القصة القصيرة جدا في "ظلال الوهم" للقاص حسين شاكر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القصة القصيرة جدا في "ظلال الوهم" للقاص حسين شاكر

    القصة القصيرة جدا في
    "ظلال الوهم"
    حسين شاكر


    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	271982466_1549747672069019_7379299912290689768_n.jpg 
مشاهدات:	8 
الحجم:	62.0 كيلوبايت 
الهوية:	54888
    اعتقد أن أي صنف أدبي يجب يخضع لمعايير تحكمه، وأرى أن المتعة هي المفصل الأساسي في أي عمل أدبي، فحضورها كاف لنقول عن هذا المُنتج الأدبي جيد، من هنا إذا أستطاع الأديب أن يمتع المتلقي فيما يقدمه فقد نجح، وأوصل أهم غاية للأدب.
    في هذا الكتاب الذي يقدمه القاص "حسين شاكر" مجموعة من القصص القصيرة جدا، وهي بطبيعتها وشكلها سهلة التناول، حيث أن الحجم له علاقة بالجهد المبذول، ولكن، هذا لا يعن أنها بسيطة، فمهنا من يحتاج إلى وقفة وتأمل وتفكير، سنحاول اضاءت شيء مما جاء من قصص في هذا المجموعة، وكيف أستطاع القاص أن يوصل المضمون بأقل عدد ممكن من الفقرات.
    جاء في قصة "واقع": "منذ أن بدأت القراءة وأنا محبط، قررت الانتحار، وصوبت نحو صدغي وضغطت على الزناد، تبين لي بأن الرصاصة من بقايا الهزيمة، عدت إلى ما أنا فيه" ص13، رغم أن القصة تتحدث عن حالة فردية متعلقة بالقاص تحديد، إلا أنه استطع أن الولوج إلى ما هو عام من خلال "بقايا الهزيمة" وهنا يكمن أبداع القاص، استخدام مفردات متعلقة به شخصيا، لكن عملية (انزياح) قليلة تحدث الدهشة في القصة ومن ثم في القارئ، الذي سيتوقف عن (زمن الهزيمة) وامتداده إلى الوقت قراءة القصة، فمثل هذا العبور للزمن ليس بالأمر السهل أو البسيط، بل هو جهد متقن، ينم عن قدرة القاص على أخذ القارئ من زمانه إلى زمن ماضي، وإلى أثر ذلك الزمن عليه على مسار حياته، فالقصة تبين أن (الهزيمة) هي سبب فشلنا في الحياة وفي اختيارنا للموت، وقت الموت، لطريقة الموت، لأسباب الموت، وتجعلنا نموت ونحن أحياء ، بمعنى تجعلنا "جثث حية" ليس أكثر.
    إذا كانت قصة "واقع" تتحدث عن الهزيمة ففي قصة "تبخر" نجد المقاومة والمبادرة للفعل: "اقتربت من رجل الثلج واستبدلت قبعته بالكوفية، غضب وهاجمني، قبل أن يتمكن مني بزغت الشمس" ص14، المسافة بين "اقتربت" وبين "هاجمني" وفعل "استبدلت" وفعل هاجمني" هما محور القصة ومركزها، فهناك (صراع) متكافئ بين الأفعال، لكن الأفضلية للقاص الذي بادر لخلق الإثارة وخلق ردة الفعل من قبل رجل الثلج، وثم جاءت (الطبيعة/الشمس) لتحسم وتنهي الصراع لصالح القاص، وكأن القصة تقول، ما عليك أيها القارئ سوى المبادرة للفعل، وستجد أنك ستنتصر/ستحقق مرادك، لأن هناك قوى (خفيه) ستقف معك وتمدك بالقوة وأدوات النصر.
    ما يحسب للقصة القصيرة جدا أنها تحتمل أشكال أدبية عديدة، ويمكن أن تأتي بأي شكل أدبي، يقدم لنا القاص قصة "تنقيب" على شكل فنتازيا: " القذيفة التي حولتني إلى أشلاء أبقت على رأسي سليما، تحسسته وهربت على أقدام غير اقدامي، بعد مرور أكثر من ستين عاما، عدت أبحث عن اجزائي" ص18، فرغم أن الصورة (غير عقلية) إلا أنها أوصلت فكرة أثر الماضي/الهزيمة/الموت على الحاضر وعلى المستقبل، بحيث أن زمن الماضي لا يمكن أن نتجاهله، ويجب أن نستعيد ذاتنا فيه، وهذا التناول للزمن يؤكد على أن ما نمر به الآن من بؤس هو ناتج طبيعي عن هروبنا إلى الأمام، وعدم معالجة قضايانا لمصيرية وحسم صراعتنا مع العدو والانتصار عليه.
    نلاحظ أن القاص يستخدم (أنا القص) المتحدث، لكنه يأخذنا إلى ما هو عام، وهنا يكمن الابداع، الحديث عن حالة شخصية، لكنها توصل/تفتح آفاق أمام الجموع/الجماهير لتكون مشاركة فيما يقدم، ومعنية فيما جاء في القصة.
    ونجد في قصة "نوادر" صورة أخرى من الفانتازيا: "الفقير الذي لم يجد ما يأكله، نظر صوب مكتبته، تناول كتابا وبدأ يبحث عن وليمة، خرجت له أنوف البخلاء" ص18، اللافت في هذه القصة أنها قدمتنا من عالم المعرفة/الكتاب، وأوصلت فكرة الألم/الجوع بطريقة جميلة، من خلال البخلاء، فرغم أن هناك توازن بين "الفقير" وبين "وليمة"، إلا أنه حسم الصراع لصالح (الآخرين)، "أنوف البخلاء".
    نلاحظ ان القاص يستخدم (الكتاب/القراءة) كأداة أساسية في قصصه، وكأنه بها يؤكد على دوره كأديب في أيصال همومه وهموم المواطن إلى أصحاب الشأن، وهذا يمثل دعوة غير مباشرة إلى المتلقي لينهل من الكتاب والمعرفة، لأنه بها يستطيع أن يوصل فكرته وهمومه وحاجاته وآماله.
    وفي قصة "جبن" نجد الدهشة حيث جاء فيها: " عندما كنت حيوانا منويا كنت أقوى مما أنا عليه اليوم، تمكنت من احتلال رحم أمي وإعلان السيطرة، وبعد أن اكتملت ملاحمي الإنسانية وانهزمت، لم أستقر في مكان، أمضيت العمر مشتتا" ص83، القصة تقدم طرح منطقي/علقي، فالقاص/المتلقي استطاع أن يحتل رحم أمه عندما كن حيوانا منويا، كلمنه الآن وبعد أن اكتمل ونضج وتقوى، يهيم على وجهه دون أن يستقر، حيث لا يجد (مكان) يلوذ به.
    ورغم أن القصة فيها شيء من (رمزية) الأم ودورها في تأمين الحماية والاستقرار للقاص/المتلقي، إلا أن الفكرة التي قدمتها تبقى فكرة أقرب غلى الفانتازيا، الجنون، فالقاص أوصل فكرة التشرد/التشتت بطريقة المقارنة بين الضعيف القوي "المسيطر"، وبين القوي الضعيف المهزوم "المشتت".
    من هنا نقول أن القاص أستخدم الأنا/الفرد ليصل إلى لمجموع، واستخدم الفانتازيا/الجنون ليصل إلى العقل/المنطق، واستخدم المبادرة لتكون مقدمة للثورة/للنصر، وجعل الواقع/الحاضر البائس ناتج عن امتداد لماضي الذي لم يحسم فيه الصرع.

    رائد الحواري
يعمل...
X