الفنان المصري محمد عبلة يعيد بناء القاهرة بكل صخبها في الرياض

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنان المصري محمد عبلة يعيد بناء القاهرة بكل صخبها في الرياض


    الفنان المصري محمد عبلة يعيد بناء القاهرة بكل صخبها في الرياض


    لوحات من ذاكرة بعيدة تقبض على لحظات الشوارع والميادين وتجسد حركتها من جديد.
    الأحد 2023/01/15
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    لحظات من ذاكرة المكان

    رغم اختلاف مواضيعها تبقى لوحات الفنان المصري محمد عبلة في أغلبها مسكونة بالحنين إلى الماضي أو مشتبكة مع الحاضر بكل تفاصيله وتعقيداته الآنية، ويتلاعب بذاكرته من خلال اللون والظلال والضوء، ثلاثي أتقن الفنان استنطاق ذاكرته من خلاله، ليذهب بالمتلقي إلى أزمنة بعيدة مليئة بشاعرية خفية تعيد أمامه شرائط من زمن مضى وتجسده أمامه بكل تفاصيله، وخاصة في حركته وضجيجه الذي تنجح الألوان في نقله.

    يعاود الفنان التشكيلي محمد عبلة مغامرته مع المدينة في معرض جديد حاشد، افتتح في العاصمة السعودية الرياض يوم العشرين من ديسمبر الجاري بجاليري إرم ويستمر حتى السابع عشر من يناير، ثم ينتقل بعد ذلك إلى القاهرة بجاليري مصر.

    وتتنوع أعمال المعرض ما بين الأحجام الكبيرة والمتوسطة، ويبني فيه عبلة رؤيته الفنية على عدة عناصرة لافتة: الحركة والضوء والزمن، حيث تبرز اللوحات الزمن الليلي للعاصمة المصرية القاهرة، وتجسده في مشاهد عاطفية واجتماعية وشعبية، كاشفة عن أسرار جمالها الآسر بكل صخبه وضجيجه، لنراه في حوارات العشاق على النيل وأحاديث المقاهي الشعبية وضجيج الميادين.
    كتلة من المشاعر


    لوحات عبلة تضيء على قدرة مدينة القاهرة، رغم زحامها وضجيجها وحركتها الطائشة، على الحياة وخلق الألفة والفرح

    تضيء لوحات عبلة قدرة القاهرة، على الرغم من زحامها وضجيجها وحركتها الطائشة، على الحياة وخلق الألفة والفرح، حيث يتصدر اللون المشهد ممتزجا بحركة العناصر مثل أعمدة الإنارة بضوئها الرجراج، والإعلانات ووسائل النقل وحركة البصر الخفيفة، وكأن الليل يمنح المدينة إيقاعا ولغة بصرية خاصة.

    المعرض الذي يأتي بعنوان “ليالي المدينة” يعكس ولع عبلة المعروف بمعشوقته القاهرة بشوارعها بأضوائها وصخبها، بليلها ونيلها وناسها، عبر مسطحات تتغنى بسحر غير عادي في مشاهد الحياة اليومية، فتتسرب إليك كل هذه المشاعر والأحاسيس التي لدى الفنان العاشق للمدينة.

    في تقديمه للمعرض أكد الشاعر جمال القصاص أن محمد عبلة في هذا المعرض يراكم تجربته وخبرته التشكيلية المتنوعة على مدار سنوات عديدة، ويفتح لها نوافذ إدراك ومعرفة جديدين، فلم يعد يحكمه بناء الشكل فحسب، وإنما أيضا الواقع الإنساني وما ينطوي عليه من حقائق البشر وأحلامهم داخل هذا الشكل.

    وأضاف “انطلاقا من هذا المنظور يتعامل عبلة مجددا مع المدينة، وتحديدا معشوقته القاهرة، يغوص في ما وراء خطوط الرؤية، مستعيدا في نسيجها عالمه وذكرياته وحركة الضوء واللون على أسطح اللوحات، فدائما هناك أشياء تتحرك بعشوائية، أو بنسب معينة، وهناك أشياء تتحرك بغريزة البقاء، أو تحت ضغط الخوف منه”.

    يدرك عبلة كل هذا، ويدرك أيضا أن الخوف ليس معلقا في فراغ محض، إنما هو قضية حياة ومجتمع، وأن معشوقته تأبى أن تكون أسيرة شكل مجرد مغلق.

    إن لها حكمتها وبصيرتها وتاريخها النابض في القلب والوجدان، يتأملها ويفرح وهي تتناثر بعرقها وغبارها في فرشاته، كأنها ذبذبة بصرية لخطواته المثابرة الكادحة في شوارعها وأزقتها وميادينها، وفي الوقت نفسه كأنها ترجمان لهذا العشق. كتلة من المشاعر والأحلام تتفاعل وتنمو داخل الفراغ، وتشكل نبضا إيقاعيّا للشكل، لا يقتصر وجود هذا الإيقاع داخل المستطيل أو المربع، بل يمتد خارج إطار الصورة، مشكلا انعكاسا حيا لها في مرايا الواقع.
    لحظات الشوارع والميادين



    حركة الضوء واللون على أسطح اللوحات


    قال القصاص إن عبلة يعرف أن القاهرة مدينة ليلية بامتياز، لها روحها الخاصة، وتحت ستائر الليل ومع نسماته الشاردة، تصفو لنفسها وزمنها، وتنوع تمارين هذا الصفاء في لقطات ومشاهد ومواقف خاطفة، ترسمها خطى البشر ولحظاتهم الإنسانية الحميمة.

    ولفت إلى أن عبلة في معرض سابق له حمل اسم “أضواء المدينة” خاض مغامرة شيقة للإمساك بجماليات الضوء الليلي الاصطناعي المنبعث من أعمدة الإنارة في شوارع وميادين القاهرة، وعلى ضفاف نيلها، وكرنفالات المراكب الليلية الصاخبة، مبتكرا من خلال هذه المغامرة منظورا لرسم المدينة، من زاوية شديدة المراوغة والحيوية، ومن خلال أشكال وتكوينات يغلب عليها طابع العفوية والمصادفة، تتجاور أحيانا في تقاطعات متضادة على مستوى اللون والحركة والنغمة، وأحيانا أخرى تتلامس من بعيد، كومضات على سطوح مرتعشة.

    لكن المنظور هنا في هذا المعرض، وتحديدا فضاء الصورة، صار أكثر اتساعا، يتحرك بحيوية على سطح الصورة وفي نسيجها. يتجلى هذا على مستويي السطح والعمق معا، فلم يعد عالم الرؤية يستند على المكان كمجرد بعد متاح مباشر ومرئي، مؤطّر بملامح ومعالم وسياقات محددة، إنما أصبح مفتوحا بحيوية على تخوم البدايات والنهايات، وذهبت الرؤية أبعد إلى ما وراء المكان، إلى اللا مرئي، إلى ما يعتمل في الداخل، داخل الشخوص والأشكال من توترات وهواجس ومشاعر وأحاسيس، تنطوي على معان ودلالات متعددة، مثقلة بحمولات عاطفية واجتماعية وحضارية.


    كتلة من المشاعر والأحلام تتفاعل وتنمو


    وأوضح القصاص أن عبلة في هذا المعرض اتسعت رؤيته، واتسعت أبعادها، وأصبح همه “ليس فقط هذا الاتساع، إنما أيضا البحث عن بعد آخر يكثف هذه الأبعاد، ويضيف لها حسية الحركة، ورتوشا خفيفة وظلالا مباغتة، ترشح بمضامين فلسفية وجمالية، تمنح اللوحة فراغا جديدا، يتماس مع النسيج المترامي للطبيعة، لتصبح اللوحة جزءا عضويا من النسيج الكوني، تمتزج بتحولاته وأفكاره ورؤاه في شتى مناحي الحياة”.

    وأضاف “من ثم وجد عبلة ضالته وهذا البعد في القبض على لحظات الشوارع والميادين، على حركتها المخبوءة في تلافيف هذه اللحظات المسروقة من جراب الزمن، من ضجيج النهار ومفارقات الواقع وعبثيته، كاشفا من خلالها عن حياة أخرى للمدينة، تتشكل في علامات وإشارات، وحوارات هامسة تنساب برقة، وتتقطّع بشجن تحت عباءة الليل”.

    وتابع “يعزز ذلك أن لوحات “ليالي المدينة” مليئة بالحركة، فالأسطح والأشكال تتبادل الأدوار بتلقائية فيما بينها، وتتنقل بطبقاتها اللونية الساخنة والهادئة فوق سطح الصورة بسلاسة مغوية. واللافت أن هذه الحركة لا تتوقف عند نقطة محددة، إنما تتقاطع أفقيا ورأسيا، من أعلى وأسفل وشتى زوايا الصورة، محفزة لحوارية مسكونة بالدهشة والأسئلة بين كل عناصر الصورة”.

    وعلى عكس المعرض السابق تخففت الحوارية كثيرا، كما بين القصاص، من ثقل التجريد والعلاقات المتجاورة والبينية بين الأشكال، وأصبحت بمثابة لغة بصرية غير منطوقة، تفيض مظاهرها الحسية بين الشخوص، وتشع في ملامحهم المموّهة، وحركة أجسادهم بثقلها وخفّتها، ويلعب هنا عبلة على مساحة الفراغ بين الشعور واللا شعور، المهمشة والمكبوتة في وعي الشخوص، وكأنها صدى لفراغ مراوغ جماليا، ينساب بعفوية بين الأشكال، ويتبدى في نظرات الشخوص القلقة غير المطمئنة، وفرحهم العابر بالتعايش مع لحظاتهم المسروقة من تداعيات الزمن، ما يجعل اللوحة بمثابة جسر بين الحضور والغياب، يربط ماضي الشخوص بحاضرهم ولحظتهم الراهنة في اللوحة والواقع معا.
    الفنان محمد عبلة





    الفنان محمد عبلة حاصل على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة قسم تصوير جامعة الإسكندرية عام 1977، ودبلوم كلية الفنون الجميلة 1978، كما درس في كلية الفنون والصناعات (نحت) بزيورخ – سويسرا عام 1981، عمل مديرا لقاعة الفنون التشكيلية بالأوبرا لمدة ستة أشهر عام 1990، وأستاذا زائرا للفنون بمدرسة أوربرو السويد، كما كان رئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة عام 2010، شارك في العديد من المعارض الدولية، منها بينالي الشارقة عام 1993، بينالي الجرافيك في فنلندا عام 1993، ترينالي جرنيش بسويسرا عام 1993، معرض جمعية الجرافيك الدولية EXILON عام 1993، ترينالي سابورو اليابان، وبينالي الكويت عام 1994، بينالي القاهرة الدولي السادس عام 1996، بينالي الإسكندرية لدول البحر المتوسط الدورة 19 عام 1997، ترينالي مصر الدولي الثالث لفن الجرافيك عام 2000، ومعرض طلائع الفن المصري المعاصر في الأرجنتين تحت عنوان “مختارات من أعمال أربعة فنانين” سنة 2001، كما شارك في بينالي هافانا الدولي عام 2003.

    تجدر الإشارة إلى أن الفنان محمد عبلة تسلم وسام جوته، وهو أعلى وسام ثقافي تمنحه جمهورية ألمانيا، وذلك في أغسطس الماضي، ليصبح أول فنان تشكيلي عربي يحصل عليه، وهو أرفع وسام ألماني في الثقافة والعلوم.






    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    محمد الحمامصي
يعمل...
X