محمد أمين الضاهرحمص قصة عشق لاتنتهي
١٠ نوفمبر، الساعة ٣:٢٨ م ·
حكاية ساعة “كرجية حداد” التي بدأت قصتها في تموز عام 1951م حين زارت تلك المغتربة السورية مدينة حمص ضمن وفد سوري برئاسة الوزير المفوض في البرازيل آنذاك الشاعر المعروف عمر أبو ريشة.....
ما هي قصة ساعة “كرجية حداد” التي تضبط إيقاع مدينة حمص؟
معالم المدن في أغلب الاحيان لا تبقى مجرد حجارة تزين الساحات والطرقات، بل تتحول إلى أرواح ترافق سكانها حتى تحفظ تفاصيلهم ويحفظوا تفاصيلها.
وهكذا هي ساعة “كرجية حداد” التي بدأت قصتها في تموز 1951 حين زارت تلك المغتربة السورية مدينة حمص ضمن وفد سوري برئاسة الوزير المفوض في البرازيل آنذاك الشاعر المعروف عمر أبو ريشة، وخلال تلك الزيارة تبرعت هذه المغتربة بمبلغ 30 ألف ليرة سورية لبلدية حمص لإقامة ساعة كبيرة في ساحة جمال عبد الناصر وسط المدينة ورفعت المبلغ فيما بعد إلى 60 ألفاً لاستكمال المشروع، وتم تشييد الساعة سنة 1958 على نفقة السيدة كرجية وحملت اسمها إلى الآن.
يظهر في الصورة السيدة كرجيه حداد مع رئيس البلدية المهندس عزمي الكسم والاستاذ ساطع الاتاسي والاستاذ شريف الجندي في حفل تدشين الساعة
تتميز الساعة ببنائها الفريد فهي على شكل المئذنة ذات الطراز المربع ولون حجارتها الابيض والاسود، وتأخذ الساعة من الأعلى شكل القبة المربعة ذات الأقواس الأربعة، وكل قوس منها هو عبارة عن باب وفي منتصف الأقواس توجد أقراص الساعة وعددها أربعة، وهي مضاءة بمصابيح مخفية خلف الأرقام تشع باتجاه الداخل ويلاحظ أن بناء الساعة من الحجر الكلسي الأبيض والرخام الأسود، وقد تآكل الرخام الأسود مع مرور الأيام وحاول المعنيون آنذاك تلميع الرخام فلم يفلحوا، فاضطروا إلى دهن الرخام الأسود والإبقاء على الحجر الأبيض بشكله الطبيعي.
ومكانيكية الساعة من النموذج الفرنسي، تعمل على التيار الكهربائي موصولة بمحرك ربط مصنع محلياً قام بابتكاره الساعاتي “عبد الله كيشي” ووظيفة هذا المحرك ربط الساعة أوتوماتيكياً في حال انقطاع التيار الكهربائي.
وفي الساعة جرس مكون من ثلاثة نواقيس تعمل بواسطة مطرقة موصولة بمحرك كهربائي، نغمته تسمع إلى مسافة 6 كيلومتر.
عائلة كرجية حداد تحملت نفقات صيانة الساعة::
وقد تعطلت الساعة بعد أعوام قليلة من تشييدها، فكتب أحدهم في جريدة حمص المهجرية يدعو المسؤولين لإصلاحها فقرأ الخبر ورَثَة كرجية حداد في البرازيل وقاموا بإرسال مبلغ عشرة آلاف دولار للبلدية لإصلاحها معتبرين أنفسهم مسؤولين عن الساعة التي تحمل اسم مورثتهم التي كانت قد توفيت آنذاك وقد تعهد السيد جورج مكوبجي بعد العام 1964 بتجديد الساعة وتمويل أعمال صيانتها الدورية.
طرافة أهل حمص أنقذت الموقف::
تعطلت الساعة لمدة عشر سنوات منذ عام 1978 حتى عام 1988 مما أفقد حمص إيقاعها المعتاد وكان هذا التوقف بسبب عدم توفر ميكانيكيين وخبراء يقومون على إصلاح الساعة، وفي تلك الفترة جاء وفد سياحي جاء لزيارة حمص وكان برنامج هذا الوفد يقتضي أن يمر بجانب ساعة “كرجية حداد”، وهنا لجأ أهل حمص إلى حيلة لا تخطر على بال إنسان حتى يجعلوا الساعة تعمل أمام الوفد الزائر، فجاؤوا بساعاتي وأُجلس داخل الساعة وظل يحرك عقاربها كل دقيقة لمدة تتجاوز نصف اليوم حتى مر الوفد فابتهجوا بالساعة دون أن يدروا ما خُبىء بداخلها.
وبعد ذهاب الوفد السياحي بقيت الساعة معطلة حتى جاء الساعاتي (عبد الله كيشي) وهو من عائلة اشتُهرت بتصليح الساعات منذ أكثر من قرن، فتولى إصلاح الساعة وصيانتها معتمداً على خبرته وإمكاناته الذاتية وقد أصلح كيشي الساعة مبتكراً آليات وقطعاً لها بجهوده الفردية ومنها كما يقول “استبدال الإضاءة النيونية النافرة بإضاءة داخلية جميلة، وإضافة جهاز جرس أوتوماتيكي مبرمج بحيث تدق الساعة كل ربع ونصف ساعة وعلى رأس كل ساعة مثل ساعة “بيغ بن” الشهيرة في لندن وحتى هذا اليوم يعتبر هذا الابتكار من الأسرار المهنية الغامضة بالنسبة للخبراء والعاملين في مجال الساعات.
تعليق