اللبنانية ليتيسيا الحكيم تصور مواجهة المرأة للعنف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللبنانية ليتيسيا الحكيم تصور مواجهة المرأة للعنف

    اللبنانية ليتيسيا الحكيم تصور مواجهة المرأة للعنف


    "في الوحل والصدأ والدم".. معرض فوتوغرافي ينتصر للنساء العربيات.
    الجمعة 2022/11/04
    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    حلم بالتحرر من العنف الذكوري

    تسافر الفنانة التشكيلية اللبنانية ليتيسيا الحكيم في التاريخ والذاكرة الجماعية لتقدم أطروحات ودراسات نظرية وسردا بصريا ينطق بصوت بنات جنسها، فيوصل معاناتهن مع الذكورية المفرطة والعنيفة التي مارست ضدهن كل أنواع العنف والدموية على مدار عقود ولا تزال إلى اليوم متحكمة في مصائر الكثيرات منهن.

    بالتعاون مع صالة “أرت لاب” اللبنانية والمركز البريطاني في بيروت يتم تقديم المعرض الفردي الأخير من مشروع “كاتابولت للفنون” لهذه السنة وهو للفنانة/المصورة اللبنانية “ليتيسيا الحكيم” تحت عنوان “في الوحل والصدأ والدم”. ويستمر المعرض حتى الحادي عشر من نوفمبر الجاري.

    ثمانية وثلاثون صورة فوتوغرافية مطبوعة على خشب أرادت ليتيسيا الحكيم أن تركز فيها على ثيمة المرأة المعاصرة والعنف المجتمعي بشكل واسع طارحة أفكارا شائكة ومتداخلة تطلّبت، إلى جانب الحرفية الفنية، أن تكون انطلاقة الفنانة من خلفية بحثية ضرورية لتمكين طرحها البصري – الفكري.

    ويمكن اختصار ما قدمته بأنه محاولة فوتوغرافية لردم الهوة ما بين الفكرة والتنفيذ الفني وهذا تحديدا ما يميز الفن المفهومي عن باقي الفنون. وقد نجحت الفنانة في ذلك ببعض الأعمال وأخفقت في أخرى إذ سيكون من غير اليسير أن يُقرأ ما أرادت أن تقوله إن لم يقم المُشاهد بتأمل جميع الصور الفوتوغرافية على أنها كلّ فني واحد وإن كانت لها عناوين فرعية ومنفردة تساعد على فهم الموضوع المُتناول.



    كما ساهم وبشكل كبير البيان الصحافي المرافق للمعرض في أن يلقي الضوء على معنى المعرض ككل. ومما ورد فيه “يخطّ معرض ‘في الوحل والصدأ والدم’ مقابلة ما بين أحكام الإعدام التي كانت تطال قديما ما سُمي بالساحرات/المشعوذات، وقتل النساء كما في حالات جرائم الشرف”.

    صور فوتوغرافية هي أعمال يُمكن قراءتها منفردة، ولكن، كما ذكرنا آنفا، يصبح معناها أكثر مقاربة إذا ما نظرنا إليها مُجتمعة وقد اخترقتها سلسلة من الإحالات المرتبطة ببعضها بعضا.

    وانطلقت الفنانة في أعمالها من طرح فكري مُحدد يحيل إلى فكرة أخرى، وإذا بـ”الفكرة الأخرى” تأخذ المُشاهد إلى معنى آخر هو سليل الفكرة الأولى ومرتبط بها عضويا وبالتالي فكريا وبصريا.

    والحال هو تماما كما ذكرت الفنانة “لقد انطلقت فكرة المعرض من عثوري على كُتيّب جمعت فيه والدتي وصفات طبخ متنوعة وكنت أعلم بأنها لم تحب الطبخ يوما عكس والدي الذي لم يعتمد على أيّ كُتيب وكان شغوفا بتحضير الطعام. ما لبث هذا الاكتشاف أن جعلني أجعل وصفة قطع لحم الضأن مدخلا إلى فكرة حمل الأضحية التي بالتالي أحالتني إلى حدث إحراق الساحرات”.

    وهنا يأتي تماما التجسيد لوضع المرأة العربية المعاصرة بشكل عام من ناحية فرض السيطرة عليها وصولا إلى تعنيفها فقتلها. وتؤكد الفنانة في إحدى المقابلات أنها لا تقصد في معرضها كل النسوة كما أنها لا تقصد انتقاد اللواتي اخترن بملء إرادتهن أن يكن ربات بيوت فقط.

    عبر التاريخ، وكما نعلم، كان تعبير ساحرة لا يطلق على المرأة التي كانت تقوم بأفعال خارقة فحسب، بل أيضا على تلك التي اختارت طريقا مغايرا للأعراف والتي تمتعت بخبرة بمجال صناعة الأدوية والسموم في آن واحد، أي أنها كانت تملك سلطة ما. وأيّ سلطة، كما نعرف أيضا، كانت وعلى الأرجح لازالت مصدر تهديد للآخر/الذكر.



    أعمال ليتيسيا الحكيم مُجتمعة في هذا المعرض قبل أن تستقر في صور فوتوغرافية، وكانت في البداية أعمالا تجهيزية قامت الفنانة بتصميمها لتكون الآثار البصرية لأفكارها ثم التقطت لها صورا. صور تثير الاهتمام وتطرح أسئلة عما يدور فيها وتزخم بنوعين من الغموض. الأول عبر تجسيد لتفاصيل شديدة الوضوح كغصن شجرة وحيدة ومتعرية من أوراقها يمكنه أن يكون، أي الغصن، بهيئته شجرة مكتملة ومصغرة. غصن متشعب مدموغ على خلفية متفحمة تحيل إلى أزلية الوقت وقدمه الذي يحيل إلى الوشم بما يحيل إليه، هو الآخر، إلى إيحاءات أخرى تتعلق بفعل الحرق والاحتباس في رقعة محددة لا انفلات منها.

    ومن الأمثلة الأخرى على هذا الغموض الذي ارتبط بتفصيل جعلته ليتيسيا الحكيم موضوع الصورة الرئيسي والوحيد: ريشة وحيدة لعصفور. بيضاء اللون تقع من فضاء مجهول لا هو من سماء ولا هو من علياء شجرة. ثم يعثر المُشاهد في المعرض على صورة أخرى تأخذنا إلى الأولى لتكثّف من معناها: صورة فيها ريش كثير في حالة السقوط والصعود في آن واحد.

    أما النوع الثاني من الغموض فظهر، وعلى سبيل المثال، عبر مشاهد مفتوحة كمشهد ليلي لطبيعة داكنة لا يضيئها إلا غصن يابس، ولكنه حيّ بتشنجه وبصناعته لدينامية المشهد.

    ليتيسيا الحكيم فنانة تولي اهتماما كبيرا بالتصرفات المجتمعية تحت تأثير التاريخ والذاكرة والشعائر المُكرسة في المجتمع

    وثمة مشهد آخر لغرفة تغرق في عتمة غير معنية بتغييب حضور النافذة الجليّ والمفضي إلى داخل عميق ومُصمم فنيا ليلفت النظر إلى طرف سرير قديم وكرسي خشبي مقلوب أرضا.

    إنه وضوح عالي النبرة، ولكنه أيضا غموض كئيب لا يمتّ إلى الرومانسية بأيّ صلة.

    وفي هذا النوع من الصور تلعب عناصر بصرية صغرى في تفعيل مخيلة المُشاهد وتحرك رغبته في فهم الفكرة المطروحة. ومن تلك العناصر قصاصات الأوراق التي تتدلى من سقف الغرفة إلى حيث الكرسي المقلوب، أمام نافذة مفتوحة، ربما إثر مشادة عنيفة بين شخصين على الأرجح أنها كانت بسبب حضور سرير لا نرى إلا جزءا منه.

    يُذكر أن الفنانة ليتيسيا الحكيم هي من مواليد سنة 1993 في مدينة جبيل. وهي فنانة متعددة الوسائط تلقت تعليمها في الهندسة سنة 2017 وفي فن التصوير الفوتوغرافي سنة 2020 وفي فن الرقص سنة 2009.

    ومن المعروف عن الفنانة اهتمامها الكبير بالتصرفات المجتمعية تحت تأثير التاريخ والذاكرة والشعائر المُكرسة في المجتمع. وللفنانة مجموعة أعمال كثيرة تتأرجح ما بين الواقع والفانتازيا حتى الاندماج في أحيان كثيرة. ويدور عدد من مواضيعها حول التجاذبات السياسية – الاجتماعية التي كان لها تأثير كبير على هوية لبنان وثقافته.

    نذكر من مجموعاتها الفنية “عندك رزقة بيضا” و”كل ما تبقّى هو إطار نافذتي” و”إن خسرت كل شيء” و”كيف تمنع صخرة من النمو”.

    انشرWhatsAppTwitterFacebook

    ميموزا العراوي
    ناقدة لبنانية
يعمل...
X