الخيال العلمي يركض خلف الواقع ولا يدركه

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخيال العلمي يركض خلف الواقع ولا يدركه

    الخيال العلمي يركض خلف الواقع ولا يدركه


    كتّاب الخيال ليسوا عرافين بل مجرد عارفين وقارئين.
    الاثنين 2022/03/14
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    الخيال العلمي لم يعد خيالا

    ربما يستغرب الكثيرون من تحول قصص خيالية لأفلام سينمائية عديدة إلى واقع ملموس، مثل الأفلام التي تناولت موضوع الأوبئة أو الحروب والصراعات وغيرها. وكأننا أمام غياب للحدود بين الخيالي والواقعي، إذ تداخل كلاهما في شكل عجيب يبدو أنه سيزداد تعقيدا.

    كنا ندفع بعض النقود لاقتناء روايات الرعب أو للخوض في تجارب الخوف بمدن الملاهي التي تحاكي ويلات الحروب والكوارث، وتستعير رموزها من شخصيات دموية وأسطورية، صرنا اليوم على استعداد أن ندفع بكل ما نملك مقابل كل ما يبعد عنا الخوف ويعيد إلينا الإحساس بالطمأنينة.

    ما كنا نذهب إليه طواعية، نستفزه ونستنهضه في مخابئه على سبيل التسلية، صار يلاحقنا قسرا على أرض الواقع، وكأن الخيال العلمي هو بمثابة رواية "فرانكشتاين جديد" أي قصة ذلك الاختراع الذي تمرد على صانعه وأصبح وحشا مدمرا لا يمكن التحكم فيه.
    الخيال والواقع


    ما ينتج ويبث على المنصات من أفلام ومسلسلات تصنف في خانة الخيال العلمي الآن ليس فيها شيء من الخيال

    السؤال الأكثر رعبا هو من الذي حوّل الخيال إلى “واقع”؟ وكيف ومتى حدث هذا التماهي أم أن الإنسان يستشرف مستقبله الفجائعي عبر الخيال العلمي، يتخيل قدره ثم يذهب إليه صاغرا، متوهما أنه يهرب منه مثل أسطورة “أوديب” لسوفوكليس، والتي بنيت على أحجية من عرّاف ثم ما لبثت أن صارت واقعا مأساويا أدى بالملك الشاب إلى قلع عينيه لخطيئته.

    إنسان هذا العالم كان بالأمس القريب يتابع ما ينجزه الخيال العلمي من أعمال روائية ودراما سينمائية وتلفزيونية، وهو في غاية الاسترخاء والانشراح على أريكته أو سريره في بيت دافئ أو حتى تحت مظلة عند الشاطئ أو على مقعد في قطار.

    هذه المتعة التي ترافق الاسترخاء أثناء متابعة قصص الخيال العلمي يمنحها إحساس بالأمان مرده أن ما يحدث على الصفحات والشاشات لا يعنينا في شيء، وإنما هي شطحات خيال مجنّح أو حتى، وفي أسوأ حالاته، أضغاث أحلام وكوابيس سرعان ما تنتهي بطي الكتاب أو بكبسة زر من جهاز الريموت كونترول.

    حتى الأفلام والألعاب التي يقع تصويرها ومشاهدتها بتقنية البعد الرابع، كانت لا تتعدى مجرد التسلية بغية الدخول في مغامرة ترفيهية قصيرة تشبه ركوب المراجيح العملاقة والأفعوانيات الملتوية والألعاب المائية المثيرة، دون خوف من السقوط أو الغرق.

    اليوم، لم يعد هذا البعد الرابع افتراضيا ولا مسليا بل أصبح واقعا معيشا وملموسا تمثل في هذا المشهد القاتم من المعارك والحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية على منصات حقيقية قاربتها منصات إلكترونية وتوقعتها على شاكلة “نتفليكس” و”أمازون برايم” و”أبل تي في” وغيرها من تلك التي تبث أفلاما لا تبعد عن هذا الواقع إلا بضعة أشبار كما يقال.

    كم رواية وكم فيلما كنا نظنه محض خيال ثم تبين لاحقا بأنه بمثابة البروفة لما يحدث فعلا

    وفي هذا السياق، يمكن رصد بضعة أعمال تطرح أسئلة راهنة وملحة كسيطرة الروبوتات على حياتنا اليومية مثلا ، ففي فيلم "الأم" بطولة روز باين، يتناول الفيلم قصة شابة تنشأ في عالم انقرض فيه البشر ويقوم إنسان آلي بتربيتها.. ولنتخيل فحوى هذه “التربية” وما ينجرّ عنها كما هو منتشر في أيامنا هذه.

    أما عن عالم المخدرات الذي يفتك بأجيال الشباب كواقع ملموس فيقدم فيلم "بروجيكت باور" بطولة جيمي فوكس وجوزيف جوردن ليفيت، ظهور نوع مخدرات غير قانوني قادر على منح من يتناوله قدرات خاصة لكنها تدوم لفترة قصيرة.

    الصراعات الدولية لم تغب عن أفلام الخيال العلمي منذ الحرب الباردة، واستمرت إلى يومنا هذا في أعمال كثيرة تلامس ما يحدث الآن كفيلم "ساعة الحسم"، بطولة ماكس مينجيلا وأوليفيا ثيرلبي، ويتناول قصة شريكين ينتقلان إلى موسكو لبيع نظام كمبيوتر قاما بتصميمه، لكنهما يفاجآن ببدء غزو فضائي.

    ولا يستبعد الدارسون والمتخصّصون علاقة ما يحدث هذه الأيام بأفلام قد أنتجت منذ سنوات كفيلم "بروتوكول الشبح" أُنتِج عام 2011، وهو من بطولة النجم الأميركي توم كروز، ويواجه هذه المرة واحدة من أخطر المهام وهو ضرورة منع اندلاع حرب نووية شاملة بين روسيا والولايات المتحدة.
    نبوءة العرافين



    مشاهد خيالية لها جذور في الواقع


    يقارب البعض بين أحداث الفيلم وأزمة محاولة إيران امتلاكها للسلاح النووي، ويتعلق بسؤال: ماذا لو نجح أحد المجانين غير المحسوبين على أيّ جهة، لا أميركا ولا روسيا، في امتلاك أدوات نووية يهاجم من خلالها أحد الطرفين، ويلصق تهمة الهجوم بالطرف الآخر؟ وقتئذ، الأمر لن يستغرق عدة ساعات لبدء حرب نووية شاملة بين الدولتين المتحفزتين تجاه بعضهما بعضا، وتملك كلتاهما أسلحة نووية كافية لإبادة الحياة على الكوكب بأكمله.

    وصفوة القول إن ما يُنتج ويُبث على المنصات من أفلام ومسلسلات تُصنف في خانة الخيال العلمي الآن، ليس فيها شيء من الخيال غير بعض التحويرات التي تمليها الضرورة الدرامية وما تتطلّبه من تشويق وشد للمشاهد، لا بل عادة ما “يرتجل” الواقع حلولا أكثر دراماتيكية من أقلام كتاب السيناريو.

    وعلى ذكر "كتّاب السيناريو"، من يا ترى يكون هؤلاء حقيقة؟ الذين خطّوا حلقات أحداث الفيلم أم الذين خططوا لها في الغرف المظلمة وعلى طاولات التفاوض والصفقات غير المعلنة؟

    كم رواية وكم فيلما كنا نظنه محض خيال ثم تبين بما لا يدعو للشك، أنه بمثابة البروفة لما يحدث أمام أعيننا فعلا؟ هل هي نبوءة العرافين الذين تنبأوا بدمار مملكة أوديب نتيجة لعنة إلهية تسببت فيها خطيئة مّا أم أنه كان الأجدر بالملك الذي عاقب نفسه أن يتجنب الدمار لو ترك الأشياء تمشي على سجيتها دون أن يقع في الفخ عبر السعي لتجنبه. كتّاب الخيال العلمي هم حتما، ليسوا عرافين بل هم عارفون وقارئون لما سوف يحدث.

    يُخيل للمتابع أن الخيال العلمي صار يركض خلف الواقع فلا يدركه، ولا يضاهيه ابتكارا وارتجالا.. و"إدهاشا" بالمفهوم الفجائعي للكلمة.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حكيم مرزوقي
    كاتب تونسي
يعمل...
X