بائعة المحارم والرسومات!
أنور الموسى 29 أكتوبر 2021
سير
(Howard Helmick/ USA/ 1845-1907)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ليلى طفلة لاجئة.. شقراء ذكية جميلة. أجبرت الحروب ذويها على مغادرة الوطن، وترك الغالي والرخيص لإنقاذ الأرواح.
في اللجوء، أصيب والدها بمرض عضال، فاضطرت أمها إلى البقاء في منزل متهالك مع أبيها وأخويها الرضيعين!
- ماذا سأفعل؟ وكيف يمكنني مساعدة أهلي وأخويّ؟ وما العمل؟
جلست ليلى طوال الليل تفكر. اهتدت إلى فكرة ذكية: رسم رسومات وتلوينها وعرضها للبيع، وشراء محارم بثمنها وبيعها أيضًا.
وكانت وهي ترسم تتذكر أيامها الجميلة في المدرسة، حين كانت متفوقة في الرسم! وتذكرت معلمتها صابرين التي تنبأت لها بمستقبل فني باهر!
امتزجت دموعها مع الحبر والتلوين، وقالت: الاتكال على الله! والحمد لله...
رسمت ليلى خلال يومين عشر رسمات لطيور وأزهار وبحر وقمر وأميرة وأمير.. وقصور...
طلبت الإذن من العم سعيد بائع الجرائد ليسمح لها بعرض رسومها قرب دكانه. رحب بها وقال: لا مانع لدي يا ابنتي! ابنتي في سنك وأعادك الله إلى بلدك!
كان تعاطف الناس والمارة مع ليلى كبيرًا، فاشتروا منها الرسومات. وقالت لها مرة إحدى السيدات: خذي هذا المبلغ وابقي الرسمة معك! رفضت ليلى بشدة وقالت لها لا أريد.. أنا لا استجدي!
أعجبت بها السيدة وقالت لها: بيعيني رسمة الفلاح..!
وكان العم سعيد يغيب أحيانًا عن دكانه، فيطلب من ليلى الانتباه قليلًا، وكانت تفرح بهذا الطلب قائلة في نفسها: سوف أرد بعض الجميل للعم سعيد!
لكن أشد ما كان يؤلم ليلى التنمر والكلام المؤذي من بعض الأطفال وذويهم: انظروا إلى هذه اللاجئة! أين أهلها؟! ابنة الشوارع!
كانت في بداية الأمر تشعر بالحزن والألم؛ لكنها رويدًا رويدًا اعتادت على هذا الأمر، وشجعتها أمها على عدم الاكتراث لهكذا كلام..!
عند عودة ليلى مساء إلى البيت، كانت تشعر بالانتصار.. انتصار على الفقر والعوز والمرض. تستقبلها أمها بقلب حنون! تربت على كتفها قائلة: أنت أميرة الأميرات! وكان والدها يشكرها خافيًا دموعه قائلا: الله يرضى عليك يا ابنتي!
وما إن توقفت الحرب حتى عادت ليلى وأهلها إلى أرزاقهم وديارهم، فكان بيتهم سليمًا من التدمير والتخريب... ففرح الجميع!
وطلب أبو ليلى منها الصعود إلى أعلى الخزانة؛ حيث خبأ مبلغًا كبيرًا من المال وكيسًا من الذهب..!
وجدت ليلى كل شيء على حاله. طارت مع ذويها من الفرح... تعالَج أبوها من المرض، أما هي فعادت إلى المدرسة تغني:
ما أجمل السلام!
ما أروع الأمل!
ما ألذ طعم الكفاح!
ما أطيب الأهل!
عندما كبرت ليلى.. أصبحت فنانة تشكيلية مميزة.. مع تخصصها اللافت.. الأدب!
بدأت تكتب الروايات والقصص وتعلّم في الجامعات والدول، حاملة شعار المحبة والحرية والتسامح والإرادة والكفاح!
*شاعر وكاتب من لبنان ورئيس قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية.
أنور الموسى 29 أكتوبر 2021
سير
(Howard Helmick/ USA/ 1845-1907)
شارك هذا المقال
حجم الخط
ليلى طفلة لاجئة.. شقراء ذكية جميلة. أجبرت الحروب ذويها على مغادرة الوطن، وترك الغالي والرخيص لإنقاذ الأرواح.
في اللجوء، أصيب والدها بمرض عضال، فاضطرت أمها إلى البقاء في منزل متهالك مع أبيها وأخويها الرضيعين!
- ماذا سأفعل؟ وكيف يمكنني مساعدة أهلي وأخويّ؟ وما العمل؟
جلست ليلى طوال الليل تفكر. اهتدت إلى فكرة ذكية: رسم رسومات وتلوينها وعرضها للبيع، وشراء محارم بثمنها وبيعها أيضًا.
وكانت وهي ترسم تتذكر أيامها الجميلة في المدرسة، حين كانت متفوقة في الرسم! وتذكرت معلمتها صابرين التي تنبأت لها بمستقبل فني باهر!
امتزجت دموعها مع الحبر والتلوين، وقالت: الاتكال على الله! والحمد لله...
رسمت ليلى خلال يومين عشر رسمات لطيور وأزهار وبحر وقمر وأميرة وأمير.. وقصور...
طلبت الإذن من العم سعيد بائع الجرائد ليسمح لها بعرض رسومها قرب دكانه. رحب بها وقال: لا مانع لدي يا ابنتي! ابنتي في سنك وأعادك الله إلى بلدك!
كان تعاطف الناس والمارة مع ليلى كبيرًا، فاشتروا منها الرسومات. وقالت لها مرة إحدى السيدات: خذي هذا المبلغ وابقي الرسمة معك! رفضت ليلى بشدة وقالت لها لا أريد.. أنا لا استجدي!
أعجبت بها السيدة وقالت لها: بيعيني رسمة الفلاح..!
وكان العم سعيد يغيب أحيانًا عن دكانه، فيطلب من ليلى الانتباه قليلًا، وكانت تفرح بهذا الطلب قائلة في نفسها: سوف أرد بعض الجميل للعم سعيد!
لكن أشد ما كان يؤلم ليلى التنمر والكلام المؤذي من بعض الأطفال وذويهم: انظروا إلى هذه اللاجئة! أين أهلها؟! ابنة الشوارع!
كانت في بداية الأمر تشعر بالحزن والألم؛ لكنها رويدًا رويدًا اعتادت على هذا الأمر، وشجعتها أمها على عدم الاكتراث لهكذا كلام..!
عند عودة ليلى مساء إلى البيت، كانت تشعر بالانتصار.. انتصار على الفقر والعوز والمرض. تستقبلها أمها بقلب حنون! تربت على كتفها قائلة: أنت أميرة الأميرات! وكان والدها يشكرها خافيًا دموعه قائلا: الله يرضى عليك يا ابنتي!
وما إن توقفت الحرب حتى عادت ليلى وأهلها إلى أرزاقهم وديارهم، فكان بيتهم سليمًا من التدمير والتخريب... ففرح الجميع!
وطلب أبو ليلى منها الصعود إلى أعلى الخزانة؛ حيث خبأ مبلغًا كبيرًا من المال وكيسًا من الذهب..!
وجدت ليلى كل شيء على حاله. طارت مع ذويها من الفرح... تعالَج أبوها من المرض، أما هي فعادت إلى المدرسة تغني:
ما أجمل السلام!
ما أروع الأمل!
ما ألذ طعم الكفاح!
ما أطيب الأهل!
عندما كبرت ليلى.. أصبحت فنانة تشكيلية مميزة.. مع تخصصها اللافت.. الأدب!
بدأت تكتب الروايات والقصص وتعلّم في الجامعات والدول، حاملة شعار المحبة والحرية والتسامح والإرادة والكفاح!
*شاعر وكاتب من لبنان ورئيس قسم اللغة العربية في الجامعة اللبنانية.