التجريد والحروفية دلالة اللغة البصرية وتوافقات معانيها الرمزية
بشرى بن فاطمة
تجربة التشكيلي صالح الهجر
التجريد والحروفية دلالة اللغة البصرية وتوافقات معانيها الرمزية
لأن الحرف العربي هو رمز من رموز الحركة التعبيرية التشكيلية الحديثة والمعاصرة وكيان جمالي له خصوصياته الحضارية وحضوره التراثي وانعكاساته الروحانية التي تستدرج العين والذهن والحواس إلى مناطق أبعد في التمكين الفهمي وأعمق في الحس المجازي بلغته البصرية، حمل الفنان التشكيلي السوري صالح الهجر انطباعاته المُضمّخة بالوجد وتفاعلاته الذهنية المُشبعة بالكثافة، ليصنع هويّة فنية تشكيلية عربية معاصرة، استطاع من خلالها أن يتعاصف ويتهاطل ويتماطر ويتشكّل في مواسمها المُزهرة بألوانه التي تجرّأت على الفراغات في المساحة لتستحيل معها إبداعا يتراقص ويتصارع ويتمادى ويتماهى بتناقض استفهامي أبعد وأعمق في تكويناته المجادلة للواقع بالفن.
فهو يشكّل لوحاته الحروفية بتجريب ابتكاري يبتعد عن السائد المقروء باللغة الفنية البصرية التي طالما آمن فيها بأن الخط علامة التميّز التشكيلي وأن الحرف أصل الحضور الجمالي وأن التجريد احتواء فني.
هو صالح الهجر فنان تشكيلي سوري استطاع أن يحفر اسمه في صفحات الفن والتعبير التشكيلي الحروفي العربي ويحقّق بأسلوبه رؤى طالما استدرجته بالتجريب ليكوّنها ويفعّلها وينطلق عبرها نحو ذاته التي انتصرت للعلامة والعناصر والخامة والحروف والمعاني ومفاهيمها، فكوّن بها فلسفته وتجرّد من خلالها عن العوائق التي قد تخلق فكرة التشويه التي تنتاب ناقدي الدمج بين الحداثي المعاصر والتراثي الأصيل في فنون الخط العربي خاصة وأنه قابل الرفض بالسعي وحاول بالبحث والتجريب.
فقد استطاع الهجر أن يخلق همزة وصل إبداعية وجمالية في أعماله بين التأصل والابتكار أكمل بها شغفه التجريبي ومساره التجريدي ليعبّر في اللوحة الحروفية عن اللغة البصرية التي تجاوزت فكرة اللغة اللفظية في اللوحة الخطية تلك اللغة التي قد تضيّق حدودها عن الفهم الفني في البحث التشكيلي بوصفها تعتمد الحرف أكثر من المعنى وتركّز على المعنى لابتكار الأسلوب وبالتالي تعمل ضمن توليفات بصرية تتجاوز البعد الواحد بالبحث عن أكثر من بعد في التعبير.
يحمل الشكل والحرف والخط واللون لصالح الهجر توافقات التعامل مع الصيغة التشكيلية في تعاطيها مع المعنى وماورائيات التعبير فالتجريب اللوني هو منفذ للتجريد الذي تعاطى مع الحرف بتوازن استطاع أن ينتقل من الحركة والهندسة الى اكتساب روحانية تمكّنت من التشكّل والتعدّد الذي وهبها دلالات بصرية استنطقت الأمكنة والذاكرة والحنين والملامح دون أن تشكّلها بتصوّراتها المشهدية ولكن بالسرد البصري من خلال الحرف، لينبش من خلالها القصة والصمود والأهمية والتاريخ والحضارة والانتماء، كل ذلك ضمن توليفات وإيقاعات حملت الميلودي الحروفية بصريا نحو عمق الموسيقى بانسيابية لونية لحنية فيها.
فاللون والحركة هي التي تندفع نحو الرؤى البصرية للمتلقي الباحث عن المعنى فتستدرجه نحوها ليندمج معها ومن ثمّة يبحث فيها عن قراءاته المجرّدة وتفاعلاته التجريدية مع الرمز وبالتالي تنتابه اللغة البصرية فيتماهى معها في الألوان ومداها وتدرجاتها الضوئية وأبعادها.
إن اللون والحركة والكثافة والأبعاد في أعمال الهجر تفتح منافذ الجدليات البصرية التي تحاكي المعاني الكامنة في اللغة البصرية المقصودة والقادرة على ترويض عين المتلقي وإثارتها بتلك الحركة أكثر من البحث الطبيعي عن فك رموز اللغة لفظيا، وبالتالي يعمد بالحرف إلى تكوين الرمز وتكوين الحواس بحماس ينطلق أبعد في حكمة اللون وشغب التدرج المعلن وكأنه يوظّف من المساحات خيالا يتعانق ويتنافر ويلتحم وينفصل ليعود بتصوّراته الجمالية الغارقة في التوازن الذي يفتح للمتلقي مدنا تسكن الذاكرة فتعبُر من تاريخها إلى اللوحة.
استطاع الهجر أن يخلق توليفات ابتكارية في مساحة اللوحة ومن عمق الفراغ ومفاهيمه المتماهية بين العمق والإيهام والتسطيح وتشكيل المساحة من اللون وترويض الحرف، ليعمد إلى مزج الأسلوب الغربي وفلسفاته الوجودية مع الأسلوب الحروفي وحكمة الخط العربي الروحانية فتوازن الأسلوب في تماسها بين الثبات والأفق.
يحمل صالح الهجر في توافقاته التعبيرية هويّته الخاصة العميقة التي تتفاعل مع ذاكرته المُرتحلة في التراث والتاريخ والواقع ومنافذه وصياغاته النافذة نحو الأمل، فالحرف ليس إسقاطا في اللوحة ولا عنصر زخرف حركي أو هندسي متراكم التوظيفات أو حركة انتشارها لا يحمل معنى موظّف الدلالات، بل هو اللوحة ككيان متكامل يستدرج الموهبة نحو الابتكار ويُفعّل الفكرة نحو الفهم الذي يتآلف مع كل ما تُبصره الأعين وتقرأه البصائر من ذائقة اللون ومن تفاصيل الاحتكاك بالجمالي في العناصر وتمازجها مع حجم الحروف وحضورها وتواريها واندفاعها وبروزها واختفائها بتلاحم سردي واثق من تماهيه في الفكرة البصرية التي لا تقف عند انتماء واحد للغة بل تصل أبعد بلغتها الفنية والجمالية.
إن الفضاء اللوني الذي يعمد الهجر إلى تفعيل الحرف فيه بالتركيز على حجمه وحضوره دون غيره يحمل دلالات متعدّدة ويركّز توظيفاته الضوئية على التحوّل من العلامة اللفظية إلى الرمز المنطوق بصرية بدلالات لها معانيها التي تتكاثف فتخترق الحواجز الشكلية نحو التجريد بوجدانية لها تأويلاتها التي تستنطق الواقع دون أن تنساب معه مباشرة، فالفنان يتجادل مع الرؤى الذهنية والذاكرة البصرية تاركا الحرية للحروف إما للالتحام أو الانعتاق، للتكاثف أو الانفصال، للتراكم أو الفراغ.
فالتركيب الجمالي والتناغم بين العناصر يحمل طاقته البصرية بتناغم تركيبي وتجسيد تقني يتفوّق على اللغة ويتحوّل بها نحو التجربة التي تحوّلت إلى مهارة وخبرة حدّدت توظيفاتها الجمالية بمرتكزات واثقة من قيم الابداع والابتكار الواعي.
بشرى بن فاطمة
تجربة التشكيلي صالح الهجر
التجريد والحروفية دلالة اللغة البصرية وتوافقات معانيها الرمزية
لأن الحرف العربي هو رمز من رموز الحركة التعبيرية التشكيلية الحديثة والمعاصرة وكيان جمالي له خصوصياته الحضارية وحضوره التراثي وانعكاساته الروحانية التي تستدرج العين والذهن والحواس إلى مناطق أبعد في التمكين الفهمي وأعمق في الحس المجازي بلغته البصرية، حمل الفنان التشكيلي السوري صالح الهجر انطباعاته المُضمّخة بالوجد وتفاعلاته الذهنية المُشبعة بالكثافة، ليصنع هويّة فنية تشكيلية عربية معاصرة، استطاع من خلالها أن يتعاصف ويتهاطل ويتماطر ويتشكّل في مواسمها المُزهرة بألوانه التي تجرّأت على الفراغات في المساحة لتستحيل معها إبداعا يتراقص ويتصارع ويتمادى ويتماهى بتناقض استفهامي أبعد وأعمق في تكويناته المجادلة للواقع بالفن.
فهو يشكّل لوحاته الحروفية بتجريب ابتكاري يبتعد عن السائد المقروء باللغة الفنية البصرية التي طالما آمن فيها بأن الخط علامة التميّز التشكيلي وأن الحرف أصل الحضور الجمالي وأن التجريد احتواء فني.
هو صالح الهجر فنان تشكيلي سوري استطاع أن يحفر اسمه في صفحات الفن والتعبير التشكيلي الحروفي العربي ويحقّق بأسلوبه رؤى طالما استدرجته بالتجريب ليكوّنها ويفعّلها وينطلق عبرها نحو ذاته التي انتصرت للعلامة والعناصر والخامة والحروف والمعاني ومفاهيمها، فكوّن بها فلسفته وتجرّد من خلالها عن العوائق التي قد تخلق فكرة التشويه التي تنتاب ناقدي الدمج بين الحداثي المعاصر والتراثي الأصيل في فنون الخط العربي خاصة وأنه قابل الرفض بالسعي وحاول بالبحث والتجريب.
فقد استطاع الهجر أن يخلق همزة وصل إبداعية وجمالية في أعماله بين التأصل والابتكار أكمل بها شغفه التجريبي ومساره التجريدي ليعبّر في اللوحة الحروفية عن اللغة البصرية التي تجاوزت فكرة اللغة اللفظية في اللوحة الخطية تلك اللغة التي قد تضيّق حدودها عن الفهم الفني في البحث التشكيلي بوصفها تعتمد الحرف أكثر من المعنى وتركّز على المعنى لابتكار الأسلوب وبالتالي تعمل ضمن توليفات بصرية تتجاوز البعد الواحد بالبحث عن أكثر من بعد في التعبير.
يحمل الشكل والحرف والخط واللون لصالح الهجر توافقات التعامل مع الصيغة التشكيلية في تعاطيها مع المعنى وماورائيات التعبير فالتجريب اللوني هو منفذ للتجريد الذي تعاطى مع الحرف بتوازن استطاع أن ينتقل من الحركة والهندسة الى اكتساب روحانية تمكّنت من التشكّل والتعدّد الذي وهبها دلالات بصرية استنطقت الأمكنة والذاكرة والحنين والملامح دون أن تشكّلها بتصوّراتها المشهدية ولكن بالسرد البصري من خلال الحرف، لينبش من خلالها القصة والصمود والأهمية والتاريخ والحضارة والانتماء، كل ذلك ضمن توليفات وإيقاعات حملت الميلودي الحروفية بصريا نحو عمق الموسيقى بانسيابية لونية لحنية فيها.
فاللون والحركة هي التي تندفع نحو الرؤى البصرية للمتلقي الباحث عن المعنى فتستدرجه نحوها ليندمج معها ومن ثمّة يبحث فيها عن قراءاته المجرّدة وتفاعلاته التجريدية مع الرمز وبالتالي تنتابه اللغة البصرية فيتماهى معها في الألوان ومداها وتدرجاتها الضوئية وأبعادها.
إن اللون والحركة والكثافة والأبعاد في أعمال الهجر تفتح منافذ الجدليات البصرية التي تحاكي المعاني الكامنة في اللغة البصرية المقصودة والقادرة على ترويض عين المتلقي وإثارتها بتلك الحركة أكثر من البحث الطبيعي عن فك رموز اللغة لفظيا، وبالتالي يعمد بالحرف إلى تكوين الرمز وتكوين الحواس بحماس ينطلق أبعد في حكمة اللون وشغب التدرج المعلن وكأنه يوظّف من المساحات خيالا يتعانق ويتنافر ويلتحم وينفصل ليعود بتصوّراته الجمالية الغارقة في التوازن الذي يفتح للمتلقي مدنا تسكن الذاكرة فتعبُر من تاريخها إلى اللوحة.
استطاع الهجر أن يخلق توليفات ابتكارية في مساحة اللوحة ومن عمق الفراغ ومفاهيمه المتماهية بين العمق والإيهام والتسطيح وتشكيل المساحة من اللون وترويض الحرف، ليعمد إلى مزج الأسلوب الغربي وفلسفاته الوجودية مع الأسلوب الحروفي وحكمة الخط العربي الروحانية فتوازن الأسلوب في تماسها بين الثبات والأفق.
يحمل صالح الهجر في توافقاته التعبيرية هويّته الخاصة العميقة التي تتفاعل مع ذاكرته المُرتحلة في التراث والتاريخ والواقع ومنافذه وصياغاته النافذة نحو الأمل، فالحرف ليس إسقاطا في اللوحة ولا عنصر زخرف حركي أو هندسي متراكم التوظيفات أو حركة انتشارها لا يحمل معنى موظّف الدلالات، بل هو اللوحة ككيان متكامل يستدرج الموهبة نحو الابتكار ويُفعّل الفكرة نحو الفهم الذي يتآلف مع كل ما تُبصره الأعين وتقرأه البصائر من ذائقة اللون ومن تفاصيل الاحتكاك بالجمالي في العناصر وتمازجها مع حجم الحروف وحضورها وتواريها واندفاعها وبروزها واختفائها بتلاحم سردي واثق من تماهيه في الفكرة البصرية التي لا تقف عند انتماء واحد للغة بل تصل أبعد بلغتها الفنية والجمالية.
إن الفضاء اللوني الذي يعمد الهجر إلى تفعيل الحرف فيه بالتركيز على حجمه وحضوره دون غيره يحمل دلالات متعدّدة ويركّز توظيفاته الضوئية على التحوّل من العلامة اللفظية إلى الرمز المنطوق بصرية بدلالات لها معانيها التي تتكاثف فتخترق الحواجز الشكلية نحو التجريد بوجدانية لها تأويلاتها التي تستنطق الواقع دون أن تنساب معه مباشرة، فالفنان يتجادل مع الرؤى الذهنية والذاكرة البصرية تاركا الحرية للحروف إما للالتحام أو الانعتاق، للتكاثف أو الانفصال، للتراكم أو الفراغ.
فالتركيب الجمالي والتناغم بين العناصر يحمل طاقته البصرية بتناغم تركيبي وتجسيد تقني يتفوّق على اللغة ويتحوّل بها نحو التجربة التي تحوّلت إلى مهارة وخبرة حدّدت توظيفاتها الجمالية بمرتكزات واثقة من قيم الابداع والابتكار الواعي.