التعبير الرمزي وخصوصياته في التجريب التشكيلي العربي المعاصر
بشرى بن فاطمة
يعتبر الرمز في الفنون التشكيلية، العنصر الذي يحرّك الذهن نحو المخيّلة التي تغوص به وتبتعد مع حدوده الخارقة لذلك ومهما كان الأسلوب المُعتَمَد للإنجاز الفني، فإن الرمز يبقى أساس الفكرة ومُحرّك المفهوم لأنه يقتفي آثار اللامرئي ويتّبع تلك الماورائيات لتصميم توليفاته الجمالية والحسيّة والفكرية.
وهو ما أثرى الرمزية منذ بدايات القرن التاسع عشر وحاد نحوها على حساب الانطباعية والواقعية وخطا معها خطواته نحو ابتكار منافذ التعبير الجدلية التي تطوّرت حسب المراحل التقنية التي تطوّرت معه وتغيّرت بحسب الرموز الأساليب الفنية ما أفرز التجريد والسريالية والمفاهيمية.
وبحسب اختلاف المنجز اختلف الرمز وتعبيراته الأيقونوغرافية من منطقة إلى منطقة في العالم فرموز الفنون الغربية وأثرها ومعانيها تختلف عنها في الشرق والمنطقة العربية رغم أن كليهما يمكن له أن يستلهم من رمزيات الآخر باعتبار الانفتاح وباعتبار الأثر العالمي في التعبير من رمزيات الفلسفة والأدب والقصص والشعر، فالجغرافيا التي اعتبرت التجارب الرمزية فيها مساحة تواصل تعبيري لها مع الذاكرة والهوية مع الانسان والأرض والأسطورة والأيقونة سواء في الأدب أو الحضارة أو الأسطورة بعلاماتها وميزاتها المحسوسة والمادية.
*العراقية ليلى كبه
فالرمزية كانطلاقة تعبيرية محسوسة وموظّفة في قراءاتها النقديّة وتصوراتها الفهمية بدأت كردّة فعل على الواقعية حيث انتفضت على التصوّر المباشر والصور المُسقطة التي تنتسب للمظاهر والأفكار الأولية السطحية أو المثالية التي تتجاوزها الرموز لتتماهى مع الصور أبعد في شكلها وحقيقتها أعمق في التعبير عنها والانعكاس الحقيقي عليها ما خلق جماليات مُبهمة وعلامات تفسيرها حمل عدّة أبعاد ومعان منها المكان والانتماء والهوية والقضية والقيد والصراع الإيديولوجي والعقائدي والاجتماعي وهو ما فرض التأمل الباطني والغوص في عالم الأسطورة والانسان بمعتقده وفلسفته وخياله وانتمائه وتفاعله مع كل ذلك حسيّا وذهنيا.
*الكويتية ثريا البقصمي
والتجربة العربية المعاصرة ومنذ تطوراتها الحداثية ارتكزت على محوريّة المفهوم والخصوصية الأيقونية في تنفيذ الأعمال حتى لو كانت تقتفي أثر التعبير الأسلوبي الغربي، فهي تحمّله نحو الطاقة الجمالية التي عبّرت عن تلك الخصوصيات بعلاماتها ومعانيها، ومن تلك الأمثلة نذكر التجربة الفلسطينية التي اعتمدت لتصل إلى العالم على رموزها وخرجت بها من طور السذاجة المنقولة والتشابه التعبيري إلى تطوّرات الفكرة الرمزية في كل علامة لتعبّر عن هويّتها وذاتيّتها وقضيّتها من ذلك توظيف رمزية الأرض في المرأة وفي الحرف اليدوية والتطريز في شجرة الزيتون التعبير عن المقاومة في رمز البندقية والرموز الأسطورية مثل طائر الفينيق والعنقاء والرموز الدينية في الصليب والهلال والجامع والكنيسة التي تمّ تفعيلها في الحركة التشكيلية بصريا وجماليا وتكثّفت في فنون ما بعد الحداثة في الصورة والفيديو والمفاهيمية والأداء وتجهيز الفراغ وبالتالي حافظة فيها على صورتها وأيقوناتها وتجاوزتها في التعبير والدلالة.
*الفلسطيني أيمن عيسى
وبالنسبة للتجربة العراقية فقد حمّلت الرمزيات عناصر الخط بالحروفيات تجريدها المتماهي مع الرموز والعلامات الكامنة في الأدب والحضارة الإسلامية والأسطورة التاريخية الآلهة القديمة أفروديت وعشتار وجلجامش وغيرها من تكوينات التعبيرية الأسطورية التي تتفاعل في كثافاتها التعبيرية مع الوجود والبقاء والانتماء والهوية وهو ما فكّرت في تنفيذه رمزيا التشكيلية العراقية ليلى كبه وهي تروّض تفاصيل الرمزية التعبيرية والواقعية في صورة الأنثى الأسطورة والتشكّل القدسي لتفاصيلها المؤثّرة في الاستمرارية والتاريخ والواقع والصامد والخصب والمؤثّر.
*السوري محمد قباوة
وبالتالي فإن كل رمزية نبعت من منشأها وعبّرت عن انتمائها وتماهت مع ذلك الانتماء لتكوّن الذات الخصوصية من خلالها مثل تجربة منى عز الدين من لبنان التي تحاملت بذكاء المفاهيم مع الأدب العربي والشرقي واستنطقت الرموز في فكرة انطاق الحيوان وتفعيله كما في قصص كليلة ودمنة حيث حمل كل حيوان دوره وأشار إلى الواقع برمزياته التي تستبطن التعابير وتستخرج الحكمة من الحركة واللون والحضور الرمزي المشكّل لها في تعبيراتها داخل المساحة واختفائها خلف البؤر المتعمّدة في الفراغات الثائرة التي تستتدرج الحيوان ليعبّر برموزه.
*اللبناني علي حسون
أما تجربة الفلسطينية بثينة ملحم فتتعمّد سرد واقع وطنها المسلوب برمزيات التوظيف للخامة والمساحة والعناصر في الأثواب والأقمشة في التراب وفي تلوين والصباغة وفي الدبابيس والخيوط لتنسج ملحمة العبور والبقاء من الذاكرة إلى التراب ومن التراب إلى البقاء على الفكرة والتشبث بالرمز.
*الفلسطيني عبد الحي المسلم
وفي تجربة السوري محمد قباوة، اندلعت من تفصيلات الحياة السورية إلى رمزية السرد مفاهيم حرّكها بالمنمنمات التي استدرجت ذهن المتلقي إلى عوالم الخيال الواقعي وملاحم الحضور في الرمز والجدل والصراع والحياة والحفاظ على تلك الرمزيات وتوظيفها باعتماد الأسلوب المرتكز على المنمنمات وتوظيفاتها وعلى الرمز السوري في طبيعة البيئة الشامية وتفاصيلها اليومية برموزها الفلكلورية.
اللبنانية منى عز الدين
ولا يمكن التغاضي عن التجربة الخليجية التي حافظت بدورها على رموزها في البيئة والصحراء والتراث الشعبي والأدب الحكائي والشعري وطبيعة الترحال والانتظار والعلاقات اليومية، وكذلك التجارب المغاربية التونسية والمغربية والجزائرية والليبية التي انطلقت من ذاتياتها التفاعلية فيما بينها وحقّقت لوصفها الواقعي تجريدات رمزية تعبيرية استلهمت ذاتها من المحيط والتاريخ ومرحلية الوجود الفني التشكيلي والانتماء الأسلوب دون الانفصال عن الانتماء لجغرافيا الشرق والمغرب العربي.
*الفلسطينية بثينة ملحم
إن النواحي التعبيرية للرمز والرمزية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة والمعاصرة تتجرّد من ذاتها الأولى في تطبيق القراءة المألوفة، فتنتشر نحو اللامرئي في التصور الكامل للرمز وبالتالي تصبح العلامة ذاتا رمزية لها قراءاتها العميقة الأبعد التي تُشير للمعنى من تداعياته وقضاياه ومشكلاته مع الفنون والثقافة والواقع والسياسة والوجود وفلسفاته بمختلف الدلالات التي تبدأ من الانسان وتتجاوزه إلى الكون.
*الأردني إبراهيم أبو طوق
فالإنسان بحضوره في تفاصيل واقعه يحمل رؤى غير مباشرة باعتباراتها الدلالية في المعاني التوظيفية التي تشير مثلا للمرأة في تشكيلاتها الأيقونية لتعبّر عن المجتمع عن العادات والتقاليد والقيم والاستمرارية وحتى عن قضاياها في المساواة والقيود، فالبحث الفني في علاقاته الرمزية بالواقع يتحمّل الصياغة الجمالية والابتكار التعبيري والتصوّر الانفعالي للمتلقي وهو يتجادل مع المنجز الفني ويبحث عن الصورة الإنسانية التي تنتشله من آلام الواقع الصادمة إلى خيالات الرمز التي تحاول أن تنتشلها من ذلك الواقع إلى أبعد من ضيق الفكرة في الصورة المحدودة، فالرمز هو ما تبقى من أثر مؤثّر يتفاعل مع التشكيل بشكل حيّ له دلالاته وقراءاته والتي تستوجب البحث والتعبير، فالتجربة العربية رغم اختلاف جغرافياتها بخصوصية كل منها تثري كثافاتها الرمزية من ذاكرتها وحضارتها وعلامتها وحكاياتها وتنطلق بها في البحث الجمالي والقرب المألوف من المتلقي .
بشرى بن فاطمة
يعتبر الرمز في الفنون التشكيلية، العنصر الذي يحرّك الذهن نحو المخيّلة التي تغوص به وتبتعد مع حدوده الخارقة لذلك ومهما كان الأسلوب المُعتَمَد للإنجاز الفني، فإن الرمز يبقى أساس الفكرة ومُحرّك المفهوم لأنه يقتفي آثار اللامرئي ويتّبع تلك الماورائيات لتصميم توليفاته الجمالية والحسيّة والفكرية.
وهو ما أثرى الرمزية منذ بدايات القرن التاسع عشر وحاد نحوها على حساب الانطباعية والواقعية وخطا معها خطواته نحو ابتكار منافذ التعبير الجدلية التي تطوّرت حسب المراحل التقنية التي تطوّرت معه وتغيّرت بحسب الرموز الأساليب الفنية ما أفرز التجريد والسريالية والمفاهيمية.
وبحسب اختلاف المنجز اختلف الرمز وتعبيراته الأيقونوغرافية من منطقة إلى منطقة في العالم فرموز الفنون الغربية وأثرها ومعانيها تختلف عنها في الشرق والمنطقة العربية رغم أن كليهما يمكن له أن يستلهم من رمزيات الآخر باعتبار الانفتاح وباعتبار الأثر العالمي في التعبير من رمزيات الفلسفة والأدب والقصص والشعر، فالجغرافيا التي اعتبرت التجارب الرمزية فيها مساحة تواصل تعبيري لها مع الذاكرة والهوية مع الانسان والأرض والأسطورة والأيقونة سواء في الأدب أو الحضارة أو الأسطورة بعلاماتها وميزاتها المحسوسة والمادية.
*العراقية ليلى كبه
فالرمزية كانطلاقة تعبيرية محسوسة وموظّفة في قراءاتها النقديّة وتصوراتها الفهمية بدأت كردّة فعل على الواقعية حيث انتفضت على التصوّر المباشر والصور المُسقطة التي تنتسب للمظاهر والأفكار الأولية السطحية أو المثالية التي تتجاوزها الرموز لتتماهى مع الصور أبعد في شكلها وحقيقتها أعمق في التعبير عنها والانعكاس الحقيقي عليها ما خلق جماليات مُبهمة وعلامات تفسيرها حمل عدّة أبعاد ومعان منها المكان والانتماء والهوية والقضية والقيد والصراع الإيديولوجي والعقائدي والاجتماعي وهو ما فرض التأمل الباطني والغوص في عالم الأسطورة والانسان بمعتقده وفلسفته وخياله وانتمائه وتفاعله مع كل ذلك حسيّا وذهنيا.
*الكويتية ثريا البقصمي
والتجربة العربية المعاصرة ومنذ تطوراتها الحداثية ارتكزت على محوريّة المفهوم والخصوصية الأيقونية في تنفيذ الأعمال حتى لو كانت تقتفي أثر التعبير الأسلوبي الغربي، فهي تحمّله نحو الطاقة الجمالية التي عبّرت عن تلك الخصوصيات بعلاماتها ومعانيها، ومن تلك الأمثلة نذكر التجربة الفلسطينية التي اعتمدت لتصل إلى العالم على رموزها وخرجت بها من طور السذاجة المنقولة والتشابه التعبيري إلى تطوّرات الفكرة الرمزية في كل علامة لتعبّر عن هويّتها وذاتيّتها وقضيّتها من ذلك توظيف رمزية الأرض في المرأة وفي الحرف اليدوية والتطريز في شجرة الزيتون التعبير عن المقاومة في رمز البندقية والرموز الأسطورية مثل طائر الفينيق والعنقاء والرموز الدينية في الصليب والهلال والجامع والكنيسة التي تمّ تفعيلها في الحركة التشكيلية بصريا وجماليا وتكثّفت في فنون ما بعد الحداثة في الصورة والفيديو والمفاهيمية والأداء وتجهيز الفراغ وبالتالي حافظة فيها على صورتها وأيقوناتها وتجاوزتها في التعبير والدلالة.
*الفلسطيني أيمن عيسى
وبالنسبة للتجربة العراقية فقد حمّلت الرمزيات عناصر الخط بالحروفيات تجريدها المتماهي مع الرموز والعلامات الكامنة في الأدب والحضارة الإسلامية والأسطورة التاريخية الآلهة القديمة أفروديت وعشتار وجلجامش وغيرها من تكوينات التعبيرية الأسطورية التي تتفاعل في كثافاتها التعبيرية مع الوجود والبقاء والانتماء والهوية وهو ما فكّرت في تنفيذه رمزيا التشكيلية العراقية ليلى كبه وهي تروّض تفاصيل الرمزية التعبيرية والواقعية في صورة الأنثى الأسطورة والتشكّل القدسي لتفاصيلها المؤثّرة في الاستمرارية والتاريخ والواقع والصامد والخصب والمؤثّر.
*السوري محمد قباوة
وبالتالي فإن كل رمزية نبعت من منشأها وعبّرت عن انتمائها وتماهت مع ذلك الانتماء لتكوّن الذات الخصوصية من خلالها مثل تجربة منى عز الدين من لبنان التي تحاملت بذكاء المفاهيم مع الأدب العربي والشرقي واستنطقت الرموز في فكرة انطاق الحيوان وتفعيله كما في قصص كليلة ودمنة حيث حمل كل حيوان دوره وأشار إلى الواقع برمزياته التي تستبطن التعابير وتستخرج الحكمة من الحركة واللون والحضور الرمزي المشكّل لها في تعبيراتها داخل المساحة واختفائها خلف البؤر المتعمّدة في الفراغات الثائرة التي تستتدرج الحيوان ليعبّر برموزه.
*اللبناني علي حسون
أما تجربة الفلسطينية بثينة ملحم فتتعمّد سرد واقع وطنها المسلوب برمزيات التوظيف للخامة والمساحة والعناصر في الأثواب والأقمشة في التراب وفي تلوين والصباغة وفي الدبابيس والخيوط لتنسج ملحمة العبور والبقاء من الذاكرة إلى التراب ومن التراب إلى البقاء على الفكرة والتشبث بالرمز.
*الفلسطيني عبد الحي المسلم
وفي تجربة السوري محمد قباوة، اندلعت من تفصيلات الحياة السورية إلى رمزية السرد مفاهيم حرّكها بالمنمنمات التي استدرجت ذهن المتلقي إلى عوالم الخيال الواقعي وملاحم الحضور في الرمز والجدل والصراع والحياة والحفاظ على تلك الرمزيات وتوظيفها باعتماد الأسلوب المرتكز على المنمنمات وتوظيفاتها وعلى الرمز السوري في طبيعة البيئة الشامية وتفاصيلها اليومية برموزها الفلكلورية.
اللبنانية منى عز الدين
ولا يمكن التغاضي عن التجربة الخليجية التي حافظت بدورها على رموزها في البيئة والصحراء والتراث الشعبي والأدب الحكائي والشعري وطبيعة الترحال والانتظار والعلاقات اليومية، وكذلك التجارب المغاربية التونسية والمغربية والجزائرية والليبية التي انطلقت من ذاتياتها التفاعلية فيما بينها وحقّقت لوصفها الواقعي تجريدات رمزية تعبيرية استلهمت ذاتها من المحيط والتاريخ ومرحلية الوجود الفني التشكيلي والانتماء الأسلوب دون الانفصال عن الانتماء لجغرافيا الشرق والمغرب العربي.
*الفلسطينية بثينة ملحم
إن النواحي التعبيرية للرمز والرمزية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة والمعاصرة تتجرّد من ذاتها الأولى في تطبيق القراءة المألوفة، فتنتشر نحو اللامرئي في التصور الكامل للرمز وبالتالي تصبح العلامة ذاتا رمزية لها قراءاتها العميقة الأبعد التي تُشير للمعنى من تداعياته وقضاياه ومشكلاته مع الفنون والثقافة والواقع والسياسة والوجود وفلسفاته بمختلف الدلالات التي تبدأ من الانسان وتتجاوزه إلى الكون.
*الأردني إبراهيم أبو طوق
فالإنسان بحضوره في تفاصيل واقعه يحمل رؤى غير مباشرة باعتباراتها الدلالية في المعاني التوظيفية التي تشير مثلا للمرأة في تشكيلاتها الأيقونية لتعبّر عن المجتمع عن العادات والتقاليد والقيم والاستمرارية وحتى عن قضاياها في المساواة والقيود، فالبحث الفني في علاقاته الرمزية بالواقع يتحمّل الصياغة الجمالية والابتكار التعبيري والتصوّر الانفعالي للمتلقي وهو يتجادل مع المنجز الفني ويبحث عن الصورة الإنسانية التي تنتشله من آلام الواقع الصادمة إلى خيالات الرمز التي تحاول أن تنتشلها من ذلك الواقع إلى أبعد من ضيق الفكرة في الصورة المحدودة، فالرمز هو ما تبقى من أثر مؤثّر يتفاعل مع التشكيل بشكل حيّ له دلالاته وقراءاته والتي تستوجب البحث والتعبير، فالتجربة العربية رغم اختلاف جغرافياتها بخصوصية كل منها تثري كثافاتها الرمزية من ذاكرتها وحضارتها وعلامتها وحكاياتها وتنطلق بها في البحث الجمالي والقرب المألوف من المتلقي .