السجن والمنفى في سِيَرِ ثلاثة أدباء عالميين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السجن والمنفى في سِيَرِ ثلاثة أدباء عالميين

    السجن والمنفى في سِيَرِ ثلاثة أدباء عالميين
    سمير رمان 28 مايو 2022
    تغطيات
    جوزيف برودسكي وفولتير وأوسكار وايلد
    شارك هذا المقال
    حجم الخط

    شهد شهر مايو/ أيار أحداثًا مفصلية في حياة ثلاثة من كبار الأدباء العالميين: سجن الفرنسي فولتير، وإطلاق سراح البريطاني أوسكار وايلد، وتهجير الروسي جوزيف برودسكي.


    فولتير
    فولتير
    قبل 305 أعوام، في السابع عشر من مايو/ أيار عام 1717، أودع فولتير السجن. لم تكن المرة الوحيدة. في كلّ مرّة، كانت تلصق به تهمة مختلفة عن الأخرى. لم يكن السجن الذي أودع فيه فولتير يشبه السجون التي يعرفها الناس اليوم في العديد من البلدان. رغم السمعة السيئة للباستيل، استطاع فولتير، خلال 11 شهرًا من الاحتجاز، أن يكتب مسرحيته "هنري العظيم"، بالإضافة إلى إكمال مسرحية "أوديب" (تعديلًا عن مسرحية الإغريقي سوفوكليس). ولكن بسبب نقص الورق، اضطر فولتير إلى كتابة كلّ هذه الأعمال على هوامش كتب فرجيل، وهوميروس.
    إهانة السلطات هي التهمة التي أودت بفولتير إلى السجن، التهمة التي لا تزال موجودة في أيامنا، وغالبًا ما تلجأ إليها السلطات لتكميم الأفواه المعارضة. أثارت أشعار وكتيبات فولتير (اسمه الحقيقي فرانسوا ماري أرويه) حنق الوصي على عرش فرنسا حينها، فيليب دي أورليون. ظهرت في المحاكمة أشعار مثل "الصبي الحاكم" الموجهة إلى الصغير لودفيغ الخامس عشر، التي كانت تنتقد التركيبة الحكومية، وكذلك خطايا الوصي الصغيرة.

    "إهانة السلطات هي التهمة التي أودت بفولتير إلى السجن، التهمة التي لا تزال موجودة في أيامنا، وغالبًا ما تلجأ إليها السلطات لتكميم الأفواه المعارضة"


    كما كان الأمر في كلّ مرة، تمكن حماةٌ نافذون لفولتير بعد 11 شهرًا من نقله من السجن إلى الإقامة الجبرية في المنزل. بعدها، حضر فيليب دي أورليون العرض الأول لإحدى المسرحيات (حيث حصل بعدها الكاتب على لقبه المعروف: فولتير).



    أوسكار وايلد
    أوسكار وايلد
    الواقعة الثانية مرتبطة بحرمان أوسكار وايلد من حريته. ففي التاسع عشر من مايو/ أيار عام 1897، وقبل 125 عامًا، خرج أوسكار وايلد إلى الحريّة بعد سنتين قضاهما في السجن. كانت بريطانيا الفيكتورية تعد علاقات الحبّ "غير التقليدية" جريمة يعاقب عليها القانون. كان وايلد شاعرًا عملاقًا بكلّ معنى الكلمة، كما كان كاتبًا دراميًّا، وقاصًّا بارعًا، وأبًا محبًّا، في الوقت نفسه. بالإضافة إلى ذلك، كان وايلد حادّ الذكاء، متأنقًا، وضيفًا مرحبًا فيه في جميع الصالونات الراقية. في ذلك الحين، أثار الماركيز كوينزبري (الذي وضع قواعد الملاكمة الحديثة) الحديث عن ميول وايلد المثلية، وادعى ارتباطه بعلاقاتٍ شاذّة مع الشابّ بوزي، ابن الماركيز نفسه. أنكر وايلد هذه الإشاعات، ليرفع لاحقًا دعوى افتراء قضائية ضدّ الماركيز.

    "بعد خضوع وايلد لجلسات طويلة ومهينة، حُكِم عليه بالأشغال الشاقة، حيث قضى ليالي طويلة لم يعرف فيها طعم النوم، وكان يتعرّض للإهانة والسخرية من رفاقه نزلاء السجن"


    بعد خضوع وايلد لجلسات طويلة ومهينة، حُكِم عليه بالأشغال الشاقة، حيث قضى ليالي طويلة لم يعرف فيها طعم النوم، وكان يتعرّض للإهانة والسخرية من رفاقه نزلاء السجن. خرج وايلد إلى الحرية إنسانًا محطمًا، مفلسًا. هرب إلى باريس، ليعاود من هناك الكتابة من جديد (كانت تجربته في السجن حجر الأساس في كتابه "حكايات عن سجن ريدينغ"، وكذلك مقالات تتضمن اقتراحات لتحسين ظروف السجناء). تخلى كثيرون عن وايلد، بمن فيهم عشيقه الشاب بوزي، الذي عاش طويلًا بالقرب من الكاتب وعلى حسابه، والذي كان على رأس محرضي وايلد على رفع دعوى ضد الافتراء. بعد ثلاث سنوات على خروجه من السجن، وبداية الترحال في الغربة، مات وايلد متأثرًا بمرض التهاب السحايا.



    جوزيف برودسكي
    جوزيف برودسكي
    ثالث الحالات قريبة منّا، وحدثت في 10 مايو/ أيار عام 1972، أي منذ نصف قرن. فقد استدعي الشاعر جوزيف برودسكي إلى قسم الفيزا في وزارة الداخلية السوفياتية، وخيِّر بين أمرين: إمّا الهجرة الفورية، أو السجن والاستجواب ومستشفى الأمراض العصبية. في ذلك الوقت، سبق للشاعر أنّ خبر المكوث فترة كافية في مستشفى الأمراض العصبية، ونفي عامًا ونصف العام إلى مقاطعة أرخانغليسك. كما عرف جيدًا حملات التنمّر في حقّه.

    "كما حدث لأوسكار وايلد الذي حطّمه السجن، غادر برودسكي بلاده. حاول الكاتب أن يؤخر لحظة المغادرة، ولكنّ السلطات رفعت وتيرة الضغط عليه، فغادر لينينغراد إلى فيينا، حيث بدأت هناك حياة جديدة عاصفة ومثمرة"


    لم يرغب بمزيد من الاضطهاد والعنف، كما حدث لفولتير الذي كان يهرب من أحدٍ ما، أو يتوارى عن الأنظار خوفًا من شيءٍ ما، وكما حدث لأوسكار وايلد الذي حطّمه السجن، غادر برودسكي بلاده. حاول الكاتب أن يؤخر لحظة المغادرة، ولكنّ السلطات رفعت وتيرة الضغط عليه، فغادر لينينغراد إلى فيينا، حيث بدأت هناك حياة جديدة عاصفة ومثمرة.
    فقْد المنزل، والتنقل من مكانٍ إلى آخر، ومحكومية اللاعودة، جميعها دوافع أصبحت اليوم مفهومة لدى ملايين المهجرين من بلدانهم، والتائهين في أصقاع المعمورة. هذه المشاعر، والوقائع، سكبها برودسكي في قصائده منذ وقتٍ بعيد، ومنها:
    أحمد الله أنني غريب،
    لا ألوم أحدًا هنا، ولا شيء لأعرفه.
    أسير على عجلٍ، أتخطى الآخرين،
    أشعر الآن بالراحة،
    فلا شيء أفارقه بعد اليوم.
    أحمد الله أنني تركت بلا وطن على هذه الأرض.
يعمل...
X