أحمد بدير.. رحلة ممثل بين الكوميديا والأعمال التاريخية والدراما الاجتماعية
نضال قوشحة
الزيني بركات وعبدالعال شخصيتان دراميتان تتحولان إلى واقع.
الأحد 2022/11/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حددت هدفا أن أكون ممثلا ناجحا
تسكن بعض الشخصيات الفنية في وجدان الناس، وتصير جزءا من التراث الشعبي لأمة وشعب، يتناقل الناس مقولاتها لتدخل في تواصلهم اليومي، وتؤثر فيهم حتى في شكلها، إذ عادة ما يمحو الأداء التمثيلي الصادق والمتقن الحدود بين الشخصية الخيالية والواقع، فيسحب الناس شخصياتهم الأثيرة إلى واقعهم ويحولونها إلى حقائق. وكثيرا ما قدم الفن في كل أطيافه أمثلة عن تلك الشخصيات. الفنان المصري أحمد بدير كان له نصيب في ذلك، حيث قدم شخصيتين سكنتا في وجدان الجمهور العربي هما الزيني بركات وعبدالعال.
يقدم الفنان الممثل في الفن الدرامي شخصيات حياتية، بعضها تاريخي وآخر معاصر، بعضها يعيش في وجدان الناس ولا يمحى مهما طال عليه الزمن. وكثير من الفنانين صاروا يعرفون بأسماء شخصيات جسدوها في أعمال فنية مختلفة.
أنطوني كوين حمل عبء شخصية زوربا طويلا، وصار يعرف بها، وكذلك روان أتكينسون في شخصية مستر بين، وعربيا عاش عبدالله غيث في شخصية حمزة ودريد لحام في شخصية غوار الطوشة.
ومن الشخصيات التي عاشت في ذاكرة الناس طويلا وما زالت حاضرة هما الزيني بركات في مسلسل حمل نفس الاسم والشرطي عبدالعال في مسرحية ريا وسكينة واللتين أداهما الفنان المصري أحمد بدير، واحدة من الشخصيتين كانت ملحمية تاريخية تعصف بها الأحداث السياسية المصيرية والثانية كوميدية.
الزيني بركات والتاريخ
مسلسل "الزيني بركات" لاقى ترحيبا من الأوساط المثقفة العربية كما تلقفه الجمهور العربي العادي بالكثير من الاهتمام
تناول الروائي المصري الشهير جمال الغيطاني شخصية حقيقية عاشت في زمن انهيار الدولة المملوكية، وكان لها دور فاعل في التأسيس لقيام الدولة العثمانية. وهي شخصية الزيني بركات الذي تولى منصب صاحب الحسبة في مصر وهو منصب يتحكم بمال الدولة ومفاصلها.
ومن خلال منصبه وتطلعاته وصراعه مع كبير البصاصين ساهم إلى حد كبير في رسم شكل الدولة المصرية حينها. لذلك كان تجسيدها في مسلسل درامي يحمل أهمية خاصة كونه تقاطع مع مرحلة عربية سياسية معاصرة.
يكتب جمال الغيطاني عن السبب في تناوله لهذه الشخصية المريبة “كنت مهموما بالبحث في تاريخ مصر، وبقراءة هذا التاريخ خاصة الفترة المملوكية، التي وجدت تشابها كبيرا بين تفاصيلها وبين الزمن الراهن الذي نعيش فيه. وأنا عندما أقول الفترة المملوكية، أعني الفترة المملوكية التي كانت مصر فيها سلطنة مستقلة تحمي البحرين والحرمين. وقد انتهت هذه السلطنة في عام 1517 بهزيمة عسكرية كبيرة في مرج دابق شمال حلب. وعندما طالعت مراجع شهود العيان الذين عاشوا هذه الفترة، ذهلت من تشابه الظرف بين هزيمة 67 والأسباب التي أدت إليها وبين هزيمة القرن السادس عشر. وأوصلني هذا في ما بعد، إلى ما يمكن أن يسمى باكتشاف وحدة التجربة الإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة”.
تم تحويل هذه الرواية التي صدرت عام 1974 إلى مسلسل تلفزيوني كتبه محمد السيد عيد وأخرجه يحيى العلمي عام 1995 وقدم في الموسم الرمضاني، ولاقى ترحيبا من الأوساط المثقفة العربية كما تلقفه الجمهور العربي العادي بالكثير من الاهتمام كونه عرفهم بصفحات من تاريخ مصر القديم.
قدم أحمد بدير في المسلسل دور شخصية الزيني بركات، وهو القادم من خلفية كوميدية، وكان طرحا جريئا أن يقدم العلمي أحمد بدير في دور مركب يحمل ملامح تراجيدية كثيرة العنف والتغيرات مثل شخصية الزيني بركات، وكانت الرهبة من تناول جزء حساس من تاريخ مصر في مسلسل تلفزيوني عملية تحفها المخاطر، وهذا ما عبر عنه الفنان أحمد بدير.
وبيّن بدير مقدار التحدي الذي رافقه في تقديم هذا الدور، قائلا “كنت قادما من خلفية كوميدية وخشيت من تقديم هذه الدور الذي يحمل كثيرا من ملامح الاختلاف والمتغيرات، فشخصية الزيني بركات تحمل كثيرا من المطامح الشخصية التي تتطابق مع مطامح شخصيات أعلى شأنا. الزيني بركات يعرف كيف يوجه طموحاته ويحقق أهدافه كونه يمتلك الدهاء وقوة التسلط والجبروت. وبالقدر الذي كنت فيه متخوفا من تقبل الجمهور له، سعدت بتلقي الجمهور الكبير له على ذلك الشكل الكبير من الاهتمام، والمسلسل شاع على المستوى العربي، ورغم أنني قدمت العديد من الأدوار التاريخية لكن مسلسل الزيني بركات له عندي مكانة خاصة أعتز بها”.
شخصية كوميدية خالدة
بدير القادم من خلفية كوميدية قدم شخصية الزيني بركات
في جانب آخر قدم أحمد بدير شخصية اجتماعية بسيطة مسحوقة، تمثل رجل البوليس عبدالعال في مسرحية ريا وسكينة التي كتبها بهجت قمر وأخرجها حسين كمال، وقدمها مع فنانين كبار منهم عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي وشادية.
شخصية عبدالعال ظهرت في المسرحية بشكل كوميدي رغم قساوة البيئة التي تحيط بها. ويبين بدير في ذلك “كانت براعة من الكاتب بهجت قمر أن يقدم قصة مأساوية مثل قصة ‘ريا وسكينة’ في مشهدية كوميدية، قدمت في جو مأساوي بائس أطيافا من الكوميديا الإنسانية العالية، فرغم الألم الذي يحيط بحياة هؤلاء لكن الكوميديا لا تختفي وهي موجودة في ثنايا يومياتهم”.
وعن رأيه في حضور شخصية عبدالعال الطاغي في حياة الجمهور العربي يوضح “كونها شخصية حقيقية تنتمي إلى الشارع، وقدمت للناس بشكل كوميدي لطيف، بعض الجمل المتعلقة بها دخلت في صميم المفردات اليومية مثل جملة: الناس بتاكل عشان تسمن وأنت بتاكل عشان تطول. وكذلك جملة المحروس ابن عمي تعرفيه”.
ويتابع في تبيان الفرق بين شخصيتي بركات وعبدالعال “كلتاهما خرجتا من صميم المجتمع المصري، الزيني بركات شخصية جادة حقيقية ساهمت بشكل فعال في رسم ملامح السياسة المصرية لقرون تلت وجودها، بينما كانت شخصية عبدالعال بسيطة مسحوقة تحت نير البيئة الفقيرة الريفية التي تمثل ملايين من الناس الذين تعصف بهم الحياة في أنوائها لكنها تمثل أحلامهم المسكوت عنها”.
الموهبة ودورها
عبدالعال شخصية لا تنسى
نضال
يرى أحمد بدير أن المبدع هو من يضع لنفسه المنبر الذي يستطيع من خلاله أن يكون صاحب تأثير أقوى في مجتمعه، من خلال معرفته بالموهبة التي يمتلكها، وتكون ذات حضور أقوى عنده، ثم العمل على تنميتها وصقلها بالشكل المطلوب.
ويأتي أحمد بدير من دراسة اللغة العربية إلى فن التمثيل، متجاوزا مرحلة التأسيس الأكاديمي المتخصص ليحقق من خلال عمله المبكر في الحياة المسرحية كماً هامًا أهله أن يكون فنانا متميزا في التمثيل.
ويبين في ذلك “عملت في المسرح في الفترة المبكرة فقدمت جهدا في الكتابة والإخراج، إلى أن تيقنت أنني أكثر حضورا في التمثيل، فتفرغت له تماما، فلم أعد أهتم بالكتابة والإخراج، بل حددت هدفا أن أكون ممثلا ناجحا، وهذا ما قمت به خلال سنوات طوال”.
ويتابع “الفنان يجب أن يكون أولا موهوبا في الفن الذي
نضال قوشحة
الزيني بركات وعبدالعال شخصيتان دراميتان تتحولان إلى واقع.
الأحد 2022/11/06
انشرWhatsAppTwitterFacebook
حددت هدفا أن أكون ممثلا ناجحا
تسكن بعض الشخصيات الفنية في وجدان الناس، وتصير جزءا من التراث الشعبي لأمة وشعب، يتناقل الناس مقولاتها لتدخل في تواصلهم اليومي، وتؤثر فيهم حتى في شكلها، إذ عادة ما يمحو الأداء التمثيلي الصادق والمتقن الحدود بين الشخصية الخيالية والواقع، فيسحب الناس شخصياتهم الأثيرة إلى واقعهم ويحولونها إلى حقائق. وكثيرا ما قدم الفن في كل أطيافه أمثلة عن تلك الشخصيات. الفنان المصري أحمد بدير كان له نصيب في ذلك، حيث قدم شخصيتين سكنتا في وجدان الجمهور العربي هما الزيني بركات وعبدالعال.
يقدم الفنان الممثل في الفن الدرامي شخصيات حياتية، بعضها تاريخي وآخر معاصر، بعضها يعيش في وجدان الناس ولا يمحى مهما طال عليه الزمن. وكثير من الفنانين صاروا يعرفون بأسماء شخصيات جسدوها في أعمال فنية مختلفة.
أنطوني كوين حمل عبء شخصية زوربا طويلا، وصار يعرف بها، وكذلك روان أتكينسون في شخصية مستر بين، وعربيا عاش عبدالله غيث في شخصية حمزة ودريد لحام في شخصية غوار الطوشة.
ومن الشخصيات التي عاشت في ذاكرة الناس طويلا وما زالت حاضرة هما الزيني بركات في مسلسل حمل نفس الاسم والشرطي عبدالعال في مسرحية ريا وسكينة واللتين أداهما الفنان المصري أحمد بدير، واحدة من الشخصيتين كانت ملحمية تاريخية تعصف بها الأحداث السياسية المصيرية والثانية كوميدية.
الزيني بركات والتاريخ
مسلسل "الزيني بركات" لاقى ترحيبا من الأوساط المثقفة العربية كما تلقفه الجمهور العربي العادي بالكثير من الاهتمام
تناول الروائي المصري الشهير جمال الغيطاني شخصية حقيقية عاشت في زمن انهيار الدولة المملوكية، وكان لها دور فاعل في التأسيس لقيام الدولة العثمانية. وهي شخصية الزيني بركات الذي تولى منصب صاحب الحسبة في مصر وهو منصب يتحكم بمال الدولة ومفاصلها.
ومن خلال منصبه وتطلعاته وصراعه مع كبير البصاصين ساهم إلى حد كبير في رسم شكل الدولة المصرية حينها. لذلك كان تجسيدها في مسلسل درامي يحمل أهمية خاصة كونه تقاطع مع مرحلة عربية سياسية معاصرة.
يكتب جمال الغيطاني عن السبب في تناوله لهذه الشخصية المريبة “كنت مهموما بالبحث في تاريخ مصر، وبقراءة هذا التاريخ خاصة الفترة المملوكية، التي وجدت تشابها كبيرا بين تفاصيلها وبين الزمن الراهن الذي نعيش فيه. وأنا عندما أقول الفترة المملوكية، أعني الفترة المملوكية التي كانت مصر فيها سلطنة مستقلة تحمي البحرين والحرمين. وقد انتهت هذه السلطنة في عام 1517 بهزيمة عسكرية كبيرة في مرج دابق شمال حلب. وعندما طالعت مراجع شهود العيان الذين عاشوا هذه الفترة، ذهلت من تشابه الظرف بين هزيمة 67 والأسباب التي أدت إليها وبين هزيمة القرن السادس عشر. وأوصلني هذا في ما بعد، إلى ما يمكن أن يسمى باكتشاف وحدة التجربة الإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة”.
تم تحويل هذه الرواية التي صدرت عام 1974 إلى مسلسل تلفزيوني كتبه محمد السيد عيد وأخرجه يحيى العلمي عام 1995 وقدم في الموسم الرمضاني، ولاقى ترحيبا من الأوساط المثقفة العربية كما تلقفه الجمهور العربي العادي بالكثير من الاهتمام كونه عرفهم بصفحات من تاريخ مصر القديم.
قدم أحمد بدير في المسلسل دور شخصية الزيني بركات، وهو القادم من خلفية كوميدية، وكان طرحا جريئا أن يقدم العلمي أحمد بدير في دور مركب يحمل ملامح تراجيدية كثيرة العنف والتغيرات مثل شخصية الزيني بركات، وكانت الرهبة من تناول جزء حساس من تاريخ مصر في مسلسل تلفزيوني عملية تحفها المخاطر، وهذا ما عبر عنه الفنان أحمد بدير.
وبيّن بدير مقدار التحدي الذي رافقه في تقديم هذا الدور، قائلا “كنت قادما من خلفية كوميدية وخشيت من تقديم هذه الدور الذي يحمل كثيرا من ملامح الاختلاف والمتغيرات، فشخصية الزيني بركات تحمل كثيرا من المطامح الشخصية التي تتطابق مع مطامح شخصيات أعلى شأنا. الزيني بركات يعرف كيف يوجه طموحاته ويحقق أهدافه كونه يمتلك الدهاء وقوة التسلط والجبروت. وبالقدر الذي كنت فيه متخوفا من تقبل الجمهور له، سعدت بتلقي الجمهور الكبير له على ذلك الشكل الكبير من الاهتمام، والمسلسل شاع على المستوى العربي، ورغم أنني قدمت العديد من الأدوار التاريخية لكن مسلسل الزيني بركات له عندي مكانة خاصة أعتز بها”.
شخصية كوميدية خالدة
بدير القادم من خلفية كوميدية قدم شخصية الزيني بركات
في جانب آخر قدم أحمد بدير شخصية اجتماعية بسيطة مسحوقة، تمثل رجل البوليس عبدالعال في مسرحية ريا وسكينة التي كتبها بهجت قمر وأخرجها حسين كمال، وقدمها مع فنانين كبار منهم عبدالمنعم مدبولي وسهير البابلي وشادية.
شخصية عبدالعال ظهرت في المسرحية بشكل كوميدي رغم قساوة البيئة التي تحيط بها. ويبين بدير في ذلك “كانت براعة من الكاتب بهجت قمر أن يقدم قصة مأساوية مثل قصة ‘ريا وسكينة’ في مشهدية كوميدية، قدمت في جو مأساوي بائس أطيافا من الكوميديا الإنسانية العالية، فرغم الألم الذي يحيط بحياة هؤلاء لكن الكوميديا لا تختفي وهي موجودة في ثنايا يومياتهم”.
وعن رأيه في حضور شخصية عبدالعال الطاغي في حياة الجمهور العربي يوضح “كونها شخصية حقيقية تنتمي إلى الشارع، وقدمت للناس بشكل كوميدي لطيف، بعض الجمل المتعلقة بها دخلت في صميم المفردات اليومية مثل جملة: الناس بتاكل عشان تسمن وأنت بتاكل عشان تطول. وكذلك جملة المحروس ابن عمي تعرفيه”.
ويتابع في تبيان الفرق بين شخصيتي بركات وعبدالعال “كلتاهما خرجتا من صميم المجتمع المصري، الزيني بركات شخصية جادة حقيقية ساهمت بشكل فعال في رسم ملامح السياسة المصرية لقرون تلت وجودها، بينما كانت شخصية عبدالعال بسيطة مسحوقة تحت نير البيئة الفقيرة الريفية التي تمثل ملايين من الناس الذين تعصف بهم الحياة في أنوائها لكنها تمثل أحلامهم المسكوت عنها”.
الموهبة ودورها
عبدالعال شخصية لا تنسى
نضال
يرى أحمد بدير أن المبدع هو من يضع لنفسه المنبر الذي يستطيع من خلاله أن يكون صاحب تأثير أقوى في مجتمعه، من خلال معرفته بالموهبة التي يمتلكها، وتكون ذات حضور أقوى عنده، ثم العمل على تنميتها وصقلها بالشكل المطلوب.
ويأتي أحمد بدير من دراسة اللغة العربية إلى فن التمثيل، متجاوزا مرحلة التأسيس الأكاديمي المتخصص ليحقق من خلال عمله المبكر في الحياة المسرحية كماً هامًا أهله أن يكون فنانا متميزا في التمثيل.
ويبين في ذلك “عملت في المسرح في الفترة المبكرة فقدمت جهدا في الكتابة والإخراج، إلى أن تيقنت أنني أكثر حضورا في التمثيل، فتفرغت له تماما، فلم أعد أهتم بالكتابة والإخراج، بل حددت هدفا أن أكون ممثلا ناجحا، وهذا ما قمت به خلال سنوات طوال”.
ويتابع “الفنان يجب أن يكون أولا موهوبا في الفن الذي