السرد والمضمون في رواية "المعمعة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السرد والمضمون في رواية "المعمعة"

    السرد والمضمون في رواية
    "المعمعة"
    عمار محمود عابد
    الأسرى يتقدمون على الأحرار إبداعيا، حيث هناك زخم في الإصدارات الأدبية وخاصة الرواية، وهذا يحسب للأسرى الفلسطينيين ولفلسطين، واللافت في الروايات أنها تتناول مواضيع أمنية، بمعنى أنها تحمل توجيهات عن كيفية التعامل مع المحتل، وتكشف طريقه وأساليبه في الحصول على المعلومات، إضافة إلى تناولها لظروف الحياة القاسية التي يعانيها الأسير داخل سجون الاحتلال.
    هذا على صعيد المضمون، أما من حيث الفنية الأدبية، فلا نبالغ إن قلنا أن أدب الأسرى الفلسطينيين يترقي ليكون أدبيا عالميا، لما فيه من فنية، والتحرر من المباشرة والصوت العالي، والموضوعية التي يتناول في السجان.
    لكن في الأعمال التي تحمل توجه فكري/عقائدي نجدها تنزلق إلى المباشرة/ والصوت العالي، وتشويه الآخرين، وتجعل الأنا مطلقة، كاملة لا يشوبها شائبة، لهذا نقول في الأدب يجب أن تقدم الشخصيات بصورة محايدة، وجعلها تتحرك وتتحدث بحريتها، ودون تدخل من الكاتب، حتى يكون العمل مقنع للمتلقي.
    في رواية "المعمعة" نجد طريقة سرد تختلف عن بقية الأعمال الروائية التي غالبا ما جاءت السرد فيها بصيغة أنا المتكلم/السارد، وهذه الصيغة في روايات الأسرى، تكون أكثر قبولا من القارئ، الذي يجد الحميمية في صيغة أنا المتكلم/السارد، بينما في صيغة السرد الخارجي/العليم يكون وقع السرد أقل على المتلقي، ويجعله يشعر بأنه أمام سارد ليس له علاقة بالأحداث، فهو مجرد ناقل لما يجري.
    العصافير
    ضمن هاذين المحورين، طرق التي يستخدمها الاحتلال للحصول على المعلومات، وطريقة السرد، سنحاول الدخول إلى رواية "المعمعة"، ونبدأ بطريقة الاحتيال والخداع التي ينتهجها المحتل في الحصول على المعلومات من المعتلقين، فبعد أن يفشل في أخذ المعلومة من المعتقل، وبعد صمود الأسير وتجاوزه لكل أشكال التعذيب، يأتي دور العصافير، الذي يظهرون للأسير بأنهم قادة مقاومة، وفي حقيقتهم يكونوا مخبرين:
    "ـ إنت هالقيت، يعني إنت جديد، فلازم يعرفوك، ويسألوا عنك برة، تنظيمك، نعارفك، جيرانك، ويعرفوا شو اعترافاتك، حتى أولاد مجموعتك، وإللي كانوا معك
    ... آه عنا نلفونات مهربة، بتحكي مع أهلك وبتطمن، بس بسرعة خلص مع الموجه الأمني، ومسؤول التزيم، حتى تطلع بسرعة عالسجن والأقسام، وبتعيش وين بدك، وبتكلم أهلك كل يوم، وفيه اشتير أجهزة" ص144و145، بهذا الشكل (غير المتقن) يتم كشف حقيقة الأحتلال، فاللهجة التي استخدمها غير متقنة، فلا هي لهجة مدينة ولا هي لهجة فلاح، لهذا تفشل المرحلة الأولى في الحصول على اعتراف من "يوسف".
    لكن في المرحلة الثانية يقع في الفخ، بعد أن خاطبه (العصفور بطريقة متقنة: "ـ أسمع يا زلمة، أنا صار لي أكثر من عشر سنين في السجن، وهاي الغرفة اسمها الغرفة الأمنية، المنخل، يعني، كل واحد لازم يدخل هون، وبنوخذ منه كل البيانات والاعترافات، ونسأل عنه بره ونتأكد من هويته، بعد هيك بيطلع ع السجن، لأنه بتعرف، ما بدنا حدا يخترقنا، وهذول اليهود أولاد كلب، دايما ببعتةلنا الجواسيس والكلاب تبعونهم" ص152، ورغم حذر يوسف، إلا أن المشادة الكلامية مع العصافير التي اتهمته بالعمالة، جعلتنه يصرح علنا بأنه: "أنا مش عميل يا أولاد الكلب، يا م، يا ش، يا جواسيس، أنا إللي كنت مع (عماد) أنا اللي، أنا، أنا" ص160، وهنا يقع يوسف في الفخ، ويكشف الصياد عن نفسه: " ما أن انتهى حنى زال أصحاب اللثام القناع عن رؤوسهم فعرفهم وهم له عارفون، سقطت ورقة التوت، ظهرت العورات وبانت، شعر يوسف بالمصيبة، وقف جامدا، منوما مغناطيسيا، تغلي الأفكار وتتدافع في رأسه" ص160، وهكذا يتم اخذ المعلومات من الأسرى، فبعد صمودهم وتحملهم لأقسى أنواع التعذيب، نجدهم يقعوا في شباك العصافير الذي يتقنون فن الخداع.
    التعبئة الفكرية/العقائدية
    ما يؤخذ على الأدب الموجه أنه يخاطب المتلقي بصورة مباشرة، وبالصوت العالي، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه (جاهل) بحاجة إلى من يعرفه/يعلمه، وهنا تحدث الهوة بين العمل والقارئ، الذي لا يريد أن يكون طالبا/تلميذا أمام الكاتب، "عماد" يخطاب "يوسف" قائلا: "ـ أسمع يوسف أنا جاهز، وكل ما أفكر في هالدنيا بلقيها أشي تافه، وأتفه من التافه، ملهاش أي قيمة، وما بعرف على شو الناس متمسكة فيها، اللي آخرتها موته، وأنا عامل هالعملية لله، وفي سبيل الله، ةوكل ما يوسوس لي إبليس أتذكر إني رايح أقابل ربي، شو بدي أحسن من هيك لقاء،ـ وأنا طالب الشهادة، وحددت لنفسي كيف أموت، وهيك بكون عملت إشي للغلابة والمساكين إللي اليهود بيذلوهم ويبهدلوهم على الحواجز وفي السجون... إحنا في قلسطين الواحد منا بيطلع من الدار، بتلاقيه أمه وين يا ابني،ـ بقلها رايح استشهد، وبريجع إلها بعد ساعة حاملينوا على أكتافهم، وعلىلا المقبرة وأمه وراه بتزغرد، غريب هالشعب!" ص97و98، هذه أحدى الصور التي تناولت فيها الرواية فكرة الاستشهاد بطريقة مباشرة، وقدمت الشهيد وكأنه ذاهب إلى نزهة، وأمه على أنها زاهدة بولادها.
    هذه الصورة التي يراها من هم خارج الحدث، أما من هم داخل فلسطين فيعلمون حجم المعاناة والألم والحسرة التي يتعر ض لها أهل الشهيد وأصدقاؤه، فهو قبل أي شيء إنسان، له وجوده وحضوره بين أهله، وغيابه يترك فجوة في العائلة وفي القرية/الحي الذي يسكنه، ولا يمكن أن يمر رحيله بصورة عادية/عابرة.
    من هنا نقول أن ما جاء على لسان عماد مبالغا فيه، ولا يتوقف مع طبيعة ما يجري على الأرض.
    كما يؤخذ على الأعمال التي تحمل التوجيه الفكري أنها تمجد الأنا وتقلل من قيمة الآخرين وتذمهم: "فالإسلامي، تكون الشخصيات من حوله ـإضافة إلى أنها معروفة ـ متدينة، ملتحية، مواظبة على صلواتها، صيامها، خطبها، مواعظها،روتينها، هدوئها، غض نظرها عن التلفاز، الإكثار من عبارات ( أخوك في الله، لله، من أجل الله، في سبيل الله، اليقين، التوكل على الله، الذكر، الدعاء، التسبيح، الصبر، الأسماء والكنى إسلامية أيضا: (أبو مجاهد، أبو البراء، أبو الحسن، أبو الحسين، أبو خديجدة، أبو دجانة.
    العلماني، واليساري، الشخصيات غير ملتزمة دينيا، لا بصلاة، ولا بصيام، بل يكثروا من السب، الشتائم، الألفاظ السوقية البذيئة النابية، تكثر من الحديث عن الجنس والنساء وأحوالهن، لتمتع الشباب، تهتم بالدخان، والقهوة، والأفلام، وتختار لنفسها ألقابا وأسماء القدامى من الثوار والمناضلين (أبو جورج، أبو النار، أبو الصامد، أبو الوفاء، أبو جندل، أبو حنظلة، زالألقاب كذلك (الحوت، السبع، الضبع، هتلر، الحنكش، عرتيس، عفريم، كرنوش، جحدر)" ص150، بهذا الشكل يعمل السارد على تحميد وتحسين صورة الإسلامي، وتشويه صورة غيرهم ممن لا ينتمون لتنظيم/للحركة الإسلامية، فيدبو وكأنه فوضويين/منفلتين، لا يعرفون الأخلاق ولا يعيرونها أي اهتمام، وهذا مغاير للحقيقة، ويضر بحركة المقاومة الفلسطينية، خاصة عندما يأتي هذا الكلام في نص أدبي، من المفترض أن يكون منصفا للحقيقة، وحتى وإن وجدت بعض السلبيات، كان من المفترض تناولها بطريقة تليق بهؤلاء المناضلين، لكن التوجيه والتعبئة الفكرية/العقائدية تعمل على (محو/تهميش/تشويه/شيطنة) كل من لا ينتمي للحركة/للتنظيم.
    على اعلى مستوى الفكرة والمضمون الذي تحمله رواية "المعمعة" أما على شكل السرد، فقد جاءت من خلال السارد الخارجي/العليم، وهذا ما جعل لغة الرواية ـ أحيانا ـ تبدو وكأنها جاءت من خلال علماء لغة، فهناك بعض الألفاظ بحاجة إلى معجم، مثل هذه الكلمة: " ... فأنى لهم التعرف، وهم معصوبو الأعين، كالأعمى، ومقيدوا الأيدي والأقدام كالافدع/ مثقلون بالجراح والآلام كالأبتر" ص50، فلكة "كالأفدع، بحاجة إلى معجم/ وكلمة الأبتر لم تكن في مكانها الصحيح.
    وهناك فقرات غير موفقة، كما هو الحال في هذه الفقرة: "رغم أن غياب (يوسف) عن البيت شيء رتيب رتابة الأذان والصلاة" ص30، هناك كان التوصيف غير موفق، ولا تناسب وفكرة/طبيعة الصلاة بالنسبة للسارد.
    وفي فقرة أخرى يقول: "...فوجدها تسحب الماء سحبا، وتشفطه شفطا، بصوتها المزعج الذي يتجاوز خرير الماء، فاتقدم متلمسا، جدرانها الخارجية، لعله يتلمس شيئا غير النتوءات، فتعثر بصندوق حديدي صغير أملس، كأنه مصفح، يتوسطه قطعة حديدية صغيرة، مثقوب أوسطها ليخرج الماء منها كأنها رضاعة الأرنب في قفصه" ص66، لأول مرة أسمع أن هناك رضاعة أرنب، فمين أين أتى السارد بهذا التشبيه؟.
    السرد
    غالبية الرواية جاءت من خلال السرد الخارجي/العليم، لكن هناك بعض الهفوات السردية جاءت في ارواية، منها استخدام تداعي ضمير المخاطب في الصفحات 26: "لا بد أنك جالس على الكرسي الفولاذي، مكبلا مذ فارقتني، بجوار دورة مياه، أو مكب نفيات، والأهم ممر مشاة، تحت حر الشمس، وسياط الجلاد، وبرد الليل، تتلقى اللكمات من الداخلين والخارجين، ..جسدك النحيف، كيف له أن يتحمل الجوع والعطش؟"، وفي صفحة 76: " تلازمك عصافير بطنك، تنقر على جدار معتدك نقرا دون كلل أو ملل، وتتمنى أن تطير قليلا لتنام دقائق معدودات، لكنها تأبى إلا أن تلازمك، ليبدا جسدك يأكل بعضه بعضا" وهذا يحسب على لغة السرد وليس له، فلو جاء هذا السرد من خلال أنا السارد لكان مقبولا، لكن أن يأتي من خلال السارد العليم، فهذا لا يقبل ولا يستصيغه القارئ.
    وهناك حالات تداخل في السرد وتشابك الرواي فيما بينهم، كما هو الحال في هذه الفقرة: "...لكن كل شيء دون الموت يهون، هكذا كان يظن، ما زال، أكثر ، أكبر، أفصى، أسوأ ما سيفعلونه، سيقومون بقالي هنا، وهذا هدف خروجي، لكن سرعان ما يكتشف سوء تقديره، فالموت مرة واحدة أسهل، وأحن، وأحب إليه من الموت الذي سيتعرف عليه كل يوم" ص73، نلاحظ تداخل السارد العليم مع أنا السارد، وهذا التشابك مزعج للقارئ، ولا يخدم انسيابية السرد في الرواية.
    من هنا نقول أن الرواية ضعيفة في طريقة سردها، وقوية في المضمون المعرفي الذي قدمته، ومباشرة في توجهاتها الفكرية/العقائدة، من هنا نجد زخم كبير في استخدام الآيات اقرآنية، والثقافة الدينية في الرواية، وهذا لا يعيبها، لكن الصوت العالي والمباشرة التي طغت على الشخصيات والأحداث جعلت الرواية أقرب إلى التوجيه المباشر منه إلى الإيحاء.

    رائد الحواري
يعمل...
X