في المشهد الثّقافيّ العربيّ الراهن: الكتاب الرديء ومسؤولية النشر
أحمد عزيز الحسين 3 يناير 2023
هنا/الآن
شارك هذا المقال
حجم الخط
بغية الاطلاع على بعض جوانب المشهد الثقافي العربيّ الراهن بادرت إلى توجيه مجموعة من الأسئلة إلى أدباء ونقّاد، وأصحاب دور نشر عرب، على النحو التالي:
1- ما مسؤوليّة الأنظمة العربيّة عن التّرويج للكتاب الرّديء والدّورية المتهافتة؟
2- ما رأيك بما تنشره دور النّشر العربيّة من كتب تنأى بالمتلقّي العربيّ عن الاهتمام بالجوهريّ والأساسيّ، وتحثّه على الاهتمام بالنّافل والعرضيّ، وتُبعِده عن امتلاك رؤية جماليّة حصيفة تنأى به عن وعْيِ واقعه، والخلاص ممّا هو فيه؟
3- ما تقييمك للنّقد الصّحافيّ في الوطن العربيّ، وهل تراه قادرًا على تزويد المتلقّي العربيّ بالخبرة الجماليّة التي تؤهِّله للحكم على ما يقرأ، أو يسمع، أو يتذوّق؟
4- ما مدى موضوعيّة لجان التّحكيم في المسابقات الأدبية، وهل تمتلك في رأيك المعايير الكافية للحكم على النّصّ وتقييمه؟
5- ما السّبيل لتلافي التّردّي العربيّ الحاصل في سوق الكتاب، والدّوريّة الثّقافيّة، والنّقد الصّحافيّ، وآليّة منح الجوائز؟
هنا الجزء الأول من الإجابات عن الأسئلة، ويليه جزء ثان وأخير:
في الإجابة عن السُّؤال الأوّل يرى الأكاديميّ والنّاقد العراقيّ حاتم الصكر أنّ الأنظمة العربيّة ليست معنيّة بالكتاب بما يكفي للحكم عليها؛ فهو خارج برامجها؛ لأنّها ببساطة من دون برامج أو استراتيجيّات ثقافيّة، كما أنّ الثّقافة - والكتب كمظهر لها - تأتي دومًا في ذيل اهتماماتها. وثمّة وكلاء ينوبون عنها في الدّعاية والتّهويل والمُناكَدة، والنّميمة على المثقّفين وكتاباتهم أيضًا، بل هي تُولِي مسؤوليّاتها وتوزيرَها أحيانًا لمن لا ينتمون إلى الثّقافة حقًا، أو لمن هم كارهون لها في معتقدهم. إنّها مشغولة بصياغة سياساتها والتّفرُّغ لمعارضيها. كما أنّ الصّحافة غير الثّقافيّة تتكفّل أيضًا بتبييض صفحاتها... هي ومن تتبنّى قناعاته... لكن ْ ثمة ما يجعل المثقّفين يلجؤون إلى النّشر الحكوميّ، كتعنُّت النّاشرين الأهليّين، وجشع بعضهم الفائض عن الحدّ الإنسانيّ والثقافيّ، وتفنُّنهم كوسطاء وباعة في سلب الكاتب حقَّه، أو النّشر غير المسؤول، وتشجيع النَّتاج الهابط لأنّه مدفوع الثّمن.
وبوصفي مشتغلًا سابقًا في الصّحافة الثّقافيّة عبر دوريّات أدبيّة صرف، أحسّ أنّ ثمّة مدخلًا متاحًا يفرضه وعيُ الكتّاب ومثابرتُهم، وتراكم مساهماتهم ومشروعاتهم، فتباري ما تخطِّط له الأنظمة المسؤولة عن هبوط مستوى المطبوعات التي تُدِيرها بسياساتها العشوائيّة والبراغماتيّة، وتمرِّر من خلالها أفكارها التي تصل غالبًا حدّ تجريم الحداثة ومشاريع التّنوير والتّحرُّر.
وما أكثر ما فقدنا من فرص في تنشيط وإحياء دوريّة أو مطبوعة أو مشروع؛ لأنّ السُّلطة حوّلتها إلى دعاية سطحيّة لأفكارها، أو أقحمت فيها كثيرًا من ضعاف القدرة وعديمي الموهبة لينشُر، وينتشِر، أو يهيمن على مجرياتها. وهي في مركزيّتها تلك تحجب الجهد الفرديّ. وقد حصل ذلك حين منعت هذه الأنظمةُ الصّحافة الثقافيّة الخاصّة، وحصرت النّشر في منابرها؛ فأمسى النَّتاجُ الغثُّ والتّابع لسياساتها يحتلّ تلك المساحات المُتاحة. أمّا النّاقد والرّوائيّ السّوريّ نبيل سليمان فينظر إلى الأمر من وجهة نظر أخرى، ويرى أنّنا كثيرًا ما نلجأ إلى تبرئة الذّمّة، ونرمي بالمقابل الأوزار جميعًا، ما كَبُر منها وما صَغُر، على الأنظمة، لكأنّنا ملائكة ومعصومون، أمّا ما عدانا من أنظمة وسواها – ماذا سواها؟ - فهو شيطان رجيم. وليس لهذا التّحذير من غرض إلّا أن نتحمّل المسؤوليّة، وألاّ نستمرئ تبرئة الذّات الفرديّة أو الجماعيّة.
قد يعجّل بعضُهم هنا بالسُّؤال عن مسؤولية هذه الذّات في التّرويج للكتاب الرّديء والدّوريّة المتهافتة. وفي الجواب أسارع إلى التّذكير – والتّحذير دومًا – من العصبويّة الحزبيّة السّياسيّة أو الدّينيّة. فعندما تقول - مثلًا - رواية (سيامندا بين الأدغال) رديئة، سينقضّ عليك مدافعون إسلاميّون أشاوس عن الشّيخ محمد سعيد رمضان البوطي. وَعندما تقول – مثلًا – ثمّة ترجمة لرواية (ممو زين) أفضل من ترجمة البوطي لها، فسوف يفتك بك أنصاره. والأمر نفسه إن لم يكن أسوأ لو تجرّأتَ، وقلتَ: روايات محمّد إبراهيم العلي، القائد السّابق للجيش الشّعبيّ في سورية، رديئة حتّى لو ترجم بعضَها إلى الرّوسيّة الصّديقُ الرّاحل فؤاد المرعي، سوف ينقضّ عليك هذه المرّة مدافعون بعثيّون أشاوس.
لكن ما هو أكبر من مسؤوليّة الذّات في التّرويج للكتاب الرّديء أو الدّورية المتهافتة، يتعيّن في النِّظام السّياسيّ المهيمِن على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة. هل تذكرون عندما كان يدور شاعر بديوانه الرّديء على المدارس أو النّقابات، متذرِّعًا بتعميم من المحافظ باقتناء الكتاب؟ وقد يكون التّعميم صادرًا عمّن هو أكبر من المحافظ في القيادة السّياسيّة. والطّريف المُوجِع أنّ مثل هذا الشّاعر يبيع النُّسخة من كتابه الرّديء بسعر مضاعف أضعافًا، بأمر من وليّ الأمر.
في السّنوات الطّويلة التي تولّى فيها علي عقلة عرسان رئاسة اتّحاد الكتّاب العرب في سورية، امتلأت مستودعات الاتّحاد بأطنان من الكتب الرّديئة والبالغة الرّداءة. ثمّ جاء يوم من هذه السّنة بيعت فيها تلك الأطنان بالملاليم، ليس من أجل تعميم الثّقافة والفائدة بثمن بخس في زمن الغلاء العظيم، بل للتّخلُّص من الرٌّكام الرّديء والمتهافت الذي بدأ قبل عهد عرسان، ولم ينتهِ برحيله.
وينهج النّاقد والأكاديميّ الجزائريّ محمّد تحريشي نهجًا آخر في الإجابة عن السّؤال فيقول إنّه على الرّغم من أنّ السُّؤال يقوم على محاكمة هذه الأنظمة في سياسة الكتاب، إلا أنّنا يمكن قراءته من مستويات أخرى، منها : أنّ النّظر إلى هذه الإشكاليّة يكون من زاوية الوعي الجمعيّ، ومن باب النّضج الفكريّ الذي يؤسِّس لخطاب فعّال وإيجابيّ يميِّز الجودة من الرّداءة، ويكون له ردّة فعل من دون أيّ مساس بمكوِّناته المؤسِّسة لبنية فكريّة تُزكِّي التّوجُّه الإيجابيّ لسياسة الكتاب في البلاد، وتنتقص من أيّ توجُّه سلبيّ يكون هدفه تدمير الذّات وتهديم كلّ مرجعيّة بنّاءة. مع ضرورة الإشارة إلى أنّ من بين أدوات التّعلُّم واكتساب المعرفة التّلقّي بالسّلبي لكي نميّز الإيجابيّ. ومع ذلك يبقى الأمر متعلِّقًا بتوجُّه عامّ تتداخل فيه المصالح وتتضارب، ومن ثمّ فالمسؤوليّة يتقاسمها الجميعُ أنظمةً وكتّابًا ومثقّفين ومفكِّرين.
ويذهب الأديب المصريّ عمار علي حسن إلى أنّ الأنظمة المستبدَّة تكره الحقيقة، ولهذا تربّي في حجرها دومًا كتّابًا وإعلاميّين لا يمارسون سوى الدّعاية الفجّة لأهل الحكم. وإذا جاء المضمون دعائيًّا فإنّه يكون بالضّرورة سطحيًّا وعابرًا وغارقًا في الأكاذيب، في الوقت الذي تُحارَب فيه وجود صحف أو دوريّات أو كتب تعمل على توعية النّاس بما هم فيه من ظلم وقسر وقهر وظلام، وتنفق بسخاء على كتابات هي أشبه بقلائد الزّينة التي تعلّقها في أعناقها، متوهِّمة أنّ بوسعها أن تداري القبح الذي يسكن أجسادها وخطاباتها وممارساتها.
ويشاركه الأديب والمترجم والنّاشر السّوريّ أحمد م. أحمد (صاحب دار أرواد في طرطوس) هذا الرّأي، ويرى أنّ للأنظمة العربيّة تركيبتَها المتفرّدة، المختلفة عن الأنظمة الشُّموليّة الأخرى؛ إذ تحسب أنّ شعوبها عبارة عن بشر سُذَّجٍ ومتخلِّفين؛ أوّلًا، (بتثقيفِها) الأيديولوجيّ للجماهير عن (الحزب والفكر الواحد) الضّيّقَيْن- التّثقيف الذي يثير سخرية أبسط مواطن من مواطنيّ تلك البلدان؛ وثانيًا، بتبريرها المرتَجَل والمضحك لسياساتِها الدّاخليةَ والخارجيّة أمام شعوبها، وليس آخرًا، وبتسويغها سرقة لقمة النّاس وسلبهم (تحويشاتِ) أعمارهم عن طريق رفع الأسعار، وفرض الضّرائب المجحِفة. ويعلم الجميع أنّ هذه الشُّعوب تتقدَّم على حكوماتها في الوطنيّة والوعي والثّقافة والحداثة. ويبدو أنّ هناك أوامر بأن تبقى المؤسّسات الثّقافيّة قائمة، وأن يكون لها مديرون ورؤساء تحرير ومحرِّرون؛ على أن يكونوا نصف أميّين. المهمّ أن يخلو النّتاج الثّقافيّ من إشارة ناقدة في العمق، وألا يُشار إلى موضع الجرح، وألّا يظهر النّصّ المتفوّق والفكر المتنوّر، فالأنظمة العربيّة المستبدّة الفاسدة تعرف حجمَ تلفيقِها وهشاشة بنْيتها. وأمّا ما لا تهتمّ به، فأن تكسدَ بضاعتها؛ فلا يُقبل أحدٌ على شراء صحفها ومجلّاتها وكتبها، وعندئذٍ فمن السّهل تأمين الجرّافة والشّاحنة اللتين ستنظّفان مستودعات تلك المؤسّسات ؟!!
دور النّشر ولعبة التّسويق
وفي الحديث عن مسؤوليّة دور النّشر عن استشراء هذه الأزمة وتجذيرها في تربة واقعنا الثّقافيّ العربيّ يقول حاتم الصّكر: إنّ السّهم في هذا السُّؤال موجَّه للنّاشرين، مع أنّه لا يوافق على صياغة السّؤال/ الاتّهام نظرًا لوجود تعميم كبير فيه. ويرى أنّ (بعض) النّاشرين لا يخدمون الكتاب ولا الكاتب؛ لأنّه لا برنامج لديهم، ولا تنسيق ولا سيّما في التّرجمة. ومنهم صنف لا يزال ينشر الكتب النّقليّة والإخباريّة وشروح المتون التي ولّى زمنُها، وبعضهم الآخر يثير الإِحَن والفتن، ويحرّض على معاداة التّحضُّر والتّعلُّم، والحريّات، ويتجاهل حقوق المرأة. وهو يرى أنّ هناك إقبالًا على السّائد والمطلوب؛ فكأنّ القارئ هو الذي يوجّه منابر النّشر لا العكس؛ وهكذا ينصاع الكتاب إلى الرّائج والمرغوب، ولا يقدّم للقارئ ما يساعده على أن يرقى في الفهم والاستيعاب والجدل الفكريّ أو القراءة الجادّة. ويذكر أنّ هناك استثناءات هي التي جعلته يتحفّظ على التّعميم، إذ هناك، في رأيه، دورُ نشرٍ أهليّة لها مشاريع وأهداف تسهم في تربية الوعي الجماليّ، والتّعريف بالنّتاج الجيّد والجديد، وهي معروفة لا تخطئها عينُ القارئ، ولها كتبٌ ومطبوعات تشجّع على التّثاقُف، وتلاحق الحديث عن النظريّة والتّطبيقات، والحوار العقليّ، ومشكلات المجتمعات المعاصرة وتحديّاتها.
أمّا نبيل سليمان الذي خاض تجربة طويلة في هذا المجال من خلال إشرافه على (دار الحوار) في اللاذقيّة، فيقول: لسْتُ مع التّعميم هنا. ثمّة دورٌ للنّشر تنشر ما هو غثّ، وسواها تنشر ما هو ثمين، بيْدَ أنّ خلافًا كبيرًا أو أكبر يقوم هنا.
في مصر بخاصّة دُوْرٌ للنّشر شبه متخصِّصة بنشر روايات الرُّعب والجاسوسيّة. ثمّة دور أخرى شبه متخصِّصة بالتّلخيص المشوَّه لروايات عالميّة وترجمة رديئة... فهل هذا ما نقصده بما ينأى بالمتلقّي العربيّ عن الاهتمام بالجوهريّ والأساسيّ؟ ماذا إذًا عن طوفان دور النّشر المتخصِّصة بنشر المجلَّدات المذهَّبة من الغثَّ في تراثنا الدّينيّ؟ وبالمقابل، هل روايات المتعة والتّسلية - مثلًا - هي مما يحثُّ المتلقِّي عن النّافل والعرضيّ؟
لقد دعوتُ غير مرّة إلى تثمين روايات المتعة والتّسلية، وفي تراثنا من أدب المتعة والتّسلية ذخائر، بينما يعُدُّ آخرون هذا النّوع من الرّوايات أو الأدب من المرذول، وينهَوْن عنه. حسنًا. ما هذه الجهامة السّائدة في رواياتنا والغالبة على أدبنا؟ ما هذا الاستعلاء؟ هل هذه وحدها هي الجديّة؟
من المفهوم أنّ ما نعيشه منذ عشرات السّنين – أم عشرات القرون – يلقي بكلكله على الكتابة كما يُلقِيها على الصُّدور، ولكن لنا وعلينا أن نستروح قليلًا، دون أن يلتبس الاسترواح بالغثاثة.
وأخيرًا – أم أوّلًا – قل لي بالله عليك:
أين هو هذا المتلقِّي في هذا الزّمن العربيّ الرّديء والأردأ؟
كم هو هذا المتلقّي نخبويّ في زمن الدّيكتاتوريّة والفقر والخراب التّعليميّ والتّهجير و...؟
أمّا محمد تحريشي فيذهب إلى أنّ بعض دور النّشر تحوّلت للأسف إلى مطابع لا يهمّها إلا الرّبح الماديّ بعدما وجدت نفسها خاضعة لقانون العرض والطّلب، وقد أفضى انحسارُ المقروئيّة التي نتجت عن ذلك، وسيطرة ثقافة الصّورة، وتطوُّر تكنولوجيّات الإعلام والاتّصال، إلى كساد سوق الكتاب، وعدم رواج فعاليّة قراءة الكتاب الورقيّ؛ ولذا سارعت بعض دور النّشر إلى الاهتمام بما يعود عليها بالنّفع الماديّ من دون الاكتراث بما يحمل من قيم جماليّة وفنيّة، ولا الالتفات إلى الضّرر الجسيم الذي يسبِّبه للمجتمع، ولا الاهتمام بانخراط هذه الدُّور في سياسة تدمير الذّات، وتحطيم كلّ مرجعيّاتها، ولا الانتباه إلى أنّ ما تقوم به قد ينخرط في سياسة عامّة من دوائر معيَّنة هدفها الهدم دون البناء.
في حين يرى عمّار علي حسن أنّ دور النّشر تتعرّض إلى رقابة صارمة في ظل النُّظم المستبدّة، فضلًا عن أنّ بعضها يتلقّى تمويلًا من الحكومات؛ ولذا لا تستطيع، في جميع الأحوال، أن تنشر كلّ ما هو جوهريّ وحقيقيّ، إلّا إذا لبس ثوب الرّمز أو المداراة أو التّحايل، وحتّى في هذه الحالة قد لا تسلم من المساءلة. فأيّ كتاب يُعرِّي الواقع الصّعب الذي يعيشه النّاس مصيره المصادرة، وقد يُزَجُّ بمؤلِّفه في السّجن، أو على الأقلّ يتعرّض للتّشويه، ويلاقي تضييقًا في التّوزيع. لكنّ هذا لا يعني عدم وجود ناشرين شجعان بدرجة ما، تمرّ من تحت أيديهم كتابات جادّة، حتّى لو لم تكن تعالج الأوضاع القائمة البائسة بطريقة مباشرة. ففي بعض الرّوايات والقصص والأشعار والمسرحيّات، وكتب الفلسفة والتّاريخ وعلم الاجتماع مثلُا، هناك نقد وتعرية، لكنّ فرص وصول مثل هذه الكتب العميقة إلى قاعدة عريضة من القرّاء قليلة قياسًا إلى الكتب السّطحيّة أو الدّعائية التي تتحمّس لها السُّلطات، وتتبنّاها، وتعمل على ذيوعها.
ويوافق أحمد م. أحمد على ما قاله علي حسن، ويرى أنّنا قلّما نجد في معظم ما يُنشَر من كتب عربيّة، كتابًا تأسيسيًّا يُحرّض العقل؛ إذ هناك حضورٌ طاغٍ لكتب (العلاج الطّاقيّ)، والمعجزات، وكيفيّة بلوغ النّجاح الماليّ، وقانون الجذْب، وأسرار المخابرات، والمؤامرات، والتّنمية البشريّة، والطّبخ، والأبراج ووو...! في حين تغيب كتبُ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وعلاقة الأساطير بالمذاهب، وأخبار الفيزياء الكونيّة وأبحاث الخليّة، وكلُّ ما من شأنه تحرير العقل من الثّقافات البائسة المتكلِّسة. ومن الطّبيعيّ أن يحتاج الموروث الأيديولوجيّ الرّاكد إلى (شَفْط)، أو إلى تحريك، وهذا أضعف الإيمان، ولكنّ الأنظمة الحاكمة، في معظمها، تخاف على عروشها التي يسندها التّخلّف والجهل.
أحمد عزيز الحسين 3 يناير 2023
هنا/الآن
شارك هذا المقال
حجم الخط
بغية الاطلاع على بعض جوانب المشهد الثقافي العربيّ الراهن بادرت إلى توجيه مجموعة من الأسئلة إلى أدباء ونقّاد، وأصحاب دور نشر عرب، على النحو التالي:
1- ما مسؤوليّة الأنظمة العربيّة عن التّرويج للكتاب الرّديء والدّورية المتهافتة؟
2- ما رأيك بما تنشره دور النّشر العربيّة من كتب تنأى بالمتلقّي العربيّ عن الاهتمام بالجوهريّ والأساسيّ، وتحثّه على الاهتمام بالنّافل والعرضيّ، وتُبعِده عن امتلاك رؤية جماليّة حصيفة تنأى به عن وعْيِ واقعه، والخلاص ممّا هو فيه؟
3- ما تقييمك للنّقد الصّحافيّ في الوطن العربيّ، وهل تراه قادرًا على تزويد المتلقّي العربيّ بالخبرة الجماليّة التي تؤهِّله للحكم على ما يقرأ، أو يسمع، أو يتذوّق؟
4- ما مدى موضوعيّة لجان التّحكيم في المسابقات الأدبية، وهل تمتلك في رأيك المعايير الكافية للحكم على النّصّ وتقييمه؟
5- ما السّبيل لتلافي التّردّي العربيّ الحاصل في سوق الكتاب، والدّوريّة الثّقافيّة، والنّقد الصّحافيّ، وآليّة منح الجوائز؟
هنا الجزء الأول من الإجابات عن الأسئلة، ويليه جزء ثان وأخير:
في الإجابة عن السُّؤال الأوّل يرى الأكاديميّ والنّاقد العراقيّ حاتم الصكر أنّ الأنظمة العربيّة ليست معنيّة بالكتاب بما يكفي للحكم عليها؛ فهو خارج برامجها؛ لأنّها ببساطة من دون برامج أو استراتيجيّات ثقافيّة، كما أنّ الثّقافة - والكتب كمظهر لها - تأتي دومًا في ذيل اهتماماتها. وثمّة وكلاء ينوبون عنها في الدّعاية والتّهويل والمُناكَدة، والنّميمة على المثقّفين وكتاباتهم أيضًا، بل هي تُولِي مسؤوليّاتها وتوزيرَها أحيانًا لمن لا ينتمون إلى الثّقافة حقًا، أو لمن هم كارهون لها في معتقدهم. إنّها مشغولة بصياغة سياساتها والتّفرُّغ لمعارضيها. كما أنّ الصّحافة غير الثّقافيّة تتكفّل أيضًا بتبييض صفحاتها... هي ومن تتبنّى قناعاته... لكن ْ ثمة ما يجعل المثقّفين يلجؤون إلى النّشر الحكوميّ، كتعنُّت النّاشرين الأهليّين، وجشع بعضهم الفائض عن الحدّ الإنسانيّ والثقافيّ، وتفنُّنهم كوسطاء وباعة في سلب الكاتب حقَّه، أو النّشر غير المسؤول، وتشجيع النَّتاج الهابط لأنّه مدفوع الثّمن.
وبوصفي مشتغلًا سابقًا في الصّحافة الثّقافيّة عبر دوريّات أدبيّة صرف، أحسّ أنّ ثمّة مدخلًا متاحًا يفرضه وعيُ الكتّاب ومثابرتُهم، وتراكم مساهماتهم ومشروعاتهم، فتباري ما تخطِّط له الأنظمة المسؤولة عن هبوط مستوى المطبوعات التي تُدِيرها بسياساتها العشوائيّة والبراغماتيّة، وتمرِّر من خلالها أفكارها التي تصل غالبًا حدّ تجريم الحداثة ومشاريع التّنوير والتّحرُّر.
وما أكثر ما فقدنا من فرص في تنشيط وإحياء دوريّة أو مطبوعة أو مشروع؛ لأنّ السُّلطة حوّلتها إلى دعاية سطحيّة لأفكارها، أو أقحمت فيها كثيرًا من ضعاف القدرة وعديمي الموهبة لينشُر، وينتشِر، أو يهيمن على مجرياتها. وهي في مركزيّتها تلك تحجب الجهد الفرديّ. وقد حصل ذلك حين منعت هذه الأنظمةُ الصّحافة الثقافيّة الخاصّة، وحصرت النّشر في منابرها؛ فأمسى النَّتاجُ الغثُّ والتّابع لسياساتها يحتلّ تلك المساحات المُتاحة. أمّا النّاقد والرّوائيّ السّوريّ نبيل سليمان فينظر إلى الأمر من وجهة نظر أخرى، ويرى أنّنا كثيرًا ما نلجأ إلى تبرئة الذّمّة، ونرمي بالمقابل الأوزار جميعًا، ما كَبُر منها وما صَغُر، على الأنظمة، لكأنّنا ملائكة ومعصومون، أمّا ما عدانا من أنظمة وسواها – ماذا سواها؟ - فهو شيطان رجيم. وليس لهذا التّحذير من غرض إلّا أن نتحمّل المسؤوليّة، وألاّ نستمرئ تبرئة الذّات الفرديّة أو الجماعيّة.
قد يعجّل بعضُهم هنا بالسُّؤال عن مسؤولية هذه الذّات في التّرويج للكتاب الرّديء والدّوريّة المتهافتة. وفي الجواب أسارع إلى التّذكير – والتّحذير دومًا – من العصبويّة الحزبيّة السّياسيّة أو الدّينيّة. فعندما تقول - مثلًا - رواية (سيامندا بين الأدغال) رديئة، سينقضّ عليك مدافعون إسلاميّون أشاوس عن الشّيخ محمد سعيد رمضان البوطي. وَعندما تقول – مثلًا – ثمّة ترجمة لرواية (ممو زين) أفضل من ترجمة البوطي لها، فسوف يفتك بك أنصاره. والأمر نفسه إن لم يكن أسوأ لو تجرّأتَ، وقلتَ: روايات محمّد إبراهيم العلي، القائد السّابق للجيش الشّعبيّ في سورية، رديئة حتّى لو ترجم بعضَها إلى الرّوسيّة الصّديقُ الرّاحل فؤاد المرعي، سوف ينقضّ عليك هذه المرّة مدافعون بعثيّون أشاوس.
لكن ما هو أكبر من مسؤوليّة الذّات في التّرويج للكتاب الرّديء أو الدّورية المتهافتة، يتعيّن في النِّظام السّياسيّ المهيمِن على الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة. هل تذكرون عندما كان يدور شاعر بديوانه الرّديء على المدارس أو النّقابات، متذرِّعًا بتعميم من المحافظ باقتناء الكتاب؟ وقد يكون التّعميم صادرًا عمّن هو أكبر من المحافظ في القيادة السّياسيّة. والطّريف المُوجِع أنّ مثل هذا الشّاعر يبيع النُّسخة من كتابه الرّديء بسعر مضاعف أضعافًا، بأمر من وليّ الأمر.
في السّنوات الطّويلة التي تولّى فيها علي عقلة عرسان رئاسة اتّحاد الكتّاب العرب في سورية، امتلأت مستودعات الاتّحاد بأطنان من الكتب الرّديئة والبالغة الرّداءة. ثمّ جاء يوم من هذه السّنة بيعت فيها تلك الأطنان بالملاليم، ليس من أجل تعميم الثّقافة والفائدة بثمن بخس في زمن الغلاء العظيم، بل للتّخلُّص من الرٌّكام الرّديء والمتهافت الذي بدأ قبل عهد عرسان، ولم ينتهِ برحيله.
"نبيل سليمان: هل تذكرون عندما كان يدور شاعر بديوانه الرّديء على المدارس أو النّقابات، متذرِّعًا بتعميم من المحافظ باقتناء الكتاب؟" |
ويذهب الأديب المصريّ عمار علي حسن إلى أنّ الأنظمة المستبدَّة تكره الحقيقة، ولهذا تربّي في حجرها دومًا كتّابًا وإعلاميّين لا يمارسون سوى الدّعاية الفجّة لأهل الحكم. وإذا جاء المضمون دعائيًّا فإنّه يكون بالضّرورة سطحيًّا وعابرًا وغارقًا في الأكاذيب، في الوقت الذي تُحارَب فيه وجود صحف أو دوريّات أو كتب تعمل على توعية النّاس بما هم فيه من ظلم وقسر وقهر وظلام، وتنفق بسخاء على كتابات هي أشبه بقلائد الزّينة التي تعلّقها في أعناقها، متوهِّمة أنّ بوسعها أن تداري القبح الذي يسكن أجسادها وخطاباتها وممارساتها.
ويشاركه الأديب والمترجم والنّاشر السّوريّ أحمد م. أحمد (صاحب دار أرواد في طرطوس) هذا الرّأي، ويرى أنّ للأنظمة العربيّة تركيبتَها المتفرّدة، المختلفة عن الأنظمة الشُّموليّة الأخرى؛ إذ تحسب أنّ شعوبها عبارة عن بشر سُذَّجٍ ومتخلِّفين؛ أوّلًا، (بتثقيفِها) الأيديولوجيّ للجماهير عن (الحزب والفكر الواحد) الضّيّقَيْن- التّثقيف الذي يثير سخرية أبسط مواطن من مواطنيّ تلك البلدان؛ وثانيًا، بتبريرها المرتَجَل والمضحك لسياساتِها الدّاخليةَ والخارجيّة أمام شعوبها، وليس آخرًا، وبتسويغها سرقة لقمة النّاس وسلبهم (تحويشاتِ) أعمارهم عن طريق رفع الأسعار، وفرض الضّرائب المجحِفة. ويعلم الجميع أنّ هذه الشُّعوب تتقدَّم على حكوماتها في الوطنيّة والوعي والثّقافة والحداثة. ويبدو أنّ هناك أوامر بأن تبقى المؤسّسات الثّقافيّة قائمة، وأن يكون لها مديرون ورؤساء تحرير ومحرِّرون؛ على أن يكونوا نصف أميّين. المهمّ أن يخلو النّتاج الثّقافيّ من إشارة ناقدة في العمق، وألا يُشار إلى موضع الجرح، وألّا يظهر النّصّ المتفوّق والفكر المتنوّر، فالأنظمة العربيّة المستبدّة الفاسدة تعرف حجمَ تلفيقِها وهشاشة بنْيتها. وأمّا ما لا تهتمّ به، فأن تكسدَ بضاعتها؛ فلا يُقبل أحدٌ على شراء صحفها ومجلّاتها وكتبها، وعندئذٍ فمن السّهل تأمين الجرّافة والشّاحنة اللتين ستنظّفان مستودعات تلك المؤسّسات ؟!!
دور النّشر ولعبة التّسويق
وفي الحديث عن مسؤوليّة دور النّشر عن استشراء هذه الأزمة وتجذيرها في تربة واقعنا الثّقافيّ العربيّ يقول حاتم الصّكر: إنّ السّهم في هذا السُّؤال موجَّه للنّاشرين، مع أنّه لا يوافق على صياغة السّؤال/ الاتّهام نظرًا لوجود تعميم كبير فيه. ويرى أنّ (بعض) النّاشرين لا يخدمون الكتاب ولا الكاتب؛ لأنّه لا برنامج لديهم، ولا تنسيق ولا سيّما في التّرجمة. ومنهم صنف لا يزال ينشر الكتب النّقليّة والإخباريّة وشروح المتون التي ولّى زمنُها، وبعضهم الآخر يثير الإِحَن والفتن، ويحرّض على معاداة التّحضُّر والتّعلُّم، والحريّات، ويتجاهل حقوق المرأة. وهو يرى أنّ هناك إقبالًا على السّائد والمطلوب؛ فكأنّ القارئ هو الذي يوجّه منابر النّشر لا العكس؛ وهكذا ينصاع الكتاب إلى الرّائج والمرغوب، ولا يقدّم للقارئ ما يساعده على أن يرقى في الفهم والاستيعاب والجدل الفكريّ أو القراءة الجادّة. ويذكر أنّ هناك استثناءات هي التي جعلته يتحفّظ على التّعميم، إذ هناك، في رأيه، دورُ نشرٍ أهليّة لها مشاريع وأهداف تسهم في تربية الوعي الجماليّ، والتّعريف بالنّتاج الجيّد والجديد، وهي معروفة لا تخطئها عينُ القارئ، ولها كتبٌ ومطبوعات تشجّع على التّثاقُف، وتلاحق الحديث عن النظريّة والتّطبيقات، والحوار العقليّ، ومشكلات المجتمعات المعاصرة وتحديّاتها.
أمّا نبيل سليمان الذي خاض تجربة طويلة في هذا المجال من خلال إشرافه على (دار الحوار) في اللاذقيّة، فيقول: لسْتُ مع التّعميم هنا. ثمّة دورٌ للنّشر تنشر ما هو غثّ، وسواها تنشر ما هو ثمين، بيْدَ أنّ خلافًا كبيرًا أو أكبر يقوم هنا.
في مصر بخاصّة دُوْرٌ للنّشر شبه متخصِّصة بنشر روايات الرُّعب والجاسوسيّة. ثمّة دور أخرى شبه متخصِّصة بالتّلخيص المشوَّه لروايات عالميّة وترجمة رديئة... فهل هذا ما نقصده بما ينأى بالمتلقّي العربيّ عن الاهتمام بالجوهريّ والأساسيّ؟ ماذا إذًا عن طوفان دور النّشر المتخصِّصة بنشر المجلَّدات المذهَّبة من الغثَّ في تراثنا الدّينيّ؟ وبالمقابل، هل روايات المتعة والتّسلية - مثلًا - هي مما يحثُّ المتلقِّي عن النّافل والعرضيّ؟
لقد دعوتُ غير مرّة إلى تثمين روايات المتعة والتّسلية، وفي تراثنا من أدب المتعة والتّسلية ذخائر، بينما يعُدُّ آخرون هذا النّوع من الرّوايات أو الأدب من المرذول، وينهَوْن عنه. حسنًا. ما هذه الجهامة السّائدة في رواياتنا والغالبة على أدبنا؟ ما هذا الاستعلاء؟ هل هذه وحدها هي الجديّة؟
"يوافق أحمد م. أحمد على ما قاله عمار علي حسن، ويرى أنّنا قلّما نجد في معظم ما يُنشَر من كتب عربيّة، كتابًا تأسيسيًّا يُحرّض العقل" |
وأخيرًا – أم أوّلًا – قل لي بالله عليك:
أين هو هذا المتلقِّي في هذا الزّمن العربيّ الرّديء والأردأ؟
كم هو هذا المتلقّي نخبويّ في زمن الدّيكتاتوريّة والفقر والخراب التّعليميّ والتّهجير و...؟
أمّا محمد تحريشي فيذهب إلى أنّ بعض دور النّشر تحوّلت للأسف إلى مطابع لا يهمّها إلا الرّبح الماديّ بعدما وجدت نفسها خاضعة لقانون العرض والطّلب، وقد أفضى انحسارُ المقروئيّة التي نتجت عن ذلك، وسيطرة ثقافة الصّورة، وتطوُّر تكنولوجيّات الإعلام والاتّصال، إلى كساد سوق الكتاب، وعدم رواج فعاليّة قراءة الكتاب الورقيّ؛ ولذا سارعت بعض دور النّشر إلى الاهتمام بما يعود عليها بالنّفع الماديّ من دون الاكتراث بما يحمل من قيم جماليّة وفنيّة، ولا الالتفات إلى الضّرر الجسيم الذي يسبِّبه للمجتمع، ولا الاهتمام بانخراط هذه الدُّور في سياسة تدمير الذّات، وتحطيم كلّ مرجعيّاتها، ولا الانتباه إلى أنّ ما تقوم به قد ينخرط في سياسة عامّة من دوائر معيَّنة هدفها الهدم دون البناء.
في حين يرى عمّار علي حسن أنّ دور النّشر تتعرّض إلى رقابة صارمة في ظل النُّظم المستبدّة، فضلًا عن أنّ بعضها يتلقّى تمويلًا من الحكومات؛ ولذا لا تستطيع، في جميع الأحوال، أن تنشر كلّ ما هو جوهريّ وحقيقيّ، إلّا إذا لبس ثوب الرّمز أو المداراة أو التّحايل، وحتّى في هذه الحالة قد لا تسلم من المساءلة. فأيّ كتاب يُعرِّي الواقع الصّعب الذي يعيشه النّاس مصيره المصادرة، وقد يُزَجُّ بمؤلِّفه في السّجن، أو على الأقلّ يتعرّض للتّشويه، ويلاقي تضييقًا في التّوزيع. لكنّ هذا لا يعني عدم وجود ناشرين شجعان بدرجة ما، تمرّ من تحت أيديهم كتابات جادّة، حتّى لو لم تكن تعالج الأوضاع القائمة البائسة بطريقة مباشرة. ففي بعض الرّوايات والقصص والأشعار والمسرحيّات، وكتب الفلسفة والتّاريخ وعلم الاجتماع مثلُا، هناك نقد وتعرية، لكنّ فرص وصول مثل هذه الكتب العميقة إلى قاعدة عريضة من القرّاء قليلة قياسًا إلى الكتب السّطحيّة أو الدّعائية التي تتحمّس لها السُّلطات، وتتبنّاها، وتعمل على ذيوعها.
ويوافق أحمد م. أحمد على ما قاله علي حسن، ويرى أنّنا قلّما نجد في معظم ما يُنشَر من كتب عربيّة، كتابًا تأسيسيًّا يُحرّض العقل؛ إذ هناك حضورٌ طاغٍ لكتب (العلاج الطّاقيّ)، والمعجزات، وكيفيّة بلوغ النّجاح الماليّ، وقانون الجذْب، وأسرار المخابرات، والمؤامرات، والتّنمية البشريّة، والطّبخ، والأبراج ووو...! في حين تغيب كتبُ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وعلاقة الأساطير بالمذاهب، وأخبار الفيزياء الكونيّة وأبحاث الخليّة، وكلُّ ما من شأنه تحرير العقل من الثّقافات البائسة المتكلِّسة. ومن الطّبيعيّ أن يحتاج الموروث الأيديولوجيّ الرّاكد إلى (شَفْط)، أو إلى تحريك، وهذا أضعف الإيمان، ولكنّ الأنظمة الحاكمة، في معظمها، تخاف على عروشها التي يسندها التّخلّف والجهل.