"ماتريكس" يعود في جزء رابع ليكشف لنا حقيقة ما نعيشه
الفيلم يطرح سلسلة من الأسئلة الوجودية في فضاء خيالي وعالم من الأنظمة الرقمية المعقدة.
الأحد 2022/01/09
انشرWhatsAppTwitterFacebook
التكامل بين المضمون الفكري والحصيلة البصرية
نجح فيلم "ماتريكس" في الخوض في جدلية الوجود الإنساني والطريقة النمطية التي صارت تؤطر مجتمعات بأكملها تحت سمع "النظام" ونظره أيا كان، أمنيا أو مخابراتيا أو سياسيا، وحيث الكل منتظم في تلك المنظومة التي لا يخرج منها ولا يحيد عنها أي أحد. وكشف عن الذات الإنسانية وقد تحوّلت إلى سلسلة من الأكواد بفضل التطور الهائل في الأنظمة الرقمية، ومن ثم جعل كل تلك الملايين وهي تدور في دائرة واحدة لا فكاك منها ولا خلاص، وهذا ما يواصله الفيلم في جزئه الجديد.
الافتراض أن نكون جميعا منخرطين طوعا أو كرها في منظومة أو مصفوفة، هو بمثابة الصرخة التي أطلقها فيلم “ماتريكس” في جزئه الأول سنة 1999 وما تلا تلك الصرخة من أصداء لم تهدأ حتى الساعة.
وها هو ماتريكس يعود إلينا في جزئه الرابع من إخراج لانا واتشوفيسكي ليعيدنا إلى الجدلية التي كنا قد فارقناها قبل 22 عاما، ولكن بقيت أصداؤها في العقل وفي الوسط السينمائي حاضرة، حيث كان هذا الفيلم منذ جزئه الأول بمثابة تأسيس لأسلوب واتجاه جديدين، وتقريب لصورة اجتماعية معيشة لمجتمعات تنغمر في مصفوفة لا حد لها ولا سبيل للخروج السهل منها.
صراع مع النظام
☚ إذا كنا بصدد كل الكثافة من الإبهار التي يحملها الفيلم فإننا في ذات الوقت أمام سلسلة من الأسئلة الوجودية
المصفوفة التي كانت هنا، هي وجود جمعي يمثله نيو (الممثل كيانو ريفز) وهو ليس إلا فردا في منظومة واسعة، فهو في الجزء الأول كان مجرّد مبرمج عادي، ولكنه ما يلبث أن يتلقى سلسلة من الرسائل الغامضة التي سوف تدفعه قدما باتجاه الغوص في عالم جديد لم يعهده من قبل، إنه عالم من الأسلئة والغموض ما يلبث أن يتحول إلى امتحان وجودي يتعلق بكل هذا الإرث الذي وجد الكائن البشري نفسه في وسطه، وهنا تبدأ إشكاليّة التأويل التي انشغل بها الكثير من النقاد والمحللين بسبب الإحالات اللاهوتية والتاريخية والميثولوجية التي يحملها الفيلم، من مورفيوس إلى زايون وصولا إلى تلك المملكة الافتراضية التي سوف تقام على تخوم بلاد وادي الرافدين.
وهكذا علينا أن نعد أنفسنا للرحلة التي سوف تبدأ من تمرد الروبوت على صاحبه والانتقام منه، لكي تنطلق شرارة ثورة وحرب كونية بين الآلات والبشر تنتهي في العام 2039، ولكن أنّى للبشر أن يميّزوا الآلات وهم يتلبسون لبوس البشر كما في الوكيل سميث واشتقاقاته واستنساخاته من ذوي البدلات والنظارات السوداء والقمصان البيضاء.
يمكن أن تسميها الدولة العميقة أو سمّها النظام الصارم الذي اختزل الكائن البشري وجعله منقادا إلى واقع افتراضي وخيالي بالكامل، وتلك من أسرار هذا الفيلم وعنصر أساس من عناصر نجاحه الهائل، وكونه يمثل تحولا نوعيا في سينما الخيال العلمي والفانتازيا وصولا إلى صورة الأخ الأكبر المسيطر.
لكن الفارق هنا في ما يتعلق بالنظام الصارم والدولة العميقة أنها قامت على أنقاض تلك الحرب الشرسة وغير المتوقعة مع الآلات، والتي ترسخت في الجزء الثاني، وها نحن مع كائنات بشرية غاطسة في حاضنات تمنح الآلات الطاقة الكافية لكي تستعبد البشر وتتفوق عليهم ووصولا إلى ذلك الإيهام المطبق الذي تعيشه الشخصيات، بل قل البشرية الخاضعة للماتريكس – المصفوفة، والتي تعيش في عالم كامل من الوهم وعليها قبوله والتسامح والتعاطي معه.
لكن كل ذلك في “توليفة”، أو وصفة ماتريكس، لن يتم تقديمها بهذه البساطة التي تدفع بعض المتابعين إلى اللهاث وراء تلخيص أحداث الفيلم من دون الإحساس بها، وبهذا فإنهم يجهدون أنفسهم في فرز ما هو واقعي في الفيلم عما هو خيالي وتعبيري وفنتازي، وتلك مهمة صعبة إن لم تكن غير مجدية أصلا، فالسبيكة التي مثلها الفيلم أن عنصر اختلافها وتميزها يكمن في كونها قائمة على فكرة الانتقال المرن بين الأزمنة والشخصيات والأماكن دونما قيد ولا شرط، ولهذا كانت المساحة متاحة تماما لإغراق الفيلم بالمطاردات وبكل ما يتطلبه فيلم الحركة من عناصر النجاح، بل أن يقترن العنف بمهارات خارقة وإمكانات تتعدّى حدود البشر، لاسيما وأن الصراع يقع مع كائنات رقمية متحولة لا يمكن الخروج من هيمنتها.
ماتريكس يعود إلينا في جزئه الرابع من إخراج لانا واتشوفيسكي ليعيدنا إلى الجدلية التي كنا قد فارقناها قبل 22 عاما
ولعل البطولة هي العنصر المهم الآخر استكمالا لحديثنا عن طابع الحركة والعنف والصراعات والقتال الفردي التي حفل بها الفيلم، وعاد بنا في هذا الجزء الذي نحن بصدده الآن والذي يعرض حاليا في دور السينما محققا النجاح المعهود الذي كانت الأجزاء الثلاثة السابقة قد عبّدته.
فعلاوة على دور نيو المركزي في محاولة انتشال الجميع من عالم المصفوفة والمقاومة الشرسة ضد الاستحواذ على الحياة والناس من طرف غزاة رقميين، هنالك الشخصيتان الأساسيتان المكملتان اللتان لا يمكن تخيّل هذه الدراما الفيلمية من دونهما وهما مورفيوس (الممثل لورانس فيشبورن)، الذي يحمل اسمه إحالات إلى الموروث والأساطير الإغريقية، من منطلق أن مورفيوس هو إله الحلم أو هو الذي يسيطر على الأحلام، أما هنا فإن دوره سوف يكون عكسيا فهو الذي سوف يوقظ الذين احتواهم النظام الرقمي الصارم وقتل خواص البشر فيهم وصولا إلى جعلهم مجرد أرقام، وهو صاحب الحبّتين الشهيرتين الزرقاء والحمراء، وعليك أيها الكائن أن تختار إحداهما، فالأولى لون العودة إلى الحياة البشرية والثانية هي البقاء، حيث أنت في ذلك الرحم الاصطناعي الصمغي منوّما ويجري سحب طاقتك من خلال العديد من الروابط والتوصيلات.
أما هنا في الجزء الرابع فسوف يغيب فيشبورن الذي اعتدنا على حضوره مكملا لنيو ليحل محله الممثل البارع يحيى عبدالمتين الثاني، في مقابل استبدال الوكيل سميث بشخصية أخرى، وهو امتداد منطقي لما طرأ على الشخصية الرئيسية نيو من تغييرات بشعره الذي صار يغطي أذنيه والشعيرات البيض التي تسللت إلى رأسه وحركته التي تتناسب مع تقدمه بالسن، مع تمتعه بالقدرة على خوض الصراعات إلى نهايتها.
تكامل المضمون والإبهار
عن سلسلة ماتريكس
ظهر الجزء الأول منها في العام 1999
تولى إخراج الفيلم الشقيقتان ليلي (مواليد 1967) ولانا (مواليد 1965)، وهما اللتان شاركتا في كتابة السيناريو.
كان أول عمل مشترك لهما في كتابة السيناريو في فيلم “المغتالون” 1995، وآخر فيلم هو “صعود كوكب المشتري” 2015، بعدها بدأتا تعملان منفردتين.
شاركت الشقيقتان في إخراج الأجزاء الثلاثة الأولى، لكن الجزء الرابع أخرجته الشقيقة لانا لوحدها، فضلا عن المشاركة في كتابة السيناريو.
عُرفت الشقيقتان على صعيد المسلسلات التلفزيونية الناجحة، ومن أبرزها “الحاسة الثامنة”.
ارتبط الثنائي بموضوع تغيير الجندر لكون ليلي واتشوفيسكي هي/ أو هو من المتحوّلين.
إذا نظرنا إلى الجانب التسويقي والتجاري الذي أصابه الفيلم فيمكننا التوقف عند التجربة الفريدة التي خاضتها الأختان واتشويسكي، والتي توجت في هذا الجزء الرابع ببقاء لانا دون شقيقتها، حيث صارت لكل منهما مشاريعها الخاصة منذ ذلك النجاح الهائل الذي أصابته سلسلة ماتريكس، وكانتا خلال ذلك وما بين جزء جديد وسابق من ماتريكس تعملان على سلاسل تلفزيونية، من أبرزها مسلسل “الحاسة الثامنة” والذي تفرغت له الشقيقة ليلي، بينما مضت لانا في العمل على الجزء الرابع من ماتريكس الذي نحن في صدده الآن.
كان ابتكار ما عرف ببطاريات أو مولدات الطاقة والذي لخصه مورفيوس بأنه النهاية التراجيدية للوجود الإنساني، هو العنصر الأهم في هذه الدراما – التراجيديا التي أفضت إلى التمرد على ما تم الاشتغال عليه في أجزاء الفيلم الثلاثة، أما في الجزء الرابع فها هو نيو الذي يعمل مبرمجا وهو بحاجة إلى إيقاظ لكي يكمل المهمة في فيلم حمل اسم الانبعاث، في نوع من النوستالجيا إلى نيو – 1999، وهو مسعى كان عليه الكثير من المآخذ لجهة التنفيذ والخدع السينمائية والمعارك، لكن أسئلة النقاد كانت تتركز في الغالب على أساس ماذا أضاف الجزء الجديد من ماتريكس للأجزاء السابقة؟
ولعل الإجابة على ذلك دفعت المخرجة وفريقها من كتاب السيناريو إلى الانتقال بنا إلى مراحل جديدة من الصراع، وهو ما أفضى بالنتيجة إلى ابتكار شخصيات جديدة من أبرزها شخصية باغز (الممثلة البريطانية من أصول آسيوية جيسيكا هانويك) التي كأنها عادت بنا إلى البواكير الأولى وإلى شخصية تيرينتي التي لا يمكن تخيل غيابها وحضور نيو، فهما وجهان لشخصية متكاملة، ولهذا كانت حيوّيتها الفائقة ومشاهد القتال الشرسة التي خاضتها قد أضفتا على الفيلم روحا جديدة تتناسب مع ذائقة الجيل.
باغز ليست من تلك الشخصيات الفارعة وفائقة الجمال كما شخصيات السوبرهيرو النسائية الهوليوودية، وإنما هي مجرد عاملة آسيوية كانت تمسح الزجاج عندما شاهدت كيفية سقوط نيو من أعلى البناية، لكنه لم يمت، ومنذ تلك اللحظة آمنت به وسارت على طريقه ومن أجل الدفاع عنه من جراء ما لحق به من أذى، فضلا عن نزعة التمرد التي ميزته والتي أثارت إعجابها، لتدخل في منظومة أولئك المتمردين على المصفوفة، ورغم أن في أدائها شيئا من المبالغة، إلا أنها منحتنا الكثير من متعة المشاهدة والمتابعة.
وإذا كنا بصدد كل تلك الكثافة من الإبهار التي حملها الجزء الرابع بشكل خاص، فإننا وفي ذات الوقت كنا ومنذ الجزء الأول أمام سلسلة من الأسئلة الوجودية التي حفل بها، ومنها الفردانية والوحدة، كتلك التي يلقيها مورفيوس على عاتق نيو، ومن ذلك “إن ما قيل هو لك وخاص بك وحدك وأنت الآن واحد ووحيد”، و”تذكّر وأنت في وسط هذه الموجة أنني أنقلك إلى الحقيقة ولا أخبرك إلا بها”.
وخذ هذه الانثيالات الشعرية التي ينطق بها نيو “لا أعلم عن المستقبل. لم أحضر إلى هنا لأخبرك كيف سينتهي هذا الأمر. لقد جئت إلى هنا لأخبرك كيف ستبدأ، سأقوم بالإغلاق وبعد ذلك سوف أري هؤلاء الأشخاص ما لا تريدهم أنت أن يروه. سوف أريهم عالما من دونك، عالما بلا قيود ولا ضوابط وبلا حدود، عالما كل شيء فيه ممكن. أما أين نذهب من هناك أو إلى أين تذهب فذلك خيار أتركه لك”.
وعلى هذا المسار تنمو الحوارات وتتصاعد وتقودنا إلى سلسلة من الأسئلة الوجودية التي تحوم كلها في فضاء خيالي وقوى من الأرقام والآحاد التي تهطل على الشخصايت مثل المطر، وتبتلع وجودهم البشري لتحولهم إلى مجرد بطاريات يغذّون بها ذلك الوجود العدمي الذي يعيد الإنسان إلى حوضه المائي الذي كان يسبح به في بطن أمه، وياله من صورة رائعة ومشهد مذهل ذلك الذي تظهر فيه تلك الأكياس المائية الهائلة التي يقبع فيها البشر، ويتم منح قدراتهم وطاقاتهم بلا حدود لقوى المصفوفة الهائلة، التي استحوذت على عقولهم وعلى حواسهم وتفكيرهم.
وفي المقابل كانت هنالك الحوارات المضادة والمقابلة التي لا نكاد نسمعها من تلك الكائنات الروبوتية في أشكال بشرية، فهؤلاء لوحدهم في كثافة وجودهم وحركيتهم يجعلون ذلك السجال من طرف واحد ذا ثقل هائل، يتعلق بإنسان المصفوفة الذي يحمل بذرة التمرد.
ولأننا بصدد التمرّد فسوف ننتقل إلى الشخصية المقابلة لشخصية باغز، وهي الشخصية الأصلية التي رسخت في عقول المشاهدين على الدوام وهي تيرينتي (الممثلة كاري آن موس)، فها هي تظهر في مشهد غير متوقع في داخل أحد المطاعم وإذا بها مصحوبة بزوجها وأطفالها، بينما نيو مذهول من حقيقة وجود رفيقة روحه وصنوه والمكمّلة الأساسية لوجوده، ولهذا سوف يتساءلان عما إذا كانا قد التقيا من قبل ومتى، وهو سؤال محيّر حقا حتى بالنسبة إلى المشاهد الذي ربما أراد من تيرينتي أن تكون حاضرة بشكل ما منذ البداية، لكي تنظم إلى نيو في خوض فصول أخرى جديدة من الصراع، وربما بدا عدم استجابة تلك المرأة التي تقدم بها العمر أمرا مربكا ومحيّرا.
المخرجة وفريقها من كتاب السيناريو انتقلوا بنا إلى مراحل جديدة من الصراع، وهو ما تحقق بابتكار شخصيات جديدة
لكن السؤال هو ماذا لو كان زوجها مجرد كائن متحوّل وأنه جزء من الآلات التي تغيّر أشكالها؟ وماذا إذا كان ذلك الاكتشاف هو الشرارة التي سوف تشعل فصولا جديدة من الصراع والتي سوف تدفع نيو إلى خوض مغامرة خطيرة، وهي النفاذ إلى نظام الآلات بقصد تحرير تيرينتي المحبوسة هناك مثل غيرها في تلك الأحواض التي تستنفد طاقة البشر وتتركهم غارقين في تلك المصفوفة؟ وهو ما سوف يقع فعلا وبذلك سوف ننتقل إلى فصول جديدة من الصراع يعود فيه الثنائي تيرينتي – نيو إلى الواجهة، وكأن ذلك استجابة لجيل الجزء الأول التسعيني وعودة به إلى تلك البدايات المؤثرة، لكن تلك العودة لم تكن موضع ترحيب من النقاد ما دامت لا تضيف لمشاهد العراك شيئا، بينما كان إيجاد شخصية باغز والصورة الجديدة لمورفيوس فيه الكثير من البراعة والموضوعية.
في المقابل كانت الشخصيات الأخرى المكملة، وخاصة نسخ المخبرين ذوي البدلات والنظارات السوداء، أعادتنا الى نمطية لا جديد فيها، وخلاصتها ملاحقة أولئك الذين يريدون التمرد على النظام أو بمعنى آخر الخارجين على نظام المصفوفة الذي صار نظام حياة، وبات من الصعب على كل تلك البشرية المخدّرة أن تخرج من الدوامة التي وجدت نفسها فيها.
يحشد هذا الفيلم بالطبع طواقم ضخمة لجهة الإنتاج والتصوير والمونتاج والخدع السينمائية ومشاهد المعارك والموسيقى التصويرية، ويقدم لنا إبهارا بصريا مضاعفا في بعض مشاهد المعارك أو تلك المشاهد الملفتة للنظر والمميزة في القسم الثاني من الفيلم، ومنها تحولات شخصية من يفترض أنه الطبيب النفساني لنيو وهو في الحقيقة جزء من الآليين، وتلك الحوارات المتداخلة والمثيرة التي تجري بينه وبين نيو، ثم مشاهد المعارك الشرسة وهي إضافات مهمة في هذا الجزء، لكنها لا تبدو كما في الجزأين الأول والثاني بشكل خاص في صميم الإشكالية التي تتحدث عنها قصة الفيلم، بقدر ما هي نوع من التوسع في تقديم شخصيات جديدة وإضافية من أجل التوسع في الأحداث وإيجاد إضافات تدفع المشاهد إلى المتابعة على أساس أنه اكتشف عنصر تشويق جديدا، وهو ما تأسس كما ذكرنا من خلال شخصيتي باغز ومورفيوس الجديدتين وذواتي الحضور المهم والفعال في هذه الدراما الفيلمية، التي لا تزال تشد الأنظار وتحقق النجاحات أينما عرضت في أنحاء العالم.
الإشكالية التي ترتبط بنوع الشخصيات الجديدة ومستوى تنفيذ المعارك مثلا كانت عرضة انتقاد المزيد من نقاد السينما، وكانت هنالك وجهات نظر متعددة في مستوى التنفيذ، وهي تفوق الجزء الرابع هذا على الأجزاء السابقة له.
لكن في المقابل كانت هنالك الكثير من الآراء المتحمسة التي ذهبت إلى أن سلسلة ماتريكس وبما فيها هذا الفيلم الأخير هي من أفضل أفلام الخيال العلمي في تاريخ السينما، كما في مجلة “إنترتينمنت” الأسبوعية، أما الناقد الكبير روجر إيبيرت فقد منح الفيلم ثلاثة نجوم من أربعة وأشاد بالبناء والنسيج البصري المتميز الذي ميز هذا الجزء، وهو رأي يشاركه فيه أيضا ناقد في مجلة “صوت وصورة” بالإشادة بذلك التكامل بين المضمون الفكري والحصيلة البصرية التي حفل بها هذا الفيلم وكانت أحد أهم عناصر تميزه، أما الناقد السينمائي لمجلة “تايم آوت” فذهب إلى ميزة المزج بين “الواقعيات” التي حفل بها الفيلم، ولجهة البراعة في الانتقال بين الأجواء المختلفة باتجاه تصعيد الأحداث.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
الفيلم يطرح سلسلة من الأسئلة الوجودية في فضاء خيالي وعالم من الأنظمة الرقمية المعقدة.
الأحد 2022/01/09
انشرWhatsAppTwitterFacebook
التكامل بين المضمون الفكري والحصيلة البصرية
نجح فيلم "ماتريكس" في الخوض في جدلية الوجود الإنساني والطريقة النمطية التي صارت تؤطر مجتمعات بأكملها تحت سمع "النظام" ونظره أيا كان، أمنيا أو مخابراتيا أو سياسيا، وحيث الكل منتظم في تلك المنظومة التي لا يخرج منها ولا يحيد عنها أي أحد. وكشف عن الذات الإنسانية وقد تحوّلت إلى سلسلة من الأكواد بفضل التطور الهائل في الأنظمة الرقمية، ومن ثم جعل كل تلك الملايين وهي تدور في دائرة واحدة لا فكاك منها ولا خلاص، وهذا ما يواصله الفيلم في جزئه الجديد.
الافتراض أن نكون جميعا منخرطين طوعا أو كرها في منظومة أو مصفوفة، هو بمثابة الصرخة التي أطلقها فيلم “ماتريكس” في جزئه الأول سنة 1999 وما تلا تلك الصرخة من أصداء لم تهدأ حتى الساعة.
وها هو ماتريكس يعود إلينا في جزئه الرابع من إخراج لانا واتشوفيسكي ليعيدنا إلى الجدلية التي كنا قد فارقناها قبل 22 عاما، ولكن بقيت أصداؤها في العقل وفي الوسط السينمائي حاضرة، حيث كان هذا الفيلم منذ جزئه الأول بمثابة تأسيس لأسلوب واتجاه جديدين، وتقريب لصورة اجتماعية معيشة لمجتمعات تنغمر في مصفوفة لا حد لها ولا سبيل للخروج السهل منها.
صراع مع النظام
☚ إذا كنا بصدد كل الكثافة من الإبهار التي يحملها الفيلم فإننا في ذات الوقت أمام سلسلة من الأسئلة الوجودية
المصفوفة التي كانت هنا، هي وجود جمعي يمثله نيو (الممثل كيانو ريفز) وهو ليس إلا فردا في منظومة واسعة، فهو في الجزء الأول كان مجرّد مبرمج عادي، ولكنه ما يلبث أن يتلقى سلسلة من الرسائل الغامضة التي سوف تدفعه قدما باتجاه الغوص في عالم جديد لم يعهده من قبل، إنه عالم من الأسلئة والغموض ما يلبث أن يتحول إلى امتحان وجودي يتعلق بكل هذا الإرث الذي وجد الكائن البشري نفسه في وسطه، وهنا تبدأ إشكاليّة التأويل التي انشغل بها الكثير من النقاد والمحللين بسبب الإحالات اللاهوتية والتاريخية والميثولوجية التي يحملها الفيلم، من مورفيوس إلى زايون وصولا إلى تلك المملكة الافتراضية التي سوف تقام على تخوم بلاد وادي الرافدين.
وهكذا علينا أن نعد أنفسنا للرحلة التي سوف تبدأ من تمرد الروبوت على صاحبه والانتقام منه، لكي تنطلق شرارة ثورة وحرب كونية بين الآلات والبشر تنتهي في العام 2039، ولكن أنّى للبشر أن يميّزوا الآلات وهم يتلبسون لبوس البشر كما في الوكيل سميث واشتقاقاته واستنساخاته من ذوي البدلات والنظارات السوداء والقمصان البيضاء.
يمكن أن تسميها الدولة العميقة أو سمّها النظام الصارم الذي اختزل الكائن البشري وجعله منقادا إلى واقع افتراضي وخيالي بالكامل، وتلك من أسرار هذا الفيلم وعنصر أساس من عناصر نجاحه الهائل، وكونه يمثل تحولا نوعيا في سينما الخيال العلمي والفانتازيا وصولا إلى صورة الأخ الأكبر المسيطر.
لكن الفارق هنا في ما يتعلق بالنظام الصارم والدولة العميقة أنها قامت على أنقاض تلك الحرب الشرسة وغير المتوقعة مع الآلات، والتي ترسخت في الجزء الثاني، وها نحن مع كائنات بشرية غاطسة في حاضنات تمنح الآلات الطاقة الكافية لكي تستعبد البشر وتتفوق عليهم ووصولا إلى ذلك الإيهام المطبق الذي تعيشه الشخصيات، بل قل البشرية الخاضعة للماتريكس – المصفوفة، والتي تعيش في عالم كامل من الوهم وعليها قبوله والتسامح والتعاطي معه.
لكن كل ذلك في “توليفة”، أو وصفة ماتريكس، لن يتم تقديمها بهذه البساطة التي تدفع بعض المتابعين إلى اللهاث وراء تلخيص أحداث الفيلم من دون الإحساس بها، وبهذا فإنهم يجهدون أنفسهم في فرز ما هو واقعي في الفيلم عما هو خيالي وتعبيري وفنتازي، وتلك مهمة صعبة إن لم تكن غير مجدية أصلا، فالسبيكة التي مثلها الفيلم أن عنصر اختلافها وتميزها يكمن في كونها قائمة على فكرة الانتقال المرن بين الأزمنة والشخصيات والأماكن دونما قيد ولا شرط، ولهذا كانت المساحة متاحة تماما لإغراق الفيلم بالمطاردات وبكل ما يتطلبه فيلم الحركة من عناصر النجاح، بل أن يقترن العنف بمهارات خارقة وإمكانات تتعدّى حدود البشر، لاسيما وأن الصراع يقع مع كائنات رقمية متحولة لا يمكن الخروج من هيمنتها.
ماتريكس يعود إلينا في جزئه الرابع من إخراج لانا واتشوفيسكي ليعيدنا إلى الجدلية التي كنا قد فارقناها قبل 22 عاما
ولعل البطولة هي العنصر المهم الآخر استكمالا لحديثنا عن طابع الحركة والعنف والصراعات والقتال الفردي التي حفل بها الفيلم، وعاد بنا في هذا الجزء الذي نحن بصدده الآن والذي يعرض حاليا في دور السينما محققا النجاح المعهود الذي كانت الأجزاء الثلاثة السابقة قد عبّدته.
فعلاوة على دور نيو المركزي في محاولة انتشال الجميع من عالم المصفوفة والمقاومة الشرسة ضد الاستحواذ على الحياة والناس من طرف غزاة رقميين، هنالك الشخصيتان الأساسيتان المكملتان اللتان لا يمكن تخيّل هذه الدراما الفيلمية من دونهما وهما مورفيوس (الممثل لورانس فيشبورن)، الذي يحمل اسمه إحالات إلى الموروث والأساطير الإغريقية، من منطلق أن مورفيوس هو إله الحلم أو هو الذي يسيطر على الأحلام، أما هنا فإن دوره سوف يكون عكسيا فهو الذي سوف يوقظ الذين احتواهم النظام الرقمي الصارم وقتل خواص البشر فيهم وصولا إلى جعلهم مجرد أرقام، وهو صاحب الحبّتين الشهيرتين الزرقاء والحمراء، وعليك أيها الكائن أن تختار إحداهما، فالأولى لون العودة إلى الحياة البشرية والثانية هي البقاء، حيث أنت في ذلك الرحم الاصطناعي الصمغي منوّما ويجري سحب طاقتك من خلال العديد من الروابط والتوصيلات.
أما هنا في الجزء الرابع فسوف يغيب فيشبورن الذي اعتدنا على حضوره مكملا لنيو ليحل محله الممثل البارع يحيى عبدالمتين الثاني، في مقابل استبدال الوكيل سميث بشخصية أخرى، وهو امتداد منطقي لما طرأ على الشخصية الرئيسية نيو من تغييرات بشعره الذي صار يغطي أذنيه والشعيرات البيض التي تسللت إلى رأسه وحركته التي تتناسب مع تقدمه بالسن، مع تمتعه بالقدرة على خوض الصراعات إلى نهايتها.
تكامل المضمون والإبهار
عن سلسلة ماتريكس
ظهر الجزء الأول منها في العام 1999
تولى إخراج الفيلم الشقيقتان ليلي (مواليد 1967) ولانا (مواليد 1965)، وهما اللتان شاركتا في كتابة السيناريو.
كان أول عمل مشترك لهما في كتابة السيناريو في فيلم “المغتالون” 1995، وآخر فيلم هو “صعود كوكب المشتري” 2015، بعدها بدأتا تعملان منفردتين.
شاركت الشقيقتان في إخراج الأجزاء الثلاثة الأولى، لكن الجزء الرابع أخرجته الشقيقة لانا لوحدها، فضلا عن المشاركة في كتابة السيناريو.
عُرفت الشقيقتان على صعيد المسلسلات التلفزيونية الناجحة، ومن أبرزها “الحاسة الثامنة”.
ارتبط الثنائي بموضوع تغيير الجندر لكون ليلي واتشوفيسكي هي/ أو هو من المتحوّلين.
إذا نظرنا إلى الجانب التسويقي والتجاري الذي أصابه الفيلم فيمكننا التوقف عند التجربة الفريدة التي خاضتها الأختان واتشويسكي، والتي توجت في هذا الجزء الرابع ببقاء لانا دون شقيقتها، حيث صارت لكل منهما مشاريعها الخاصة منذ ذلك النجاح الهائل الذي أصابته سلسلة ماتريكس، وكانتا خلال ذلك وما بين جزء جديد وسابق من ماتريكس تعملان على سلاسل تلفزيونية، من أبرزها مسلسل “الحاسة الثامنة” والذي تفرغت له الشقيقة ليلي، بينما مضت لانا في العمل على الجزء الرابع من ماتريكس الذي نحن في صدده الآن.
كان ابتكار ما عرف ببطاريات أو مولدات الطاقة والذي لخصه مورفيوس بأنه النهاية التراجيدية للوجود الإنساني، هو العنصر الأهم في هذه الدراما – التراجيديا التي أفضت إلى التمرد على ما تم الاشتغال عليه في أجزاء الفيلم الثلاثة، أما في الجزء الرابع فها هو نيو الذي يعمل مبرمجا وهو بحاجة إلى إيقاظ لكي يكمل المهمة في فيلم حمل اسم الانبعاث، في نوع من النوستالجيا إلى نيو – 1999، وهو مسعى كان عليه الكثير من المآخذ لجهة التنفيذ والخدع السينمائية والمعارك، لكن أسئلة النقاد كانت تتركز في الغالب على أساس ماذا أضاف الجزء الجديد من ماتريكس للأجزاء السابقة؟
ولعل الإجابة على ذلك دفعت المخرجة وفريقها من كتاب السيناريو إلى الانتقال بنا إلى مراحل جديدة من الصراع، وهو ما أفضى بالنتيجة إلى ابتكار شخصيات جديدة من أبرزها شخصية باغز (الممثلة البريطانية من أصول آسيوية جيسيكا هانويك) التي كأنها عادت بنا إلى البواكير الأولى وإلى شخصية تيرينتي التي لا يمكن تخيل غيابها وحضور نيو، فهما وجهان لشخصية متكاملة، ولهذا كانت حيوّيتها الفائقة ومشاهد القتال الشرسة التي خاضتها قد أضفتا على الفيلم روحا جديدة تتناسب مع ذائقة الجيل.
باغز ليست من تلك الشخصيات الفارعة وفائقة الجمال كما شخصيات السوبرهيرو النسائية الهوليوودية، وإنما هي مجرد عاملة آسيوية كانت تمسح الزجاج عندما شاهدت كيفية سقوط نيو من أعلى البناية، لكنه لم يمت، ومنذ تلك اللحظة آمنت به وسارت على طريقه ومن أجل الدفاع عنه من جراء ما لحق به من أذى، فضلا عن نزعة التمرد التي ميزته والتي أثارت إعجابها، لتدخل في منظومة أولئك المتمردين على المصفوفة، ورغم أن في أدائها شيئا من المبالغة، إلا أنها منحتنا الكثير من متعة المشاهدة والمتابعة.
وإذا كنا بصدد كل تلك الكثافة من الإبهار التي حملها الجزء الرابع بشكل خاص، فإننا وفي ذات الوقت كنا ومنذ الجزء الأول أمام سلسلة من الأسئلة الوجودية التي حفل بها، ومنها الفردانية والوحدة، كتلك التي يلقيها مورفيوس على عاتق نيو، ومن ذلك “إن ما قيل هو لك وخاص بك وحدك وأنت الآن واحد ووحيد”، و”تذكّر وأنت في وسط هذه الموجة أنني أنقلك إلى الحقيقة ولا أخبرك إلا بها”.
وخذ هذه الانثيالات الشعرية التي ينطق بها نيو “لا أعلم عن المستقبل. لم أحضر إلى هنا لأخبرك كيف سينتهي هذا الأمر. لقد جئت إلى هنا لأخبرك كيف ستبدأ، سأقوم بالإغلاق وبعد ذلك سوف أري هؤلاء الأشخاص ما لا تريدهم أنت أن يروه. سوف أريهم عالما من دونك، عالما بلا قيود ولا ضوابط وبلا حدود، عالما كل شيء فيه ممكن. أما أين نذهب من هناك أو إلى أين تذهب فذلك خيار أتركه لك”.
وعلى هذا المسار تنمو الحوارات وتتصاعد وتقودنا إلى سلسلة من الأسئلة الوجودية التي تحوم كلها في فضاء خيالي وقوى من الأرقام والآحاد التي تهطل على الشخصايت مثل المطر، وتبتلع وجودهم البشري لتحولهم إلى مجرد بطاريات يغذّون بها ذلك الوجود العدمي الذي يعيد الإنسان إلى حوضه المائي الذي كان يسبح به في بطن أمه، وياله من صورة رائعة ومشهد مذهل ذلك الذي تظهر فيه تلك الأكياس المائية الهائلة التي يقبع فيها البشر، ويتم منح قدراتهم وطاقاتهم بلا حدود لقوى المصفوفة الهائلة، التي استحوذت على عقولهم وعلى حواسهم وتفكيرهم.
وفي المقابل كانت هنالك الحوارات المضادة والمقابلة التي لا نكاد نسمعها من تلك الكائنات الروبوتية في أشكال بشرية، فهؤلاء لوحدهم في كثافة وجودهم وحركيتهم يجعلون ذلك السجال من طرف واحد ذا ثقل هائل، يتعلق بإنسان المصفوفة الذي يحمل بذرة التمرد.
ولأننا بصدد التمرّد فسوف ننتقل إلى الشخصية المقابلة لشخصية باغز، وهي الشخصية الأصلية التي رسخت في عقول المشاهدين على الدوام وهي تيرينتي (الممثلة كاري آن موس)، فها هي تظهر في مشهد غير متوقع في داخل أحد المطاعم وإذا بها مصحوبة بزوجها وأطفالها، بينما نيو مذهول من حقيقة وجود رفيقة روحه وصنوه والمكمّلة الأساسية لوجوده، ولهذا سوف يتساءلان عما إذا كانا قد التقيا من قبل ومتى، وهو سؤال محيّر حقا حتى بالنسبة إلى المشاهد الذي ربما أراد من تيرينتي أن تكون حاضرة بشكل ما منذ البداية، لكي تنظم إلى نيو في خوض فصول أخرى جديدة من الصراع، وربما بدا عدم استجابة تلك المرأة التي تقدم بها العمر أمرا مربكا ومحيّرا.
المخرجة وفريقها من كتاب السيناريو انتقلوا بنا إلى مراحل جديدة من الصراع، وهو ما تحقق بابتكار شخصيات جديدة
لكن السؤال هو ماذا لو كان زوجها مجرد كائن متحوّل وأنه جزء من الآلات التي تغيّر أشكالها؟ وماذا إذا كان ذلك الاكتشاف هو الشرارة التي سوف تشعل فصولا جديدة من الصراع والتي سوف تدفع نيو إلى خوض مغامرة خطيرة، وهي النفاذ إلى نظام الآلات بقصد تحرير تيرينتي المحبوسة هناك مثل غيرها في تلك الأحواض التي تستنفد طاقة البشر وتتركهم غارقين في تلك المصفوفة؟ وهو ما سوف يقع فعلا وبذلك سوف ننتقل إلى فصول جديدة من الصراع يعود فيه الثنائي تيرينتي – نيو إلى الواجهة، وكأن ذلك استجابة لجيل الجزء الأول التسعيني وعودة به إلى تلك البدايات المؤثرة، لكن تلك العودة لم تكن موضع ترحيب من النقاد ما دامت لا تضيف لمشاهد العراك شيئا، بينما كان إيجاد شخصية باغز والصورة الجديدة لمورفيوس فيه الكثير من البراعة والموضوعية.
في المقابل كانت الشخصيات الأخرى المكملة، وخاصة نسخ المخبرين ذوي البدلات والنظارات السوداء، أعادتنا الى نمطية لا جديد فيها، وخلاصتها ملاحقة أولئك الذين يريدون التمرد على النظام أو بمعنى آخر الخارجين على نظام المصفوفة الذي صار نظام حياة، وبات من الصعب على كل تلك البشرية المخدّرة أن تخرج من الدوامة التي وجدت نفسها فيها.
يحشد هذا الفيلم بالطبع طواقم ضخمة لجهة الإنتاج والتصوير والمونتاج والخدع السينمائية ومشاهد المعارك والموسيقى التصويرية، ويقدم لنا إبهارا بصريا مضاعفا في بعض مشاهد المعارك أو تلك المشاهد الملفتة للنظر والمميزة في القسم الثاني من الفيلم، ومنها تحولات شخصية من يفترض أنه الطبيب النفساني لنيو وهو في الحقيقة جزء من الآليين، وتلك الحوارات المتداخلة والمثيرة التي تجري بينه وبين نيو، ثم مشاهد المعارك الشرسة وهي إضافات مهمة في هذا الجزء، لكنها لا تبدو كما في الجزأين الأول والثاني بشكل خاص في صميم الإشكالية التي تتحدث عنها قصة الفيلم، بقدر ما هي نوع من التوسع في تقديم شخصيات جديدة وإضافية من أجل التوسع في الأحداث وإيجاد إضافات تدفع المشاهد إلى المتابعة على أساس أنه اكتشف عنصر تشويق جديدا، وهو ما تأسس كما ذكرنا من خلال شخصيتي باغز ومورفيوس الجديدتين وذواتي الحضور المهم والفعال في هذه الدراما الفيلمية، التي لا تزال تشد الأنظار وتحقق النجاحات أينما عرضت في أنحاء العالم.
الإشكالية التي ترتبط بنوع الشخصيات الجديدة ومستوى تنفيذ المعارك مثلا كانت عرضة انتقاد المزيد من نقاد السينما، وكانت هنالك وجهات نظر متعددة في مستوى التنفيذ، وهي تفوق الجزء الرابع هذا على الأجزاء السابقة له.
لكن في المقابل كانت هنالك الكثير من الآراء المتحمسة التي ذهبت إلى أن سلسلة ماتريكس وبما فيها هذا الفيلم الأخير هي من أفضل أفلام الخيال العلمي في تاريخ السينما، كما في مجلة “إنترتينمنت” الأسبوعية، أما الناقد الكبير روجر إيبيرت فقد منح الفيلم ثلاثة نجوم من أربعة وأشاد بالبناء والنسيج البصري المتميز الذي ميز هذا الجزء، وهو رأي يشاركه فيه أيضا ناقد في مجلة “صوت وصورة” بالإشادة بذلك التكامل بين المضمون الفكري والحصيلة البصرية التي حفل بها هذا الفيلم وكانت أحد أهم عناصر تميزه، أما الناقد السينمائي لمجلة “تايم آوت” فذهب إلى ميزة المزج بين “الواقعيات” التي حفل بها الفيلم، ولجهة البراعة في الانتقال بين الأجواء المختلفة باتجاه تصعيد الأحداث.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن