أم الفحم تستعيد نبض الشهداء بنصب تذكارية
تحسين ياسين 2 أكتوبر 2021
سير
نصب الشهيد محمد عمري في أم الفحم
شارك هذا المقال
حجم الخط
يخرج الشهيدان محمد العمري (23 عامًا)، وأحمد صيام (18 عامًا)، كل سنة، من رحم الذاكرة إلى ندى الحضور، يحملان قناديل الضوء، يجوبان أرصفة مدينتهما أم الفحم (المثلث/ فلسطين)، يبحثان عن بقايا دمهما في المكان، ولا شيء يشي بالحضور هنا أكثر من نُصبهما التذكارية: هنا سال دمنا، وهنا أضحينا ملحًا للأرض، وشموعًا تضيء عتمة الوطن المحتل.. واحد وعشرون عامًا على غيابنا، وقبورنا شاهدة على وحشية المحتل ورائحة الدم وقسوة الغياب.
ودعت مدينة أم الفحم في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2000 اثنين من أبنائها سقطا برصاص الشرطة الإسرائيلية في اليوم الأول على اندلاع انتفاضة الأقصى، بعد مواجهات عنيفة بين الشرطة والأهالي في مدخل المدينة، وزُف الشهيدان بالورود والشموع في شوارع وأزقة المدينة إلى رحلتهما الأبدية وظلت الذكرى مشتعلة. لم تنسَ أم الفحم أبناءها الذين رووا بدمائهم ترابها، وظلت طوال عشرين عامًا ترفع أسماءهم مع حلول ذكرى استشهادهم من كل عام. خلّد سكان المدينة الشهيدين، وشهيد ثالث هو مصلح أبو جرادة من دير البلح وسط قطاع غزة، بثلاثة نُصب تذكارية. نفذ فكرة إنشاء النُصب التذكارية المصمم ظافر شوربجي، ابن مدينة أم الفحم، بتشجيع من رئيس البلدية وقتذاك الشيخ رائد صلاح؛ عبر تشكيل لجنة من قسم الهندسة في البلدية، وبالاشتراك مع عائلة الشهيدين، صيام، والعمري، ضمن مسابقة شارك فيها بعض الفنانين، ليحظى شوربجي بشرف تنفيذها.
يتوسط نصب الشهيد محمد العمري جبلان شاهدان على تضاريس المدينة الوعرة، يشق أحدهما شارع رئيسي يربط المدينة بضواحيها، ويلقي بكبرياء صامت تحية الشهداء على المارة. صمم شوربجي التذكار بطريقة إبداعية تضمَّن ثمانية أضلاع، وشكل نجمة ثمانية كتشكيل زخرفي عربي إسلامي، آخذًا شكل قبة الصخرة المشرفة، وينتهي من العلى بكلمة الشهداء، فيما بنيت قاعدته من شريط رخام أسود رمزًا للحداد على أرواح الشهداء.
ليس بعيدًا عن نَصب الشهيد محمد العمري، يُطل نصب الشهيد أحمد صيام بشموخ على تفرع طرق تحيط به مبانٍ شاهقة ومحالٍ تجارية شيدت على مدار عشرين عامًا، وحولت المكان إلى سوق كبيرة. ومن حجر الرخام وبحروف سوداء برّاقة وبارتفاع أربعة أمتار استطاع شوربجي تجهيز النّصب من دون عناء خلال أسبوعين.
ولد ظافر شوربجي في أم الفحم مطلع أكتوبر 1958، ودرس المرحلة الابتدائية في مدارسها، ثم انتقل إلى إحدى مدارس الناصرة، وتخرج فيها سنة 1973 ومن ثم عمل في محطة كهرباء الخضيرة. التحق سنة 1981 في كلية "هداسا"، قسم تكنولوجيا الطباعة، وتخرج فيها سنة 1984، ليلتحق بعدها بقسم الحواسيب بكلية "أورط". وفي مطلع 1986، عمل مصممًا في صحيفة تصدر يوم الجمعة في مدينة القدس الغربية. انتقل شوربجي سنة 1988 إلى مدينة حيفا، وعمل في جمعية صندوق تطوير التعليم التكنولوجي، وقدمت الجمعية قروضًا بدون فائدة للمجالس المحلية بهدف افتتاح فروع صناعية في المدارس العربية داخل أراضي 1948. خلال عمله التحق بكلية للفنون، قسم التصميم الجرافيكي، وتخرّج فيها سنة 1996. ويعمل حاليًا مدرّسًا للتصميم في مدرسة "مسارات" المهنية بأم الفحم.
مؤخرًا، تأملتُ وظافر عند النصب التذكارية صمت حجارة النُصب وقد تركت بإهمال وتساءلنا: من يعيد البريق إلى ذكرى الشهداء؟