فوز أول كاهنة بوذية بـ"جائزة المرأة للإبداع"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فوز أول كاهنة بوذية بـ"جائزة المرأة للإبداع"

    فوز أول كاهنة بوذية بـ"جائزة المرأة للإبداع"
    سناء عبد العزيز 20 يونيو 2022
    تغطيات
    روث أوزيكي الفائزة بجائزة المرأة للإبداع 2022 في لندن(15/6/2022/Getty)
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    لعله عام استثنائي في حياة الكاتبة اليابانية الأميركية، روث أوزيكي، الفائزة بجائزة المرأة للإبداع (البريطانية) هذا العام. مثلما كان بالنسبة للرواية المكتوبة بأقلام النساء، ضمت القائمة ستة عناوين قوية، وظهرت توقعات أكيدة بفوز صاحبة "جزيرة الأشجار المفقودة" إليف شفق، إلى جانب "سراء وضراء" لميج ميسون، أما عن "كتاب الشكل والفراغ"، رواية أوزيكي، فلم تأتِ في الحسبان.
    أوزيكي نفسها لم تضعها ضمن جدولها اليومي. تجهزت يوم إعلان النتيجة بخطط تكفي لالتهام اليوم بأكمله، بحيث لا تترك لروحها منفذًا لقسوة الانتظار. تضحك معلقة: لا أقصد من كلامي أي شكوى، لكنني لم أتعود الفوز بشيء!
    المؤسسات النسائية والنساء اللاتي دعمنها طوال الطريق هن من استحققن منها، وهي تتسلم الجائزة، توجيه الشكر. كما نسبت سر فوزها في صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى المصادفة، لأن أيًا من الكتب الموجودة في القائمة الطويلة والقائمة القصيرة كانت مؤهلة تمامًا بالنسبة لها للفوز، وكان أول شيء تفعله صباح اليوم بعد فوزها بالجائزة هو الجلوس طويلًا في وضعية ما، تمارس التأمل.
    تقول ماري آن سيغارت، رئيس لجنة التحكيم: كنا سعداء جدًا حين اجتمع رأينا على "كتاب الشكل والفراغ" لروث أوزيكي، أسلوبه دافئ ورائع، ذكي وطريف. إنه بمثابة احتفال بقوة الكتب ومتعة القراءة، يعالج إشكاليات الحياة والموت، من خلال حكاية أصيلة ومدهشة حقًا.


    هل هناك حدّ لرغبة الإنسان في اكتناز المزيد
    أوزيكي روائية ومخرجة أفلام وناشطة بيئية ونسوية متحمسة. اتجهت إلى البوذية بعد وفاة والديها، بحثًا عن ملاذ من انهيار تسمع دبيب أقدامه من أقرب الأشياء. ومن ثم قطعت شوطًا في تعاليم الزن، حتى تم ترسيمها عام 2015. يمكنها، إذًا، أن تقول بثقة: أنا أول كاهنة بوذية تفوز بجائزة المرأة للإبداع.

    "تجهزت أوزيكي يوم إعلان النتيجة بخطط تكفي لالتهام اليوم بأكمله، بحيث لا تترك لروحها منفذًا لقسوة الانتظار. تضحك معلقة: لا أقصد من كلامي أي شكوى، لكنني لم أتعود الفوز بشيء"


    نشأت أوزيكي على قراءة راشيل كارسون؛ الكاتبة الأميركية، وعالمة الأحياء المائية التي أكدت في كتبها العلاقة المتبادلة بين جميع الكائنات الحية، واعتماد الرفاهية الإنسانية على العمليات الطبيعية، وهو ما طوّر قدرتها على دمج قضايا العلوم والتكنولوجيا والدين والسياسة البيئية وثقافة البوب العالمية في أشكال فريدة. نُشرت روايتاها الأولى والثانية، "عام اللحوم الخاص بي" (1998)، و"كل المخلوقات" (2003)، في 14 دولة، وترجمت إلى 11 لغة. أما روايتها الثالثة "حكاية عن الزمن الراهن" (2013)، فنشرت في أكثر من ثلاثين دولة، وفازت بجائزة التايمز للكتاب، كما أدرجت في القائمة المختصرة لجائزة البوكر، ويبدو فيها مدى تأثر أوزيكي بالبوذية، كما هي الحال في رواية "كتاب الشكل والفراغ"، التي يطرح كثيرًا من القضايا الواقعية للغاية، مثل تغير المناخ، والنزعة الاستهلاكية، والأمراض العقلية، كما تثير عددًا من الأسئلة الوجودية: ما هو الحقيقي؟ وهل هناك حد لرغبة الإنسان في اكتناز المزيد؟


    لحاف الذاكرة من قمصان الموتى
    روث أوزيكي تحمل كتابها "كتاب الشكل والفراغ" الفائز بجائزة المرأة لعام 2022 للأدب الخيالي في بيدفورد سكوير جاردنز/ لندن (15/ 6/ 2022/ Getty)
    تحكي "كتاب الشكل والفراغ" قصة الصبي الصغير، بيني أوه، الذي دهست والده شاحنة دجاج خلف منزلهم في أحد الأحياء الشعبية الصينية. كان كينجي، والد بيني، عازف كلارينيت يعشق الجاز، وحين هموا بحرق جثته، استحوذ سؤال ملح على ذهن الصبي: هل سيحرقون الكلارينيت مع صاحب اليد التي داعبته؟!
    لم تكن الجثة الموجودة في التابوت جثة كينجي بالفعل، كما استنتج بيني، ومع ذلك لم يطق النظر إليه وهو يقذف إلى النار. فضل الهروب متتبعًا صوتًا راح يناديه من "مكان ما في أعماق المبنى".
    هكذا تبدأ أوزيكي قصتها الغرائبية مع الأصوات المنبعثة من كل شيء حول صبي يدعى بيني. إنها تطالبه بالاهتمام بها، أو ترغب في إخباره ببعض أوجاعها جراء الإهمال وسوء المعاملة، حتى أن بقايا الطعام الفاسدة في الثلاجة تغمغم في أذنه؛ آهات الجبن المتعفن؛ تنهدات ورق الخس الذابلة، أنات نصف كوب زبادي متبق في الرف الخلفي.
    لم يكن بيني يفهم تمامًا ما تقوله الأشياء، ثمة خليط من اللغط يستشعر نبرته العاطفية؛ بعضه لطيف، طنين هادئ، أو هديل، والبعض الآخر دنيء، غاضب، ومليء بالألم، ومقشعر للجلد كاحتكاك المعدن ببعضه!
    على النقيض، تقع أنابيل، والدته، فريسة النزعة الاستهلاكية والرغبة في الاكتناز، وترفض الانصياع على مدار عام كامل لرغبته في التخلص منها، بل والأنكى، تتحمس لتكديسها يومًا عن يوم، رغم تحدثها إليها أحيانًا (قمصان زوجها، كرات ثلجية، إبريق شاي أصفر).
    تختار أنابيل التشبث بوظيفتها كمسؤولة أرشيف، وتترك منزلها يعج بقصاصات الصحف والأخبار التي يعلوها الغبار. يزداد احتجاجًا وضجيجًا يومًا عن يوم بحيث لم تعد تحتمله أذن طفل، وسرعان ما تفسد العلاقة بينهما، ويفشلان في تأسيس ثقافة عائلية جديدة؛ فلا هو بمستطيع إسكات الأصوات، ولا بإمكانها هي التخلي عن أي شيء!

    "تبدأ أوزيكي قصتها الغرائبية مع الأصوات المنبعثة من كل شيء حول صبي يدعى بيني. إنها تطالبه بالاهتمام بها، أو ترغب في إخباره ببعض أوجاعها جراء الإهمال وسوء المعاملة"


    في إحدى حالاتها، تعمل أنابيل على تشكيل "لحاف الذاكرة" من ملابس زوجها، متوسلة بالواقعية السحرية في جعل قمصان كينجي القديمة المتناثرة على سريرها تتخذ نظامًا ما، يبدو لأعينهما غير المندهشة وكأنها "تحاول بالفعل تنظيم نفسها في شكل يشبه اللحاف". لكن في النهاية، من دون وجود كينجي، بروحه المحلقة، لا يمكن لابنه ولا أرملته تنظيم حياتهما بمفردهما!


    تجميل الواقع برقع من ثوب الخيال

    ينتهي الأمر ببيني في جناح مستشفى الأمراض النفسية، تحت رعاية الدكتورة ميلاني. لم يعد قادرًا على التركيز في المدرسة، ووصل به الانهيار إلى حد طعن نفسه بمقص صيني حاد. شخصت حالته أولًا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ثم، لاحقًا، ببوادر اضطراب فصامي عاطفي. وكان عليه أن يبحث عن ملاذ لروحه المرهقة في صمت مكتبة عامة كبيرة، حيث تجيد الأشياء التصرف، وتعرف قيمة التحدث همسًا، ليتكشف له عالم جديد يستخلص منه درسه في الحياة، ما الذي يستحق فعلًا مغبة السؤال، وكيف يستطيع أن يجد صوته الخاص المتفرد بتفرد كل إنسان، وسط كل هذا الضجيج والفوضى.
    ترجع فكرة الكتاب الحافل بالأصوات، الذي استغرق من أوزيكي ثماني سنوات لكتابته، إلى وفاة والدها في عام 1998. على مدار عام كامل، ظلت الطفلة تسمعه يتحدث معها؛ "كنت كلما قمت بترتيب شيء في المنزل، وأنا أطوي الغسيل، أسمعه ينادي اسمي. وحين أستدير لا أجد أحدًا". ومثل بيني، الذي عانى من الاكتئاب والقلق، أمضت أوزيكي أسابيع عدة في جناح للأمراض النفسية، بعد تعرضها لانهيار عصبي في المدرسة الداخلية.

    "ترجع فكرة الكتاب الحافل بالأصوات، الذي استغرق من أوزيكي ثماني سنوات لكتابته، إلى وفاة والدها في عام 1998"


    قامت أوزيكي بمحاولة إحصاء ما يتضمنه منزل والديها في نيو هافن في عام 2002، بعد تشخيص والدتها بمرض الزهايمر. عثرت على هدايا قدمت إلى والدها من مؤسسات "فرست نيشن"، التي عمل معها كعالم أنثروبولوجيا. عثرت كذلك على مصنوعات يابانية تنتمي إلى والدتها، أستاذة اللغويات، ومجموعة من الحصى المصقولة تعود إلى جدها في أثناء اعتقاله في نيو مكسيكو، وصندوقٌ كتبَ عليه بحرص "الصندوق الفارغ"؛ "كنت أعرف أن هذه الأشياء لها قصص، لكنني لم أعرف ماهية هذه القصص، فأحسست بالحزن".
    لقد تمكنت أوزيكي منذ ذلك الحين من تطوير علاقة بالأشياء كما لو أنها تمتلك وعيًا، وفي وسعها أن تشاركها الحديث. تقول إنها كانت مصدر إلهام لكتابة الرواية، وحتى الآن "أفكر في القصص التي يمكن أن ترويها الأشياء إذا كان في إمكانها التحدث فحسب".


    حين يتمكن كتاب من التحدث إلينا
    ذكرت "الغارديان" أن مغامرات بيني في المجتمع الذي قام بإنشائه من الكتب بشكل واضح تذكرنا ببورخيس، وكذلك رسيل هوبان، أو تيم باورز، أو توماس بينشون. وفي مراجعة على "غود ريدر"، وصف أحد القراء ما فعلته أوزيكي من خلال طرحها لتلك العلاقات الممزقة بأنه أحس بأن من يخاطبه ليس مجرد شخص، بل عالم بأكمله، عالم لم يكن موجودًا من قبل، باستثناء ما يتوازى مع عالمنا، عالم مبني من الأفكار التي تتسرب إلى النص على نحو مستمر في وقتها تمامًا. صوت يعلق على الحاضر، أو أن الحاضر هو من يعلق على نفسه. فهل لفلسفة الزن البوذية دور في إضفاء تلك الروح المبهجة على "كتاب الشكل والفراغ"؟
    تقول أوزيكي: "أمتلك فقط حسّ دعابة غريبًا، لأن الجانب الآخر من الأشياء المحزنة عادة ما يكون مضحكًا. هنالك سبب في احتواء مآسي شكسبير دائمًا على مهرجين. كل شيء مضحك، وكل شيء محزن حقًا، إنه الاثنان معًا، تمامًا مثل ’كتاب الشكل والفراغ’"، الذي أرادت من خلاله أن تعلمنا أن لا شيء حقيقيًا، الأشياء لا تقبل الثبات، إنها في حالة تطوّر دائم، وفضلًا عن عدم ثباتها، تحوي في داخلها فراغًا هائلًا!
يعمل...
X