"جائزة أونداتجي" لمذكرات طفلة عن آخر بؤر الستالينية بأوروبا
سناء عبد العزيز 14 مايو 2022
تغطيات
ليا يبي في مهرجان أدبي في أكسفورد/إنكلترا(27/3/2022/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
بعض الجوائز، على أهميتها، لم يتسن للقارئ العربي الاطلاع عليها، وبالتالي معرفة التجارب الإنسانية المدرجة في قوائمها إلا لو قدر لكتاب منها أن يترجم، وعادة ما يكون الكتاب الفائز. وعلى الرغم من حقيقة أن الأدب ينضوي تحت راية الخيال، فقد أثبت منذ لحظة نشوئه، وعبر رحلة تطوره، أنه قد يكون أصدق مؤرخ للوقائع التي غفل عنها التاريخ، أو حرّفها عمدًا. من تلك الزاوية، تتفرد جائزة أونداتجي باختيارها لنوعية الكتب التي تثير "روح المكان"، سواء كانت روائية، أو غير روائية، أو حتى ديوان شعر، وهي جائزة أدبية سنوية تقدمها الجمعية الملكية للأدب للكتاب من مواطني الكومنولث، أو جمهورية أيرلندا، أو المقيمين فيها، وتبلغ قيمتها 10 آلاف جنيه إسترليني.
فازت بها العام الماضي رواية الإثارة والتشويق "الجزارين"، للكاتبة الأيرلندية روث جيليجان، لتنضم إلى الفائزين السابقين، منهم النائب ألان جونسون عن مذكراته "هذا الصبي"، والصحافية عايدة إدماريام عن سردها لقصة حياة جدتها، "حكاية الزوجة"، والكاتب الليبي المولود في أميركا هشام مطر عن روايته الأولى "في بلد الرجال"، التي ترجمت إلى 30 لغة. وهذا العام اختارت لجنة التحكيم، برئاسة الشاعر سانديب بارمار، مذكرات الكاتبة الألبانية ليا يبي "حرة: طفلة وبلد في نهاية التاريخ"، التي تتردد فيها أصداء اللحظة الراهنة وكأنَّا بالتاريخ يعيد نفسه.
إلى جانب بارمار، ضمت لجنة التحكيم كلًا من الروائي باتريس لورانس، والكاتب والمحامي فيليب ساندز، لاختيار الفائز النهائي من القائمة القصيرة المكونة من ستة كتب: "ساحرات مانينجتري" لبلاكمور؛ "جزر الهجران: الحياة في مشهد ما بعد الإنسان" لكال فلين؛ "كتابة المعسكر" ليوسف القاسمية؛ "إمبيريلاند" لساتنام سانغيرا؛ و"جزيرة الأشجار المفقودة" للروائية التركية إليف شفق.
أخر دولة ستالينية في أوروبا
وصف المحكمون يبي، أستاذة النظرية السياسية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وأستاذة مساعدة في الفلسفة في الجامعة الوطنية الأسترالية، بأنها أيضًا "أستاذة" في التوفيق بين الروايات الكبرى والشخصية، مشيدين بالطريقة التي مكنتها من مزج الكوميديا السوداء، والجدية الشديدة، للوصول إلى أعلى درجات الشفافية بشأن القصص التي ترويها لنا، وكيف نتفاوض على حياتنا داخلها. إن يبي تؤرخ في مذكراتها لفترة طفولتها في ألبانيا، وقت كانت واحدة من آخر البؤر الاستيطانية الستالينية في أوروبا، موفرة منظورًا جديدًا عن العلاقة بين الأمور السياسية والشخصية، بين القيم والهوية، لتطرح من خلالها أسئلة عاجلة عن تكلفة الحرية.
بالنسبة إلى يبي البالغة من العمر 11 عامًا آنذاك، كانت الاشتراكية على الطراز السوفييتي في ألبانيا تحمل وعدًا بمستقبل واضح المعالم، وتمثل ضمانة للأمن بين الرفاق المتحمسين، إلى أن وجدت نفسها بعد ظهر أحد الأيام الممطرة في ديسمبر/ كانون الأول 1990 تركض إلى حديقة قصر الثقافة عبر تيرانا. وحتى تتأكد من أن أحدًا لا يراها، أخفت وجهها الدافئ في فخذ التمثال البارد وهي تحاول تطويقه بذراعيها. كان المتظاهرون الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية قد تمكنوا من قطع رأس أحد أعمامها، وكان لها في ذلك الوقت عمان شيوعيان، كلاهما مات بالفعل، أحدهما زعيم ألبانيا، أنور خوجة، والثاني جوزيف ستالين، وكانت معلمتها نورا تعلمها أن تتعامل معهما بنوع من الإكبار. أخبرت نورا ليا الطفلة أن ستالين كان روح التاريخ على دبابة، بالإضافة إلى وصفها لشاربه العظيم بالأرنب جوجو!
تكلفة الحرية
لكن الشيوعية فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق اليوتوبيا الموعودة. ومع إنشاء أحزاب سياسية مستقلة، سقطت الشيوعية تمامًا، بعد عام واحد فقط من سقوط جدار برلين. وعلى الرغم من أن الألبان كانوا يعتقدون أنهم أحرار بالفعل، فقد اكتشفوا تدريجيًا ما تعنيه الحرية الحقيقية، وقاموا بتحطيم تمثالي ستالين وخوجة، وتغيرت الحياة بين عشية وضحاها بالنسبة للجميع، فأصبح في إمكانهم التصويت بحرية، وارتداء ما يحلو لهم، بل والعبادة أيضًا على النحو الذي يعتقدونه. غير أن التغيير شهد اختفاء كثير من الوظائف، وأفضت المخططات الهرمية الجائرة إلى إفلاس البلاد، والوقوع في براثن العنف والغضب.
في مذكراتها، تحكي يبي كيف تحررت هي الأخرى من نفسها، حين تكشفت لها أسرار عائلتها، ووجدت نفسها تتساءل عما تعنيه الحرية حقًا. فعندما كان والداها يتحدثان عن ذهاب أحد الأقارب إلى "الجامعة"، أو "التخرج منها"، كانا يضمران معاني أخرى. وكان عليها أن تزيح النقاب عما يخفيه والداها وجَدَّتها المحبوبة لحمايتها. لتدرك في ما بعد أن الإشارة إلى دخول الشخص الجامعة معناه أنه اعتقل، أما التخرج فيعني إطلاق سراحه من السجن. فيما يمثل التسرب عملية انتحار. ودراسة العلاقات الدولية تعني السجن بتهمة الخيانة. علاوة على ذلك، فإن الأسرة في ألبانيا الملحدة كانت تخفي تراثها الإسلامي. عندما تسأل ليا والديها عن عقيدتهما، يرد أبوها: "نحن مسلمون". فتلاحقه أمها في الكلام "كنا مسلمين"!
ذات يوم، كانت تمر مع والديها أمام مبنى، فأشارت أمها لزوجها إلى نافذة في الطابق الخامس. فقط بعد سقوط الشيوعية، تجرأوا على إخبار ابنتهما بأن المبنى المشار إليه صودر من عائلة والدتها، ليصبح مقرًا للحزب، وأنه من تلك النافذة في عام 1947، وقف جد ليا الأكبر، وهو يصرخ "الله أكبر"، قبل أن يقتل نفسه لتجنب التعذيب. والدها أيضًا كان يخفي أسرارًا.
لسنوات، تعلمت ليا من معلميها أن تحتقر شافر إيبي، رئيس الوزراء السابق لألبانيا، ووزير العدل في ظل الحماية الإيطالية الفاشية التي تأسست بعد هروب الملك زوغ. وكانت كثيرًا ما تتساءل، لماذا يحمل هذا الشخص المخزي اسم والدها نفسه؟ لتكتشف لاحقًا أنه كان جدها الأكبر، وأن اسمه قد جلب العار على عائلتها، مما جعل من المستحيل على والديها الانضمام إلى الحزب، وتعزيز حياتهما المهنية. إلى هذا الحد من التعمية، عاشت الطفلة في شبكة من المواربات!
اتساع الفجوة بين الحلم والواقع
لا تعمل مذكرات يبي على إحياء ألبانيا الشيوعية فحسب، بل وما بعد الشيوعية أيضًا. فحين سُمح بإجراء انتخابات تعددية الأحزاب في أوائل التسعينيات، أصبح والداها من الشخصيات البارزة في حزب المعارضة الرئيسي في ألبانيا، ملتزمين بفكرة أن بلدهم يجب أن يصبح تمامًا مثل بقية أوروبا في حرية التعبير والتحرر من الفساد. ولكن بحلول عام 1997، اتسعت الفجوة بين أحلامهم النيوليبرالية والواقع الكليبتوقراطي، بعد أن انهارت المخططات الهرمية التي استثمر فيها غالبية سكانها مدخراتهم، ودخلت البلاد في حرب أهلية. في هذه الأثناء، كانت ليا تؤدي امتحاناتها النهائية على صوت بنادق الكلاشينكوف في الخارج، غير مدركة أن شخصًا ما قد اتصل بالمدير ليحذره من قنبلة ستنفجر في غضون ساعتين. على إثرها، راح بعض المدرسين يجِدون في البحث عن القنبلة، بينما يقف البعض في قاعة الامتحان، يملي الإجابات على الطلاب.
قال لهم المعلم: "لن يرسب أحد. إذا كان درجتك المتوقعة ستة، فعليك الإجابة عن سؤالين. إذا كانت ثمانية، أجب عن ثلاثة"، مضيفًا: "لا أنصحك بالذعر. أنصحك فقط أن تكون سريعًا قدر الإمكان". إنها قصة تجسد تجارب الأستاذة كفتاة صغيرة.
عندما تقوم يبي بتدريس ماركس اليوم في كلية لندن للاقتصاد، فإنها تخبر طلابها أن الاشتراكية هي نظرية عن حرية الإنسان. كتبت في مذكراتها أن "الحرية لا يتم التضحية بها فقط عندما يخبرنا الآخرون ماذا نقول، وأين نذهب، وكيف نتصرف. إن المجتمع الذي يدَّعي تمكين الناس من تحقيق إمكاناتهم، ولكنه يفشل في تغيير الهياكل التي تمنع الجميع من التطور، هو مجتمع قمعي بالطبع أيضًا".
لقد كان والداها يحلمان بأن تكون الليبرالية تحررًا من الاشتراكية الألبانية، لكن يبي لم تكن لديها مثل تلك الأوهام. في الصفحات الأخيرة، تصف الليبرالية بأنها "وعود منكوثة، وتدمير للتضامن، وحق وراثة الامتياز، وغض الطرف عن الظلم". أما عن الحرية الحقة، فإنها مثال لم يتحقق إلا في قلوب البشر!
يُشار أخيرًا إلى أن كولين ثوبرون، الرئيس الفخري للجمعية الملكية للآداب، هو من قام بإعلان فوز يبي نيابة عن مؤسس الجائزة وممولها، السير كريستوفر أونداتجي، وذلك في حدث أقيم في قصر تو تمبل في لندن قبل عدة أيام.
مراجع:
https://rsliterature.org/2022/05/rsl...ner-announced/
https://www.theguardian.com/books/20...e-of-communism
https://en.wikipedia.org/wiki/Ondaatje_Prize
https://www.theguardian.com/books/20...us-memoir-free
https://www.thebookseller.com/news/y...us-memoir-free
https://www.independent.co.uk/news/u...-b2071870.html
سناء عبد العزيز 14 مايو 2022
تغطيات
ليا يبي في مهرجان أدبي في أكسفورد/إنكلترا(27/3/2022/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
بعض الجوائز، على أهميتها، لم يتسن للقارئ العربي الاطلاع عليها، وبالتالي معرفة التجارب الإنسانية المدرجة في قوائمها إلا لو قدر لكتاب منها أن يترجم، وعادة ما يكون الكتاب الفائز. وعلى الرغم من حقيقة أن الأدب ينضوي تحت راية الخيال، فقد أثبت منذ لحظة نشوئه، وعبر رحلة تطوره، أنه قد يكون أصدق مؤرخ للوقائع التي غفل عنها التاريخ، أو حرّفها عمدًا. من تلك الزاوية، تتفرد جائزة أونداتجي باختيارها لنوعية الكتب التي تثير "روح المكان"، سواء كانت روائية، أو غير روائية، أو حتى ديوان شعر، وهي جائزة أدبية سنوية تقدمها الجمعية الملكية للأدب للكتاب من مواطني الكومنولث، أو جمهورية أيرلندا، أو المقيمين فيها، وتبلغ قيمتها 10 آلاف جنيه إسترليني.
فازت بها العام الماضي رواية الإثارة والتشويق "الجزارين"، للكاتبة الأيرلندية روث جيليجان، لتنضم إلى الفائزين السابقين، منهم النائب ألان جونسون عن مذكراته "هذا الصبي"، والصحافية عايدة إدماريام عن سردها لقصة حياة جدتها، "حكاية الزوجة"، والكاتب الليبي المولود في أميركا هشام مطر عن روايته الأولى "في بلد الرجال"، التي ترجمت إلى 30 لغة. وهذا العام اختارت لجنة التحكيم، برئاسة الشاعر سانديب بارمار، مذكرات الكاتبة الألبانية ليا يبي "حرة: طفلة وبلد في نهاية التاريخ"، التي تتردد فيها أصداء اللحظة الراهنة وكأنَّا بالتاريخ يعيد نفسه.
إلى جانب بارمار، ضمت لجنة التحكيم كلًا من الروائي باتريس لورانس، والكاتب والمحامي فيليب ساندز، لاختيار الفائز النهائي من القائمة القصيرة المكونة من ستة كتب: "ساحرات مانينجتري" لبلاكمور؛ "جزر الهجران: الحياة في مشهد ما بعد الإنسان" لكال فلين؛ "كتابة المعسكر" ليوسف القاسمية؛ "إمبيريلاند" لساتنام سانغيرا؛ و"جزيرة الأشجار المفقودة" للروائية التركية إليف شفق.
أخر دولة ستالينية في أوروبا
وصف المحكمون يبي، أستاذة النظرية السياسية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، وأستاذة مساعدة في الفلسفة في الجامعة الوطنية الأسترالية، بأنها أيضًا "أستاذة" في التوفيق بين الروايات الكبرى والشخصية، مشيدين بالطريقة التي مكنتها من مزج الكوميديا السوداء، والجدية الشديدة، للوصول إلى أعلى درجات الشفافية بشأن القصص التي ترويها لنا، وكيف نتفاوض على حياتنا داخلها. إن يبي تؤرخ في مذكراتها لفترة طفولتها في ألبانيا، وقت كانت واحدة من آخر البؤر الاستيطانية الستالينية في أوروبا، موفرة منظورًا جديدًا عن العلاقة بين الأمور السياسية والشخصية، بين القيم والهوية، لتطرح من خلالها أسئلة عاجلة عن تكلفة الحرية.
"وصف المحكمون يبي بأنها "أستاذة" في التوفيق بين الروايات الكبرى والشخصية، مشيدين بالطريقة التي مكنتها من مزج الكوميديا السوداء، والجدية الشديدة" |
بالنسبة إلى يبي البالغة من العمر 11 عامًا آنذاك، كانت الاشتراكية على الطراز السوفييتي في ألبانيا تحمل وعدًا بمستقبل واضح المعالم، وتمثل ضمانة للأمن بين الرفاق المتحمسين، إلى أن وجدت نفسها بعد ظهر أحد الأيام الممطرة في ديسمبر/ كانون الأول 1990 تركض إلى حديقة قصر الثقافة عبر تيرانا. وحتى تتأكد من أن أحدًا لا يراها، أخفت وجهها الدافئ في فخذ التمثال البارد وهي تحاول تطويقه بذراعيها. كان المتظاهرون الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية قد تمكنوا من قطع رأس أحد أعمامها، وكان لها في ذلك الوقت عمان شيوعيان، كلاهما مات بالفعل، أحدهما زعيم ألبانيا، أنور خوجة، والثاني جوزيف ستالين، وكانت معلمتها نورا تعلمها أن تتعامل معهما بنوع من الإكبار. أخبرت نورا ليا الطفلة أن ستالين كان روح التاريخ على دبابة، بالإضافة إلى وصفها لشاربه العظيم بالأرنب جوجو!
تكلفة الحرية
لكن الشيوعية فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق اليوتوبيا الموعودة. ومع إنشاء أحزاب سياسية مستقلة، سقطت الشيوعية تمامًا، بعد عام واحد فقط من سقوط جدار برلين. وعلى الرغم من أن الألبان كانوا يعتقدون أنهم أحرار بالفعل، فقد اكتشفوا تدريجيًا ما تعنيه الحرية الحقيقية، وقاموا بتحطيم تمثالي ستالين وخوجة، وتغيرت الحياة بين عشية وضحاها بالنسبة للجميع، فأصبح في إمكانهم التصويت بحرية، وارتداء ما يحلو لهم، بل والعبادة أيضًا على النحو الذي يعتقدونه. غير أن التغيير شهد اختفاء كثير من الوظائف، وأفضت المخططات الهرمية الجائرة إلى إفلاس البلاد، والوقوع في براثن العنف والغضب.
في مذكراتها، تحكي يبي كيف تحررت هي الأخرى من نفسها، حين تكشفت لها أسرار عائلتها، ووجدت نفسها تتساءل عما تعنيه الحرية حقًا. فعندما كان والداها يتحدثان عن ذهاب أحد الأقارب إلى "الجامعة"، أو "التخرج منها"، كانا يضمران معاني أخرى. وكان عليها أن تزيح النقاب عما يخفيه والداها وجَدَّتها المحبوبة لحمايتها. لتدرك في ما بعد أن الإشارة إلى دخول الشخص الجامعة معناه أنه اعتقل، أما التخرج فيعني إطلاق سراحه من السجن. فيما يمثل التسرب عملية انتحار. ودراسة العلاقات الدولية تعني السجن بتهمة الخيانة. علاوة على ذلك، فإن الأسرة في ألبانيا الملحدة كانت تخفي تراثها الإسلامي. عندما تسأل ليا والديها عن عقيدتهما، يرد أبوها: "نحن مسلمون". فتلاحقه أمها في الكلام "كنا مسلمين"!
ذات يوم، كانت تمر مع والديها أمام مبنى، فأشارت أمها لزوجها إلى نافذة في الطابق الخامس. فقط بعد سقوط الشيوعية، تجرأوا على إخبار ابنتهما بأن المبنى المشار إليه صودر من عائلة والدتها، ليصبح مقرًا للحزب، وأنه من تلك النافذة في عام 1947، وقف جد ليا الأكبر، وهو يصرخ "الله أكبر"، قبل أن يقتل نفسه لتجنب التعذيب. والدها أيضًا كان يخفي أسرارًا.
"على الرغم من أن الألبان كانوا يعتقدون أنهم أحرار بالفعل، فقد اكتشفوا تدريجيًا ما تعنيه الحرية الحقيقية، وقاموا بتحطيم تمثالي ستالين وخوجة" |
لسنوات، تعلمت ليا من معلميها أن تحتقر شافر إيبي، رئيس الوزراء السابق لألبانيا، ووزير العدل في ظل الحماية الإيطالية الفاشية التي تأسست بعد هروب الملك زوغ. وكانت كثيرًا ما تتساءل، لماذا يحمل هذا الشخص المخزي اسم والدها نفسه؟ لتكتشف لاحقًا أنه كان جدها الأكبر، وأن اسمه قد جلب العار على عائلتها، مما جعل من المستحيل على والديها الانضمام إلى الحزب، وتعزيز حياتهما المهنية. إلى هذا الحد من التعمية، عاشت الطفلة في شبكة من المواربات!
اتساع الفجوة بين الحلم والواقع
لا تعمل مذكرات يبي على إحياء ألبانيا الشيوعية فحسب، بل وما بعد الشيوعية أيضًا. فحين سُمح بإجراء انتخابات تعددية الأحزاب في أوائل التسعينيات، أصبح والداها من الشخصيات البارزة في حزب المعارضة الرئيسي في ألبانيا، ملتزمين بفكرة أن بلدهم يجب أن يصبح تمامًا مثل بقية أوروبا في حرية التعبير والتحرر من الفساد. ولكن بحلول عام 1997، اتسعت الفجوة بين أحلامهم النيوليبرالية والواقع الكليبتوقراطي، بعد أن انهارت المخططات الهرمية التي استثمر فيها غالبية سكانها مدخراتهم، ودخلت البلاد في حرب أهلية. في هذه الأثناء، كانت ليا تؤدي امتحاناتها النهائية على صوت بنادق الكلاشينكوف في الخارج، غير مدركة أن شخصًا ما قد اتصل بالمدير ليحذره من قنبلة ستنفجر في غضون ساعتين. على إثرها، راح بعض المدرسين يجِدون في البحث عن القنبلة، بينما يقف البعض في قاعة الامتحان، يملي الإجابات على الطلاب.
قال لهم المعلم: "لن يرسب أحد. إذا كان درجتك المتوقعة ستة، فعليك الإجابة عن سؤالين. إذا كانت ثمانية، أجب عن ثلاثة"، مضيفًا: "لا أنصحك بالذعر. أنصحك فقط أن تكون سريعًا قدر الإمكان". إنها قصة تجسد تجارب الأستاذة كفتاة صغيرة.
عندما تقوم يبي بتدريس ماركس اليوم في كلية لندن للاقتصاد، فإنها تخبر طلابها أن الاشتراكية هي نظرية عن حرية الإنسان. كتبت في مذكراتها أن "الحرية لا يتم التضحية بها فقط عندما يخبرنا الآخرون ماذا نقول، وأين نذهب، وكيف نتصرف. إن المجتمع الذي يدَّعي تمكين الناس من تحقيق إمكاناتهم، ولكنه يفشل في تغيير الهياكل التي تمنع الجميع من التطور، هو مجتمع قمعي بالطبع أيضًا".
لقد كان والداها يحلمان بأن تكون الليبرالية تحررًا من الاشتراكية الألبانية، لكن يبي لم تكن لديها مثل تلك الأوهام. في الصفحات الأخيرة، تصف الليبرالية بأنها "وعود منكوثة، وتدمير للتضامن، وحق وراثة الامتياز، وغض الطرف عن الظلم". أما عن الحرية الحقة، فإنها مثال لم يتحقق إلا في قلوب البشر!
يُشار أخيرًا إلى أن كولين ثوبرون، الرئيس الفخري للجمعية الملكية للآداب، هو من قام بإعلان فوز يبي نيابة عن مؤسس الجائزة وممولها، السير كريستوفر أونداتجي، وذلك في حدث أقيم في قصر تو تمبل في لندن قبل عدة أيام.
مراجع:
https://rsliterature.org/2022/05/rsl...ner-announced/
https://www.theguardian.com/books/20...e-of-communism
https://en.wikipedia.org/wiki/Ondaatje_Prize
https://www.theguardian.com/books/20...us-memoir-free
https://www.thebookseller.com/news/y...us-memoir-free
https://www.independent.co.uk/news/u...-b2071870.html