بطل مُتخفّ يسعى لإنصاف الفقراء ضد الأغنياء
“الرائد غروم: طبيب الطاعون” ينجح في نقل السينما الروسية إلى عالم الكوميكس.
الاثنين 2021/10/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حوادث غير متوقعة تلوح في الأفق
يعدّ فيلم “الرائد غروم: طبيب الطاعون” لمخرجه أوليغ تروفيم نقلة نوعية في السينما الروسية باقتحامه عالم الكوميكس، جامعا الخيالي بالواقعي مع مسحة من الكوميديا، ليظهر البطل الخارق أكثر واقعية وصدقية في معالجته للمشكلات الطارئة في محيطه المجتمعي، وليغدو أشبه بالأيقونة الشعبية في سعيه للانتقام من الأغنياء.
كما درجت السينما الأميركية على ضخّ العديد من الأفلام الناجحة من قصص الكوميكس وشكّلت لها شعبية عريضة في أنحاء العالم، يبدو أن السينما الروسية بدأت تسير في ذات المسار، ولم لا، فقصص الكوميكس الشعبية يمكن أن توجد في أي مجتمع لتقدّم صورة الأبطال الخياليين المُنقذين.
وإذا كان الأبطال المنقذون في قصص الكوميكس الأميركية ذوي قدرات فائقة وخارقة مثل “السوبرمان” و”الرجل النملة” و”الرجل الخفاش” و”كابتن أميركا” و”المرأة القطة” و”الدكتور سترينجر” وغيرها، فإن البطل الروسي الخارق أكثر واقعية وتواضعا، وهو، وإن كان مزوّدا بالقدرة والطاقة الفائقة، فإنها بالمستوى المعقول الذي لا يجعل الشخص يحلق في الهواء ويخترق الأماكن ويفعل المعجزات.
الفيلم يمزج بين الخيالي والواقعي مع مسحة من الكوميديا التي خفّفت من الصراع الحاصل بين البطلين
بطل الكوميكس الروسي هو أكثر التصاقا بالواقع، وهو لا يعيش ما يعيش نظيره الأميركي في خيال واسع لا حدود له.
ويقدّم المخرج أوليغ تروفيم في فيلم “الرائد غروم: طبيب الطاعون” منذ البداية مشاهد مطاردة وقطع أنفاس بين ضابط الشرطة إيغور (الممثل تيخون زينوفيسكي)، وهو يطارد عصابة قامت بالسطو على أحد البنوك، وللوهلة الأولى سوف نظن أنه هو البطل الخارق.
لكنه في الواقع هو البطل الجريء، والخارقية البادية في المشاهد الأولى تتمثل في محاولته ملاحقة العصابة المنطلقة بعربة أموال مصفّحة، وهنا يمتزج الواقع بالكوميديا، فالأموال تتطاير من سيارة العصابة في شوارع موسكو وكأننا إزاء نوع من اللصوص الذين يريدون لعامة الناس أن ينالوا نصيبهم من المال المسروق.
وبعد هذا نكتشف أن الضابط إيغور ليس إلاّ ضابطا متهوّرا ومندفعا في القيام بأي مهام مطاردة بصرف النظر عن موافقة رؤسائه في العمل من عدمه، وامتدادا لذلك وبعد المهمة المليئة بالمطاردات المشوّقة للصوص وجلبهم إلى إحدى الساحات الرئيسية في موسكو تتمّ محاسبة إيغور على أفعاله في سلسلة مشاهد طريفة تجمعه هو وزملاؤه الذين يراهنون على طرده.
في موازاة ذلك وفي سياق تسارع الأحداث سوف تبرز شخصية أوليغ (الممثل ديميتري تشيبوتاريف) الذي يتمثّل في صورة “السوبرمان”، ولكن بشكل أكثر تواضعا، ومن جهة أخرى يتمثّل شيئا ما شخصية روبن هود، فهذا الشاب الذي ولد من رحم المعاناة، يجد أن الفوارق الطبقية قد أوصلت المجتمع الروسي إلى مستوى غير مسبوق من الظلم الاجتماعي.
ها هو أوليغ يرتدي عباءة السوبرمان وقناع الغراب حتى يتحوّل إلى رمز شعبي بعدما شاع على مستوى الرأي العام تورّط أحد أبناء الأثرياء في قتل طفلة بسيارته الفارهة، ولهذا يقرّر أوليغ الانتقام منه بحرقه هو وسيارته، وهكذا تتواصل جرائم أوليغ فها هو يجهز على المقاول المسؤول عن نظافة موسكو والذي ترك الشوارع غارقة في الأوساخ، بينما هو يتقاضى أموالا طائلة، ولهذا ينتقم منه ومن أسرته بإحراقهم جميعا.
بطل روسي خارق على الطريقة الأميركية
وهكذا يتحوّل أوليغ إلى لغز محيّر تعجز السلطات في العثور عليه أو جلبه إلى العدالة، مع أنه ماض ومصمّم في ملاحقة الأثرياء الذين جمعوا ثرواتهم في وقت يعاني عامة الشعب من الفقر أو العيش على الكفاف في أحسن الأحوال.
وتبدو القدرة على التخفي والأدوات التي يستخدمها أوليغ هي جزء من تلك الصورة النمطية التي تم تأسيسها على أساس الكوميكس الروسي، لكن الإشكالية تبرز ما بين دور رجل القانون إيغور وبين السوبرمان الروسي أوليغ، وما بينهما ثمة شخصيات كثيرة تكمل تلك الدائرة من الشخصيات التي تدور في فلك هاتين الشخصيتين الرئيسيتين وتعزّزان جانب المتعة في ملاحقة الأحداث التي يمتزج فيها ما هو خيالي بما هو واقعي مع مسحة من الكوميديا، خفّفت من حدة الأجواء البوليسية وتجاوز فيها المخرج نمط أفلام التحرّي واليوميات التي يمرّ بها رجل الشرطة.
إيغور.. شرطي متهوّر لكنه حاسم
وبينما يعيش البطل المنقذ، والذي يريد مساواة الأغنياء مع الفقراء أو أخذ ما لدى الأغنياء لصالح الفقراء، حياة شبه مترفة هو وصديقه مؤسّس منصة التواصل الاجتماعي والذي يحضى بشعبية كبيرة، فإن إيغور على الجهة الأخرى يعيش حياة الكفاف، وهو إنسان كرّس نفسه لعمله بكل ما يتطلبه من مغامرات وتحديات وتحمّل للمخاطر.
ولنمض في هذه الدراما الفيلمية بحسب نسق اجتماعي تم البناء عليه ممتزجا بجانب خيالي ممتع، ولكي تتحوّل صورة بطل الكوميكس إلى أيقونة شعبية أيضا فقد أضيفت إليها قدرات إضافية، بل قل إن أوليغ -الرجل الخفاش أو الغراب- هو رجل النار من دون منازع، وذلك بحرصه على إحراق ضحاياه بلا هوادة مسترجعا طفولته القاسية وأيام وليالي الفقر التي عاشها، ولهذا فإنه يصرّ على المضي في مهمته تلك إلى النهاية، وهو ما سوف يوقعه في المواجهة الأخيرة التي لا بد منها.
وظّف الفيلم إمكانات الصورة والحركة والمونتاج في سياق تكثيف بصري متواصل لم يبتعد كثيرا عن النمط الواقعي، لكنه في ذات الوقت عزّز ذلك البناء الدرامي القائم على المطاردات والتشويق، وبذلك نكون قد انتقلنا مع هذا الفيلم إلى مسار جديد مواز للسينما الروسية وهي تلجأ إلى الأبطال الخياليين وقصص الكوميكس لتلتحق بنظيرتها الأميركية شديدة المنافسة، وإن بمستوى البدايات التي يمكن أن تنمو بالتدريج وتحقّق النجاح الجماهيري المطلوب.
“الرائد غروم: طبيب الطاعون” ينجح في نقل السينما الروسية إلى عالم الكوميكس.
الاثنين 2021/10/11
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حوادث غير متوقعة تلوح في الأفق
يعدّ فيلم “الرائد غروم: طبيب الطاعون” لمخرجه أوليغ تروفيم نقلة نوعية في السينما الروسية باقتحامه عالم الكوميكس، جامعا الخيالي بالواقعي مع مسحة من الكوميديا، ليظهر البطل الخارق أكثر واقعية وصدقية في معالجته للمشكلات الطارئة في محيطه المجتمعي، وليغدو أشبه بالأيقونة الشعبية في سعيه للانتقام من الأغنياء.
كما درجت السينما الأميركية على ضخّ العديد من الأفلام الناجحة من قصص الكوميكس وشكّلت لها شعبية عريضة في أنحاء العالم، يبدو أن السينما الروسية بدأت تسير في ذات المسار، ولم لا، فقصص الكوميكس الشعبية يمكن أن توجد في أي مجتمع لتقدّم صورة الأبطال الخياليين المُنقذين.
وإذا كان الأبطال المنقذون في قصص الكوميكس الأميركية ذوي قدرات فائقة وخارقة مثل “السوبرمان” و”الرجل النملة” و”الرجل الخفاش” و”كابتن أميركا” و”المرأة القطة” و”الدكتور سترينجر” وغيرها، فإن البطل الروسي الخارق أكثر واقعية وتواضعا، وهو، وإن كان مزوّدا بالقدرة والطاقة الفائقة، فإنها بالمستوى المعقول الذي لا يجعل الشخص يحلق في الهواء ويخترق الأماكن ويفعل المعجزات.
الفيلم يمزج بين الخيالي والواقعي مع مسحة من الكوميديا التي خفّفت من الصراع الحاصل بين البطلين
بطل الكوميكس الروسي هو أكثر التصاقا بالواقع، وهو لا يعيش ما يعيش نظيره الأميركي في خيال واسع لا حدود له.
ويقدّم المخرج أوليغ تروفيم في فيلم “الرائد غروم: طبيب الطاعون” منذ البداية مشاهد مطاردة وقطع أنفاس بين ضابط الشرطة إيغور (الممثل تيخون زينوفيسكي)، وهو يطارد عصابة قامت بالسطو على أحد البنوك، وللوهلة الأولى سوف نظن أنه هو البطل الخارق.
لكنه في الواقع هو البطل الجريء، والخارقية البادية في المشاهد الأولى تتمثل في محاولته ملاحقة العصابة المنطلقة بعربة أموال مصفّحة، وهنا يمتزج الواقع بالكوميديا، فالأموال تتطاير من سيارة العصابة في شوارع موسكو وكأننا إزاء نوع من اللصوص الذين يريدون لعامة الناس أن ينالوا نصيبهم من المال المسروق.
وبعد هذا نكتشف أن الضابط إيغور ليس إلاّ ضابطا متهوّرا ومندفعا في القيام بأي مهام مطاردة بصرف النظر عن موافقة رؤسائه في العمل من عدمه، وامتدادا لذلك وبعد المهمة المليئة بالمطاردات المشوّقة للصوص وجلبهم إلى إحدى الساحات الرئيسية في موسكو تتمّ محاسبة إيغور على أفعاله في سلسلة مشاهد طريفة تجمعه هو وزملاؤه الذين يراهنون على طرده.
في موازاة ذلك وفي سياق تسارع الأحداث سوف تبرز شخصية أوليغ (الممثل ديميتري تشيبوتاريف) الذي يتمثّل في صورة “السوبرمان”، ولكن بشكل أكثر تواضعا، ومن جهة أخرى يتمثّل شيئا ما شخصية روبن هود، فهذا الشاب الذي ولد من رحم المعاناة، يجد أن الفوارق الطبقية قد أوصلت المجتمع الروسي إلى مستوى غير مسبوق من الظلم الاجتماعي.
ها هو أوليغ يرتدي عباءة السوبرمان وقناع الغراب حتى يتحوّل إلى رمز شعبي بعدما شاع على مستوى الرأي العام تورّط أحد أبناء الأثرياء في قتل طفلة بسيارته الفارهة، ولهذا يقرّر أوليغ الانتقام منه بحرقه هو وسيارته، وهكذا تتواصل جرائم أوليغ فها هو يجهز على المقاول المسؤول عن نظافة موسكو والذي ترك الشوارع غارقة في الأوساخ، بينما هو يتقاضى أموالا طائلة، ولهذا ينتقم منه ومن أسرته بإحراقهم جميعا.
بطل روسي خارق على الطريقة الأميركية
وهكذا يتحوّل أوليغ إلى لغز محيّر تعجز السلطات في العثور عليه أو جلبه إلى العدالة، مع أنه ماض ومصمّم في ملاحقة الأثرياء الذين جمعوا ثرواتهم في وقت يعاني عامة الشعب من الفقر أو العيش على الكفاف في أحسن الأحوال.
وتبدو القدرة على التخفي والأدوات التي يستخدمها أوليغ هي جزء من تلك الصورة النمطية التي تم تأسيسها على أساس الكوميكس الروسي، لكن الإشكالية تبرز ما بين دور رجل القانون إيغور وبين السوبرمان الروسي أوليغ، وما بينهما ثمة شخصيات كثيرة تكمل تلك الدائرة من الشخصيات التي تدور في فلك هاتين الشخصيتين الرئيسيتين وتعزّزان جانب المتعة في ملاحقة الأحداث التي يمتزج فيها ما هو خيالي بما هو واقعي مع مسحة من الكوميديا، خفّفت من حدة الأجواء البوليسية وتجاوز فيها المخرج نمط أفلام التحرّي واليوميات التي يمرّ بها رجل الشرطة.
إيغور.. شرطي متهوّر لكنه حاسم
وبينما يعيش البطل المنقذ، والذي يريد مساواة الأغنياء مع الفقراء أو أخذ ما لدى الأغنياء لصالح الفقراء، حياة شبه مترفة هو وصديقه مؤسّس منصة التواصل الاجتماعي والذي يحضى بشعبية كبيرة، فإن إيغور على الجهة الأخرى يعيش حياة الكفاف، وهو إنسان كرّس نفسه لعمله بكل ما يتطلبه من مغامرات وتحديات وتحمّل للمخاطر.
ولنمض في هذه الدراما الفيلمية بحسب نسق اجتماعي تم البناء عليه ممتزجا بجانب خيالي ممتع، ولكي تتحوّل صورة بطل الكوميكس إلى أيقونة شعبية أيضا فقد أضيفت إليها قدرات إضافية، بل قل إن أوليغ -الرجل الخفاش أو الغراب- هو رجل النار من دون منازع، وذلك بحرصه على إحراق ضحاياه بلا هوادة مسترجعا طفولته القاسية وأيام وليالي الفقر التي عاشها، ولهذا فإنه يصرّ على المضي في مهمته تلك إلى النهاية، وهو ما سوف يوقعه في المواجهة الأخيرة التي لا بد منها.
وظّف الفيلم إمكانات الصورة والحركة والمونتاج في سياق تكثيف بصري متواصل لم يبتعد كثيرا عن النمط الواقعي، لكنه في ذات الوقت عزّز ذلك البناء الدرامي القائم على المطاردات والتشويق، وبذلك نكون قد انتقلنا مع هذا الفيلم إلى مسار جديد مواز للسينما الروسية وهي تلجأ إلى الأبطال الخياليين وقصص الكوميكس لتلتحق بنظيرتها الأميركية شديدة المنافسة، وإن بمستوى البدايات التي يمكن أن تنمو بالتدريج وتحقّق النجاح الجماهيري المطلوب.