نعيم إسماعيل في ذكراه 44 ..
تشكيل العناصر والمشاهد بالزخرفة العربية ..
أديب مخزوم
مرت في13 كانون الثاني 2023 الذكرى السنوية الرابعة والأربعين الرحيل الفنان الرائد نعيم إسماعيل ، الذي نشأ وترعرع وسط عائلة يعمل أفرادها في الفن والأدب ( فهو شقيق أدهم وصدقي وعزيز إسماعيل ) ولقد تميزت أعماله بشاعرية المشهد الريفي، القادم من إيحاءات الإحساس المتواصل بالبنى الزخرفية العربية, التي بقيت مطبوعة في مخيلته , وظاهرة في لوحاته حتى لحظة وفاته. ولوحاته تؤكد قبل أي شيء آخر, ديمومة العمل الفني, الذي يجسد مختلف أجواء الحياة الشعبية في القرى والأرياف المحلية, حيث لامست يده ومخيلته الأحلام الصافية ومظاهر وتقاليد معرضة للغياب والاندثار . فلوحاته تشكل بانوراما مستعادة من ذكريات العيش في القرية والريف السوري برؤية خاصة وحديثة ومرتبطة بعناصر التراث، ولقد امتلك القدرة الابداعية ووصل الى ملامح تشكيلية جديدة, تجاوزت المنظور الواقعي التقليدي, وقدمت العناصر المحلية والإنسانية المختصرة من منظور فني خاص , مع اعطاء أهمية لعفوية اللمسات اللونية المسكونة في أحيان كثيرة بالتأمل العقلاني والعفوي معاً . وبذلك ابرز الفوارق النغمية الإيقاعية للون داخل السياق العقلاني, الذي ينظم المساحة ويحدد الشكل الانساني او الحيواني او المعماري.
هكذا لعبت البنى الزخرفية في لوحاته دورها الأساسي في تحريف الأشكال ونجد في بعض الأحيان مظاهر التركيز على ابراز حركة التضاد بين الألوان الزاهية والمعتمة, وهذا يفيد في اضاءة اللوحة, وايجاد فسحات منيرة داخل مساحاتها القاتمة . وبذلك حملت لوحاته هواجس ايجاد لغة جديدة, غاصت في مسائل اظهار الجماليات الحديثة, التي تعتمد على اظهار الضربات التلقائىة للون داخل المساحة , وبهذه الطريقة تميز عن شقيقه أدهم, الذي كان يتعاطف مع الأداء العقلاني المقروء في صفاء مساحاته اللونية.
وبعبارة أخرى عمل على تفتيت المساحة اللونية الصافية المتواجدة في الزخرفة التقليدية . كما اهتم بتقديم تكوينات هندسية متداخلة أو متجاورة مع الايقاعات اللونية العفوية , التي استعاد معها جذور ارتباطه بالماضي الحضاري المستمر في كل الأزمنة والأمكنة.
ونيعم شأن شقيقه أدهم ارتبط في العديد من لوحاته بالفن الملتزم، حين جسد مخاض الآلام والتوتر العنيف المقروء في الواقع ( لوحات : وليد ، الطائرة في المدينة ، الأقصى يحترق ، الغربان ، من أغاني النزوح ، حي بن يقظان وغيرها ) ورغم أن أشكاله المعبرة عن عمق المعاناة لاتقع في ظلام اليأس ، بقدر ماتبحث عن إيقاعات جديدة تستعيد الحلم والخلاص. تحمل ملامح زخرفية واضحة، مع المحافظة على إبراز عناصر الطبيعة والإنسان والأشكال الصامتة، وبدايات النزعة الزخرفية توضحت في لوحات نعيم في العام 1957، وذلك في المعرض الذي أقامه مع شقيقه أدهم وشارك فيه مروان قصاب باشي ( أقيم المعرض في دمشق ثم انتقل إلى قصر اليونيسكو في بيروت )، حيث اتجه بمواضيع لوحاته إلى إبراز روح الزخرفة العربية، مع المحافظة على إظهار ملامح الأشكال الإنسانية والنباتية والحيوانية والمعمارية ضمن رؤية فنية متطورة، تتراوح بين التشخيص والتجريد، دون أن يكون هناك فواصل أو حدود بين الشكل الطبيعي المبسط وبين التكوين التجريدي الزخرفي. وبذلك قدم تكوينات تشكيلية تتعامل مع الزخرفة العربية على أنها غير جامدة أو ثابتة وبالتالي يمكن تبسيطها واختزالها بحيث تستجيب للرؤى التكوينية والتلوينية الأوروبية الحديثة.
وعلى سبيل المثال كان يلجأ في أحيان كثيرة إلى تقديم وجه المرأة عبر صياغة زخرفية عفوية، وبذلك أبرز حيوية الزخرفة العربية ومرونتها وقدرتها على ترويض وتوليف التكاوين والعناصر الواقعية المختلفة، ضمن رؤية فنية غربية وشرقية في آن.
نعيم اسماعيل من مواليد أنطاكية ، وهو متخصص في مجال التصوير الجداري (أبرز أعماله الجدارية لوحته من الفسيفساء 11×2.70م على مبنى اتحاد نقابات العمال) عرض للمرة الأولى في العام 1946، وشارك في معارض جماعية أقيمت في مدن وعواصم عربية وأوروبية، ونال جائزة الفنون التشكيلية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. وعلى الرغم من حياته القصيرة ( 1930-1979) فقد ابدع مجموعة واسعة من الأعمال , وأعتبر بحق أحد القلائل، الذين اعطوا الحركة الفنية السورية والعربية, في الستينات انطلاقة رائدة ومميزة.
ــــ موقع الثورة أون لاين
تشكيل العناصر والمشاهد بالزخرفة العربية ..
أديب مخزوم
مرت في13 كانون الثاني 2023 الذكرى السنوية الرابعة والأربعين الرحيل الفنان الرائد نعيم إسماعيل ، الذي نشأ وترعرع وسط عائلة يعمل أفرادها في الفن والأدب ( فهو شقيق أدهم وصدقي وعزيز إسماعيل ) ولقد تميزت أعماله بشاعرية المشهد الريفي، القادم من إيحاءات الإحساس المتواصل بالبنى الزخرفية العربية, التي بقيت مطبوعة في مخيلته , وظاهرة في لوحاته حتى لحظة وفاته. ولوحاته تؤكد قبل أي شيء آخر, ديمومة العمل الفني, الذي يجسد مختلف أجواء الحياة الشعبية في القرى والأرياف المحلية, حيث لامست يده ومخيلته الأحلام الصافية ومظاهر وتقاليد معرضة للغياب والاندثار . فلوحاته تشكل بانوراما مستعادة من ذكريات العيش في القرية والريف السوري برؤية خاصة وحديثة ومرتبطة بعناصر التراث، ولقد امتلك القدرة الابداعية ووصل الى ملامح تشكيلية جديدة, تجاوزت المنظور الواقعي التقليدي, وقدمت العناصر المحلية والإنسانية المختصرة من منظور فني خاص , مع اعطاء أهمية لعفوية اللمسات اللونية المسكونة في أحيان كثيرة بالتأمل العقلاني والعفوي معاً . وبذلك ابرز الفوارق النغمية الإيقاعية للون داخل السياق العقلاني, الذي ينظم المساحة ويحدد الشكل الانساني او الحيواني او المعماري.
هكذا لعبت البنى الزخرفية في لوحاته دورها الأساسي في تحريف الأشكال ونجد في بعض الأحيان مظاهر التركيز على ابراز حركة التضاد بين الألوان الزاهية والمعتمة, وهذا يفيد في اضاءة اللوحة, وايجاد فسحات منيرة داخل مساحاتها القاتمة . وبذلك حملت لوحاته هواجس ايجاد لغة جديدة, غاصت في مسائل اظهار الجماليات الحديثة, التي تعتمد على اظهار الضربات التلقائىة للون داخل المساحة , وبهذه الطريقة تميز عن شقيقه أدهم, الذي كان يتعاطف مع الأداء العقلاني المقروء في صفاء مساحاته اللونية.
وبعبارة أخرى عمل على تفتيت المساحة اللونية الصافية المتواجدة في الزخرفة التقليدية . كما اهتم بتقديم تكوينات هندسية متداخلة أو متجاورة مع الايقاعات اللونية العفوية , التي استعاد معها جذور ارتباطه بالماضي الحضاري المستمر في كل الأزمنة والأمكنة.
ونيعم شأن شقيقه أدهم ارتبط في العديد من لوحاته بالفن الملتزم، حين جسد مخاض الآلام والتوتر العنيف المقروء في الواقع ( لوحات : وليد ، الطائرة في المدينة ، الأقصى يحترق ، الغربان ، من أغاني النزوح ، حي بن يقظان وغيرها ) ورغم أن أشكاله المعبرة عن عمق المعاناة لاتقع في ظلام اليأس ، بقدر ماتبحث عن إيقاعات جديدة تستعيد الحلم والخلاص. تحمل ملامح زخرفية واضحة، مع المحافظة على إبراز عناصر الطبيعة والإنسان والأشكال الصامتة، وبدايات النزعة الزخرفية توضحت في لوحات نعيم في العام 1957، وذلك في المعرض الذي أقامه مع شقيقه أدهم وشارك فيه مروان قصاب باشي ( أقيم المعرض في دمشق ثم انتقل إلى قصر اليونيسكو في بيروت )، حيث اتجه بمواضيع لوحاته إلى إبراز روح الزخرفة العربية، مع المحافظة على إظهار ملامح الأشكال الإنسانية والنباتية والحيوانية والمعمارية ضمن رؤية فنية متطورة، تتراوح بين التشخيص والتجريد، دون أن يكون هناك فواصل أو حدود بين الشكل الطبيعي المبسط وبين التكوين التجريدي الزخرفي. وبذلك قدم تكوينات تشكيلية تتعامل مع الزخرفة العربية على أنها غير جامدة أو ثابتة وبالتالي يمكن تبسيطها واختزالها بحيث تستجيب للرؤى التكوينية والتلوينية الأوروبية الحديثة.
وعلى سبيل المثال كان يلجأ في أحيان كثيرة إلى تقديم وجه المرأة عبر صياغة زخرفية عفوية، وبذلك أبرز حيوية الزخرفة العربية ومرونتها وقدرتها على ترويض وتوليف التكاوين والعناصر الواقعية المختلفة، ضمن رؤية فنية غربية وشرقية في آن.
نعيم اسماعيل من مواليد أنطاكية ، وهو متخصص في مجال التصوير الجداري (أبرز أعماله الجدارية لوحته من الفسيفساء 11×2.70م على مبنى اتحاد نقابات العمال) عرض للمرة الأولى في العام 1946، وشارك في معارض جماعية أقيمت في مدن وعواصم عربية وأوروبية، ونال جائزة الفنون التشكيلية من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. وعلى الرغم من حياته القصيرة ( 1930-1979) فقد ابدع مجموعة واسعة من الأعمال , وأعتبر بحق أحد القلائل، الذين اعطوا الحركة الفنية السورية والعربية, في الستينات انطلاقة رائدة ومميزة.
ــــ موقع الثورة أون لاين