"لا تنظر إلى أعلى" كوميديا سوداء عن مجتمعات شديدة السطحية والتفاهة.
الاثنين 2022/01/10
انشرWhatsAppTwitterFacebook
اللعب بالعقول حرفتنا
بينما يتخوف الجميع من وباء كورونا وما يخفيه المستقبل المجهول من أوبئة قد تقضي على البشرية، يذهب فيلم الخيال العلمي “لا تنظر إلى الأعلى” إلى تحليل ظاهرة هي الأخطر وقد تسرع بقيادة الشعوب بإرادتها أو دون أن تشعر نحو هلاك محتوم بعد أن صارت مدمنة على النظر في الهواتف، ولم تتعدّ حياتها وأفكارها وحتى تفاعلاتها كونها حبيسة جهاز إلكتروني صغير.
لا شك أننا اعتدنا في سينما الخيال العلمي على مشاهدة أفلام ثيمتها الرئيسية هي العلاقة مع العالم الخارجي ومع الفضاء والفضائيين والكواكب الأخرى وانقسمت القصص التي تتعلق بهذه الثيمة إلى شكلين في الغالب فإما استخدام الفضاء الخارجي لسكنى البشر بعد هربهم من كوكب الأرض الذي لم يعد صالحا للحياة وإما أن بني البشر هم الذين سوف يواجهون قدرهم في محاربة الفضائيين أو الهجمات القادمة من الكواكب والمجرات.
في فيلم “لا تنظر إلى أعلى” لكاتب السيناريو والمخرج آدم ماكاي هنالك مقاربة للفكرة ذاتها ولكن من زاوية مختلفة قائمة على فرضية خلاصتها هي، ماذا لو تم اكتشاف وجود مذنّب هائل يسير بسرعة هائلة وسوف يضرب الأرض في غضون شهور قليلة؟ ماذا ستفعل سلطة الولايات المتحدة بوصفها أكبر قوة علمية ومالية وتكنولوجية في العالم؟
☚ البديل الذي يطرحه الفيلم هو إدمان النظر إلى الأسفل، إلى شاشات الموبايل التي شكّلت وعي جيل مأزوم
هذا السؤال الذي يطرحه العالم الفلكي الدكتور راندال مندي (الممثل ليوناردو دي كابريو) ومساعدته طالبة الدكتوراه كيت ديبياسكي (الممثلة جينيفر لورنس) ومباشرة لإخبار رئيسة الولايات المتحدة جاني أورليانز (الممثلة ميريل ستريب).
ما بعد ذلك هو الذي سوف يتجسّم أمامنا في شكل من الكوميديا السوداء ومجتمع السطحية والتفاهة المنشغل بسفاسف الأمور والذي يمكن أن يغرق في بحر من الأكاذيب ويصدقها من دون أن يفكر ولو للحظة أن يبذل مجهودا لدحضها.
الجمهور العريض وهو الشعب الأميركي يقبل بفئات عجيبة من السياسيين ويتوّجهم ويمنحهم صلاحيات واسعة في تقرير حاضرهم ومستقبلهم وذلك ما تظهره بازارات التجمعات الجماهيرية الضخمة التي يتم من خلالها الترويج للسياسيين على أساس الفذلكة الكلامية والألاعيب اللفظية والوعود الكاذبة وإغراق الناس في الوهم.
رئيسة الولايات المتحدة لوحدها لها عالمها، وهي غارقة في ذلك العالم القائم على السخرية. فهي لا تتورع أن ترسل صورا فاضحة لتفضح ولكنها لن تتوقف عن التبجح بالقيادة ولا في تعيين رئيس للمحكمة العليا هو في الأصل كاوبوي وبلا خبرة وجلب رئيسة لوكالة ناسا بينما هي طبيبة تخدير ثم يقابل كل ذلك الابن المدلل جيسون (الممثل جوناه هيل) الذي هو كبير موظفي الرئاسية والمستشار الشخصي.
وهكذا سوف نتنقل تراتبيا إلى مكونات البيت الأميركي والشعب الأميركي ليتم تفحصها بشكل ساخر ومرير في وقت يسابق العالم الزمن قبل أن يضربه النيزك.
إنهم حقا أولئك المتلاعبون بالعقول ومنهم من يقدم لنا شحنة قوية عن شكل ومحتوى الأداء الإعلامي ودور قنوات التلفزة في تشكيل الرأي العام وتسطيح وتسخيف كل شيء وامنا هذا الثنائي، بري ايفانتي (الممثلة كيت بلانشيت) وزميلها جاك بريمر (تيلر بيري) هما الثنائي الذي يمثل أيقونتي ذلك الإعلام الذي يشحن الناس بشكل يومي وحيث يطلان عبر برنامجهما التلفزيوني.
لا أحد يجرؤ على النظر إلى الأعلى
ولا يهم جاك من أمر النيزك سوى احتمالات أن يسقط على بيت طليقته بينما تتلمس بري الإثارة من كل ذلك بما في ذلك الإعجاب بالبروفيسور مندي وتمضية ليلة حمراء معه، ولتعلن أنها أعجبت به مع أنها طليقة وزير داخلية سابق وسبق وأن عاشرت رئيسين للولايات المتحدة ولهذا فإنها من فرط الفوضى لن تتورع عن التحرش بالبروفيسور وهي على الهواء.
هؤلاء هم المتلاعبون بالعقول الذين ظلوا يغطون على الكارثة القادمة وصولا إلى سلسلة هزلية من الاستعانة بطواقم عسكرية وخبراء ومن ثم الاستثمار في المذنب على يد رجل الأعمال والملياردير غريب الأطوار بيتر أشيرويل (الممثل مارك ريلانس)، لننتهي بهروب بضع المئات من الأثرياء والخط الأول في الحكم وعلى رأسهم رئيسة الولايات المتحدة من خلال مركبة سوف تنقلهم إلى كوكب آخر يخرجون إليه عرايا في مشهد فيه الكثير من الإذلال حيث تناوشهم الطيور البرية والكائنات الوحشية.
نحن أمام سجال بين حقائق العلم وتحديات الواقع الذي نعيش فيه في مقابل شهوة السلطة المسيطرة على الطبقة السياسية
واقعيا نحن أمام سجال هو أقرب إلى اللامنطق وأبعد من حدود الخيال ما بين حقائق العلم وتحديات الواقع الذي يعيش فيه البشر في مقابل شهوة السلطة التي تسيطر على الطبقة السياسية التي همها الفوز بالانتخابات وارتفاع الشعبية في مقابل هلاك شعب كامل.
ولا يكفي القول إن طبقة المتلاعبين بالعقول في هذه الدراما طبقة فاسدة وأنانية وإنها لا تتورع عن الدفاع عن أخطائها وتسويغها وتبريرها تحت أي غطاء كان.
وأما من جهة التتابع اليومي لمجريات تلك الثيمة الخيالية في اقتراب ضرب الأرض بالمذنب فإن هنالك مساحة أخرى عريضة جدا تتعلق بفئة الشباب الذين لا يريد الحزب الحاكم ولا الرئيسة أن ينظروا إلى أعلى بل صار لا تنظر إلى أعلى شعارا سياسيا واتهم مستخدموه أنهم يتبعون دعاية الأعداء.
واقعيا إن البديل الذي يطرحه الفيلم هو الغرق في النظر إلى أسفل دوما، الانغماس في النظر بل إدمان النظر إلى الشاشات ومن أهمها شاشات الموبايل التي في حد ذاتها مع دوامة وسائل التواصل الاجتماعي والانغماس في التعليقات وتبادل الصور وألعاب الفيديو قد شكّلت وعي جيل مأزوم بإمكانه أن يصدق أي شيء بشرط ألا يطالبه أحد أن تفارق عيناه الشاشات والنظر إلى أسفل بدلا عن النظر إلى الأعلى أو محاكمة ما يسمع.
انشرWhatsAppTwitterFacebook
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن