"العريشة".. معضلة إنسان معزول يؤوي عنكبوتا قاتلا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • "العريشة".. معضلة إنسان معزول يؤوي عنكبوتا قاتلا

    "العريشة".. معضلة إنسان معزول يؤوي عنكبوتا قاتلا


    فيلم من الخيال العلمي يقتفي مسار كائن غريب يفتك بالبشر في عتمة الليل.
    الاثنين 2021/04/19
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    رجل مأزوم المصحة النفسية مكانه الطبيعي

    ينشط الخيال في رسم صورة ما لكائنات من حولنا، كائنات قد تكون أقوى من البشر فتروّعهم وتفتك بهم، فيما يعجز الإنسان عن مواجهة تلك الكائنات لشدة فتكها. وفيلم “العريشة” للمخرج كلايتون ويتمر واحد من هذه الأفلام التي تستعرض قصة كائن خيالي يحل بالأرض فيربك حيوات الناس ويروّعهم.

    قدّمت سينما الخيال العلمي الكثير من الكائنات الخيالية المرعبة والمرسومة بعناية من أجل ترسيخ فكرة التهديد الذي يواجه الجنس البشري بسبب شخصيات وحشية وخارجة على السيطرة. وفي فيلم “العريشة” للمخرج كلايتون ويتمر سوف نتعايش سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مع واحدة من تلك الكائنات التي تثير الفزع.

    وقبل أن نمضي في تتبّع ما فعله ذلك الكائن، لا بد أن نتوقف عند الشخصية الرئيسية في هذا الفيلم وهو إيثان (الممثل درو ماتيوز)، فمجرد النظر إلى هذا الشاب شارد النظرات والمنطوي على نفسه ستستنتج أنك أمام شخصية إشكالية.

    يعمل إيثان في شركة لإصلاح الأقفال ولا وقت لعمله ليلا أو نهارا، ولذلك فإن ليله ونهاره يختلطان إلى درجة أنه يعجز عن الذهاب إلى حفلة عيد ميلاد شقيقه شين (رايان دافنبورت) إلاّ متأخرا، وهنا سوف ينسج نسق اجتماعي – عائلي من خلال عائلة شين من جهة وإيثان من جهة أخرى، فإن كان إيثان هو الأكبر إلاّ أن شين هو الأنضج والأكثر واقعية.

    وأما صلة إيثان مع ذلك الكائن الغريب، فهي التي سوف تكون سببا في تصعيد الدراما الفيلمية، وتبدأ تلك الصلة بمجرد توقف إيثان في الطريق الليلي المقفر ليجد غزالا ميتا يقوم بسحبه عن الطريق ليكتشف أن بداخله كائنا غريبا متحرّكا، ويدفعه ذلك إلى أخذ جثّة الحيوان إلى المنزل وانتزاع ذلك الكائن وحجزه في صندوق، وهو أشبه ما يكون بأرجل العنكبوت سوداء اللون.

    واقعيا إن العثور على شيء كدليل جريمة أو إثباتا على شخصية بمثابة تأسيس لحبكة مهمة في السيناريو والفيلم، وهنا يشكل العثور على ذلك الكائن العنكبوتي الشرس بمثابة حبكة ثانوية بالغة الأهمية في السرد الفيلمي.

    على أن إيثان يُختصر بناء شخصيته في عزلته النفسية ووحدته وشعوره بالقلق وهو ما يتسرّب حتى إلى علاقته بشقيقه شين، وهو في ذلك يحاول إشراكه في ذكريات بعيدة ثم محاولة إشراكه في اكتشاف ذلك الكائن. لكنه لن يجد لدى شقيقه حماسا لذلك فتتفاقم عزلة إيثان.

    هذا الثنائي الدرامي الصامت والمنغلق سوف تبنى عليه مسارات الأحداث لجهة تشبّث إيثان بالمكان في مقابل انصراف شين عنه، لاسيما وأن المكان يشكل قاعدة موضوعية مهمة في هذا الفيلم.
    الفيلم يزاوج بين إظهار البناء النفسي المضطرب للبطل وأجواء الرعب التي تنتاب الناس في مواجهتهم للعدو المجهول

    فالأحداث تقع في قرية مترامية تتوزّع عليها البيوت ومنها بيت العائلة الذي يسكنه شين وزوجته وطفلتهما، لكنهما بصدد الانتقال إلى مدينة أخرى، في مقابل التشبّث الطفولي والوجداني من قبل إيثان بذلك المكان.

    وخلال ذلك يلاحظ أن تصوير أغلب المشاهد يتم ليلا والأحداث المهمة تقع ليلا، وربما هو الوقت والمكان المناسب لكي تتلاشى شخصية إيثان في الظلام بينما يكون الكائن الذي تم احتجازه من قبله آخذ بالتضخم، ولنبدأ مرحلة أخرى وهي الدخول في دائرة الجريمة عندما ينطلق ذلك الكائن بالإجهاز على ضحاياه.

    والسؤال الإشكالي في وسط هذه الدراما الفاجعة هو عن ردود أفعال إيثان الذي يتعامل مع الأمر بحيادية غريبة وصمت وحيرة أكثر من كونه قادرا على إنتاج رد فعل حاسم.

    تختلط في هذا الفيلم مسارات درامية متعددة سواء لجهة البناء النفسي المضطرب لإيثان وحتى ملامحه الشخصية ونظرته الزائغة التي تتطابق كلها مع حالته النفسية، ومن جهة أخرى أجواء الرعب التي تنتاب الناس وهم يواجهون عدوا مجهولا يفتك بضحاياه، فيما يصبح إيثان شريكا غير معلن.

    هذه الأرضية المتشابكة دراميا يكملها المضي بالخيال المرتبط بذلك الكائن العنكبوتي الفتاك إلى أقصاه، فهو خيال مشوّش لا تعرف نهاياته ولا كيف سوف تتم السيطرة عليه، فيما إيثان يرقب الكائن الذي بنى له عشا أو عريشة، وهو يتسلل في الليل ليقتل ضحاياه ثم يعود إلى مخدعه.

    ويكمل نوازع إيثان المضطربة علاقته بصديق لا يقل عنه اضطرابا حتى نصل إلى الذروة بسقوط ابنة شقيقه ضحية لهجوم ذلك الكائن دون أن نشاهد عملية الفتك بها. لكننا نشاهد حالة الصدمة التي أصابت شين فيما إيثان يتفرّج حائرا وعاجزا.

    يلفت النظر في هذا الفيلم ذلك التتابع للمشاهد القائمة على إيقاع ثقيل أو بطيء نوعا ما، فهنا لن تجد أحداثا متسارعة ولا تقطيعا مونتاجيا ينتمي إلى أفلام الأكشن، بل إن كل شيء ينمو ببطء شديد والأزمة تتفاقم بصمت والمشاهد التي يظهر فيها إيثان طويلة زمنيا نسبيا، فيما هو صامت أو متأمل أو حائر أو حزين.

    وإذا عدنا إلى تركيب المشهد سواء على صعيد المناظر المكانية العامة المصنوعة في درجة إضاءة واطئة أو تلك التي يظهر فيها أشخاص بملابس بيضاء يفتشون عن القاتل المجهول ويجمعون الأدلة الجنائية، فإن هذا الفيلم لا يبدو ممتعا كثيرا لمن اعتادوا مشاهدة أفلام الحركة والتحرّي والنمط البوليسي، حتى أن شخصية إيثان لوحدها لا تبدو مشوّقة كثيرا بقدر ما هي محزنة ومأساوية وجديرة بمصحة نفسية.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    طاهر علوان
    كاتب عراقي مقيم في لندن
يعمل...
X