2022: في مظاهر "عودة الثقافة" بعد "الخمول الكوفيدي" (2-2)
عماد الدين موسى 11 يناير 2023
هنا/الآن
(gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالعالم جراء الحروب والصراعات لا يزال للثقافة ذلك الحيّز البارز والحميم في حياتنا حيثُ أقيمت وعلى مدار العام المنصرم العديد من الأنشطة والفعاليّات الرسميّة أو الأهليّة من معارض فنّية ومهرجانات أدبيّة إلى معارض الكتب، عدا عن الكم اللافت من الكتب والتي جاءت متنوعةً من حيثُ العناوين والاهتمامات.
حول أبرز الكتب التي صدرت خلال عام 2022، وكذلك أبرز الفعاليات الثقافية، يتحدث لنا عدد من الكتّاب العرب من خلال التقرير التالي.
هنا الجزء الثاني والأخير:
عبد الهادي سعدون (روائي وأكاديمي عراقي يقيم في مدريد): جائزة الترجمة
برأيي وقبل ذكر كل ما أثار اهتمامي في عام 2022، أقول إن العودة للحياة الطبيعية بشكل يكاد يكون تامًا بعد مرارة جائحة الكوفيد 19، من أهم المعالم التي أعادتنا للمشاركات والملتقيات والظواهر الطبيعية للتواصل مع الفنون والآداب بصورة حية ومباشرة بعد أن كانت واجهة الكاميرا والكمبيوتر هي صلتنا الوحيدة مع العالم خلال العامين المنصرمين. وهو ما أتاح لي ولغيري المشاركات الخارجية الواسعة في مدن إسبانيا المختلفة وأميركا اللاتينية وأوروبا والعالم العربي.
عادة ما أقول في هذه النوعية من الاستفتاءات، إن بعض المطالعات والقراءات والمشاهدات ربما لا تنتمي لعام 2022، بل وصلتني أو وصلتها أنا بشكل متأخر، لذا هنا خياراتي مشتركة ومتشابكة حتمًا مع أعوام أخرى قريبة. من بين أهم ما أثارني عاطفيًا حقيقة هو رؤية تحفة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، الملعب الرياضي لكرة القدم، متجسدة ومنارة وتثير إعجاب العالم خلال دورة كأس العالم في الدوحة. أذكر هنا معرض استعادي لأعمال الكولومبي بوتيرو في متحف الفن الحديث في مدريد كحدث فني مهم ومؤثر، وأيضًا المعرض المشترك لمنحوتات بيكاسو وزميله الإسباني خوليو غونثالث اللذين غيرا خريطة الفن التشكيلي والنحت في اتجاهه التكعيبي.
من بين الكتب الأخيرة التي أطلعت عليها وأجدها جديرة بأرقى المكتبات والتي برأيي تضاهي أبرز الدراسات والإصدارات العالمية التي أطلع عليها باللغة الإسبانية بشكل دائم، مؤلفات الباحث العراقي سعيد الغانمي وخاصة الإصدارين الأخيرين: "مفاتيح خزائن السرد العربي" و"خيال لا ينقطع (دراسة في ألف ليلة وليلة)"، وكذلك دراساته وتراجمه وتحقيقاته الأخرى الصادرة كلها عن دور النشر الرافدين والجمل وشهريار، وأضيف لها نتاج الدكتور خزعل الماجدي في الأسطورة والميثولوجيا والتاريخ القديم والتي يتحفنا بها بشكل متتابع منذ سنين والتي أصدر فيها موسوعات وكتبا مهمة في هذا العام. كما يمكنني إضافة الترجمة التحقيق للباحث د. ضياء حميو المعنون "عهدة النساك" لـ بطرس الفونس، في خطوة مهمة لإعادة هذا الأثر المفقود بتراث سردنا العربي القديم وأثره الكبير على نشأة السرد الأوربي.
ومن ناحية صلتي باللغة الإسبانية يمكنني الإشارة لفقدنا إثنين من كتاب الإسبانية المهمين وهما الشاعر المهم آنخل غيندا والذي ترجمنا له أكثر من كتاب إلى العربية من بينها "وضوح داخلي" عن دار دراويش، وكذلك الروائية المودينا غرانديس صاحبة مشروع كتابة العصر الحالي لإسبانيا بكل تناقضاتها ونظراتها المتشابكة في أكثر من 12 رواية معروفة. ولعلي هنا أضيف للقائمة ظاهرة كتاب "الأبدية في حنايا القصب" للكاتبة الشابة إيرينه باييخو، وهو كتاب نقدي عن أثر الكتابة والقراءة بتأسيس حضاراتنا المتعاقبة متخذة من سومر ومصر ركيزة تأسيس الثقافة والفكر العالميين، وهذا الكتاب رغم صدوره من أكثر من أربعة أعوام، فما زال يتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعًا، وهو بترجماته لأكثر من ثلاثين لغة عالمية يكون قد باع ملايين النسخ، وهو امر غير طبيعي لكتاب بحثي نقدي وليس لعمل روائي.
أما من الناحية الشخصية فقد سعدت بإصدار روايتي الرابعة "متنزه الحريم" عن دار شهريار العراقية وكذلك ديواني الثاني المكتوب مباشرة باللغة الإسبانية "توازن بسيط" عن دار بالابرديدا المدريدية. كما كان هذا العام مناسبة لصدور دراستي وحواري المطول عن الشاعر العراقي عيسى الياسري في كتاب بعنوان "أبواب العودة وأبواب الانتظار" عن دار خطوط، وبالطبع صدور "المعلقات العشر" العربية لأول مرة باللغة الإسبانية بعد عمل لأكثر من عام، بطبعة متكاملة بإشراف ومراجعتي وتقديمي رفقة كادر من خيرة المستعربين الإسبان. وكذلك صدور رابع انطولوجيا أعدها وأترجمها للشعر العراقي باللغة الإسبانية عن دار الحلقة الشعرية في المكسيك. وأخيرًا كان عام تكريمي وحصولي على جائزة الترجمة عن كل أعمالي في معرض مدريد الدولي للكتاب.
محمد سعيد احجيوج (روائي مغربي): جائزة البوكر
ما كاد العالم يستعيد أنفاسه بعد استقرار طفرات كورونا، حتى جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية ليتزعزع الاستقرار من جديد، ومعه التغيرات المناخية، ويرتفع سعر الورق بشكل خرافي وتكلفة النقل، فنصل إلى النتيجة الاضطرارية: تأثر سوق الكتاب، من جهة محدودية التوزيع (وتلك أزمة شبه دائمة) ومن جهة أخرى ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالي انخفاض عدد الإصدارات التي يتحمل الناشر تكلفتها، دون أن تتأثر الإصدارات التي يتحمل الكاتب تكلفتها، وهذه في مجملها متواضعة الجودة.
عادت دورة معارض الكتب العربية لحركتها الطبيعية، مما سهل من توزيع وترويج الإصدارات الجديدة، غير أن العملية عموما تبقى بطيئة ومحدودة، وكل هذه المقدمة الطويلة لأقول باستحالة الحديث عن "حصاد" حقيقي للإنتاج الثقافي، حيث إنه وإن كان الإنتاج معقولًا فإن التوزيع منعدم.
عمومًا، تبقى جائزة البوكر، الجائزة العالمية للرواية العربية، هي الحدث الثقافي الأبرز في كل سنة، بما تخلقه دائمًا من ضجة، صحية رغم كل هفوات الجائزة، وبالأضواء التي تركزها على بضع روايات في قوائمها. ارتباطًا بالبوكر، وحتى دونها، أعتقد أن الكثيرين سيضعون رواية طارق إمام "ماكيت القاهرة" ضمن أهم ما لفت نظرهم هذه السنة، وهي فعلًا رواية جميلة تستحق كل احتفاء. كذلك لا بد من التنويه بإصدارات الباحث المتميز سعيد الغانمي، التي تعددت هذه السنة، وكان أبرزها كتاب "خيال لا ينقطع: قراءة في ألف ليلة وليلة" وأضيف إليه "مفاتيح خزائن السرد"، الذي صدر تقنيًا صيف العام الماضي لكن دعونا نمنح أنفسنا بعض المرونة في تحديد هذا الحصاد بسبب بطء شبكة التوزيع.
عالميًا لعل الحدث الأبرز هو الاعتداء على الكاتب الهندي/ البريطاني/ الأميركي سلمان رشدي، خلال أحد لقاءاته مع جمهور القراء، لدوافع تعود إلى روايته المثيرة للجدل "آيات شيطانية" والفتوى الإيرانية بهدر دمه. يعيدنا هذا مجددا إلى مأزق حرية التعبير الضيقة الممنوحة للكاتب، وهيمنة الجهل وسهولة توجيه الجماهير نحو الكراهية بدوافع دينية أو قومية.
أما على المستوى الشخصي، كانت سنة مثمرة بدأت بصدور روايتي الثالثة "ليل طنجة"، في شهر كانون الثاتي/ يناير، وهي التي حصل مخطوطها من قبل على جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، وانتهت بصدور روايتي الرابعة "ساعي البريد لا يعرف العنوان". وفي منتصفها كان من نصيب روايتي الثانية "أحجية إدمون عمران المالح" التتويج في القائمة القصيرة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية.
هيفاء بيطار (كاتبة وطبيبة سورية تقيم في باريس): جائزة الخيال العلمي للأدباء الشباب
من الفعاليات الثقافية التي شاركت بها هي أنني كنت في لجنة تحكيم جائزة الخيال العلمي للأدباء الشباب من قبل بيت واشنطن للفنون الذي تُشرف عليه الإعلامية سهيلة بو رزق منذ ربع قرن، وقد نالت الصديقة بو رزق جائزة أهم صحافية للعام 2022 وهي تشرف على موقع (الكتابة). كانت تجربة رائعة أن أكون في لجنة تحكيم جائزة الخيال العلمي أنا والصديق واسيني الأعرج. ولا أخفي توتري حين طلبت مني المبدعة سهيلة أن أكون في لجنة تحكيم جائزة القصة القصيرة للخيال العلمي ذلك أننا في عالمنا العربي لا نعرف هذا النوع من الإبداع فلا أذكر– مثلًا– أنني قرأت رواية خيال علمي– إلا إذا اعتبرنا بعض قصص ألف ليلة وليلة خيالا علميا– تلقيت مجموعة من قصص الشباب كتبوا قصصًا قصيرة عن الخيال العلمي، في الواقع معظم القصص كانت رائعة، وكم أغنتني تلك التجربة وحفزتني لأكتب رواية أو قصصًا من الخيال العلمي، وأكثر ما أسعدني موهبة الشباب (ت) المشاركين فالشباب يملكون الحماسة التي يفتقد لها الكبار.
الحدث المهم بالنسبة لي هو صدور روايتي "امرأة من هذا العصر" باللغة الفرنسية عن دار نشر لامارتان وهي الرواية الأحب إلى قلبي والتي احتفى بها النقاد كثيرًا وقد تم تكريمي في مدينة مونبلييه لأن المترجم هو أستاذ الترجمة في جامعة مونبلييه وكان تكريمًا رائعًا حضره الكثير من المثقفين الفرنسيين من أدباء وشعراء وأصحاب دور نشر وغيرهم من الحضور. أسعدني أن أستمع لأسئلتهم ونقاشاتهم، وفي اليوم التالي اصطحبوني إلى جبال السيفين التي ترتفع 3500 متر عن سطح البحر وهي جبال رائعة.
كما تمت ترجمة أكثر من خمس عشرة قصة قصيرة كتبتها، تم اختيارها من بين مجموعات قصصية لي خاصة من الكتاب "أن تكون إنسانًا"، الكتاب الذي طبعه لي الصديق المثقف حسان عباس إذ جمع كل مقالاتي من عام 2012 إلى عام 2020 في كتاب وضع له عنوانًا "أن تكون إنسانًا". سيصدر الكتاب هذا الشهر أي بداية سنة 2023. هي خطوة مهمة أن تُقرأ قصصي القصيرة المترجمة للإنكليزية في أميركا وغيرها.
بالنسبة للقراءة، من أجمل الروايات التي قرأتها وأعجبتني جدًا رواية "ماكيت القاهرة" للمصري طارق إمام. رواية إبداعية بإمتياز. كذلك الرواية الرائعة "خبز على طاولة الخال ميلاد" لمحمد النعاس. روايتان رائعتان في الأفكار والأسلوب حيث تم تجديد الأسلوب وأحببت جدًا هذا التجديد وأقول بصدق إن طارق إمام ومحمد النعاس تفوقا على كتاب كبار. وقرأت تقريبًا كل أعمال الكاتب الجزائري العالمي ياسمينا خضرا (هو حاليًا مدير المركز الثقافي الجزائري في باريس) وهو من أهم الكتاب في العالم تُباع كتبه بالملايين، وهو متخصص في عقلية الإرهاب ولكن– للأسف الشديد– هناك تقصير كبير في عالمنا العربي في ترجمة أعماله. من أروع روايات ياسمينا خضرا رواية "الصدمة" ورواية "فضل الليل على النهار" ورواية "سنونو كابول" ورواية "الليلة الأخيرة للريس" والمقصود القذافي وقد تحولت بعض رواياته إلى أفلام. قرأت رواية "لم أخرج من ليلي" لآني إرنو. كما أعدت قراءة روايتي "الوباء" و"التلال" للروائي الراحل هاني الراهب الذي تم فصله من اتحاد الكتاب العرب!!!.
من الروايات التي أعجبتني جدًا رواية محمد الأحمد "متاهة أخيرهم". أيضًا الكتاب الرائع "تصفية استعمار العقل" للكاتب نعوجي واثينغو وبترجمة إبداعية لسعدي يوسف. لكن أهم الكتب هو "رومنطقيو المشرق العربي" للكاتب حازم صاغية. وقرأت كتاب "أميركا والعالم" لغسان سلامة. في الواقع قرأت كثيرًا ولكن لفت نظري في مكتبات باريس القسم المخصص لأدب الأطفال، قصص روعة في الشكل والرسوم وطريقة طرح مواضيع لم أكن أتخيل يومًا أن تُكتب كقصص للأطفال. مثلًا قصة للأطفال عن العبودية لكن مكتوبة بطريقة رائعة ليس فيها رعب وفيها ذكاء وموهبة عالية في تقديم فكرة صعبة للأطفال وغيرها من القصص. وأخيرًا قرأت رواية "فارس الرمال" لجورج أمادو. وفي الواقع أقرأ الكثير لأدباء شباب لم يطبعوا أعمالهم بعد يرسلون كتاباتهم لي على واتس، كم أحب أن أقرأ لجيل المستقبل وأن أقدم لهم بعض الملاحظات لأنني أهتم كثيرًا بالجيل الشاب فهم المستقبل لدرجة فكرت جديًا أن أنشئ قناة على يوتيوب ثقافية خاصة في فن القصة القصيرة وغايتي أن يستفيد منها الشباب، فالقصة القصيرة فن رائع وصعب ومظلوم جدًا مقارنة بالرواية.
محمود خير الله (شاعر مصري): "ماكيت القاهرة"
أهم كتاب أدبي في مصر عام 2022 من وجهة نظري هو رواية "ماكيت القاهرة" للروائي طارق إمام الصادرة في النصف الثاني من عام 2021، فقد حققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا مبهرًا، لا بسبب ترشحها ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العالمية البوكر، ولا بسبب عدم فوزها بالجائزة، بل بسبب الحالة القرائية المدهشة التي تسببت فيها رواية قائمة أصلًا على الخيال لكنها تحولت إلى موضة في القراءة، وهو حدث غير مسبوق في الرواية المصرية. في الشعر لفتت انتباهي الطبعة الثانية من الأعمال الكاملة للشاعر اللبناني الراحل بسام حجار، الصادرة عن دار الرافدين، هذه الطبعة تؤكد القيمة الكبيرة التي يحتلها بسام في مسار قصيدة النثر العربية، كما أعجبتني ترجمة هاتف الجنابي لـ"الشعر البولندي في خمسة قرون"، وأعجبتني ترجمة هاشم شفيق الجميلة لديوان ريتسوس "قدح حليب دافىء"، كما أعجبتني سيرة "مهنة العيش" لتشيزاري بافيزي ترجمة عباس المفرحي والعناوين الثلاثة الأخيرة عن دار المدى.
أما ترجمة الراحل الكبير محمد عيد إبراهيم لكتاب "قصيدة النثر الأميركية" لديفيد ليمان (دار "خطوط وظلال") فهي من أجمل ما قرأت في الشعر المترجم هذا العام، كما أعجبني من ترجمة الشاعر وليد السويركي: "كمثل شجرة تسقط من ثمرة"، لروبرتو خواروس، وأعجبتني للمترجم نفسه ترجمته لسيرة "الغربان غجر السماء" للشاعر الفرنسي الغجري ألكسندر رومانِس، (دار "الأهلية" الأردن).
في القصة القصيرة أعجبتني مجموعة "في مد الظل" لآية طنطاوي- "دار بتانة"، و"للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق" لمحمد البرمي وكتاب قصص بعنوان "حتى فساتيني" لمجموعة من الكاتبات- "دار المرايا". وبالنسبة للرواية المترجمة أعجبتني: "فيزياء الحزن" للكاتب غيورغي غوسبودينوف- دار "أثر" و"حياة البالغين الكاذبة" للكاتبة إيلينا فيرانتي- "دار الآداب"، كما استمتعت بالرواية التاريخية عن مقتل القائد الشيوعي تروتسكي: "الرجل الذي كان يحب الكلاب" ترجمة القدير بسام البزاز- دار المدى، وأعجبتني رواية السويسرية أليس ريفاز "أبجدية الصباح" ترجمة نهى أبوعرقوب- دار الأهلية.
أبرز أطروحة تاريخية قرأتها هذا العام كانت للعراقي فاضل الربيعي، الذي قرأت له سبعة كتب دفعة واحدة، من "المناحة العظيمة" إلى "القدس ليست أورشليم" و"إرم ذات العماد" و"أسطورة عبور الأردن وسقوط أريحا" و"حقيقة السبي البابلي"، وكلها تخدم فكرته الأصلية عن التاريخ المزيف الذي وضع قصة موسى النبي في جغرافيا مصر والأردن بينما هي وفق ترجمته للتوراة وقعت في جغرافيا اليمن، وقد اشتريت مجموعة الربيعي من السوق المصرية "أون لاين" واكتشفت بعد الشراء أنها ـ للأسف ـ نسخ مزورة.
أما أبرز أطروحة فلسفية فكانت لجوزيف كامبل، وهو ميثولوجي أميركي ومحاضر ومحرر للعديد من الكتب عن الأساطير، وقرأت له كتابين صدرا في 2022 عن "دار تكوين" في الكويت، "المبدأ الأنثوي الأبدي" و"البطل بألف وجه" ترجمة محمد جمال، ويمكن تلخيص مشروعه في ركيزة أساسية هي أن أنماط ومنطق الحكايات والأساطير يطابق أنماط ومنطق الحلم.
أهم كشف أثري في مصر كان في شهر مايو حيث نجحت البعثة الأثرية المصرية العاملة بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون) بمنطقة آثار سقارة، في الكشف عن أول وأكبر خبيئة تضم 150 تمثالًا من البرونز ذات الأحجام المختلفة لعدد من المعبودات المصرية القديمة، منها أنوبيس وآمون مين وأوزير وإيزيس ونفرتوم وباستت وحتحور.
وأهم حدث ثقافة أقامته وزارة الثقافة المصرية هو إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب، الدورة 53 في يناير 2022، والذي زاره أكثر من مليوني زائر، ويليه في الأهمية إقامة الدورة الـ 35 من مؤتمر أدباء مصر في محافظة الوادي الجديد، 29 ديسمبر 2022، تحت عنوان "الفعل الثقافي ومشكلة المعنى"، ويشارك فيها أكثر من 350 أديبًا وباحثًا وإعلاميًا، حيث يعتبر المؤتمر أكبر تجمع ثقافي وأدبي لأدباء ومثقفي مصر من المحافظات كافة.
علي سفر (كاتب وناقد سوري): الحرب ضد أوكرانيا
العودة بعد الإغلاق الذي تسبب به وباء كورونا، وحرب بوتين ضد أوكرانيا، واحتجاجات إيران المستمرة، وصولًا إلى مونديال قطر 2022، هي الأحداث الأساسية أو لأقل الكبرى التي تحكمت بمزاجي الشخصي، بعيدًا عن الشأن السوري الراسخ واليومي!
وهنا ستجرنا التفاصيل إلى قراءات سريعة لوضع المعلومات في قنوات التفكير، لكن سيبقى الترصد للأفلام والكتب والمسرح قائمًا، كطريقة لمواجهة الخفة التي باتت تجرنا صوبها مواقع التواصل الاجتماعي والتي صارت بذاتها قضية تشغل الناس كقصة شراء إيلون ماسك لموقع تويتر.
سيلفت انتباهي في سياق متابعتي الشخصية صدور كتابين باللغة الفرنسية عن سورية، أولهما كتاب "عندما يتقدم الظل، مهمة عالية الخطورة في سورية" لضابطة فرنسية قامت بكتابته كمذكرات شخصية عن عملها في البلاد، وسجلت باسم مستعار هو إنورا شام. وقبيل نهاية العام أصدرت الصحافية الفرنسية غارانس لوكين كتابها الجديد "إنسَ اسمك- مازن الحمادة، مذكرات المغيب"، والذي يأتي بعد كتابها السابق "عملية قيصر- في قلب آلة الموت السورية" (صدر في 2015)، وأهمية الكتاب الجديد تأتي من أنه يذكّر بشخصية اختفت حال عودتها إلى دمشق، ما يعيد إلى الواجهة قضية المعتقلين والمختطفين والمختفين.
على ضفاف هذا الانشغال بالقضية السورية، كشأن سياسي، ستصدر عشرات الكتب الأدبية لمؤلفين سوريين غالبيتهم من الشباب، الأمر الذي يبهج ويشعر المتابع بأن الحياة مستمرة.
عبد الرحيم يوسف (شاعر ومترجم مصري): كتب السيرة الذاتية والاعتراف
كنت محظوظًا هذا العام بقراءة مجموعة من الكتب التي كنت آمل فيها خيرًا ولم تخيب أملي فيها، بعضها صادر هذا العام وبعضها قبله بعام أو اثنين أو أعوام عديدة، لكني سأحاول التركيز على الأحدث منها. سعدت في بداية العام بقراءة كتاب (تاريخ العصامية والجربعة: تأملات نقدية في الاجتماع السياسي الحديث) للباحث الأستاذ محمد نعيم الصادر عن دار المحروسة، وفي ظني أنه من أمتع ما قرأت من كتب تحلل سمات وسلوكيات مختلفة في الشخصية المصرية الحديثة عبر تحليل ذكي وموجع ومتفكه أحيانًا لأحداث تاريخية قديمة وحديثة وانعكاساتها على المجتمع والشخصية المصريين في القرنين الأخيرين وحتى الآن. ثمة كتاب آخر صدر هذا العام عن دار المرايا المصرية للباحث والكاتب خالد منصور هو (من طالبان إلى طالبان: مشاهدات عامل إغاثة في أفغانستان) وهو كتاب كاشف لمأساة العيش في هذه المنطقة البائسة والغنية بتاريخها وثقافتها ومعاركها القاتلة، وفاضح لبؤس وبيروقراطية وشكلانية عمل منظمات الإغاثة الدولية، قرأت بعده كتابا أضاف المزيد لمعرفتي بهذا الجانب المأساوي والمتعدد الأوجه من العمل الدولي، وهو كتاب لمجموعة من الباحثين بعنوان: Everybody's War: The Politics of Aid in the Syria Crisis "حرب الجميع: سياسات الإغاثة في الأزمة السورية" والذي شرفت بترجمته وسيصدر بالعربية قريبا.
لم أقرأ من الشعر الكثير لكن ديوان "على حافة العالم" الصادر عن سلسلة الإبداع الشعري بالهيئة المصرية العامة للكتاب للشاعر والكاتب محمود عاطف كان هو أفضل ما قرأته في تقديري.
في الرواية كنت أكثر حظًا. سعدت بقراءة رواية "الكل يقول أحبك" الصادرة عن دار الشروق، للكاتبة والأكاديمية مي التلمساني، إحدى رموز جيل التسعينيات في مصر، وتتبعها الرهيف والرصين لعلاقات عاطفية متشابكة وشائكة بين مجموعة من المهاجرين العرب في كندا. ثم جاءت رواية "بولاق الفرنساوي" للعم حجاج أدول الصادرة عن دار إيبيدي والتي يتتبع فيها ببساطة وحميمية جانبا من سيرته الذاتية إبان فترة تجنيده ما بين حربي 1967 و1973، مركزًا على منطقة من القاهرة هي بولاق الفرنساوي وشخوصها العجيبة والمميزة. بعدها قرأت الرواية الفاتنة "أقفاص فارغة" الصادرة عن دار الكتب خان للشاعرة والأكاديمية فاطمة قنديل، رواية سيرة ذاتية جميلة وجريئة ومؤلمة. سعدت أيضا بقراءة رواية "عصور دانيال في مدينة الخيوط" الصادرة عن دار العين للكاتب والمترجم أحمد عبد اللطيف، وفيها يواصل أحمد صياغته المبدعة لعالمه الروائي الفريد والمدهش والفاتن. أخيرًا قرأت رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" الصادرة عن دار منشورات المتوسط للمفكر عبد الفتاح كيليطو، الذي لا يكف عن إدهاشنا وإمتاعنا بغوصه في التراث الأدبي والثقافي العربي وخروجه بدرر ثمينة سواء في كتبه المقالية أو الروائية.
لعل أهم حدثين ثقافيين في رأيي هما فوز الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل للأدب، وفوز المصرية فاطمة قنديل بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية التي تقدمها الجامعة الأميركية بالقاهرة عن روايتها التي أشرت إليها سابقًا "أقفاص فارغة". مفارقة مدهشة أن تتوجه الجائزتان لكاتبتين تقوم أعمالهما على السيرة الذاتية وكتابات الاعتراف في شجاعة وتبصر كبيرين. وفي شعرية باذخة أيضا على الرغم من اللغة العارية والواضحة.
سفيان رجب (كاتب تونسي): كأس العالم
المخلفات النفسية لكورونا والمخلفات الاقتصادية لحرب روسيا وأوكرانيا طبخت لنا سنة مرّة وكريهة، لم يخفّف من ثقلها سوى كأس العالم للأمم. أغلب التظاهرات والملتقيات الثقافية انقطعت، وما صمد منها في هذه الظروف القاسية فقد وهجه واختبأ في الصالونات الباردة، بعيدا عن نار الكرنفالات الشعبية الحيّة، لا قيمة للمهرجانات الثقافية إذا أفرغت من روحها الشعبية العظيمة. في أفريقيا مثلا وفي أميركا الجنوبية بدأت تنقرض مهرجانات كثيرة، وأكلتها الملتقيات المعلّبة بالشعارات الزائفة.
في هذه السنة قرأت بعض الروايات العربية الجديدة، "دلشاد" للكاتبة العمانية بشرى خلفان و"أسير البرتغاليين" للكاتب المغربي محسن لوكيل، وشدّتني الروايتان كثيرًا. كما قرأت رواية تجريبية مهمّة هي رواية "ماكيت القاهرة" للكاتب المصري طارق إمام. لكن أهمّ رواية قرأتها حسب رأيي هي رواية "أمّ ميمي" للكاتب المصري بلال فضل، والتي لامست قضايا حديثة بروح شعبية ساخرة، ودون تحذلق فني.
نبيل مملوك (شاعر وصحافي لبناني): استعادة دور بيروت الثقافي
في حقيقة الأمر أصعب ما يُطلب من القارئ هو اختيار الكتب التي أسرته وخطفت انتباهه. لهذا سأحاول أن أذكر من كل المجالات الكتب التي لفتتني؛ سأبدأ بالسياسة: "تدمير العالم العربي: وثائق الغرف السوداء" لد. سامي كليب كتاب نادرًا ما نجد نظيرًا له نظرًا لعناية كاتبه البحثيّة بالتساؤل حول المسببات لما ٱل إليه الواقع العربي خلال وبعد الربيع العربي وما هو المنتظر وكيف سنواجهه؛ كتاب يوثق كل معلومة ويطرحها بموضوعية ونزاهة بعيدا عن أي تحيز لأي طرف أو شخصيّة سياسية ويحرّض على التساؤل والنقد الذاتي والاستكشاف.
أما في التاريخ، "تاريخ لبنان الحديث" للمفكر والأكاديمي د. فواز طرابلسي الذي يثبت فيه بدراسة أكاديمية محكمة كيف يدور لبنان منذ عهد فخر الدين المعني الثاني الكبير حتى الطائف في نفس الحلقة ويرتجل نفس الاقتتال والحروب.
عن الشعر، أعمال الشباب كانت الآسر رقم واحد لي.. من عمل محمود وهبة الأخير "ليس حبا بل دعابة وكتاب الأخطاء" لأوس حسن ومجموعة ميشيل الرائي ومختارات بوكوفسكي الشعرية ترجمة سامر أبو هواش ومختارات آلان بوسكيه الشعرية ترجمة أدونيس.
أما في الرواية، "القتيلة رقم 232" لجمانة حداد حيث الوقوف بوجه الدمار بسلاسة وأنوثة وتمرد و"الطريق الرابع" للدكتورة نتالي الخوري الغريب حيث احتواء مسرحة الأحداث والتساؤلات الروائية ضمن نص فلسفي مكثف. وكذلك رواية "عروس القمر" لمحمد طرزي التي أتت كرد فعل على تغلب النبرة البحثية التاريخية على فنيته كروائي.
بخصوص الفعاليات لفتني معرض الرياض للكتاب من ناحية التنظيم والاحتفاء بالقراء،ونهضة الحرف في بيروت من خلال معرض بيروت الدولي للكتاب في محاولة قد تبدو مستحيلة حتى الآن لاستعادة دور بيروت الثقافي.
عاطف محمد عبد المجيد (كاتب مصري): الفنون والثقافة ليستا من "الرفاهيات"
بالنسبة للكتب التي صدرت خلال العام 2022 فهي كثيرة يصعب حصر أهمها أو أفضلها، لكن يمكنني أن أقول إن من هذه الكتب كتاب "الثروة الإبداعية للأمم... هل تستطيع الفنون أن تدفع التنمية إلى الأمام؟" الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بدولة الكويت، لمؤلفه باتريك كاباندا، وأنجز ترجمته المفكر الراحل د. شاكر عبد الحميد، ويناقش الفكرة القائلة إن الفنون والثقافة ليستا من "الرفاهيات" لكنهما أمران جوهريان في المهمة الأساسية الخاصة بالتنمية، وفيه يركز مؤلفه على أهمية الفنون والثقافة ودورهما في إثراء حياة البشر، وأيضًا تلك الطرق العملية التي يمكن من خلالها توظيف الفنون وتطبيقها من أجل تعزيز عمليات التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كذلك هناك كتاب "ألف نافذة لغرفة واحدة... رحلة بين الطبيعة والطبائع" الحائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة فرع الرحلة المعاصرة 2022، الصادر عن دار السويدي للنشر والتوزيع بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهو كتاب ينتمي إلى أدب الرحلات.
وبالنسبة للأحداث الثقافية فأهمها فوز الكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل في الآدب لهذا العام، ومصريًّا فوز الكاتبة والشاعرة فاطمة قنديل بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها "أقفاص فارغة".
عماد الدين موسى 11 يناير 2023
هنا/الآن
(gettyimages)
شارك هذا المقال
حجم الخط
بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالعالم جراء الحروب والصراعات لا يزال للثقافة ذلك الحيّز البارز والحميم في حياتنا حيثُ أقيمت وعلى مدار العام المنصرم العديد من الأنشطة والفعاليّات الرسميّة أو الأهليّة من معارض فنّية ومهرجانات أدبيّة إلى معارض الكتب، عدا عن الكم اللافت من الكتب والتي جاءت متنوعةً من حيثُ العناوين والاهتمامات.
حول أبرز الكتب التي صدرت خلال عام 2022، وكذلك أبرز الفعاليات الثقافية، يتحدث لنا عدد من الكتّاب العرب من خلال التقرير التالي.
هنا الجزء الثاني والأخير:
عبد الهادي سعدون (روائي وأكاديمي عراقي يقيم في مدريد): جائزة الترجمة
برأيي وقبل ذكر كل ما أثار اهتمامي في عام 2022، أقول إن العودة للحياة الطبيعية بشكل يكاد يكون تامًا بعد مرارة جائحة الكوفيد 19، من أهم المعالم التي أعادتنا للمشاركات والملتقيات والظواهر الطبيعية للتواصل مع الفنون والآداب بصورة حية ومباشرة بعد أن كانت واجهة الكاميرا والكمبيوتر هي صلتنا الوحيدة مع العالم خلال العامين المنصرمين. وهو ما أتاح لي ولغيري المشاركات الخارجية الواسعة في مدن إسبانيا المختلفة وأميركا اللاتينية وأوروبا والعالم العربي.
عادة ما أقول في هذه النوعية من الاستفتاءات، إن بعض المطالعات والقراءات والمشاهدات ربما لا تنتمي لعام 2022، بل وصلتني أو وصلتها أنا بشكل متأخر، لذا هنا خياراتي مشتركة ومتشابكة حتمًا مع أعوام أخرى قريبة. من بين أهم ما أثارني عاطفيًا حقيقة هو رؤية تحفة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، الملعب الرياضي لكرة القدم، متجسدة ومنارة وتثير إعجاب العالم خلال دورة كأس العالم في الدوحة. أذكر هنا معرض استعادي لأعمال الكولومبي بوتيرو في متحف الفن الحديث في مدريد كحدث فني مهم ومؤثر، وأيضًا المعرض المشترك لمنحوتات بيكاسو وزميله الإسباني خوليو غونثالث اللذين غيرا خريطة الفن التشكيلي والنحت في اتجاهه التكعيبي.
من بين الكتب الأخيرة التي أطلعت عليها وأجدها جديرة بأرقى المكتبات والتي برأيي تضاهي أبرز الدراسات والإصدارات العالمية التي أطلع عليها باللغة الإسبانية بشكل دائم، مؤلفات الباحث العراقي سعيد الغانمي وخاصة الإصدارين الأخيرين: "مفاتيح خزائن السرد العربي" و"خيال لا ينقطع (دراسة في ألف ليلة وليلة)"، وكذلك دراساته وتراجمه وتحقيقاته الأخرى الصادرة كلها عن دور النشر الرافدين والجمل وشهريار، وأضيف لها نتاج الدكتور خزعل الماجدي في الأسطورة والميثولوجيا والتاريخ القديم والتي يتحفنا بها بشكل متتابع منذ سنين والتي أصدر فيها موسوعات وكتبا مهمة في هذا العام. كما يمكنني إضافة الترجمة التحقيق للباحث د. ضياء حميو المعنون "عهدة النساك" لـ بطرس الفونس، في خطوة مهمة لإعادة هذا الأثر المفقود بتراث سردنا العربي القديم وأثره الكبير على نشأة السرد الأوربي.
ومن ناحية صلتي باللغة الإسبانية يمكنني الإشارة لفقدنا إثنين من كتاب الإسبانية المهمين وهما الشاعر المهم آنخل غيندا والذي ترجمنا له أكثر من كتاب إلى العربية من بينها "وضوح داخلي" عن دار دراويش، وكذلك الروائية المودينا غرانديس صاحبة مشروع كتابة العصر الحالي لإسبانيا بكل تناقضاتها ونظراتها المتشابكة في أكثر من 12 رواية معروفة. ولعلي هنا أضيف للقائمة ظاهرة كتاب "الأبدية في حنايا القصب" للكاتبة الشابة إيرينه باييخو، وهو كتاب نقدي عن أثر الكتابة والقراءة بتأسيس حضاراتنا المتعاقبة متخذة من سومر ومصر ركيزة تأسيس الثقافة والفكر العالميين، وهذا الكتاب رغم صدوره من أكثر من أربعة أعوام، فما زال يتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعًا، وهو بترجماته لأكثر من ثلاثين لغة عالمية يكون قد باع ملايين النسخ، وهو امر غير طبيعي لكتاب بحثي نقدي وليس لعمل روائي.
أما من الناحية الشخصية فقد سعدت بإصدار روايتي الرابعة "متنزه الحريم" عن دار شهريار العراقية وكذلك ديواني الثاني المكتوب مباشرة باللغة الإسبانية "توازن بسيط" عن دار بالابرديدا المدريدية. كما كان هذا العام مناسبة لصدور دراستي وحواري المطول عن الشاعر العراقي عيسى الياسري في كتاب بعنوان "أبواب العودة وأبواب الانتظار" عن دار خطوط، وبالطبع صدور "المعلقات العشر" العربية لأول مرة باللغة الإسبانية بعد عمل لأكثر من عام، بطبعة متكاملة بإشراف ومراجعتي وتقديمي رفقة كادر من خيرة المستعربين الإسبان. وكذلك صدور رابع انطولوجيا أعدها وأترجمها للشعر العراقي باللغة الإسبانية عن دار الحلقة الشعرية في المكسيك. وأخيرًا كان عام تكريمي وحصولي على جائزة الترجمة عن كل أعمالي في معرض مدريد الدولي للكتاب.
محمد سعيد احجيوج (روائي مغربي): جائزة البوكر
ما كاد العالم يستعيد أنفاسه بعد استقرار طفرات كورونا، حتى جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية ليتزعزع الاستقرار من جديد، ومعه التغيرات المناخية، ويرتفع سعر الورق بشكل خرافي وتكلفة النقل، فنصل إلى النتيجة الاضطرارية: تأثر سوق الكتاب، من جهة محدودية التوزيع (وتلك أزمة شبه دائمة) ومن جهة أخرى ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالي انخفاض عدد الإصدارات التي يتحمل الناشر تكلفتها، دون أن تتأثر الإصدارات التي يتحمل الكاتب تكلفتها، وهذه في مجملها متواضعة الجودة.
عادت دورة معارض الكتب العربية لحركتها الطبيعية، مما سهل من توزيع وترويج الإصدارات الجديدة، غير أن العملية عموما تبقى بطيئة ومحدودة، وكل هذه المقدمة الطويلة لأقول باستحالة الحديث عن "حصاد" حقيقي للإنتاج الثقافي، حيث إنه وإن كان الإنتاج معقولًا فإن التوزيع منعدم.
عمومًا، تبقى جائزة البوكر، الجائزة العالمية للرواية العربية، هي الحدث الثقافي الأبرز في كل سنة، بما تخلقه دائمًا من ضجة، صحية رغم كل هفوات الجائزة، وبالأضواء التي تركزها على بضع روايات في قوائمها. ارتباطًا بالبوكر، وحتى دونها، أعتقد أن الكثيرين سيضعون رواية طارق إمام "ماكيت القاهرة" ضمن أهم ما لفت نظرهم هذه السنة، وهي فعلًا رواية جميلة تستحق كل احتفاء. كذلك لا بد من التنويه بإصدارات الباحث المتميز سعيد الغانمي، التي تعددت هذه السنة، وكان أبرزها كتاب "خيال لا ينقطع: قراءة في ألف ليلة وليلة" وأضيف إليه "مفاتيح خزائن السرد"، الذي صدر تقنيًا صيف العام الماضي لكن دعونا نمنح أنفسنا بعض المرونة في تحديد هذا الحصاد بسبب بطء شبكة التوزيع.
عالميًا لعل الحدث الأبرز هو الاعتداء على الكاتب الهندي/ البريطاني/ الأميركي سلمان رشدي، خلال أحد لقاءاته مع جمهور القراء، لدوافع تعود إلى روايته المثيرة للجدل "آيات شيطانية" والفتوى الإيرانية بهدر دمه. يعيدنا هذا مجددا إلى مأزق حرية التعبير الضيقة الممنوحة للكاتب، وهيمنة الجهل وسهولة توجيه الجماهير نحو الكراهية بدوافع دينية أو قومية.
أما على المستوى الشخصي، كانت سنة مثمرة بدأت بصدور روايتي الثالثة "ليل طنجة"، في شهر كانون الثاتي/ يناير، وهي التي حصل مخطوطها من قبل على جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، وانتهت بصدور روايتي الرابعة "ساعي البريد لا يعرف العنوان". وفي منتصفها كان من نصيب روايتي الثانية "أحجية إدمون عمران المالح" التتويج في القائمة القصيرة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية.
هيفاء بيطار (كاتبة وطبيبة سورية تقيم في باريس): جائزة الخيال العلمي للأدباء الشباب
من الفعاليات الثقافية التي شاركت بها هي أنني كنت في لجنة تحكيم جائزة الخيال العلمي للأدباء الشباب من قبل بيت واشنطن للفنون الذي تُشرف عليه الإعلامية سهيلة بو رزق منذ ربع قرن، وقد نالت الصديقة بو رزق جائزة أهم صحافية للعام 2022 وهي تشرف على موقع (الكتابة). كانت تجربة رائعة أن أكون في لجنة تحكيم جائزة الخيال العلمي أنا والصديق واسيني الأعرج. ولا أخفي توتري حين طلبت مني المبدعة سهيلة أن أكون في لجنة تحكيم جائزة القصة القصيرة للخيال العلمي ذلك أننا في عالمنا العربي لا نعرف هذا النوع من الإبداع فلا أذكر– مثلًا– أنني قرأت رواية خيال علمي– إلا إذا اعتبرنا بعض قصص ألف ليلة وليلة خيالا علميا– تلقيت مجموعة من قصص الشباب كتبوا قصصًا قصيرة عن الخيال العلمي، في الواقع معظم القصص كانت رائعة، وكم أغنتني تلك التجربة وحفزتني لأكتب رواية أو قصصًا من الخيال العلمي، وأكثر ما أسعدني موهبة الشباب (ت) المشاركين فالشباب يملكون الحماسة التي يفتقد لها الكبار.
الحدث المهم بالنسبة لي هو صدور روايتي "امرأة من هذا العصر" باللغة الفرنسية عن دار نشر لامارتان وهي الرواية الأحب إلى قلبي والتي احتفى بها النقاد كثيرًا وقد تم تكريمي في مدينة مونبلييه لأن المترجم هو أستاذ الترجمة في جامعة مونبلييه وكان تكريمًا رائعًا حضره الكثير من المثقفين الفرنسيين من أدباء وشعراء وأصحاب دور نشر وغيرهم من الحضور. أسعدني أن أستمع لأسئلتهم ونقاشاتهم، وفي اليوم التالي اصطحبوني إلى جبال السيفين التي ترتفع 3500 متر عن سطح البحر وهي جبال رائعة.
كما تمت ترجمة أكثر من خمس عشرة قصة قصيرة كتبتها، تم اختيارها من بين مجموعات قصصية لي خاصة من الكتاب "أن تكون إنسانًا"، الكتاب الذي طبعه لي الصديق المثقف حسان عباس إذ جمع كل مقالاتي من عام 2012 إلى عام 2020 في كتاب وضع له عنوانًا "أن تكون إنسانًا". سيصدر الكتاب هذا الشهر أي بداية سنة 2023. هي خطوة مهمة أن تُقرأ قصصي القصيرة المترجمة للإنكليزية في أميركا وغيرها.
بالنسبة للقراءة، من أجمل الروايات التي قرأتها وأعجبتني جدًا رواية "ماكيت القاهرة" للمصري طارق إمام. رواية إبداعية بإمتياز. كذلك الرواية الرائعة "خبز على طاولة الخال ميلاد" لمحمد النعاس. روايتان رائعتان في الأفكار والأسلوب حيث تم تجديد الأسلوب وأحببت جدًا هذا التجديد وأقول بصدق إن طارق إمام ومحمد النعاس تفوقا على كتاب كبار. وقرأت تقريبًا كل أعمال الكاتب الجزائري العالمي ياسمينا خضرا (هو حاليًا مدير المركز الثقافي الجزائري في باريس) وهو من أهم الكتاب في العالم تُباع كتبه بالملايين، وهو متخصص في عقلية الإرهاب ولكن– للأسف الشديد– هناك تقصير كبير في عالمنا العربي في ترجمة أعماله. من أروع روايات ياسمينا خضرا رواية "الصدمة" ورواية "فضل الليل على النهار" ورواية "سنونو كابول" ورواية "الليلة الأخيرة للريس" والمقصود القذافي وقد تحولت بعض رواياته إلى أفلام. قرأت رواية "لم أخرج من ليلي" لآني إرنو. كما أعدت قراءة روايتي "الوباء" و"التلال" للروائي الراحل هاني الراهب الذي تم فصله من اتحاد الكتاب العرب!!!.
من الروايات التي أعجبتني جدًا رواية محمد الأحمد "متاهة أخيرهم". أيضًا الكتاب الرائع "تصفية استعمار العقل" للكاتب نعوجي واثينغو وبترجمة إبداعية لسعدي يوسف. لكن أهم الكتب هو "رومنطقيو المشرق العربي" للكاتب حازم صاغية. وقرأت كتاب "أميركا والعالم" لغسان سلامة. في الواقع قرأت كثيرًا ولكن لفت نظري في مكتبات باريس القسم المخصص لأدب الأطفال، قصص روعة في الشكل والرسوم وطريقة طرح مواضيع لم أكن أتخيل يومًا أن تُكتب كقصص للأطفال. مثلًا قصة للأطفال عن العبودية لكن مكتوبة بطريقة رائعة ليس فيها رعب وفيها ذكاء وموهبة عالية في تقديم فكرة صعبة للأطفال وغيرها من القصص. وأخيرًا قرأت رواية "فارس الرمال" لجورج أمادو. وفي الواقع أقرأ الكثير لأدباء شباب لم يطبعوا أعمالهم بعد يرسلون كتاباتهم لي على واتس، كم أحب أن أقرأ لجيل المستقبل وأن أقدم لهم بعض الملاحظات لأنني أهتم كثيرًا بالجيل الشاب فهم المستقبل لدرجة فكرت جديًا أن أنشئ قناة على يوتيوب ثقافية خاصة في فن القصة القصيرة وغايتي أن يستفيد منها الشباب، فالقصة القصيرة فن رائع وصعب ومظلوم جدًا مقارنة بالرواية.
محمود خير الله (شاعر مصري): "ماكيت القاهرة"
أهم كتاب أدبي في مصر عام 2022 من وجهة نظري هو رواية "ماكيت القاهرة" للروائي طارق إمام الصادرة في النصف الثاني من عام 2021، فقد حققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا مبهرًا، لا بسبب ترشحها ضمن القائمة القصيرة لجائزة الرواية العالمية البوكر، ولا بسبب عدم فوزها بالجائزة، بل بسبب الحالة القرائية المدهشة التي تسببت فيها رواية قائمة أصلًا على الخيال لكنها تحولت إلى موضة في القراءة، وهو حدث غير مسبوق في الرواية المصرية. في الشعر لفتت انتباهي الطبعة الثانية من الأعمال الكاملة للشاعر اللبناني الراحل بسام حجار، الصادرة عن دار الرافدين، هذه الطبعة تؤكد القيمة الكبيرة التي يحتلها بسام في مسار قصيدة النثر العربية، كما أعجبتني ترجمة هاتف الجنابي لـ"الشعر البولندي في خمسة قرون"، وأعجبتني ترجمة هاشم شفيق الجميلة لديوان ريتسوس "قدح حليب دافىء"، كما أعجبتني سيرة "مهنة العيش" لتشيزاري بافيزي ترجمة عباس المفرحي والعناوين الثلاثة الأخيرة عن دار المدى.
أما ترجمة الراحل الكبير محمد عيد إبراهيم لكتاب "قصيدة النثر الأميركية" لديفيد ليمان (دار "خطوط وظلال") فهي من أجمل ما قرأت في الشعر المترجم هذا العام، كما أعجبني من ترجمة الشاعر وليد السويركي: "كمثل شجرة تسقط من ثمرة"، لروبرتو خواروس، وأعجبتني للمترجم نفسه ترجمته لسيرة "الغربان غجر السماء" للشاعر الفرنسي الغجري ألكسندر رومانِس، (دار "الأهلية" الأردن).
في القصة القصيرة أعجبتني مجموعة "في مد الظل" لآية طنطاوي- "دار بتانة"، و"للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق" لمحمد البرمي وكتاب قصص بعنوان "حتى فساتيني" لمجموعة من الكاتبات- "دار المرايا". وبالنسبة للرواية المترجمة أعجبتني: "فيزياء الحزن" للكاتب غيورغي غوسبودينوف- دار "أثر" و"حياة البالغين الكاذبة" للكاتبة إيلينا فيرانتي- "دار الآداب"، كما استمتعت بالرواية التاريخية عن مقتل القائد الشيوعي تروتسكي: "الرجل الذي كان يحب الكلاب" ترجمة القدير بسام البزاز- دار المدى، وأعجبتني رواية السويسرية أليس ريفاز "أبجدية الصباح" ترجمة نهى أبوعرقوب- دار الأهلية.
أبرز أطروحة تاريخية قرأتها هذا العام كانت للعراقي فاضل الربيعي، الذي قرأت له سبعة كتب دفعة واحدة، من "المناحة العظيمة" إلى "القدس ليست أورشليم" و"إرم ذات العماد" و"أسطورة عبور الأردن وسقوط أريحا" و"حقيقة السبي البابلي"، وكلها تخدم فكرته الأصلية عن التاريخ المزيف الذي وضع قصة موسى النبي في جغرافيا مصر والأردن بينما هي وفق ترجمته للتوراة وقعت في جغرافيا اليمن، وقد اشتريت مجموعة الربيعي من السوق المصرية "أون لاين" واكتشفت بعد الشراء أنها ـ للأسف ـ نسخ مزورة.
أما أبرز أطروحة فلسفية فكانت لجوزيف كامبل، وهو ميثولوجي أميركي ومحاضر ومحرر للعديد من الكتب عن الأساطير، وقرأت له كتابين صدرا في 2022 عن "دار تكوين" في الكويت، "المبدأ الأنثوي الأبدي" و"البطل بألف وجه" ترجمة محمد جمال، ويمكن تلخيص مشروعه في ركيزة أساسية هي أن أنماط ومنطق الحكايات والأساطير يطابق أنماط ومنطق الحلم.
أهم كشف أثري في مصر كان في شهر مايو حيث نجحت البعثة الأثرية المصرية العاملة بجبانة الحيوانات المقدسة (البوباسطيون) بمنطقة آثار سقارة، في الكشف عن أول وأكبر خبيئة تضم 150 تمثالًا من البرونز ذات الأحجام المختلفة لعدد من المعبودات المصرية القديمة، منها أنوبيس وآمون مين وأوزير وإيزيس ونفرتوم وباستت وحتحور.
وأهم حدث ثقافة أقامته وزارة الثقافة المصرية هو إقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب، الدورة 53 في يناير 2022، والذي زاره أكثر من مليوني زائر، ويليه في الأهمية إقامة الدورة الـ 35 من مؤتمر أدباء مصر في محافظة الوادي الجديد، 29 ديسمبر 2022، تحت عنوان "الفعل الثقافي ومشكلة المعنى"، ويشارك فيها أكثر من 350 أديبًا وباحثًا وإعلاميًا، حيث يعتبر المؤتمر أكبر تجمع ثقافي وأدبي لأدباء ومثقفي مصر من المحافظات كافة.
علي سفر (كاتب وناقد سوري): الحرب ضد أوكرانيا
العودة بعد الإغلاق الذي تسبب به وباء كورونا، وحرب بوتين ضد أوكرانيا، واحتجاجات إيران المستمرة، وصولًا إلى مونديال قطر 2022، هي الأحداث الأساسية أو لأقل الكبرى التي تحكمت بمزاجي الشخصي، بعيدًا عن الشأن السوري الراسخ واليومي!
وهنا ستجرنا التفاصيل إلى قراءات سريعة لوضع المعلومات في قنوات التفكير، لكن سيبقى الترصد للأفلام والكتب والمسرح قائمًا، كطريقة لمواجهة الخفة التي باتت تجرنا صوبها مواقع التواصل الاجتماعي والتي صارت بذاتها قضية تشغل الناس كقصة شراء إيلون ماسك لموقع تويتر.
سيلفت انتباهي في سياق متابعتي الشخصية صدور كتابين باللغة الفرنسية عن سورية، أولهما كتاب "عندما يتقدم الظل، مهمة عالية الخطورة في سورية" لضابطة فرنسية قامت بكتابته كمذكرات شخصية عن عملها في البلاد، وسجلت باسم مستعار هو إنورا شام. وقبيل نهاية العام أصدرت الصحافية الفرنسية غارانس لوكين كتابها الجديد "إنسَ اسمك- مازن الحمادة، مذكرات المغيب"، والذي يأتي بعد كتابها السابق "عملية قيصر- في قلب آلة الموت السورية" (صدر في 2015)، وأهمية الكتاب الجديد تأتي من أنه يذكّر بشخصية اختفت حال عودتها إلى دمشق، ما يعيد إلى الواجهة قضية المعتقلين والمختطفين والمختفين.
على ضفاف هذا الانشغال بالقضية السورية، كشأن سياسي، ستصدر عشرات الكتب الأدبية لمؤلفين سوريين غالبيتهم من الشباب، الأمر الذي يبهج ويشعر المتابع بأن الحياة مستمرة.
عبد الرحيم يوسف (شاعر ومترجم مصري): كتب السيرة الذاتية والاعتراف
كنت محظوظًا هذا العام بقراءة مجموعة من الكتب التي كنت آمل فيها خيرًا ولم تخيب أملي فيها، بعضها صادر هذا العام وبعضها قبله بعام أو اثنين أو أعوام عديدة، لكني سأحاول التركيز على الأحدث منها. سعدت في بداية العام بقراءة كتاب (تاريخ العصامية والجربعة: تأملات نقدية في الاجتماع السياسي الحديث) للباحث الأستاذ محمد نعيم الصادر عن دار المحروسة، وفي ظني أنه من أمتع ما قرأت من كتب تحلل سمات وسلوكيات مختلفة في الشخصية المصرية الحديثة عبر تحليل ذكي وموجع ومتفكه أحيانًا لأحداث تاريخية قديمة وحديثة وانعكاساتها على المجتمع والشخصية المصريين في القرنين الأخيرين وحتى الآن. ثمة كتاب آخر صدر هذا العام عن دار المرايا المصرية للباحث والكاتب خالد منصور هو (من طالبان إلى طالبان: مشاهدات عامل إغاثة في أفغانستان) وهو كتاب كاشف لمأساة العيش في هذه المنطقة البائسة والغنية بتاريخها وثقافتها ومعاركها القاتلة، وفاضح لبؤس وبيروقراطية وشكلانية عمل منظمات الإغاثة الدولية، قرأت بعده كتابا أضاف المزيد لمعرفتي بهذا الجانب المأساوي والمتعدد الأوجه من العمل الدولي، وهو كتاب لمجموعة من الباحثين بعنوان: Everybody's War: The Politics of Aid in the Syria Crisis "حرب الجميع: سياسات الإغاثة في الأزمة السورية" والذي شرفت بترجمته وسيصدر بالعربية قريبا.
لم أقرأ من الشعر الكثير لكن ديوان "على حافة العالم" الصادر عن سلسلة الإبداع الشعري بالهيئة المصرية العامة للكتاب للشاعر والكاتب محمود عاطف كان هو أفضل ما قرأته في تقديري.
في الرواية كنت أكثر حظًا. سعدت بقراءة رواية "الكل يقول أحبك" الصادرة عن دار الشروق، للكاتبة والأكاديمية مي التلمساني، إحدى رموز جيل التسعينيات في مصر، وتتبعها الرهيف والرصين لعلاقات عاطفية متشابكة وشائكة بين مجموعة من المهاجرين العرب في كندا. ثم جاءت رواية "بولاق الفرنساوي" للعم حجاج أدول الصادرة عن دار إيبيدي والتي يتتبع فيها ببساطة وحميمية جانبا من سيرته الذاتية إبان فترة تجنيده ما بين حربي 1967 و1973، مركزًا على منطقة من القاهرة هي بولاق الفرنساوي وشخوصها العجيبة والمميزة. بعدها قرأت الرواية الفاتنة "أقفاص فارغة" الصادرة عن دار الكتب خان للشاعرة والأكاديمية فاطمة قنديل، رواية سيرة ذاتية جميلة وجريئة ومؤلمة. سعدت أيضا بقراءة رواية "عصور دانيال في مدينة الخيوط" الصادرة عن دار العين للكاتب والمترجم أحمد عبد اللطيف، وفيها يواصل أحمد صياغته المبدعة لعالمه الروائي الفريد والمدهش والفاتن. أخيرًا قرأت رواية "والله إن هذه الحكاية لحكايتي" الصادرة عن دار منشورات المتوسط للمفكر عبد الفتاح كيليطو، الذي لا يكف عن إدهاشنا وإمتاعنا بغوصه في التراث الأدبي والثقافي العربي وخروجه بدرر ثمينة سواء في كتبه المقالية أو الروائية.
لعل أهم حدثين ثقافيين في رأيي هما فوز الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل للأدب، وفوز المصرية فاطمة قنديل بجائزة نجيب محفوظ للرواية العربية التي تقدمها الجامعة الأميركية بالقاهرة عن روايتها التي أشرت إليها سابقًا "أقفاص فارغة". مفارقة مدهشة أن تتوجه الجائزتان لكاتبتين تقوم أعمالهما على السيرة الذاتية وكتابات الاعتراف في شجاعة وتبصر كبيرين. وفي شعرية باذخة أيضا على الرغم من اللغة العارية والواضحة.
سفيان رجب (كاتب تونسي): كأس العالم
المخلفات النفسية لكورونا والمخلفات الاقتصادية لحرب روسيا وأوكرانيا طبخت لنا سنة مرّة وكريهة، لم يخفّف من ثقلها سوى كأس العالم للأمم. أغلب التظاهرات والملتقيات الثقافية انقطعت، وما صمد منها في هذه الظروف القاسية فقد وهجه واختبأ في الصالونات الباردة، بعيدا عن نار الكرنفالات الشعبية الحيّة، لا قيمة للمهرجانات الثقافية إذا أفرغت من روحها الشعبية العظيمة. في أفريقيا مثلا وفي أميركا الجنوبية بدأت تنقرض مهرجانات كثيرة، وأكلتها الملتقيات المعلّبة بالشعارات الزائفة.
في هذه السنة قرأت بعض الروايات العربية الجديدة، "دلشاد" للكاتبة العمانية بشرى خلفان و"أسير البرتغاليين" للكاتب المغربي محسن لوكيل، وشدّتني الروايتان كثيرًا. كما قرأت رواية تجريبية مهمّة هي رواية "ماكيت القاهرة" للكاتب المصري طارق إمام. لكن أهمّ رواية قرأتها حسب رأيي هي رواية "أمّ ميمي" للكاتب المصري بلال فضل، والتي لامست قضايا حديثة بروح شعبية ساخرة، ودون تحذلق فني.
نبيل مملوك (شاعر وصحافي لبناني): استعادة دور بيروت الثقافي
في حقيقة الأمر أصعب ما يُطلب من القارئ هو اختيار الكتب التي أسرته وخطفت انتباهه. لهذا سأحاول أن أذكر من كل المجالات الكتب التي لفتتني؛ سأبدأ بالسياسة: "تدمير العالم العربي: وثائق الغرف السوداء" لد. سامي كليب كتاب نادرًا ما نجد نظيرًا له نظرًا لعناية كاتبه البحثيّة بالتساؤل حول المسببات لما ٱل إليه الواقع العربي خلال وبعد الربيع العربي وما هو المنتظر وكيف سنواجهه؛ كتاب يوثق كل معلومة ويطرحها بموضوعية ونزاهة بعيدا عن أي تحيز لأي طرف أو شخصيّة سياسية ويحرّض على التساؤل والنقد الذاتي والاستكشاف.
أما في التاريخ، "تاريخ لبنان الحديث" للمفكر والأكاديمي د. فواز طرابلسي الذي يثبت فيه بدراسة أكاديمية محكمة كيف يدور لبنان منذ عهد فخر الدين المعني الثاني الكبير حتى الطائف في نفس الحلقة ويرتجل نفس الاقتتال والحروب.
عن الشعر، أعمال الشباب كانت الآسر رقم واحد لي.. من عمل محمود وهبة الأخير "ليس حبا بل دعابة وكتاب الأخطاء" لأوس حسن ومجموعة ميشيل الرائي ومختارات بوكوفسكي الشعرية ترجمة سامر أبو هواش ومختارات آلان بوسكيه الشعرية ترجمة أدونيس.
أما في الرواية، "القتيلة رقم 232" لجمانة حداد حيث الوقوف بوجه الدمار بسلاسة وأنوثة وتمرد و"الطريق الرابع" للدكتورة نتالي الخوري الغريب حيث احتواء مسرحة الأحداث والتساؤلات الروائية ضمن نص فلسفي مكثف. وكذلك رواية "عروس القمر" لمحمد طرزي التي أتت كرد فعل على تغلب النبرة البحثية التاريخية على فنيته كروائي.
بخصوص الفعاليات لفتني معرض الرياض للكتاب من ناحية التنظيم والاحتفاء بالقراء،ونهضة الحرف في بيروت من خلال معرض بيروت الدولي للكتاب في محاولة قد تبدو مستحيلة حتى الآن لاستعادة دور بيروت الثقافي.
عاطف محمد عبد المجيد (كاتب مصري): الفنون والثقافة ليستا من "الرفاهيات"
بالنسبة للكتب التي صدرت خلال العام 2022 فهي كثيرة يصعب حصر أهمها أو أفضلها، لكن يمكنني أن أقول إن من هذه الكتب كتاب "الثروة الإبداعية للأمم... هل تستطيع الفنون أن تدفع التنمية إلى الأمام؟" الصادر عن سلسلة عالم المعرفة بدولة الكويت، لمؤلفه باتريك كاباندا، وأنجز ترجمته المفكر الراحل د. شاكر عبد الحميد، ويناقش الفكرة القائلة إن الفنون والثقافة ليستا من "الرفاهيات" لكنهما أمران جوهريان في المهمة الأساسية الخاصة بالتنمية، وفيه يركز مؤلفه على أهمية الفنون والثقافة ودورهما في إثراء حياة البشر، وأيضًا تلك الطرق العملية التي يمكن من خلالها توظيف الفنون وتطبيقها من أجل تعزيز عمليات التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كذلك هناك كتاب "ألف نافذة لغرفة واحدة... رحلة بين الطبيعة والطبائع" الحائز على جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة فرع الرحلة المعاصرة 2022، الصادر عن دار السويدي للنشر والتوزيع بالتعاون مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهو كتاب ينتمي إلى أدب الرحلات.
وبالنسبة للأحداث الثقافية فأهمها فوز الكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل في الآدب لهذا العام، ومصريًّا فوز الكاتبة والشاعرة فاطمة قنديل بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها "أقفاص فارغة".