراع قد وصل إلى ذروته في تلك المواجهة في داخل الكنيسة التي تؤدّي إلى مقتل أحد العاملين في مركز الأبحاث الذي يريد الاحتفاظ بماتيلدا لإجراء تجارب النوم عليها، في مقابل احتفاظ الكنيسة بها عندما يتم قتل الباحث العلمي على محراب الكنيسة فيما يتم تهريب ماتيلدا من مكان إلى آخر.
ويمكن التوقف أيضا عند مقاربة درامية جريئة ومؤثرة ربما شكلت عنصر تحوّل في مسار الدراما الفيلمية، وذلك في بداية تفشي الظاهرة عندما يتسبّب التصادم في سقوط السيارة في النهر وفيها الأم وأبناؤها وإظهارهم وهم يكافحون من أجل إنقاذ أنفسهم، وواقعيا تشكّل هذه المشاهد بداية فاجعة في أغلب الأفلام، لكن المخرج عمد إلى مرحلة تطهير مسبقة أراحت المشاهد وجذبته إلى باقي أحداث الفيلم بعد نجاة الجميع واكتشاف سبب قدرة ماتيلدا على النوم في ما بعد، وهو كونها قد وصلت إلى مرحلة ما بين الحياة والموت وهو ما سوف تمر به الأم لكي تعيش.
وإذا جمعنا كل ذلك المسار السردي وتنوّع الشخصيات وكونها في حالة حركة مستمرة، فإن التنوّع المكاني والتنقل بين مستويات السرد، كل ذلك شكّل عناصر إضافية في هذه الدراما التي اكتمل فيها الأداء المتقن والشكل الفيلمي وجماليات الصورة وجاذبية الموضوع والمعالجة الفيلمية.
كفاح مستميت من أجل الحصول على فرصة للنوم
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
إشعاع كهرومغناطيسي يضرب الأرض ويصيب سكانها بالأرق والسهاد.
الاثنين 2021/06/21
انشرWhatsAppTwitterFacebook
سرد فانتازي يجمع بين الإنساني والاجتماعي
يطرح المخرج الكندي مارك راسو في فيلم الفانتازيا والخيال العلمي “مستيقظ” الصادر حديثا عن نتفليكس إشكالية حيوية تهدّد وجود الإنسان على سطح الأرض، من خلال إبعاد النوم عن سكان الكوكب، فهل سينتهي العالم فعليا بغياب النوم؟
على طريقة “ماذا لو؟” تلك التي يستخدمها أساتذة الفن من أجل شحذ خيال الطلبة، يمكننا أن نفترض الفرضية الخيالية نفسها والتي خلاصتها، ماذا لو هرب النعاس عن الناس وعزّ النوم أو زالت قدرتهم على النوم وبقيت البشرية تعاني الأرق والسهاد؟
وإذا أخذنا بهذا الخيال الواسع، فإنه سوف يذهب بنا إلى كارثة أن الإنسان يموت بعد بضعة أيام من عدم النوم، وقبل ذلك سوف يمرّ بأطوار تشكّل القدرة على السيطرة والهلوسات والنزعات الفوضوية والعدوانية واحدة منها.
من هنا نبدأ مع فيلم “مستيقظ” المتميز موضوعا وإخراجا وتمثيلا للمخرج الكندي مارك راسو، وهو فيلمه الروائي الثالث بعد سلسلة أفلام قصيرة قام بإخراجها في مقابل إنتاج العديد من الأفلام، وحيث بدا واضحا نضج تجربته السينمائية.
ويرتكز الفيلم على شخصية امرأة تشكّل محور الأحداث وهي جيل (الممثلة غينا رودريغز) التي تعمل حارسة أمنية في إحدى المستشفيات، وتعيش وضعا عائليا مضطربا بسبب انفصالها عن زوجها وبقاء ابنها نواه (الممثل لوكيوس هويوس) وابنتها ماتيلدا (الممثلة أرينا غرينبلات) تحت رعاية جدتهما بقرار من المحكمة.
الفيلم يسرد واقعا بائسا ينذر بنهاية العالم، حيث ضرب إشعاع كهرومغناطيسي الأرض، فلا يتمكن أي إنسان من النوم
تكمل جيل مهمتها في تهريب الحبوب المخدرة والمنومة منتهية الصلاحية إلى إحدى العصابات، بينما تصطحب ابنيها إلى منزلها وعندها تكون الكارثة قد وقعت.
فقد ضرب إشعاع كهرومغناطيسي مكانا ما، وأدّى إلى انقطاع البث والاتصالات وخرجت السيارات عن السيطرة، لكن في المقابل هناك من يرمي التهمة كالمعتاد على ما يسمى “الإرهاب”، وما بين ضربة صينية وضربة إرهابية يعيش الناس في حالة من الهلع بسبب تفاقم عدم قدرتهم على النوم.
تتحوّل الطفلة ماتيلدا إلى عنصر أساسي في هذه الدراما الفيلمية لكونها هي وامرأة عجوز تستطيعان النوم بشكل طبيعي، وها هي الكنيسة ومراكز الأبحاث تتنافسان من أجل الحصول على ماتيلدا التي هي هبة إلهية من وجهة نظر الكنيسة وموضوع بحث علمي من وجهة نظر مركز الأبحاث، حيث تقع المذبحة الكبرى، وحيث تتمكن جيل من إنقاذ ابنتها وسط الرصاص والحرائق بعد دخول الجنود في حالة هستيريا وعدم القدرة على السيطرة بسبب عدم القدرة على النوم.
ولنعد إلى تلك الأم التي لا تريد سوى نجاة ولديها، وهي واقعيا تذكرنا بشخصية مالوري (الممثلة ساندرا بولاك) في فيلم “صندوق الطيور” المنتج في العام 2018، حيث هي معنية بإنقاذ أبنائها وسط عتمة حقيقية وحاملة لشتى أنواع المخاطر.
يزخر الفيلم بالمفاجآت وعناصر الحركة، فضلا عن خليط من الخيال العلمي والرعب وكل ذلك تنجح فيه الممثلة الرئيسية وحتى الطفلة ماتيلدا في نقلنا إلى تلك الأجواء الاستثنائية، ومن ذلك مثلا ذلك المشهد المؤثر عندما تسعى الأم لتدريب طفلتها على الدفاع عن نفسها في حال موتهم جميعا وبقائها على قيد الحياة، بينما الفتاة تكره السلاح وتقاوم استخدامه.
على أن التحوّلات الدرامية ما تلبث أن تتراكم تباعا عندما يصل الجميع إلى حافة النهاية، حيث السجناء شبه المخدرين والهستيريين يملأون الشوارع والاعتداءات العشوائية وإطلاق الرصاص في كل مكان بسبب الهلوسات وعدم القدرة على السيطرة على الفعل ورد الفعل.
دراما عميقة ومعبّرة لأم تسعى لإنقاذ أبنائها وسط عتمة حقيقية وحاملة لشتى أنواع المخاطر
براعة كاتب السيناريو مارك روسو الذي هو نفسه المخرج بالإضافة إلى جوزيف راسو حيث أنتجا سويا دراما عميقة ومعبّرة مأخوذة عن قصة للكاتب غريغوري بوريير تم تقديمها إخراجيا من خلال مقاربة سار فيها السرد الفيلمي على مسارين، أحدهما عاطفي وإنساني ويتعلق بمكابدة الأم ومجازفتها بكل شيء من أجل إنقاذ أبنائها أولا مع أن فرص النجاة والعيش تتضاءل، وأما الخط الثاني فهو تلك الدراما الاجتماعية الهائلة الممثلة في انهيار بشري كامل بسبب غياب العقل والحواس والشعور بالخطر بسبب فقدان القدرة على النوم.
وربما يكون مشهد الصراع قد وصل إلى ذروته في تلك المواجهة في داخل الكنيسة التي تؤدّي إلى مقتل أحد العاملين في مركز الأبحاث الذي يريد الاحتفاظ بماتيلدا لإجراء تجارب النوم عليها، في مقابل احتفاظ الكنيسة بها عندما يتم قتل الباحث العلمي على محراب الكنيسة فيما يتم تهريب ماتيلدا من مكان إلى آخر.
ويمكن التوقف أيضا عند مقاربة درامية جريئة ومؤثرة ربما شكلت عنصر تحوّل في مسار الدراما الفيلمية، وذلك في بداية تفشي الظاهرة عندما يتسبّب التصادم في سقوط السيارة في النهر وفيها الأم وأبناؤها وإظهارهم وهم يكافحون من أجل إنقاذ أنفسهم، وواقعيا تشكّل هذه المشاهد بداية فاجعة في أغلب الأفلام، لكن المخرج عمد إلى مرحلة تطهير مسبقة أراحت المشاهد وجذبته إلى باقي أحداث الفيلم بعد نجاة الجميع واكتشاف سبب قدرة ماتيلدا على النوم في ما بعد، وهو كونها قد وصلت إلى مرحلة ما بين الحياة والموت وهو ما سوف تمر به الأم لكي تعيش.
وإذا جمعنا كل ذلك المسار السردي وتنوّع الشخصيات وكونها في حالة حركة مستمرة، فإن التنوّع المكاني والتنقل بين مستويات السرد، كل ذلك شكّل عناصر إضافية في هذه الدراما التي اكتمل فيها الأداء المتقن والشكل الفيلمي وجماليات الصورة وجاذبية الموضوع والمعالجة الفيلمية.
كفاح مستميت من أجل الحصول على فرصة للنوم
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان