مسرحية "موريا" الإسبانية.. مخيم اللاجئين هو الجحيم ذاته

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مسرحية "موريا" الإسبانية.. مخيم اللاجئين هو الجحيم ذاته

    مسرحية "موريا" الإسبانية.. مخيم اللاجئين هو الجحيم ذاته
    أحمد عبد اللطيف 1 يونيو 2022
    تغطيات
    ملصق المسرحية ولقطة منها
    شارك هذا المقال
    حجم الخط



    عادةً ما تتحدث أوروبا عن ترحيبها باللاجئين، وتتباهى بقوانين إنسانية يتساوى فيها الجميع أمام السلطات وداخل المجتمع، لكن القوانين النظرية تتعارض مع الصورة العملية، والمبادئ الإنسانية تتهاوى على أرض الواقع حين يشعر الأوروبي بأنه في خطر، والخطر يأتي عادةً من الغريب، من الثقافة غير المفهومة، وخاصةً لو كانت الثقافة العربية أو الإسلامية. من هذه الرؤية تنطلق مسرحية "موريا" للمخرج الإسباني ماريو بيجا، وبطولة روث سانتشيث (في دور دعاء العراقية) ومارتا بييرا (في دور زهرة الأفغانية)، والمعروضة هذه الأيام على مسرح فرنان غوميث في مدريد.
    "ينطلق العمل الذي ينحاز للاجئين وينتقد بحدة سياسة الهجرة الأوروبية، من خيمة صغيرة تسكنها دعاء العراقية وزهرة الأفغانية، ومن هذا المكان الفقير تفوح رائحة البصل وصخب الطبيخ في الفرن الصغير"
    تتأسس المسرحية على أحداث حقيقية تدور في مخيم "موريا" في اليونان، والذي يعتبر أكبر مخيم للاجئين في أوروبا، ويضم جنسيات متعددة بين سورية والعراق من ناحية، وأفغانستان ودول شرق آسيا من ناحية أخرى، ويجمع معظم ساكنيه الكوارث التي وقعت في بلدانهم في السنوات الأخيرة، مع هامش من مواطنين قرروا أن يغيّروا حياتهم بالمجازفة بالحياة نفسها وركوب مركب إما يؤدي إلى أوروبا أو إلى الموت.

    ينطلق العمل الذي ينحاز للاجئين وينتقد بحدة سياسة الهجرة الأوروبية، من خيمة صغيرة تسكنها دعاء العراقية وزهرة الأفغانية، ومن هذا المكان الفقير تفوح رائحة البصل وصخب الطبيخ في الفرن الصغير. تبدو الخيمة بيتًا عربيًا، عراقيًا بالذات، ومن الخارج قد يبدو حميميًا بحواراته وإيقاع ساكنيه، لكنه في الحقيقة مركز الجحيم. فالخيمة تقع في موريا، التابعة لجزيرة ليسبوس اليونانية، مكان اخترعته أوروبا لإيداع آلاف البشر الذين يفقدون عقولهم قبل أن ينقلوهم لمكان آمن. وداخل الخيمة يبرز شعار ACUNR، منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بجوار القمامة والمشاجرات، بالإضافة للاعتداءات الجنسية التي تحدث تحت سمع السلطة وتجاهلها.

    مشهد من مسرحية "موريا"

    تتوالى مشاهد المسرحية التي تستغرق 45 دقيقة في بث نابض كأنه حي، في مخيم اللاجئين الهائل، لكنه في الوقت نفسه عار أوروبا في سنواتها الأخيرة. تدخل الكاميرا لتستعرض استياء من يدخل الخيمة المكسوة بالبطاطين، ويسودها فقر مدقع وشعور عارم بالإحباط والتيه. تتسلل الكاميرا إلى حياة امرأتين قويتين استطاع المخيم يومًا وراء يوم أن يفرّغ حياتهما من المعنى ومن سؤال الجدوى، ليحل محل الفراغ شعور باليأس والتيه والألم، ونوستالجيا قوية لأيام مضت كانت فيها كل واحدة منهما صاحبة بيت وحياة.
    "تتسلل الكاميرا إلى حياة امرأتين قويتين استطاع المخيم يومًا وراء يوم أن يفرّغ حياتهما من المعنى ومن سؤال الجدوى، ليحل محل الفراغ شعور باليأس والتيه والألم، ونوستالجيا قوية لأيام مضت كانت فيها كل واحدة منهما صاحبة بيت وحياة"
    في 45 دقيقة فقط يلخص العمل المسرحي اللافت سنوات من المنفى عاشتها دعاء وزهرة، سنوات من الخطف والموت والانتهاكات والشك والحيرة. هذه الضربات المتوالية التي تعرضت لها كل واحدة منهما لم تتوقف لحظة، حتى الهدنة باتت أملًا بعيدًا. في بانوراما المسرح الضيق ينساب الألم والخزي، إنه التجسيد الحي للجوء وتفريغ لمعناه الإنساني.

    جدران خشبة المسرح المكسوة بصور فوتوغرافية للمصورة الصحافية أنّا سورينياش تصنع هذا النوع من التلاقي بين الواقع والمسرح، هذا التوثيق بجانب توثيق آخر للصحافي نيكولاس كاستيانو يساهم في التوغل في موريا، وعلى هامش الدراما ثمة صورة بانورامية عن قدرة الإنسان على مقاومة أي كارثة. ولمزيد من التوثيق، أضاف المخرج صورًا حقيقية كاملة لدعاء وزهرة إلى أفيش العرض، تعكس وجهًا مليئًا بالقوة تكسوه ابتسامة. تتوازي مع الصور مشاهد متحركة تروي قصة امرأتين هربتا بثلاثة أو أربعة أبناء على كاهلهما. امرأتان عرّضت كل واحدة منهما حياتها لخطر الموت عدة مرات عبورًا بالبحر، وانتهى بهما المطاف في صالة انتظار قذرة هي مخيم لا إنساني.

    من مخيم "موريا"

    من الخارج يبدو المخيم مرحلة انتقالية من جحيم الحرب لجنة السكينة، لكن في العمق المخيم هو الجحيم ذاته، إذ بالإضافة للخصوصية المنتهكة ثمة شعور عارم بالعزلة، حتى لو كان المكان مأهولًا بآلاف الأشخاص. نحن نتكلم عن سجن مفتوح، ربما أسواره بعيدة في الظاهر، لكنها حبل يطوّق الرقاب. وهذه هي أهمية المسرحية في الحقيقة، أنها تتجاوز الفيديو الذي يسجّل من بعيد مخيمًا يسكنه لاجئون لتتعمق في المخيم الذي يسكن اللاجئون ويلتف حولهم كأغلال. تقول زهرة: "أقول دائمًا إني لاجئة، هذا أول ما يخطر ببالي لأني دائمًا كنت لاجئة".

    المسرحية المعروضة على مسرح فرنان غوميث، استخدمت الحد الأدنى من الديكور والإكسسوارات لكشف حالة التقشف في المخيم، واعتمدت بشكل كبير وأساسي على الحوار المؤثر والدراماتيكي، بالإضافة للموتيفات الصغيرة الدالة المعلّقة على الجدران أو المبعثرة على الخشبة. بالكثير من الرؤية الفنية والجمالية، المتجسدة في المسرح كلوحة تشكيلية، ابتعد العمل عن كونه منشورًا سياسيًا غاضبًا، رغم أنه يحمل قضية مؤثرة ومثيرة.
    "تأسس مخيم موريا ليسكنه ثلاثة آلاف لاجئ، لكن السطات فتحته ليضم في النهاية 25 ألف لاجئ. وفي سبتمبر/ أيلول 2020 نشب حريق لم تتوصل التحقيقات بعد لمعرفة أسبابه، أدى لتدمير المخيم، فشيدوا آخر بشروط أسوأ"
    في البداية تأسس مخيم موريا ليسكنه ثلاثة آلاف لاجئ، لكن السطات فتحته ليضم في النهاية 25 ألف لاجئ. وفي سبتمبر/ أيلول 2020 نشب حريق لم تتوصل التحقيقات بعد لمعرفة أسبابه، أدى لتدمير المخيم، فشيدوا آخر بشروط أسوأ. وما حدث لدعاء وزهرة عقب الحريق كان نهاية العرض، وبدلًا من تصفيق الجمهور ساد صمت رهيب عَكَس الشعور بالألم، بعد أن تماهى المشاهدون مع البطلتين.

    بمسرحية "موريا" يعود المسرح الإسباني إلى الالتزام بالقضايا الإنسانية البعيدة عن حدود الوطن، لكنها تمس كل إنسان. وإن كانت أحداث المسرحية تدور في اليونان، إلا أنها إدانة للسياسة الأوروبية في مجملها ونقد لسياسة الهجرة بالذات، فالرسالة المبطنة أن أوروبا تخلت عن اللاجئين، وبدلًا من منحهم وسائل الحياة منحتهم طريقًا للموت داخل سجن!

يعمل...
X