دراسات حديثة عديدة تؤكِّد وجود صلةٍ بين أساليب التَّربية القاسية وأرجحية أن يصبح الأطفال متسلّطين (متنمرين) أو بالعكس أن يتعرَّضوا لمُضايقاتٍ وعنفٍ مشابهٍ، بعض الدِّراسات الأخرى تشير إلى وجود صلة مشابهة مفاجئة في حالة كانت التَّربية مُتساهِلة أو مُهمِلة.
في أحد هذه الدِّراسات حيث قام باحثون من جامعة واشنطن وجامعة أريزونا بدراسةٍ تشمل استعادة أحداث ماضية لـ 419 طالب جامعي، وجدوا أنَّ أساليب التَّربية الوسطيَّة التي تشمل العطف والاعتناء بالأطفال مع وضع قوانين على الأطفال اتباعها ضمانًا لسلامتهم قد قللت خطر تعرُّضهم للمُضايقات، على الجانب الآخر فإنَّ التَّربية المُتساهِلة والصَّارمة مرتبطةٌ بشكلٍ طردي مع تسلُّط الأبناء على أطفال آخرين، وهذا الأمر مرتبطٌ بعدم احترام القوانين أو حقوق الآخرين، وذلك طِبقًا للنتائج التي نُشِرَت في كانون الثاني في (Substance Use and Misuse).
وفي دراسةٍ نُشِرَت في 2012 في مجلّة (Cybertherapy and Rehabilitation) تقصّى فيها الباحثون المُضايقات الالكترونيَّة لِعيِّنة من الطلاب الجامعيين، توصلَّت أيضًا إلى أنَّ التَّربية المُهمِلة والمُتساهِلة هي بالحقيقة مشكلة، ومن نشأوا في ظروفٍ مُهملة قد تسببوا بتلك المُضايقات أكثر من غيرهم ذوي الآباء المتسلّطين أو الوَسَطيين، إذًا فالتربية المُهمِلة هي الأسوأ فيما يتعلّق بتنمُّر الأبناء.
أكثر البحوث حول تأثير الوالدَين على تنمُّر الأبناء قد ركّزت على أساليب التَّربية القاسية التي يتَّبعها الآباء والتي تشمل عقوباتٍ تأديبيةٍ بحيث يُشكِّل الآباء نماذج رئيسية للتصرفات العنيفة للأبناء، وفي أحد هذه البحوث التي نُشِرَت في كانون الثاني في مجلّة (اضطهاد وإهمال الطفل-Child Abuse and Neglect) حول تطوُّر المُضايقات المرتبط بأساليب التّربية الصّارمة في عيّنة من 2060 طالب إسباني في المدرسة الثّانويّة، كانت النَّتائج تقترح أنَّ السّلوكيات الصّارمة المؤذية جسديًا تؤدّي إلى قيام المراهقين بأعمال عنفٍ (تنمُّر) تجاه أقرانهم أو تعرُّضهم لمثل هذه الأفعال من قبل آخرين.
بالنسبة للإناث خطر القيام بأعمال عنف (تنمُّر) تزداد عندما يتعرَّضون لتعنيفٍ جسدي في المنزل بينما بالنّسبة للذكور فذلك الخطر يزداد عند تعرُّضهم لتعنيفٍ نفسي، ويوجد ارتباط مباشر عند كلا الجنسين بين الوقوع ضحيّة للمُضايقات والاعتداء النّفسي من قبل الآباء.
تقترح الدّراسات أنَّ أفضل أساليب التّربية تقع في الوسط، وبالفعل فقد أظهرت النتائج أنَّ الأسلوب اليسير الذي يحمل العطف والتّجاوب مع احتياجات الأبناء وتشجيعهم لبعض الاستقلاليّة والخصوصيّة (بدلًا من التّسلُّط والتّحكُّم أو الإهمال والتّساهل) يقي الأبناء من أنْ يصبحوا مُتنمرين يقومون باضطهاد الآخرين أو بالعكس بأن يتعرَّضوا لمثل هذه المُضايقات.
في عام 2015 قامت مجلّة (دراسات حول الطفل والأسرة-Child And Family Studies) بنشر تقريرٍ حول دراسة أجريت على 215 طالب تخرُّج من الثانوية وجدت أنَّ الطلاب المتنمِّرين صُنِّفوا من قبل الأساتذة بأنَّ آبائهم أقل وسطيّة من الطلاب الآخرين غير المتنمِّرين.
وفي دراسةٍ أخرى نشرت عام 2016 في مجلّة (سيكولوجيا الطفل وصحّته النفسيّة(Child Psychology and Psychiatry-قام فيها الباحثون بمتابعة مجموعة من الأطفال لمُدّة خمس سنواتٍ، ووجدوا خلال الوقت أنَّ الأطفال ذوي الآباء الوَسَطين الذين يدعمون ويشجعون الاستقلالية في سن 4 و5 سنوات يقومون بأعمال عنيفة (تنمُّر) أقلَّ من غيرهم ذوي الآباء الذين يدعمون ذلك بشكل أقل.
إذًا ما هي الخلاصة؟
تقول (جولي بيكهام- Julie A. Patock-Peckham) بروفيسورة في علم النّفس من جامعة أريزونا: «إن لم ترغب بأن تُنشِئ أطفال مُتنمرين، فلا تتنمر عليهم»، وتُضيف: «التَّربية الوَسَطية المعتدلة تقي من العديد من الآثار النفسية، وعلى الآباء الذين يرغبون بتحسين أساليب تربيتهم أن يتعلموا كيف يُصبحوا داعمين ووسطيين مع أبنائهم».
المصدر:.ibelieveinsci.