لفضائيون المستقبليون يعيشون بيننا
فيلم "الفجر الكوني".. مساحة من الافتراضات حول العوالم الغامضة وتفاعلها مع البشر.
الاثنين 2022/02/28
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الإنسان في مواجهة طائفة من الفضائيين
بينما يدرس عدد من المخرجين السينمائيين الصراع الذي سيقوم مستقبلا بين البشر والفضائيين، ذهب مخرج فيلم «الفجر الكوني» إلى تناول فكرة التعايش مع الكائنات القادمة إلينا من عوالم أخرى، فيحاول رسم ثقافاتها الخاصة ويبحث في معالمها وأسسها متوقعا تأثيراتها على حياة الإنسان.
ربما تكون هنالك فرضية من بين فرضيات عدة يتكرر تداولها، تلك التي تتعلق بالفضائيين وصلتهم بالبشر لكنها ما تلبث أن تتحول إلى قصة إشكالية عندما يروي أشخاص خبراتهم وتجاربهم مع كائنات ومركبات فضائية تعيش في المستقبل وتسبقنا بالملايين من السنوات الضوئية أو هي فائقة التطور إلى درجة أنها تتدخل في حياة البشر وتعيش أحيانا في ما بينهم وتختطف من تشاء منهم.
هذه الثيمة تكررت في العديد من أفلام الخيال العلمي وصارت العلاقة بين البشر والفضائيين موضوعا سينمائيا وهو ما سوف يكرس له كاتب السيناريو والمخرج جيفرسون مونيو موضوع فيلمه الجديد “الفجر الكوني” الذي يبحر عميقا في هذه القضية الإشكالية يلامسها حينا ويشتت انتباهنا عنها حينا آخر.
وفي هذا الفيلم يبدو مونيو وكأنه ينقلنا إلى حقيقة ما بعد ظاهرة التفاعل بين البشر والفضائيين إلى انبثاق تجمعات تُعنى بتلك الثقافة التي تتحوّل إلى عقيدة وهي عقيدة الصلة مع الفضائيين وهو ما يشكل جوهر أحداث الفيلم ومن خلال الشخصية المحورية الفتاة أورورا (الممثلة كاميل راو) التي تعيش كارثة فقدان أمها واختفائها بعد اختطافها على أيدي الفضائيين. وهو ما سوف نشاهده في المشاهد الأولى من الفيلم عندما تكون الأم والفتاة الصغيرة في رحلة وهما تراقبان ظاهرة خسوف القمر ثم ليسطع ضوء هائل ينتهي باختفاء الأم.
المخرج جيفرسون مونيو قدم فيلما غزيرا بتلك العناصر الجمالية البصرية والسمعية ابتداء من الموسيقى التصويرية وجماليات المكان والصورة
من هنا سوف نتعايش مع شخصية إشكالية مضطربة تتلقى العلاج بسبب عواقب تلك الفاجعة المبهمة بالنسبة إليها باختفاء أمها وصولا إلى سلسلة من الأفعال والمواقف التي سوف تزج بالفتاة دون إرادة منها في جوهر الكارثة البشرية.
أورورا المشتتة الذهن الخاضعة لعلاج نفسي والمصدومة لفقد أمها سيكون من الطبيعي أن تختلط الذكريات والأزمنة والشخصيات في عقلها وفي وعيها ولا وعيها، ولهذا اشتغل المخرج على هذه الحقيقة فراح يتنقل بين المشاهد والشخصيات على أنه من وجهة نظر تلك الفتاة المشتتة.
لكن على الجانب الآخر سوف يكون هنالك من ينتظرها، وهي طائفة منعزلة تعيش على حقيقة الفضائيين والتفاعل مع عقيدتهم وترديد مفردات تخصهم ولهذا فإن أورورا في عرف تلك الطائفة هي التي يجب أن تكون في ما بينهم، ولهذا سوف تجد نفسها أمام شخصيتين وهما ناتالي (الممثلة إيمانويل كريكوي) وإيليس (الممثلة أنتونيا زيغرز) وهذه الأخيرة يفترض أنها زعيمة الطائفة فيما تتولى ناتالي استدراج أورورا وزجها في وسط المجموعة.
بالطبع سوف نتساءل في أي زمان نحن وفي أي مكان، ومن خلال الأحداث سنعلم أننا في أواخر السبعينات والثمانينات وحيث وقعت عمليات الاختطاف وخاصة اختطاف والدة أورورا، لكن وعلى الرغم من ذلك نجد أن المخرج سوف يتسامح مع فريقه في استخدام الهاتف النقال في زمن غير زمنه.
والحاصل أننا أمام إشكالية ترتبط بتلك الفتاة التي تم استدراجها لكي تنتظم في صفوف تلك الطائفة فهي في حيرة من أمرها متسائلة من هؤلاء وما السبيل للتخلص منهم وهل أن واقعة اختطاف الأم كانت حقيقة أم خيالا وإذا كانت حقيقة فأين هم ومن هم؟
تتولى إيليس سد كل هذه الثغرات من خلال إيحائها للمجموعة بأنها على تواصل مع العوالم الأخرى وأنها تتلقى قوتها من هناك وتضيع علينا المسارات التي نحن بصددها ولهذا سوف نكتشف مكانا معزولا تم تصميمه بشكل غرائبي لكي يكون هو مقر الطائفة.
السؤال المكاني سوف يتم تعويمه ولا إجابة محددة على القول إننا في أي مكان أو أي مدينة سوى أن أورورا سوف تتعرف للوهلة الأولى على واحد من مؤلفات إيليس وهو بمثابة المنهج العلمي للطائفة والذي يغص بالتراتيل والأناشيد والرموز الفضائية المبهمة.
ابتداء من شريط الصوت والموسيقى التصويرية وجماليات المكان والصورة وحركات الكاميرا فقد قدم المخرج فيلما غزيرا بتلك العناصر الجمالية البصرية والسمعية حيث كانت موسيقى آلان هوارث تتميز بمواكبة عميقة للأحداث وقد برع في جعلها متناغمة مع مستوى التحولات والحبكات الثانوية والصراع بين الشخصيات الذي وصل في ما بعد إلى القتل والانتقام.
فيما انشغل مدير التصوير فلاد هورودينكا بكادرات مليئة بالحياة والألوان التي تنبض بالحياة وحفلت المشاهد بالألوان سواء للطبيعة أو للأماكن التي تتواجد فيها الطائفة وبالإضافة إلى ذلك كانت هنالك غزارة تعبيرية في مستوى ونوع اللقطات والمشاهد لكي تتناغم مع الأحداث.
ومن جهة أخرى فإن الفيلم هو أقرب إلى قصيدة شعرية بصرية يكتنفها الغموض وقد كرس ذلك الغموض والتجريد من أجل كثافة حسية يمكنك من خلالها أن تتساءل لماذا عذابات البشرية وما حقيقة كوننا بشرا منجذبين إلى عوالم أخرى وماذا عن الراحلين وإلى أين المسير في دوامة حياتهم.
في المقابل تصاعدت الأحداث لكي يخرج الفيلم عن نمطيته باتجاه الغرائبية التي كرسها لتكون خطا سرديا موازيا مكملا ولكي ينشغل المشاهد بمساحة ما من التأويل والافتراضات حول حقيقة العوالم الأخرى المستقبلية الغامضة وحقيقة تفاعلها مع البشر وصولا إلى قصص
الاختطاف والمشاركة في الحياة وما إلى ذلك ومن دون هذا التأويل يكون الفيلم قد تميز بأحداث فضفاضة ووجود ثغرات بنائية على صعيد الأحداث.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم
فيلم "الفجر الكوني".. مساحة من الافتراضات حول العوالم الغامضة وتفاعلها مع البشر.
الاثنين 2022/02/28
انشرWhatsAppTwitterFacebook
الإنسان في مواجهة طائفة من الفضائيين
بينما يدرس عدد من المخرجين السينمائيين الصراع الذي سيقوم مستقبلا بين البشر والفضائيين، ذهب مخرج فيلم «الفجر الكوني» إلى تناول فكرة التعايش مع الكائنات القادمة إلينا من عوالم أخرى، فيحاول رسم ثقافاتها الخاصة ويبحث في معالمها وأسسها متوقعا تأثيراتها على حياة الإنسان.
ربما تكون هنالك فرضية من بين فرضيات عدة يتكرر تداولها، تلك التي تتعلق بالفضائيين وصلتهم بالبشر لكنها ما تلبث أن تتحول إلى قصة إشكالية عندما يروي أشخاص خبراتهم وتجاربهم مع كائنات ومركبات فضائية تعيش في المستقبل وتسبقنا بالملايين من السنوات الضوئية أو هي فائقة التطور إلى درجة أنها تتدخل في حياة البشر وتعيش أحيانا في ما بينهم وتختطف من تشاء منهم.
هذه الثيمة تكررت في العديد من أفلام الخيال العلمي وصارت العلاقة بين البشر والفضائيين موضوعا سينمائيا وهو ما سوف يكرس له كاتب السيناريو والمخرج جيفرسون مونيو موضوع فيلمه الجديد “الفجر الكوني” الذي يبحر عميقا في هذه القضية الإشكالية يلامسها حينا ويشتت انتباهنا عنها حينا آخر.
وفي هذا الفيلم يبدو مونيو وكأنه ينقلنا إلى حقيقة ما بعد ظاهرة التفاعل بين البشر والفضائيين إلى انبثاق تجمعات تُعنى بتلك الثقافة التي تتحوّل إلى عقيدة وهي عقيدة الصلة مع الفضائيين وهو ما يشكل جوهر أحداث الفيلم ومن خلال الشخصية المحورية الفتاة أورورا (الممثلة كاميل راو) التي تعيش كارثة فقدان أمها واختفائها بعد اختطافها على أيدي الفضائيين. وهو ما سوف نشاهده في المشاهد الأولى من الفيلم عندما تكون الأم والفتاة الصغيرة في رحلة وهما تراقبان ظاهرة خسوف القمر ثم ليسطع ضوء هائل ينتهي باختفاء الأم.
المخرج جيفرسون مونيو قدم فيلما غزيرا بتلك العناصر الجمالية البصرية والسمعية ابتداء من الموسيقى التصويرية وجماليات المكان والصورة
من هنا سوف نتعايش مع شخصية إشكالية مضطربة تتلقى العلاج بسبب عواقب تلك الفاجعة المبهمة بالنسبة إليها باختفاء أمها وصولا إلى سلسلة من الأفعال والمواقف التي سوف تزج بالفتاة دون إرادة منها في جوهر الكارثة البشرية.
أورورا المشتتة الذهن الخاضعة لعلاج نفسي والمصدومة لفقد أمها سيكون من الطبيعي أن تختلط الذكريات والأزمنة والشخصيات في عقلها وفي وعيها ولا وعيها، ولهذا اشتغل المخرج على هذه الحقيقة فراح يتنقل بين المشاهد والشخصيات على أنه من وجهة نظر تلك الفتاة المشتتة.
لكن على الجانب الآخر سوف يكون هنالك من ينتظرها، وهي طائفة منعزلة تعيش على حقيقة الفضائيين والتفاعل مع عقيدتهم وترديد مفردات تخصهم ولهذا فإن أورورا في عرف تلك الطائفة هي التي يجب أن تكون في ما بينهم، ولهذا سوف تجد نفسها أمام شخصيتين وهما ناتالي (الممثلة إيمانويل كريكوي) وإيليس (الممثلة أنتونيا زيغرز) وهذه الأخيرة يفترض أنها زعيمة الطائفة فيما تتولى ناتالي استدراج أورورا وزجها في وسط المجموعة.
بالطبع سوف نتساءل في أي زمان نحن وفي أي مكان، ومن خلال الأحداث سنعلم أننا في أواخر السبعينات والثمانينات وحيث وقعت عمليات الاختطاف وخاصة اختطاف والدة أورورا، لكن وعلى الرغم من ذلك نجد أن المخرج سوف يتسامح مع فريقه في استخدام الهاتف النقال في زمن غير زمنه.
والحاصل أننا أمام إشكالية ترتبط بتلك الفتاة التي تم استدراجها لكي تنتظم في صفوف تلك الطائفة فهي في حيرة من أمرها متسائلة من هؤلاء وما السبيل للتخلص منهم وهل أن واقعة اختطاف الأم كانت حقيقة أم خيالا وإذا كانت حقيقة فأين هم ومن هم؟
تتولى إيليس سد كل هذه الثغرات من خلال إيحائها للمجموعة بأنها على تواصل مع العوالم الأخرى وأنها تتلقى قوتها من هناك وتضيع علينا المسارات التي نحن بصددها ولهذا سوف نكتشف مكانا معزولا تم تصميمه بشكل غرائبي لكي يكون هو مقر الطائفة.
السؤال المكاني سوف يتم تعويمه ولا إجابة محددة على القول إننا في أي مكان أو أي مدينة سوى أن أورورا سوف تتعرف للوهلة الأولى على واحد من مؤلفات إيليس وهو بمثابة المنهج العلمي للطائفة والذي يغص بالتراتيل والأناشيد والرموز الفضائية المبهمة.
ابتداء من شريط الصوت والموسيقى التصويرية وجماليات المكان والصورة وحركات الكاميرا فقد قدم المخرج فيلما غزيرا بتلك العناصر الجمالية البصرية والسمعية حيث كانت موسيقى آلان هوارث تتميز بمواكبة عميقة للأحداث وقد برع في جعلها متناغمة مع مستوى التحولات والحبكات الثانوية والصراع بين الشخصيات الذي وصل في ما بعد إلى القتل والانتقام.
فيما انشغل مدير التصوير فلاد هورودينكا بكادرات مليئة بالحياة والألوان التي تنبض بالحياة وحفلت المشاهد بالألوان سواء للطبيعة أو للأماكن التي تتواجد فيها الطائفة وبالإضافة إلى ذلك كانت هنالك غزارة تعبيرية في مستوى ونوع اللقطات والمشاهد لكي تتناغم مع الأحداث.
ومن جهة أخرى فإن الفيلم هو أقرب إلى قصيدة شعرية بصرية يكتنفها الغموض وقد كرس ذلك الغموض والتجريد من أجل كثافة حسية يمكنك من خلالها أن تتساءل لماذا عذابات البشرية وما حقيقة كوننا بشرا منجذبين إلى عوالم أخرى وماذا عن الراحلين وإلى أين المسير في دوامة حياتهم.
في المقابل تصاعدت الأحداث لكي يخرج الفيلم عن نمطيته باتجاه الغرائبية التي كرسها لتكون خطا سرديا موازيا مكملا ولكي ينشغل المشاهد بمساحة ما من التأويل والافتراضات حول حقيقة العوالم الأخرى المستقبلية الغامضة وحقيقة تفاعلها مع البشر وصولا إلى قصص
الاختطاف والمشاركة في الحياة وما إلى ذلك ومن دون هذا التأويل يكون الفيلم قد تميز بأحداث فضفاضة ووجود ثغرات بنائية على صعيد الأحداث.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم