عندما يشلّ الفضائيون الحياة في موسكو
فيلم "تلاشي" حين تواجه روسيا هجوما فضائيا شرسا في زمن قادم يحكمه العدم.
الاثنين 2020/06/22
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مدينة مباحة لصراع مع المجهول
"تلاشي" فيلم روسي ذو إنتاج ضخم، وفّرت له موسكو كل الإمكانيات العسكرية من طائرات ومصفّحات وحشود بشرية وأسلحة من أجل أن تفرض روسيا نفسها على ميدان كان حكرا على الأميركان ولطالما برعوا فيه.
لندن – هجوم قادم من المجهول والكل متأهّب ويده على زناد الإطلاق، ثيمة يضعها صانعو أفلام الخيال العلمي منطلقا وسببا كافيا في نظرهم لاجتذاب المشاهدين، فنحن في مواجهة لا تعرف مع من وإلى أين سوف تنتهي.
ومادام الأميركان قد فعلوها عقودا طويلة، ولطالما كان هناك غزو وفضائيون ورعب وقتال شرس وديستوبيا أرضية فلمَ لا يفعلها الروس، وذلك ما فعلوه في فيلم “تلاشي” للمخرج إيغور بارانوف.
صوت صافرات الأنظار يتصاعد ويملأ الآفاق في ليل شتائي شديد البرودة، بينما الفيالق المدربة والمدججة بالأسلحة الليزرية متأهبة لمواجهة أعداء قيل إنهم ضخام القامة، ولكن يسيرون ببطء شديد، وإذا بها قطعان من الدببة المدربة، ولنكتشف أنها مجموعة من الدببة الضخمة التي تم تحريكها من جهة ما لإرعاب الجنود وقياس جاهزيتهم وللذهاب إلى مواجهة أقسى.
ننتقل بعد ذلك مباشرة إلى موسكو في صورتها المستقبلية والطائرات المسيّرة مدنية وعسكرية تملأ سماءها، وروسيا بكل ما فيها مستهدفة بشكل مباشر في هجوم فضائي مجهول وعليها أن تستعرض قوتها التكنولوجية والبشرية.
تنقطع روسيا ومدنها بشكل كلي عن العالم الخارجي، وكذلك تعاني العديد من مدن العالم من انقطاع خدمة الإنترنت وتوقّف الاتصالات، وحيث يتجمع الروس أمام الشاشات لمعرفة المستجدات.
في ذات الوقت تكون قطعان محمولة جوا متجهة إلى مدينة أخرى كل من يذهب إليها من طائرات مسيرة ووحدات جيش لا يكتب له أمل في العودة.
في المقابل، سوف تنشأ قصة حب وسط تلك الأجواء وتجمع بين الجندي أوليغ (الممثل أليكسي تشادوف) وبين الطبيبة إليونا (الممثلة لوكيريا ألياشينكو)، قصة ربما أريد منها كسر أجواء الصراع الدامي والحرب المشتعلة، ولذلك سوف يفاجأ أوليغ بوجود إليونا وهما اللذان كان قد قضيا ليلة حميمية معا، ليكتشفا في اليوم التالي الكارثة.
تبدو مقدّمة الفيلم بعيدة بعض الشيء عن الثيمة الأساسية، وهي فكرة المواجهة مع القوة المجهولة التي دمّرت كل شيء وتسبّبت في موت الملايين من البشر.
يقدّم الفيلم قراءة عسكرية للأحداث لجهة تقسيم موسكو إلى قطاعات وأماكن محجورة واتخاذ أعلى البنايات مكانا للسيطرة، فضلا عن عمليات الكر والفر ما بين قطاع وآخر في المدينة.
ولغرض الوصول إلى لحظة المواجهة كان لا بد من زج الكائن الفضائي بشكل ما، وبذلك اتجهت المعالجة الفيلمية إلى افتراض وجود أحد الأشخاص الذي يمتلك قدرة استبصار عالية فيتجاور مع الفضائيين ويقتفي أثرهم.
على أن المواجهة الحاسمة ما تلبث أن تقع ما بين القائدة مارينا (الممثلة كسينيا كوتيبوفا) وبين الفضائي الذي ما يلبث أن يعقد جلسة حوارية طويلة مع مارينا، يثبت فيها أنه قادم من كوكب بعيد لم يعد صالحا للعيش، وأن هناك غزوا فضائيا قادما لاحتلال الأرض لأنهم استكشفوها ووجدوها صالحة لهم، لكن لذلك الفضائي خصم وشبيه له يجب القضاء عليه.
وبذلك ينخرط الضباط الروس ووحداتهم في المواجهة مع الفضائيين والتي تنتهي بفوز الفضائي الأول، لكن في المقابل وفي موازاة هذه الأحداث يتم زج الآلاف من البشر الهائمين على وجوههم لغرض الفتك بالجيوش الروسية.
تنوّع أماكن الصراعات أضفى على العمل طابعا حركيا
وعلى الصعيد المكاني سوف تكون المدينة مباحة لصراع مع المجهول، الحوامات والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة في كل مكان فيما الجنود المدجّجون بالسلاح يتنقلون من مبنى إلى آخر لاقتفاء أثرهم.
وبسبب تشعب الأحداث فقد تميّز الفيلم بتنوّع الأماكن وكثرتها، وكذلك تنوّع أماكن الصراعات وهو ما أضفى على العمل طابعا حركيا ملفتا للنظر.
على أن بلورة الخطوط الدرامية يجب أن تنتهي بمواجهة مع المجهولين الفضائيين، حيث تقع بينهما مواجهة شرسة على سطح إحدى البنايات العالية، وهو حل ما في البناء الدرامي أريد به تكريس ندّ قوي من الفضائيين، لكن في مقابل خسارة مارينا.
يستنسخ الفضائي نفسه فيظهر في أماكن عدة في الوقت نفسه ممّا يضفي تشويشا، وينتهي الأمر بمقتل مارينا بسبب ما فعله الفضائي من انتحال شخصيتها وتزييفها، في المقابل تم ترسيخ بناء درامي كان بحاجة إلى بطولة فردية نديّة، لكن ذلك لم يحصل، إذ تم تكريس مفهوم البطولة الجماعية في هذا الفيلم من خلال جنرالات الحرب الجنود.
وفي إطار التنوّع في الشخصيات تم زج الصحافية أولغا (الممثلة زفيتلانا إيفانوفا) التي تتولى توثيق كل شيء بكاميرتها، وما بين عمليات الإنزال والمواحهات تتمكن أولغا من توثيق وجود الكائنات الفضائية وكذلك تلك التي تمّت السيطرة على عقولها من البشر.
والحاصل أن روسيا تحت الخطر ما يضطر جنرالات الحرب الروس لأن يظهروا في مؤتمر صحافي ليطمئنوا الرأي العام، وبذلك لم يترك هذا الفيلم، ومن خلاله مخرجه، ميزة لأفلام الحروب والصراعات إلاّ واستخدمها. وبذلك تم تقديم فيلم فيه كل ما يبحث عنه الجمهور في أفلام الخيال العلمي؛ التنوّع في الأحداث والحركة والمفاجآت والفضائيون والمعارك، وفوق كل ذلك فالأحداث تقع في موسكو وهو ما يولّد المزيد من الفضول لدى المشاهد.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
فيلم "تلاشي" حين تواجه روسيا هجوما فضائيا شرسا في زمن قادم يحكمه العدم.
الاثنين 2020/06/22
انشرWhatsAppTwitterFacebook
مدينة مباحة لصراع مع المجهول
"تلاشي" فيلم روسي ذو إنتاج ضخم، وفّرت له موسكو كل الإمكانيات العسكرية من طائرات ومصفّحات وحشود بشرية وأسلحة من أجل أن تفرض روسيا نفسها على ميدان كان حكرا على الأميركان ولطالما برعوا فيه.
لندن – هجوم قادم من المجهول والكل متأهّب ويده على زناد الإطلاق، ثيمة يضعها صانعو أفلام الخيال العلمي منطلقا وسببا كافيا في نظرهم لاجتذاب المشاهدين، فنحن في مواجهة لا تعرف مع من وإلى أين سوف تنتهي.
ومادام الأميركان قد فعلوها عقودا طويلة، ولطالما كان هناك غزو وفضائيون ورعب وقتال شرس وديستوبيا أرضية فلمَ لا يفعلها الروس، وذلك ما فعلوه في فيلم “تلاشي” للمخرج إيغور بارانوف.
صوت صافرات الأنظار يتصاعد ويملأ الآفاق في ليل شتائي شديد البرودة، بينما الفيالق المدربة والمدججة بالأسلحة الليزرية متأهبة لمواجهة أعداء قيل إنهم ضخام القامة، ولكن يسيرون ببطء شديد، وإذا بها قطعان من الدببة المدربة، ولنكتشف أنها مجموعة من الدببة الضخمة التي تم تحريكها من جهة ما لإرعاب الجنود وقياس جاهزيتهم وللذهاب إلى مواجهة أقسى.
ننتقل بعد ذلك مباشرة إلى موسكو في صورتها المستقبلية والطائرات المسيّرة مدنية وعسكرية تملأ سماءها، وروسيا بكل ما فيها مستهدفة بشكل مباشر في هجوم فضائي مجهول وعليها أن تستعرض قوتها التكنولوجية والبشرية.
تنقطع روسيا ومدنها بشكل كلي عن العالم الخارجي، وكذلك تعاني العديد من مدن العالم من انقطاع خدمة الإنترنت وتوقّف الاتصالات، وحيث يتجمع الروس أمام الشاشات لمعرفة المستجدات.
الفيلم يقدم روسيا في زمن قادم وقد هاجمها الفضائيون، بينما الجنود يتنقلون من مكان إلى آخر لاقتفاء أثرهم
في ذات الوقت تكون قطعان محمولة جوا متجهة إلى مدينة أخرى كل من يذهب إليها من طائرات مسيرة ووحدات جيش لا يكتب له أمل في العودة.
في المقابل، سوف تنشأ قصة حب وسط تلك الأجواء وتجمع بين الجندي أوليغ (الممثل أليكسي تشادوف) وبين الطبيبة إليونا (الممثلة لوكيريا ألياشينكو)، قصة ربما أريد منها كسر أجواء الصراع الدامي والحرب المشتعلة، ولذلك سوف يفاجأ أوليغ بوجود إليونا وهما اللذان كان قد قضيا ليلة حميمية معا، ليكتشفا في اليوم التالي الكارثة.
تبدو مقدّمة الفيلم بعيدة بعض الشيء عن الثيمة الأساسية، وهي فكرة المواجهة مع القوة المجهولة التي دمّرت كل شيء وتسبّبت في موت الملايين من البشر.
يقدّم الفيلم قراءة عسكرية للأحداث لجهة تقسيم موسكو إلى قطاعات وأماكن محجورة واتخاذ أعلى البنايات مكانا للسيطرة، فضلا عن عمليات الكر والفر ما بين قطاع وآخر في المدينة.
ولغرض الوصول إلى لحظة المواجهة كان لا بد من زج الكائن الفضائي بشكل ما، وبذلك اتجهت المعالجة الفيلمية إلى افتراض وجود أحد الأشخاص الذي يمتلك قدرة استبصار عالية فيتجاور مع الفضائيين ويقتفي أثرهم.
على أن المواجهة الحاسمة ما تلبث أن تقع ما بين القائدة مارينا (الممثلة كسينيا كوتيبوفا) وبين الفضائي الذي ما يلبث أن يعقد جلسة حوارية طويلة مع مارينا، يثبت فيها أنه قادم من كوكب بعيد لم يعد صالحا للعيش، وأن هناك غزوا فضائيا قادما لاحتلال الأرض لأنهم استكشفوها ووجدوها صالحة لهم، لكن لذلك الفضائي خصم وشبيه له يجب القضاء عليه.
وبذلك ينخرط الضباط الروس ووحداتهم في المواجهة مع الفضائيين والتي تنتهي بفوز الفضائي الأول، لكن في المقابل وفي موازاة هذه الأحداث يتم زج الآلاف من البشر الهائمين على وجوههم لغرض الفتك بالجيوش الروسية.
تنوّع أماكن الصراعات أضفى على العمل طابعا حركيا
وعلى الصعيد المكاني سوف تكون المدينة مباحة لصراع مع المجهول، الحوامات والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة في كل مكان فيما الجنود المدجّجون بالسلاح يتنقلون من مبنى إلى آخر لاقتفاء أثرهم.
وبسبب تشعب الأحداث فقد تميّز الفيلم بتنوّع الأماكن وكثرتها، وكذلك تنوّع أماكن الصراعات وهو ما أضفى على العمل طابعا حركيا ملفتا للنظر.
على أن بلورة الخطوط الدرامية يجب أن تنتهي بمواجهة مع المجهولين الفضائيين، حيث تقع بينهما مواجهة شرسة على سطح إحدى البنايات العالية، وهو حل ما في البناء الدرامي أريد به تكريس ندّ قوي من الفضائيين، لكن في مقابل خسارة مارينا.
يستنسخ الفضائي نفسه فيظهر في أماكن عدة في الوقت نفسه ممّا يضفي تشويشا، وينتهي الأمر بمقتل مارينا بسبب ما فعله الفضائي من انتحال شخصيتها وتزييفها، في المقابل تم ترسيخ بناء درامي كان بحاجة إلى بطولة فردية نديّة، لكن ذلك لم يحصل، إذ تم تكريس مفهوم البطولة الجماعية في هذا الفيلم من خلال جنرالات الحرب الجنود.
وفي إطار التنوّع في الشخصيات تم زج الصحافية أولغا (الممثلة زفيتلانا إيفانوفا) التي تتولى توثيق كل شيء بكاميرتها، وما بين عمليات الإنزال والمواحهات تتمكن أولغا من توثيق وجود الكائنات الفضائية وكذلك تلك التي تمّت السيطرة على عقولها من البشر.
والحاصل أن روسيا تحت الخطر ما يضطر جنرالات الحرب الروس لأن يظهروا في مؤتمر صحافي ليطمئنوا الرأي العام، وبذلك لم يترك هذا الفيلم، ومن خلاله مخرجه، ميزة لأفلام الحروب والصراعات إلاّ واستخدمها. وبذلك تم تقديم فيلم فيه كل ما يبحث عنه الجمهور في أفلام الخيال العلمي؛ التنوّع في الأحداث والحركة والمفاجآت والفضائيون والمعارك، وفوق كل ذلك فالأحداث تقع في موسكو وهو ما يولّد المزيد من الفضول لدى المشاهد.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن