ديوان أثر من ذيل الحصان في سطور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ديوان أثر من ذيل الحصان في سطور

    ديوان أثر من ذيل الحصان
    عبود الجابري
    يستجيب الشاعر بحساسيته المفرطة لكل مؤثر يلمّ به، صغيراً كان أم كبيراً، لذلك نجد حالة الاغتراب، الوحدة، العزلة ومكابدة الألم هي الأكثر شيوعاُ بين غالبية الأدباء في العالم العربي، بالنظر لما تمر به المنطقة العربية وشعوبها من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية يمكن لها أن تؤثر على حياة المبدع ، المبدع الذي لايملك وسيبلة يعبر بها عما يحيط به سوى ابداعه والجنس الابداعي الذي يحترفه، ومن اسباب نجاح المبدع الذي يتقن حرفة مايفعل هو تقديم منتجه الابداعي عبر تجميل صورة الألم ، من خلال ايصال أفكاره بشكل يجعل القاريء يستجيب للنص دونما ضرر نفسي يسببه له هذا النص، وتلك هي النصوص التي تبقى في ذاكرة القاريء مثلما تبقى في ذاكرة التاريخ الأدبي للأمم والأفراد ، وتلك هي النصوص التي لايمكن لنا عبر قراءتها أن نفرق بين الذاتي والموضوعي في الكتابة ، حيث يغدو الهم العام فردياً مثلما يكون الهم الفردي مثالاً صارخاً لهموم المجتمع .
    يتميز شعر عبود الجباري عن غيره من الشعراء، من خلال طريقة تقديمه للحدث، فهو يقلب/يعكس الصور، ويؤنسن الجماد ويحييه، ويحجر الإنسان، ويمزج الصور مع بعضها، ليخرج لنا صورة متداخلة، تستوجب التوقف عندها والتفكير والتأمل بها، هذا هو اسلوب/طريقة عبود الجابري في الشعر.
    "مهنة قاتلة
    أن تحمل في يدك نقطة
    وتنفق حياتك
    باحثا عن آخر السطر" ص5، فكرة النقطة في "آخر السطر" نتستخدمها كتأكيد/كدلالة على الحقيقة التي نريد أن نحسم بها الموقف، لكن الواقع البائس يجعل حمل هذه النقطة مسألة مرهقة، تثقل كاهل معتنقدها/مستخدمها، فالشاعر جعل من لفظ النقط، عبء على (حاملها)، وهذه اشارة إلى حجم الفساد/الظلم/القهر الذي يمر به الشاعر/المواطن في المنطقة العربية.
    والجميل في هذا المقطع الأختزال والتكثيف الذي جاء فيه، وأيضا تقديمه على شكل حكمة تزيل/تمحو فكرة "آخر السطر" وتستبدلها ب"مهنة قاتلة".
    الشاعر النبي
    الشاعرـ رغم أنه يتحدث عن همه/وجعه، إلا أنه أيضا يتحدث عن هموم الناس، فهو أحد أفراد المجتمع، من هنا نجد القصائد تحمل رسالة للمجتمع/للناس، في قصيدة العنوان "أثر من ذيل حصان" نجده رسالة الشاعر: "في مثل هذا الوقت قبل أربعين عاما، في مثل هذه الساعة تماما، كنت أخطط أن أكون صيادا، كنت أخطط للك من أجل أن أغني كما يحلو لي، أغني ولا أسمع صوتي، فالماء يبتلع الصدى، لكني غرقت في تراب القصائد، كان شبيها بالرمال المتحركة وكنت أعمل مثل جرافة، أقضي الوقت في إزاحة الرمل كي يعبر الناس إلى أغانيهم، قبل أن يستمعوا لي ولو أغنية واحدة" ص14، إذا ما توقفنا عن هذا المقطع نلاحظ وجود الزمن/الوقت" أربعين عاما"، وهو عام النضوج عند الأنبياء، وكذلك هناك بعض الألفاظ تم تنكررها: "كنت أخطط، أغني/أغانيهم/اغنية، بالرمل/الرمل، وهذا يشير إلى أهميتها بالنسبة للشاعر، وهناك ألفاظ متعلقة بالماء: "صيادا، فالماء، يبتلع، غرقت" وأخرى متعلقة بالرمل/بالتراب وما يحمله من تيه/ضياع: "تراب/ بالرمل/رمال، وأخرى متعلقة بالسمع/بالكلام: "أغني (مكررة)، أسمع، صوتي، الصدى، القصائد، أغانيهم، يسمعوا، اغنية"، وأخرىة متعلقة بالعمل: "أخطط (مكررة)، أغني (مكررة)، أعمل، إزاحة" هذه المفاصل الأساسية في المقطع، ومن خلال التوقف عندما بمعناها المجرد يمكننا أن نصل إلى الفكرة الي يريد تقديمها، فالخطط كانت تهدف إلى غاية: "أغني كما يحلو لي"، لكن البيئة "الماء والتراب/الرمل لم تكن تتيح له اتمام تلك الخطط، رغم أنه كان مجتهدا ومثابرا في عمليه: "أعمل مثل جرافة"، وكا أن هدفه نبيل: "يعبر الناس إلى أغانيهم"، وأيضا ينكر ذاته في سبيل الآخرين: "قبل ان يسمعوالي" وهذا يجعله نبي عصرة، حاملا هموم الناس، ويعمل لإسعادهم، متخليا عن (مصالحه) الشخصية: "قبل أن يسمعوا لي ولو اغنية واحدة".
    وهذا يأخذنا إلى اعمال الأنبياء وما يتعلق بهم، فهم أتوا ضمن زمن محدد/"أربعين عاما"، وضمن "خطة"/هدف معين، "ليصطادوا" الناس/يخرجوهم من التعاسة/الضنك إلى النعيم/"أغانيهم"، وكانوا يبذلون جهودا جبارة/ "أعمل مثل جرافة"، ولا يريدون/ينتظرون رد الجميل من الناس/ "قبل أن يسمعوا"من هنا يكمننا إيجاد دور الشاعر/النبي حاضرا في المقطع، وما على المتلقين/الناس إلا الاستماع إلى "أغنانيهم" ليعبروا الرمال المتحركة بسلام.
    رتابة الحياة/الواقع الذي يعيشه الشاعر يقدمه في قصيدة "سمات دخول":
    "أنا شبيهك
    أيتها الأشياء المعلقة
    جميعنا نتنظر بلهفة
    ذبول المسامير
    كي نسقط" ص 35، إذا ما توقفنا عند الالفاظ المستخدمة في هذا المقطع نجدها جامدة/ثابتة: "معلقة/ مسامير" حتى الفعل "ننتظر" يخدم فكرة عدم الحركة والبقاء ساكنا/ثابتا حتى يأتي المحرك، وهذا ما يجعل الفكرة والألفاظ تتوحد في خدمة معنى الجمود/السكون، كما أن لفظي "الأشياء/شبيهك" يجتمع في تكونهما حرفي الشين والياء، وهذا يؤكد على حالة الشبهة/التماثل، من هنا تكون الالفاظ والفكرة قد اجتمعت في خدمة حالى الجمود/الرتابة التي يمر بها الشاعر.
    أما عن واقع الحياة والجهد الذي يبذله فيها، يقول:
    "التقطوا لي
    ولو صورة واحدة
    فأنا أعدو أكثر منه
    ذلك الحصان الأشهب
    الذي تعلقون صورته الباهتة
    في غرفة الجلوس" ص35و36، الفرق بين "تعلقون صورته" والتي تشير إلى (تقديس)/احترام شخص جامد/صنم، وبين أعدو أكثر منه" والتي تعطي صورة الشخص المجتمهد/العامل/المتفانيهو مربط الفرس، هي مشكلة الشاعر مع المجتمع ومع صاحب الصورة، فهو يدعوا إلى أعطائه حقوقه في الاستراحة، في الاحترام، كحتال صحاب الصورة المعلقة.
    ونلاحظ أن مشكلة الشاعر مع الصورة مشكلة كبيرة، لهذا تم تكرارها "صورة/صورته" وجعل الألفاظ المستخدمة في المقطع متعلقة/متربطة بالصورة: "واحدة، تعلقون، الباهتة"، وتأكيدا على أن مشكلة الشاعر مع الصورة، أضاف محددا مكان تعليق الصورة: "غرفة الجلوس" فكان يمكن أن ينتهي المقطع دون الفقرة الأخيرة، لكن تحامله على الواقع جعله يحدد المكان، وهذا يشير إلى حجم مشكلته مع الصورة ومن يعلقونها.
    تقديس الأصنام/الجماد عمل مرفوض، إن كان هذه الأصنام حية أما جماد، يقدم لنا الشاعر صورة هذا التقديس بريقة مذهلة:
    "وحيدا
    يبكي تكاثر الواقفين حوله
    يا لهيبة حزنه
    ذلك الكرسي الأعرج" ص38، الجميل في هذه المقطع تأخير أيصال المعلومة، فالبكاء والحزن متعلق بكرسي أعرج، وهذا بطبيعة الحال له مدلول رمزي، ومع هذا سنتجاوز الرمز وتنتاول طريقة تقديم المقطع، فلو اراد الشاعر تقديم فكرة فقط لجعل ترتيب الفقرات بهذا الشكل: "وحيدا/ذلك الكرسي الأعرج/يا لهيبة حزنه/يبكي تكاثر الواقفين حوله" لكنه لم يقتصر اهتمامه على تقديم الفكرة، بقدر اهتمام بجمالية تقديمها، لهذا أوجد عامل التشويق والإثارة، من خلال تأخير الشيء/الشخص/الكرسي المُتحدث عنه في المقطع.
    وعن أنسنة الجماد/الأشياء يقدم صورة الخيط بهذا الشكل:
    "أنا الخيط الذي صام طويلا
    ليغدو أكثر نحولا
    عسى أن يدخل في عين الإبرة
    ويهتف فرحا:
    لقد عثرت أخيرا على مسكن
    أيتها الأيام الغليظة" ص39، في هذا المقطع نجد حركة/فعل الخيط: "صام، نحولا، يدخل" بينما "الأيام الغليظة" لم تتحرك أو تتغير، فهي ثابته/جامدة، بمعنى أن المتغير هو المتحدث/الخيط، والثابت هو "مسكن" والذي يخدم فكرة السكون/الراحة، وهذا الثبات/الجمود ينطبق أيضا على "الأيام"/الزمن/الوقت، وبما أن التغيير الذي قام به المتحدث/الخيط تغيير سلبي/"نحولا"، وأن المكان والزمن ثابت لم يتغير/يتبدل فهذه يدل على (عبثة/عقم) الفعل وفشل الفاعل/الخيط، فهل هذه دعوة من الشاعر إلى عدم الإقدام على اي فعل تغيير؟، أم هي دعوة لاستبدال المكان والزمان الذي سيقام فيه التغيير؟.
    ويحدثنا عن حالة الاغتراب/الوحدة/العزلة/اليأس التي يعنايها في قصيدة: "ميراث":
    "كمن يطوي أغطية النائمين
    أضع اليوم
    على ما قبله من الأيام
    وانتظر صورة الرماد
    بعد العاصفة
    حتى أني أضع ساقا
    على ساق
    كي أبدو وثورا في الانتظار
    وأتشاغل بملاحظة خيط في قميص
    تركه لي ميراثا حين سافر
    زر مقطوع" ص51، إذا ما توقفنا عند الألفاظ المجردة يمكننا أن نصل إلى الفكرة التي يُراد تقديمها، فالشاعر يسعى (ليقنع) نفسه بواقع سوي لكنه غير موجود حقيقة: "كمن، كي أبدو، وأتشاغل"، وهذا يشير الرتابة التي يعانينها، كما أن وجود أفعال: "يطوي، وانتظر، أضع" وهي أفعال (كسيحة)، لا تشير إلى الحركة السوية، تؤكد حالة (الرتابة/اليأس) التي يمر بها، كما أن وصف الأخرين: "النائمين، الرماد، زر مقطوع" كلها تخدم فكرة الوحدة/اليأس.
    اعتقد أن الصورة العميقة في:
    "وأتشاغل بملاحظة خيط في قميص
    تركه لي ميراثا حين سافر
    زر مقطوع" تؤكد على حجم معاناة الشاعر، فخلو الصورة من التأنيث، جعلها صورة ذكورية مثقلة بالقسوة والمعناة.
    وهذا يجعلنا نسأل: لماذا جاء السواد بهذا الحجم؟، ولماذا تم تجاهل عناصر التخفيف/الفرح والمتمثلة بالمرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد" الاجابة نجدها في قصيدة: "السكنى" والتي جاء فيها:
    "عندما تضرعت إليك
    كنت أريد وداعا أفضل أيها الرب
    ...
    خذني لنحسم الجدل
    بين بقائي هنا
    وبين الصعود إلى أعالي بلا درج
    هي فكرة قد تكون قبيحة
    أنأدعوك لتفعل مثل هذا الأمر
    لكنني ضقت بالنافذة
    بالبصيص الذي يتسرب منها
    مليئا بالهموم الصغيرة
    تلك التي تقرصني
    بزعم أنها تحتفي بي نائما
    ضقت بالباب كذلك
    ضقت به
    وأنا اقفله بالمفاتح كل ليلة
    وافتحه بالمفتاح ذاته كل صباح
    لا الباب تغير
    ولا المفاتيح تبدلت يا سيدي" ص79 -81، نلاحظ أن المكان/البيت يشكل معضلة للشاعر، فقد ركز على سلبية "النافذة، الباب، المفتاح" والتي كان من المفترض أن يتناولها بإيجابية، وهذا يأخذنا إلى المكان الأوسع، الحي/الناحية/المدينة التي يعيش فيها، فعدم وجود الطبيعة، الأشجار، الأرض الخضراء، الآفاق الواسعة، جعلت الشاعر أسير البيت، ولا يرى سواه، من هنا نقول أن أحدى مشكلات الشاعر تكمن في المكان الذي يقضنه، إن كان البيت أم الحي أم المدينة، فهو محاصر بالمكان، ولا يجد فيه متنفسا له، لهذا قدمه بصورة سلبية وموحشة.
    وإذا ما توقفنا عند الأفاظ المستخمة سنجد أن الشاعر يكرر استخدام "ضقت" ثلاث مرات، وكأنه بها يريد القول أن "ضيقه" مستمر ودائم من المكان/المنزل/الحي/المدينة، وهذا الأمر ينطبق على "المفتاح" ـ الذي من المفترض أن يكون إيجابي ـ لكن تكرره ثلاث مرات، يشير إلى كفر الشاعر بأي عملية تغيير/تجديد، فقد أمسى المكان بليدا/خاملا، لا يصلح للحياة، وبما أنه موجود فيه منذ "أربعين عاما" فقد (زهق/مل) منه.
    وهذا ما يجعل المكان عاملاً آخر يضاف إلى ما يعانيه الشاعر.
    وإذا أضفنا الحالة العامة التي يمر بها المواطن العربي، الذي يرى وطنه يدمر، وشعبه يقتل ويشرد، وخيرات بلاده تذهب أدراج الرياح مع الفسدة والفاسدين يمكننا تفهعم حجم السواد في ديوان "أثر من ذيل الحصان".

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	249114983_1491999301177190_2876771199948195133_n.jpg 
مشاهدات:	9 
الحجم:	91.8 كيلوبايت 
الهوية:	54900
يعمل...
X