أبرز روايات 2022: في علاقة الخيال بالواقع
سناء عبد العزيز 15 ديسمبر 2022
تغطيات
(GettyImages-672194533)
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعل ما يبرر رواج الرواية وقدرتها على تصدر الإبداع الكتابي، هو وعدها الطموح بالمغامرة مهما امتدت رحلتها واستنسخ التاريخ صفحاته، وتكررت الأحداث ذاتها. بيد أن الوفاء بوعد كهذا تطلب بالضرورة استنفار كل إمكاناتها التي راحت تتزايد باضطراد لتضيء جميع جوانب الوجود الإنساني قديمًا وحديثًا وحتى مستقبلًا، فضلًا عن الولوج إلى عوالم جديدة توفر لقارئها استراحة حقيقية من هموم الحياة وتفاصيلها المرهقة، وهو ما حققه حصاد هذا العام من الرواية، ليشمل الواقع والافتراضي والمتخيل والتاريخي والأسطوري، وينفذ داخل تعاريج الحلم ويبحر في عقول الموتى ليستكشف العالم الآخر.
لقطات عامة لتاريخ بريطانيا
يبدو أن الأيرلندية ماجي أوفاريل وجدت ضالتها في قصص النساء المهمشات وبخاصة في القرن السادس عشر. فمنذ عامين صدرت روايتها "هامنت" التي ترشحت للعديد من الجوائز وحصدت ثلاثًا منها، وتدور حول حياة أجنس، زوجة شكسبير، بدون أن تذكر اسم الكاتب الذائع الصيت عبر النص بأكمله، مكتفية منه بجمل قصيرة باعتباره مجرد رب أسرة وزوج بطلتها الأسطورية. وها هي تتخذ من الابنة الثالثة لكوزيمو الأول دي ميديشي، حاكم فلورنسا، بطلة لروايتها الصادرة حديثا "بورتريه للزواج".
تبدأ أوفاريل روايتها في عام 1561، بعد عام واحد من زواج الدوقة المنكوبة لوكريزيا حيث تصل إلى "نزل للصيد" يملكه الدوق الشرير الذي يعتزم قتلها بسبب فشلها في إنجاب الوريث لتأمين سيطرته على المملكة وربط العائلتين برباط أبدي. كانت لوكريزيا قد تزوجت من ألفونسو وهي في الثالثة عشرة من عمرها، بدلا من أختها الكبرى ماريا عروسته الأصلية، التي توفيت قبل موعد الزفاف بقليل، وسرعان ما لاقت مصير أختها وماتت بدورها، ولكن بأي يد؟ يد السل التي أنهكتها، أم أن يد ألفونسو قامت بتسميمها؟! هنا يكمن اللغز في "بورتريه للزواج".
على النقيض، تقدم البريطانية سيلبي وين شوارتز في روايتها "بعد سافو" التي ترشحت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2022، نوعًا آخر من النساء، رفضن الرضوخ كما نساء أوفاريل حتى لا يجابهن المصير نفسه، وذلك بدفع الحدود المفروضة عليهن مهما كان الثمن باهظا كما فعلت الشاعرة رينا فاكيو والرسامة رومين بروكس والمصورة إيدا روبنشتاين وغيرهن من الرائدات. وكان من الطبيعي أن ينضم إليهن صوت فرجينيا وولف باعتبارها أمًا لكل النساء، رغم حقيقة أنها لم تنجب، لكن المرأة لا تحتاج لأطفال من رحمها كي تصبح أمًا فقد ولدت هكذا بالغريزة. ربما لهذا تحكي شوارتز حكاية كل واحدة من شخصياتها بضمير الجمع "نحن"، لتصهر الفردي في جوقة الأصوات الجماعية الممتدة بامتداد تاريخ الأنثى كنوع.
في "قلب الحبر الأسود"، أحدث أعمال الكاتبة البريطانية الشهيرة جي كي رولينغ، التي اجتذبت ملايين القراء حول العالم بسلسلة هاري بوتر، يعود الصوت إلى فرديته منسلخًا من الجماعة بغرض إدانتها، مثلما يسترد الزمن راهنيته في القرن الواحد والعشرين عندما تتعرض فنانة تشكيلية إلى حملة عنيفة على الإنترنت ردًا على أعمالها التي وصفت بالعنصرية والتحامل على المتحولين جنسيًا، ونتيجة لذلك، يتم اقتحام خصوصيتها بنشر صور لمنزلها على الإنترنت، مع تهديدات بالقتل والاغتصاب، لتنتهي الأحداث بالعثور على جثتها مطعونة في مقبرة.
المؤسف في حكاية رولينغ لهذا العام أن الكاتبة نفسها تعرضت لحملة التشويه الواردة في قصتها بسبب تهكمها على المتحولين جنسيًا واصفة إياهم برجال يرتدون الفساتين، وهو ما أفضى إلى توجيه حركة النقد لغير صالحها، وانقلاب شخوص هاري بوتر عليها ومهاجمتها على الملأ واصفين ما فعلته بتصرفات مراهقة شريرة تدعي المظلومية.
بعد رباعيتها الموسمية، "الخريف"، "الشتاء"، "الربيع" و"الصيف"، تطرح البريطانية الشهيرة إيلي سميث فصلًا جديدًا في التاريخ من خلال روايتها "الجزء المرافق". نجم هذا الفصل عن تأثير العزلة التي فرضها كوفيد 19 بالقوة، وصك مصطلح التباعد الاجتماعي، لينبهنا إلى أهمية الرفقة، والروابط التي كنا نشك في جدواها من قبل ولطالما استهترنا بها. لأجل هذا تحتفي سميث وفق تجربتها الشخصية بالرفقة والتواصل مع حرصها على أن تنير لنا طريقًا للخروج من هذا الكابوس، وهو الكابوس الذي تنتهي به الرواية الثالثة للكاتب البريطاني جوناثان كو "بورنفيل"، بعد أن تحكي عن أربعة أجيال لعائلة واحدة في بورنفيل، إحدى ضواحي برمنغهام الهادئة، حيث يقع مصنع الشوكولاتة الشهير لعائلة كادبري، ما يجعل الشوارع تفوح خفيفًا برائحتها المحببة، وعبر الرائحة تجري لقطات عامة لتاريخ بريطانيا، منها تتويج الملكة إليزابيث الثانية، وكأس العالم 1966، وحفل زفاف تشارلز وديانا عام 1981، وجنازة ديانا عام 1997، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حتى يصل بنا إلى الإغلاق الوبائي، في مشاهد مؤثرة ورحيمة للتغيير الفردي والوطني. ولعل أبرز ما يميز كو في روايته هذا العام، تلك البراعة المشوقة في تقديم شخصياته ورصد تطورها مع تغييرات المجتمع على مدار 75 سنة، حيث يتحول مصنع الشوكولاته إلى مدينة ملاه وتزدحم الحياة بالتفاصيل المرهقة ويأتي الوباء كخاتمة مفزعة.
روايات أميركية بديلة
باعت الكاتبة الأميركية هانيا ياناغيهارا روايتها الثالثة "إلى الفردوس" للناشر دوبليداي بأكثر من مليون دولار وحققت بالفعل أعلى المبيعات لكن آراء النقاد انقسمت بشأنها انقسامًا واسعًا، كما حال الكثير من الروايات الصادرة هذا العام. وتدور رواية ياناغيهارا في نيويورك ولكنها ليست المدينة التي نعرفها بل نسخة متخيلة تمتد عبر ثلاثة قرون بدءًا من عام 1893 وانتهاءً بعالم تمزقه الأوبئة ويحكمه الحكم الشمولي بحلول 2093. من هنا فضلت ياناغيهارا تقسيم ملحمتها إلى ثلاثة أجزاء، كل منها يجري في قرن مختلف، بغية أن تنضم الأجزاء إلى بعضها وتشكل سيمفونية مؤثرة عن رغبتنا المستحيلة في حماية من نحبهم وسط هذه الفوضى، ومدى المعاناة الناجمة حين نفشل في ذلك.
في خريف 2022 نشرت دار كنوبف روايتين للكاتب الأميركي كورماك مكارثي، هما "المسافر" و"ستيلا ماريس"، ويتناولان حكاية واحدة عن أخ وأخته، يتخللها انقطاع ثماني سنوات. في "المسافر" نتعرف على بوبي ويسترن الغواص المنقذ الذي تطارده الخسارة، ويبدي خوفًا من أعماق المياه ويتوق إلى الموت حين لا يستطيع التصالح مع الحياة. أما في "ستيلا ماريس" فنرى الوجه الآخر للعملة من خلال صورة مؤرقة لأخته أليسيا الباحثة في الرياضيات بجامعة شيكاغو والتي أصيبت بانفصام الشخصية وتسعى إلى فهم وجودها في مصحة نفسية حيث يدور الكتاب بأكمله خلال جلسات العلاج بما تنطوي عليه من تأمل في طبيعة الجنون والتشكك في مفاهيمنا عن الله والحقيقة والوجود. وفي كليهما يجتاز مكارثي الجنوب الأميركي، من غرف الحانات المزدحمة في نيو أورليانز إلى منصة نفط مهجورة قبالة ساحل فلوريدا، لفحص إرث الخطيئة والجنون الذي يمثله الوعي البشري.
حصل مكارثي على عدد من الجوائز الأدبية، منها جائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطني، وجائزة نقاد الكتاب الوطنية، وتحولت معظم أعماله إلى أفلام منها "كل الخيول الجميلة"، و"الطريق" و"لا بلد للعجائز" الذي فاز بأربع جوائز أكاديمية، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم.
يقول ناشره: "على مدار ما يقرب من ستة عقود، غيرت كتب كورماك مكارثي المشهد الأدبي وأثرت على أجيال من المؤلفين والفنانين. وهو ما يجعل صدور روايتين له الحدث الأدبي لهذا العام... هاتان الروايتان الاستثنائيتان لا تشبهان أي شيء كتبه مكارثي من قبل، وبينما يجب قراءة كل منهما بشكل منفصل، إلا أنهما تمثلان وجهين لعملة السرد نفسها".
سير البلدان وأزمة الهوية
لمع اسم الروائي السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا هذا العام تحديدًا لفوزه بجائزة البوكر عن روايته الثانية "أقمار معالي الميديا السبعة" التي تؤرخ لتداعيات الحرب الأهلية السريلانكية وضحايا العنف الذي اجتاح بلده في الثمانينيات. وإن كان كاروناتيلاكا يستهلها بمشهد من العالم الآخر، يذكرنا بكوميديا دانتي الإلهية حيث يستيقظ الصحافي المتجول معالي فيجد نفسه في العالم الآخر بعد أن قتل في أحداث العنف، وبقدر ما تفزعه تلك الحقيقة كونها ستحول بينه وبين إيصال الصور التي التقطها قبل قتله وأودعها في مكان ما، بقدر ما يسعى لاستغلال أعراف هذا العالم الجديد في إرشاد شخص حي لمكان كنزه، حيث يسمح لكل روح بالتجول سبعة أيام "أقمار" تتذكر خلالها حياة الماضي، ثم تنساه تمامًا.
كانت الكاتبة الزيمبابوية فيوليت بولاوايو منافسًا قويًا لكاروناتيلاكا في القائمة القصيرة لجائزة البوكر بروايتها الثانية "مجد" والتي تدور في بلد خيالي وقع في قبضة الاستبداد، إلى أن حكمه زعيم عادل بعد حرب الاستقلال فانصبت عليه الآمال، فإذا بها تتبدد مع استئثاره هو الآخر بالسلطة، وهو الدرس الذي لا نعدمه في صفحات التاريخ. استلهمت بولاوايو روايتها من الأساطير الأفريقية التي كانت تحكيها جدتها لها، وكذلك من "مزرعة حيوانات" أورويل وربما من "كليلة ودمنة" لتبلور لنا حقيقة خضوعنا المؤسفة الذي جلبها علينا الطغاة وترسم لنا طريقًا للخلاص.
في روايتها الأولى "لنا في الشارع اسم مختلف / Auf der Straße heißen wir anders"، الصادرة بالألمانية، تحكي لورا كويرتنيا قصة عائلية عن أسرة هاجر ربها إلى ألمانيا بعد أن قضى طفولة فقيرة في إسطنبول والقدس، ولكنه حريص على إخفاء ماضيه، وبعد أربعة أجيال تستكشف الرواية كيف يستمر التأثير المدمر للإبادة الجماعية سنة 1915 في الظهور حتى يومنا هذا من خلال كارلا الطالبة في علم الاجتماع، التي تنتمي لأب أرمني وأم ألمانية، ولكن كويرتنيا تصورها كمن لا ينتمي إلى أي مكان، حيث ينظر إليها الألمان على أنها تركية، بينما أصدقاؤها الأتراك يرونها ألمانية. إنها الفكرة التي طرحت مرارًا وتكرارًا عن مأزق الهوية غير أنها تكتسب تفردها من تغير أبعادها في حكاية كويرتنيا. بينما تضيف إليها فاطمة أيدمير في روايتها الثانية، "جينس Djinns"، الصادرة أيضًا بالألمانية وتدور أحداثها في ألمانيا وتركيا في نهاية القرن العشرين، نضالات مجتمع الميم وتلك الإشكالية التي لم ننجح إلى الآن في احتوائها، على الرغم من ارتكازها على شخصية مهاجر تركي إلى ألمانيا استطاع أن يحقق طموحه في الثراء عبر ثلاثين عامًا من الكد والعمل وحين يقرر الرجوع إلى أرض الوطن يموت بسكتة قلبية فتسافر عائلته لحضور جنازته. وهناك نتعرف على ستة أشخاص مختلفين اختلافًا جذريًا يتصادف أنهم مرتبطون ببعضهم البعض.
أخيرًا يعود الكاتب الهندي بانكاج ميشرا بعد عقدين من الزمان ليرصد التطور السريع والمذهل لبلده في روايته الثانية "اركض واختبئ" الصادرة عن دار هاتشينسون هاينمان للنشر. وبالرغم من انشغالها بمشكلة الهجرة في عصر الاضطرابات والانهيارات، فهي تراوح بين التردي في أزمة الهوية والرغبة في الانسلاخ عن الأصول المتواضعة من أجل الثروة والنفوذ أيا كانت الأثمان المدفوعة، ما يجعل ميشرا يطرح الكثير من الآراء الفلسفية حول الوجهة التي تتجه إليها الهند وحول تحولها في فترة وجيزة من مجتمع مغلق إلى لاعب عالمي نيوليبرالي.
سناء عبد العزيز 15 ديسمبر 2022
تغطيات
(GettyImages-672194533)
شارك هذا المقال
حجم الخط
لعل ما يبرر رواج الرواية وقدرتها على تصدر الإبداع الكتابي، هو وعدها الطموح بالمغامرة مهما امتدت رحلتها واستنسخ التاريخ صفحاته، وتكررت الأحداث ذاتها. بيد أن الوفاء بوعد كهذا تطلب بالضرورة استنفار كل إمكاناتها التي راحت تتزايد باضطراد لتضيء جميع جوانب الوجود الإنساني قديمًا وحديثًا وحتى مستقبلًا، فضلًا عن الولوج إلى عوالم جديدة توفر لقارئها استراحة حقيقية من هموم الحياة وتفاصيلها المرهقة، وهو ما حققه حصاد هذا العام من الرواية، ليشمل الواقع والافتراضي والمتخيل والتاريخي والأسطوري، وينفذ داخل تعاريج الحلم ويبحر في عقول الموتى ليستكشف العالم الآخر.
لقطات عامة لتاريخ بريطانيا
يبدو أن الأيرلندية ماجي أوفاريل وجدت ضالتها في قصص النساء المهمشات وبخاصة في القرن السادس عشر. فمنذ عامين صدرت روايتها "هامنت" التي ترشحت للعديد من الجوائز وحصدت ثلاثًا منها، وتدور حول حياة أجنس، زوجة شكسبير، بدون أن تذكر اسم الكاتب الذائع الصيت عبر النص بأكمله، مكتفية منه بجمل قصيرة باعتباره مجرد رب أسرة وزوج بطلتها الأسطورية. وها هي تتخذ من الابنة الثالثة لكوزيمو الأول دي ميديشي، حاكم فلورنسا، بطلة لروايتها الصادرة حديثا "بورتريه للزواج".
تبدأ أوفاريل روايتها في عام 1561، بعد عام واحد من زواج الدوقة المنكوبة لوكريزيا حيث تصل إلى "نزل للصيد" يملكه الدوق الشرير الذي يعتزم قتلها بسبب فشلها في إنجاب الوريث لتأمين سيطرته على المملكة وربط العائلتين برباط أبدي. كانت لوكريزيا قد تزوجت من ألفونسو وهي في الثالثة عشرة من عمرها، بدلا من أختها الكبرى ماريا عروسته الأصلية، التي توفيت قبل موعد الزفاف بقليل، وسرعان ما لاقت مصير أختها وماتت بدورها، ولكن بأي يد؟ يد السل التي أنهكتها، أم أن يد ألفونسو قامت بتسميمها؟! هنا يكمن اللغز في "بورتريه للزواج".
على النقيض، تقدم البريطانية سيلبي وين شوارتز في روايتها "بعد سافو" التي ترشحت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر 2022، نوعًا آخر من النساء، رفضن الرضوخ كما نساء أوفاريل حتى لا يجابهن المصير نفسه، وذلك بدفع الحدود المفروضة عليهن مهما كان الثمن باهظا كما فعلت الشاعرة رينا فاكيو والرسامة رومين بروكس والمصورة إيدا روبنشتاين وغيرهن من الرائدات. وكان من الطبيعي أن ينضم إليهن صوت فرجينيا وولف باعتبارها أمًا لكل النساء، رغم حقيقة أنها لم تنجب، لكن المرأة لا تحتاج لأطفال من رحمها كي تصبح أمًا فقد ولدت هكذا بالغريزة. ربما لهذا تحكي شوارتز حكاية كل واحدة من شخصياتها بضمير الجمع "نحن"، لتصهر الفردي في جوقة الأصوات الجماعية الممتدة بامتداد تاريخ الأنثى كنوع.
في "قلب الحبر الأسود"، أحدث أعمال الكاتبة البريطانية الشهيرة جي كي رولينغ، التي اجتذبت ملايين القراء حول العالم بسلسلة هاري بوتر، يعود الصوت إلى فرديته منسلخًا من الجماعة بغرض إدانتها، مثلما يسترد الزمن راهنيته في القرن الواحد والعشرين عندما تتعرض فنانة تشكيلية إلى حملة عنيفة على الإنترنت ردًا على أعمالها التي وصفت بالعنصرية والتحامل على المتحولين جنسيًا، ونتيجة لذلك، يتم اقتحام خصوصيتها بنشر صور لمنزلها على الإنترنت، مع تهديدات بالقتل والاغتصاب، لتنتهي الأحداث بالعثور على جثتها مطعونة في مقبرة.
المؤسف في حكاية رولينغ لهذا العام أن الكاتبة نفسها تعرضت لحملة التشويه الواردة في قصتها بسبب تهكمها على المتحولين جنسيًا واصفة إياهم برجال يرتدون الفساتين، وهو ما أفضى إلى توجيه حركة النقد لغير صالحها، وانقلاب شخوص هاري بوتر عليها ومهاجمتها على الملأ واصفين ما فعلته بتصرفات مراهقة شريرة تدعي المظلومية.
بعد رباعيتها الموسمية، "الخريف"، "الشتاء"، "الربيع" و"الصيف"، تطرح البريطانية الشهيرة إيلي سميث فصلًا جديدًا في التاريخ من خلال روايتها "الجزء المرافق". نجم هذا الفصل عن تأثير العزلة التي فرضها كوفيد 19 بالقوة، وصك مصطلح التباعد الاجتماعي، لينبهنا إلى أهمية الرفقة، والروابط التي كنا نشك في جدواها من قبل ولطالما استهترنا بها. لأجل هذا تحتفي سميث وفق تجربتها الشخصية بالرفقة والتواصل مع حرصها على أن تنير لنا طريقًا للخروج من هذا الكابوس، وهو الكابوس الذي تنتهي به الرواية الثالثة للكاتب البريطاني جوناثان كو "بورنفيل"، بعد أن تحكي عن أربعة أجيال لعائلة واحدة في بورنفيل، إحدى ضواحي برمنغهام الهادئة، حيث يقع مصنع الشوكولاتة الشهير لعائلة كادبري، ما يجعل الشوارع تفوح خفيفًا برائحتها المحببة، وعبر الرائحة تجري لقطات عامة لتاريخ بريطانيا، منها تتويج الملكة إليزابيث الثانية، وكأس العالم 1966، وحفل زفاف تشارلز وديانا عام 1981، وجنازة ديانا عام 1997، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حتى يصل بنا إلى الإغلاق الوبائي، في مشاهد مؤثرة ورحيمة للتغيير الفردي والوطني. ولعل أبرز ما يميز كو في روايته هذا العام، تلك البراعة المشوقة في تقديم شخصياته ورصد تطورها مع تغييرات المجتمع على مدار 75 سنة، حيث يتحول مصنع الشوكولاته إلى مدينة ملاه وتزدحم الحياة بالتفاصيل المرهقة ويأتي الوباء كخاتمة مفزعة.
روايات أميركية بديلة
باعت الكاتبة الأميركية هانيا ياناغيهارا روايتها الثالثة "إلى الفردوس" للناشر دوبليداي بأكثر من مليون دولار وحققت بالفعل أعلى المبيعات لكن آراء النقاد انقسمت بشأنها انقسامًا واسعًا، كما حال الكثير من الروايات الصادرة هذا العام. وتدور رواية ياناغيهارا في نيويورك ولكنها ليست المدينة التي نعرفها بل نسخة متخيلة تمتد عبر ثلاثة قرون بدءًا من عام 1893 وانتهاءً بعالم تمزقه الأوبئة ويحكمه الحكم الشمولي بحلول 2093. من هنا فضلت ياناغيهارا تقسيم ملحمتها إلى ثلاثة أجزاء، كل منها يجري في قرن مختلف، بغية أن تنضم الأجزاء إلى بعضها وتشكل سيمفونية مؤثرة عن رغبتنا المستحيلة في حماية من نحبهم وسط هذه الفوضى، ومدى المعاناة الناجمة حين نفشل في ذلك.
"الولوج إلى عوالم جديدة توفر لقارئها استراحة حقيقية من هموم الحياة وتفاصيلها المرهقة، هو ما حققه حصاد هذا العام من الرواية، ليشمل الواقع والافتراضي والمتخيل والتاريخي والأسطوري، وينفذ داخل تعاريج الحلم ويبحر في عقول الموتى ليستكشف العالم الآخر" |
حصل مكارثي على عدد من الجوائز الأدبية، منها جائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطني، وجائزة نقاد الكتاب الوطنية، وتحولت معظم أعماله إلى أفلام منها "كل الخيول الجميلة"، و"الطريق" و"لا بلد للعجائز" الذي فاز بأربع جوائز أكاديمية، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم.
يقول ناشره: "على مدار ما يقرب من ستة عقود، غيرت كتب كورماك مكارثي المشهد الأدبي وأثرت على أجيال من المؤلفين والفنانين. وهو ما يجعل صدور روايتين له الحدث الأدبي لهذا العام... هاتان الروايتان الاستثنائيتان لا تشبهان أي شيء كتبه مكارثي من قبل، وبينما يجب قراءة كل منهما بشكل منفصل، إلا أنهما تمثلان وجهين لعملة السرد نفسها".
سير البلدان وأزمة الهوية
لمع اسم الروائي السريلانكي شيهان كاروناتيلاكا هذا العام تحديدًا لفوزه بجائزة البوكر عن روايته الثانية "أقمار معالي الميديا السبعة" التي تؤرخ لتداعيات الحرب الأهلية السريلانكية وضحايا العنف الذي اجتاح بلده في الثمانينيات. وإن كان كاروناتيلاكا يستهلها بمشهد من العالم الآخر، يذكرنا بكوميديا دانتي الإلهية حيث يستيقظ الصحافي المتجول معالي فيجد نفسه في العالم الآخر بعد أن قتل في أحداث العنف، وبقدر ما تفزعه تلك الحقيقة كونها ستحول بينه وبين إيصال الصور التي التقطها قبل قتله وأودعها في مكان ما، بقدر ما يسعى لاستغلال أعراف هذا العالم الجديد في إرشاد شخص حي لمكان كنزه، حيث يسمح لكل روح بالتجول سبعة أيام "أقمار" تتذكر خلالها حياة الماضي، ثم تنساه تمامًا.
كانت الكاتبة الزيمبابوية فيوليت بولاوايو منافسًا قويًا لكاروناتيلاكا في القائمة القصيرة لجائزة البوكر بروايتها الثانية "مجد" والتي تدور في بلد خيالي وقع في قبضة الاستبداد، إلى أن حكمه زعيم عادل بعد حرب الاستقلال فانصبت عليه الآمال، فإذا بها تتبدد مع استئثاره هو الآخر بالسلطة، وهو الدرس الذي لا نعدمه في صفحات التاريخ. استلهمت بولاوايو روايتها من الأساطير الأفريقية التي كانت تحكيها جدتها لها، وكذلك من "مزرعة حيوانات" أورويل وربما من "كليلة ودمنة" لتبلور لنا حقيقة خضوعنا المؤسفة الذي جلبها علينا الطغاة وترسم لنا طريقًا للخلاص.
في روايتها الأولى "لنا في الشارع اسم مختلف / Auf der Straße heißen wir anders"، الصادرة بالألمانية، تحكي لورا كويرتنيا قصة عائلية عن أسرة هاجر ربها إلى ألمانيا بعد أن قضى طفولة فقيرة في إسطنبول والقدس، ولكنه حريص على إخفاء ماضيه، وبعد أربعة أجيال تستكشف الرواية كيف يستمر التأثير المدمر للإبادة الجماعية سنة 1915 في الظهور حتى يومنا هذا من خلال كارلا الطالبة في علم الاجتماع، التي تنتمي لأب أرمني وأم ألمانية، ولكن كويرتنيا تصورها كمن لا ينتمي إلى أي مكان، حيث ينظر إليها الألمان على أنها تركية، بينما أصدقاؤها الأتراك يرونها ألمانية. إنها الفكرة التي طرحت مرارًا وتكرارًا عن مأزق الهوية غير أنها تكتسب تفردها من تغير أبعادها في حكاية كويرتنيا. بينما تضيف إليها فاطمة أيدمير في روايتها الثانية، "جينس Djinns"، الصادرة أيضًا بالألمانية وتدور أحداثها في ألمانيا وتركيا في نهاية القرن العشرين، نضالات مجتمع الميم وتلك الإشكالية التي لم ننجح إلى الآن في احتوائها، على الرغم من ارتكازها على شخصية مهاجر تركي إلى ألمانيا استطاع أن يحقق طموحه في الثراء عبر ثلاثين عامًا من الكد والعمل وحين يقرر الرجوع إلى أرض الوطن يموت بسكتة قلبية فتسافر عائلته لحضور جنازته. وهناك نتعرف على ستة أشخاص مختلفين اختلافًا جذريًا يتصادف أنهم مرتبطون ببعضهم البعض.
أخيرًا يعود الكاتب الهندي بانكاج ميشرا بعد عقدين من الزمان ليرصد التطور السريع والمذهل لبلده في روايته الثانية "اركض واختبئ" الصادرة عن دار هاتشينسون هاينمان للنشر. وبالرغم من انشغالها بمشكلة الهجرة في عصر الاضطرابات والانهيارات، فهي تراوح بين التردي في أزمة الهوية والرغبة في الانسلاخ عن الأصول المتواضعة من أجل الثروة والنفوذ أيا كانت الأثمان المدفوعة، ما يجعل ميشرا يطرح الكثير من الآراء الفلسفية حول الوجهة التي تتجه إليها الهند وحول تحولها في فترة وجيزة من مجتمع مغلق إلى لاعب عالمي نيوليبرالي.