إشكاليات الهوية والانتماء.. بين جائزتي "البوكر" و"جالاك"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إشكاليات الهوية والانتماء.. بين جائزتي "البوكر" و"جالاك"

    إشكاليات الهوية والانتماء.. بين جائزتي "البوكر" و"جالاك"
    سناء عبد العزيز 2 يونيو 2022
    تغطيات
    جيتناجالي شري (من اليمين) وصبا خان
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    جائزة "جالاك" هي الجائزة الأدبية الثانية في بريطانيا التي تقبل مشاركات الكتاب الملونين فقط، ما جعلها موضع إشادة لجنة المساواة وحقوق الإنسان لأنها من نوع العمل الذي تدعمه هذه المفوضية بل وتوصي به بشدة. وتعني "جالاك" في اللغة الهندية والعديد من لهجاتها "لمحة" أو "نظرة خاطفة" بكل ما ينطوي عليه من معنى الإيجاز المثير للفضول واستكشاف المزيد؛ الاسم الذي وجد فيه القائمون عليها تطابقًا مع أهدافهم في تسليط الضوء على بعض إبداعات ورؤى الكتاب الملونين، أو ما يمكن أن نطلق عليهم المهمشين الذين غالبًا ما يتم تجاهلهم من قبل صناعة ثقافية لم تتحرر من نظرتها الاستعمارية.

    قد نختلف مع تصورات الجائزة بشأن عدم تحرر صناعة الكتب من نظرتها الاستعمارية، ولكن في الآونة الأخيرة جرت في النهر مياه كثيرة، كأن تحصد القارة السمراء في العام السابق 2021 معظم الجوائز المرموقة في عالم الأدب؛ فيتوج عبد الرزاق قرنح بنوبل للآداب، والسنغالي محمد مبوغار سار بجائزة غونكور الفرنسية، وديمون جالغوت بالبوكر العالمية.

    لكن المدهش حقًا، أنه في اليوم نفسه التي أعلنت "جالاك" عن فوز الكاتبة الباكستانية صبا خان عن روايتها المصورة الأولى "الأدوار التي نلعبها"، أعلنت "البوكر" العالمية عن فوز الكاتبة الهندية جيتناجالي شري عن روايتها "ضريح من رمال"، المتماسة مع رواية صبا على نحو مذهل في تناول مأساة تقسيم الهند.

    "في اليوم نفسه التي أعلنت "جالاك" عن فوز الكاتبة الباكستانية صبا خان عن روايتها المصورة الأولى "الأدوار التي نلعبها"، أعلنت "البوكر" العالمية عن فوز الكاتبة الهندية جيتناجالي شري عن روايتها "ضريح من رمال"، المتماسة مع رواية صبا على نحو مذهل في تناول مأساة تقسيم الهند"
    أزمة ثقة بين الهند وباكستان

    في منتصف ليلة الخامس عشر من شهر أغسطس/ آب عام 1947، قُسمت الهند إلى دولتين؛ الهند وباكستان؛ بموجب قانون برلمان المملكة المتحدة، وشمل تقسيم مقاطعتين؛ البنغال والبنجاب، على أساس الأغلبيتين الحاكمتين المسلمة وغير المسلمة، وهو ما أدى إلى نزوح ما يقرب من 12 مليون شخص على أسس دينية، وخلق أزمة لجوء هائلة في المناطق التي تشكلت حديثًا، نتج عنها عنف واسع النطاق، مع وجود خسائر في الأرواح تتراوح بين مئات الآلاف والمليونين.

    أسفرت الطبيعة العنيفة للتقسيم عن جو من العداء وعدم الثقة بين الهند وباكستان ابتليت بهما علاقتهما حتى الوقت الحاضر، لكن الفن كما يظهر من خلال روايتي شري وصبا، يتنصل من كل هذا.

    شري هي أول كاتبة من الهند تفوز بـ"البوكر" الدولية منذ أن تأسست عام 2005، كما أن روايتها "ضريح من رمال" هي أول عمل مكتوب باللغة الهندية يفوز بالجائزة، بينما تعتبر "الأدوار التي نلعبها" للباكستانية صبا خان أول رواية مصورة تفوز بجائزة "جالاك".

    رواية "الأدوار التي نلعبها" ورواية "ضريح من رمال"
    كلا العملين يدوران في الهند المنقسمة بأسلوب فكه لا يتكرر كثيرًا في الحكي عن إشكاليات الهوية والانتماء والذاكرة، على الرغم من اختلاف منظور كل منهما وطريقة التناول. فبينما تطرح شري مفهوم الحدود والتقسيم باعتبارها من الجيل الذي أعقب التقسيم مباشرة وجرّب ويلاته، تستكشف خان، وهي من الجيل الثاني من آزاد كشميري، ما تعنيه تلك الموضوعات ذاتها بالنسبة لها ولأسرتها، فقد كانوا من بين الأشخاص الذين نزحوا من ميربور في آزاد كشمير عندما غمرتها مياه السد بعد التقسيم.
    "أسفرت الطبيعة العنيفة للتقسيم عن جو من العداء وعدم الثقة بين الهند وباكستان ابتليت بهما علاقتهما حتى الوقت الحاضر، لكن الفن كما يظهر من خلال روايتي شري وصبا، يتنصل من كل هذا"
    تصف شري الهند الآن على النحو التالي: "أوه اللعنة، ثقافة الشارع الاستهلاكية، والشمس تنشج بهدوء وسط التلوث، والمدينة الفجة ترقد تحتها، وقد تغير لونها بسبب الغبار والصدأ وقذارة الطيور، ومراكز التسوق الفاحشة، كل شيء للبيع، حتى الماء، الفتاة الصغيرة التي تنقر على نافذة السيارة كانت تبيعه، إنها تفعل ذلك بدلًا من الدراسة وهي ترتدي الخرق، وتؤدي دورا سينمائيًا بين السيارات؛ الفتيات المتعلمات يعبرن الشارع، وقد انكمشت ملابسهن أكثر من عقولهن، وأي شخص عشوائي تخاطبه، بأي لغة هندية، يرد عليك بالإنكليزية، وبالإنكليزية الرديئة، حتى التهجئة الهندية على اللافتات خاطئة، وكذلك تهجئة الكلمات الإنكليزية، خير الكلام ما قل ودل!".

    بينما تصف خان كتابها بأنه مساهمة في إيجاد "صوت ثقافي أدبي" للمجتمع، الذي غالبًا ما يتم تصويره بشكل سلبي ومرتبط بقضايا مثل العنف المنزلي وانخفاض معدلات التوظيف؛ "أردت أن يكون الكتاب عن حب الوطن وتكريمه، مع الاعتراف بكل المعوقات". لهذا راحت صبا تبحث من سفوح جبال الهيمالايا في الوديان الكشميرية إلى غرين ستريت الصاخبة في شرق لندن، عن هويتها من العالمية إلى المحلية، متناولة التقسيم والتشريد والاستيعاب بروح الدعابة والجرأة ذاتهما عند شري، لترسم لقطة حية للحياة الآسيوية البريطانية المعاصرة وتبحث في التحولات المعقدة التي مرت بها الأجيال المختلفة داخل مجتمعات المهاجرين، ما يخلق قصة عالمية وراقية تتخطى الحدود وعقود من الزمان.
    "كلا العملين يدوران في الهند المنقسمة بأسلوب فكه لا يتكرر كثيرًا في الحكي عن إشكاليات الهوية والانتماء والذاكرة، على الرغم من اختلاف منظور كل منهما وطريقة التناول"
    تتتبع "الأدوار التي نلعبها" طفولة خان خلال مرحلة البلوغ، وتتحرك ذهابًا وإيابًا بين الأزمان، والطريقة التي تسير بها الذكريات. فتتحدث عن الطريقة التي أُجبر بها والداها على الانتقال من ميربور إلى المملكة المتحدة في الستينيات، وصعوبات بناء حياة لأنفسهم، وكفاحهم للحفاظ على ثقافتهم وروابطهم الأسرية كمهاجرين. بينما تبدأ شيري حكايتها بموت الجد وسقوط الجدة في هوة الاكتئاب قبل أن تعود بالزمن للوراء لتعالج صدمتها في مرحلة المراهقة جراء التقسيم ومن ثم تعود إلى لاهور!

    تنقل خان المهندسة المعمارية من خلال رسومها التوضيحية المنحنية، ما تعنيه بالتقسيم والشتات، وهو ما تضخمه شيري من خلال التلاعب بالألفاظ وإيقاعات اللغة الهندية التي نقلتها مترجمتها ديزي روكويل بحساسية منقطعة النظير.

    الكاتبة الصينية مايسي شان وروايتها "داني تشونغ لا يفهم الرياضيات"

    كتاب الشتات المقيمون في بريطانيا

    منحت جائزة "جالاك" لأول مرة في عام 2017، وتبعتها "جالاك" لأدب الطفل بعد ثلاثة أعوام، للاحتفال أيضًا بكتاب الشتات المقيمين في بريطانيا. فازت بها هذا العام مع صبا خان، الكاتبة الصينية مايسي شان عن روايتها الدافئة والمضحكة للأطفال "داني تشونغ لا يفهم الرياضيات"، رسومات آنه كاو. وداني طفل في الحادية عشرة من عمره، يعيش في الشتات مع أسرته النازحة، ويحب الرسم جدًا، ولكنه لا يفهم الرياضيات. ذات يوم تنقلب حياته رأسًا على عقب عندما يتفاجأ بزيارة جدته من الصين وهي المعروفة بتفوقها السابق في الرياضيات لدرجة أنها تحمل لقب البطولة. تقول باتريس لورانس، عضو لجنة التحكيم والفائزة بأول جائزة من "جالاك" للأطفال عام 2021 عن كتابها "ثماني قطع من سيلفا"، إنها شغفت بالطفل داني بسبب "حماسته وطرافته والطريقة الدقيقة التي يتعامل بها مع تحديات كونه طفلًا يتفاوض مع هويات متعددة".
    "فازت بجائزة "جالاك" هذا العام مع صبا خان، الكاتبة الصينية مايسي شان عن روايتها الدافئة والمضحكة للأطفال "داني تشونغ لا يفهم الرياضيات"، وداني طفل في الحادية عشرة من عمره، يعيش في الشتات مع أسرته النازحة، ويحب الرسم جدًا، ولكنه لا يفهم الرياضيات"
    لم تمنع الحبكة المفعمة بالحياة والمواقف الطريفة بين داني وجدته من إدخال بعض المعرفة الرياضية في صلب النص. فكرة وصول الجدة بكل ما تحمله من رموز ودلالات، واضطرارهما إلى النوم معا في غرفة واحدة، بل في سرير واحد بطابقين، وعلى عكس المتوقع، تنام الجدة في السرير العلوي وداني ممددا أسفل منها، كان لها أبلغ الأثر في اتساع حدقتي عين الطفل، فيدرك شيئا فشيئا أن الصورة الأولى التي كونها للمرأة المجعدة تخفي تحت طياتها منابع الحكمة والمعرفة وروح الصين القديمة.

    بمساعدة جدته، يستخدم داني حبه للرسم لتنفيذ مشروع عن أرقام فيبوناتشي واللوالب الذهبية، لتكتمل رؤيتنا عن الاختلافات بين الأجيال، ودور الجدات في إتمام الصورة المتآكلة في عيون أطفالنا، وكيف أن الفن والرياضيات لا يختلفان عن بعضهما البعض إلا عند ذوي العقول الخفيفة!

    قالت لجنة التحكيم عن الكتابين الفائزين، نقلًا عن صحيفة الغارديان البريطانية: "لقد اخترنا هذا العام كتابين رائدين جريئين، يفيضان بالمشاعر، ويفتحان آفاقًا جديدة للنشر اليوم، كما يفتحان مسارات أمام الكتاب والمبدعين الملونين الذين سيتبعونهم. إنهما كتابان يصيغان القانون الأدبي الجديد".


يعمل...
X