في رحيل جاك بيرين.. فارس السينما الرومانسية الفرنسية
سمير رمان 7 مايو 2022
تغطيات
جاك بيرين قبل عرض فيلم "الفصول" في باريس" (20/1/2016/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
رحل في باريس يوم 21 أبريل/ نيسان الماضي، عن عمر ناهز 81 عامًا، الممثل جاك بيرين/ Jacques Perrin، أحد أكثر الممثلين الفرنسيين وسامة ودماثة.
بيرين ابن لممثلة هي ماري بيرين، ومخرج مسرح كوميدي هو أليكساندر سيمونيت، قضى طفولته في أوساط المسرح، ما أتاح له الظهور في مشهدٍ سينمائي وهو طفل لمَّا يبلغ الخامسة من عمره بعد (في مشهدٍ من فيلم "بوابات الليل" للمخرج مارسيل كارنيه، الأب الروحي "للواقعية الشاعرية" وللرومانسية).
درس الفنون الدرامية في الكونسرفاتوار الوطني في باريس. ولعب أدوارًا في 130 فيلمًا، من ضمنها أفلام شهيرة، مثل الفيلم المناهض للتوتاليتاريا والحائز على جوائز الأوسكار، "z"، للمخرج غوستا غافراس/ Gosta Garvas، والفيلم الذي نقله إلى الشاشة المخرج شارل بلمون عن رواية "زبد الأيام/ L’Écume des jours للروائي بوريس فيان، وفيلم "الخط الفاصل/ La Ligne de démarcation" للمخرج كلود شاربرول، الذي حلّل الأساطير الوطنية الفرنسية حول الاحتلال الاستعماري، و"سينما باراديسو/ Cinema Paradiso" للمخرج جوزيبي تورناتوري، الذي يتحدث بكثيرٍ من الحنين عن انحسار موجة السينما الكلاسيكية.
واحد من أجمل أدوار بيرين على الشاشة كان في فيلم "صحارى تارتاري/ Deserto dei Tartari" للمخرج فاليري دزوليني، عن رواية دينو بوتساري، المليء بأفكار وجودية عميقة.
لعب بيرين أول أدواره المميزة في فيلم "الفتاة ذات الحقيبة" مع المخرج نفسه، ذلك الفيلم الأقلّ أهمية، ولكن الرائع من حيث الإخراج، حيث أدّى دور شابّ ساذجٍ من أسرة ميسورة يقع في حبّ فتاةٍ ريفية لعوب (كلوديا كاردينالي).
كما لعب بيرين أدوارًا سينمائية إلى جانب ممثلين كبار أمثال: جان لوي ترينتينيان؛ فيليب نوار؛ إيف مونتان؛ ميشيل بيكولي؛ فيتوريو غاسمان؛ مارتشيلو ماستروياني، فكان شريكًا كفؤًا لكلّ هؤلاء الممثلين، مع أنّه كان أقلّ شهرة منهم، لأنّ صفة الشاب الرومانسي لازمته طوال النصف الأول من حياته المهنية، حيث كان "صبيّ السينما الفرنسية الدائم".
ذروة الرومانسية جاءت في دوره كبحارٍ في فيلم "فتيات من روتشفورد"، والأمير في فيلم "جلد الحمار"؛ كلا الفيلمين أخرجهما جاك ديمي. إضافة إلى ذلك، كان بيرين شريكًا ندًا للممثلة الرائعة كاترين دينوف، فقد شكلا معًا ثنائيًا رومانسيًّا نموذجيًا لشاب أشقر وفتاة شقراء. وفي الوقت نفسه، شكَّلا دويتو موسيقيًا مميزًا غنّى فيه جاك: "جبت العالم أسعى وراء حلمي، كنت هناك حيث تتراقص مياه النيل، وكنت بين الصخور المغمورة تحت الماء....". ردّت عليه كاترين دينوف: "لست في حاجةٍ إلى حكايات، فحلمي جدّ بسيط: فقط أريده جميلًا مثل (أبولون)(*). الأمر لا يحتاج إلى معجزات: كل ما في الأمر أنّه يجب أن يكون عالمًا وشاعرًا، فيلسوفًا وبطلًا....".
لم يلتق بطل وبطلة فيلم "فتيات من روتشفورد" أبدًا، ولو لمرّة واحدة، مع أنهما كانا قد سارا جنبًا إلى جنب في شوارع البلدة نفسها، وكان اللقاء يتم فقط في مخيلتهما. في عالم المخرج جاك ديمي الرومانسيٍّ المتَخيّل المتقلب، لم يؤخذ لقاؤهما بعين الاعتبار. لعب جاك بيرين دور (ماكسانس)، الفتى الحالم، الرقيق، الذي يلتقي البطلة على ما يبدو، ويرى فيها فتاة أحلامه خارج أطر الفيلم، في طريقه من روتشفور إلى باريس. وبالمناسبة، كان هذا "الملاك" يظهر في هذا الفيلم، وفي أفلامٍ أُخرى، مرتديًا زيّ بحارٍ يحمل بندقيةً في يده.
في فيلم "جلد الحمار"، كان بيرين في دور الأمير، والممثلة دينوف بدور الأميرة. لعب الممثل جان ماريه دور الملك العجوز، فتولى نقل تقاليد السينما الرومانسية الفرنسية إلى الجيل الجديد.
حافظ بيرين طوال حياته على موقفه الرومانسي، حتى عندما أصبح يفضل مهنة الإخراج على مهنة التمثيل. بدأ كل شيء من فيلم "home, sweet Home" للمخرج بنوا لامي، الذي تدور أحداثه حول انتفاضةٍ في مأوى للمسنين، لعب فيه بيرين دور الموظف الاجتماعي ومنتج الفيلم.
في الأعوام الأخيرة من حياته، التفت بيرين كليًا تقريبًا إلى مجال الأفلام الوثائقية، فعمل على مشاريع مهمة مكرسة للطبيعة، مثل: "العالم المصغّر: شعب الأعشاب/ le peuple del herbe"، وفيلم "المحيطات"، وفيلم "أوقات السنة". غير أنّ أكثرها شهرة كان فيلم "الطيور". وهذه أيضًا سينما رومانسية، حيث صورت الطيور أثناء تحليقها. ولكي يوثق هجرة الطيور الموسمية، قام الفريق بتطوير معدات التصوير إلى أقصى درجة ممكنة. جرى التصوير في برد القطب الشمالي، في المستنقعات، وفي الضباب مباشرة. شارك في تصوير الفيلم أكثر من 500 شخص من مختلف دول العالم، واستغرق تصوير لقطات الفيلم قرابة 3 أعوام. في هذا الفيلم، وفي الأفلام التالية، اكتسب بيرين مهنةً جديدة هي الإخراج.
(*) أبولون: أكثر آلهة الإغريق نفوذًا بعد أبيه زيوس. يعد إله النبوءة والحراثة والحيوان، وهو مثال للجمال والتألق والرجولة الخالدة.
سمير رمان 7 مايو 2022
تغطيات
جاك بيرين قبل عرض فيلم "الفصول" في باريس" (20/1/2016/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
رحل في باريس يوم 21 أبريل/ نيسان الماضي، عن عمر ناهز 81 عامًا، الممثل جاك بيرين/ Jacques Perrin، أحد أكثر الممثلين الفرنسيين وسامة ودماثة.
بيرين ابن لممثلة هي ماري بيرين، ومخرج مسرح كوميدي هو أليكساندر سيمونيت، قضى طفولته في أوساط المسرح، ما أتاح له الظهور في مشهدٍ سينمائي وهو طفل لمَّا يبلغ الخامسة من عمره بعد (في مشهدٍ من فيلم "بوابات الليل" للمخرج مارسيل كارنيه، الأب الروحي "للواقعية الشاعرية" وللرومانسية).
درس الفنون الدرامية في الكونسرفاتوار الوطني في باريس. ولعب أدوارًا في 130 فيلمًا، من ضمنها أفلام شهيرة، مثل الفيلم المناهض للتوتاليتاريا والحائز على جوائز الأوسكار، "z"، للمخرج غوستا غافراس/ Gosta Garvas، والفيلم الذي نقله إلى الشاشة المخرج شارل بلمون عن رواية "زبد الأيام/ L’Écume des jours للروائي بوريس فيان، وفيلم "الخط الفاصل/ La Ligne de démarcation" للمخرج كلود شاربرول، الذي حلّل الأساطير الوطنية الفرنسية حول الاحتلال الاستعماري، و"سينما باراديسو/ Cinema Paradiso" للمخرج جوزيبي تورناتوري، الذي يتحدث بكثيرٍ من الحنين عن انحسار موجة السينما الكلاسيكية.
واحد من أجمل أدوار بيرين على الشاشة كان في فيلم "صحارى تارتاري/ Deserto dei Tartari" للمخرج فاليري دزوليني، عن رواية دينو بوتساري، المليء بأفكار وجودية عميقة.
لعب بيرين أول أدواره المميزة في فيلم "الفتاة ذات الحقيبة" مع المخرج نفسه، ذلك الفيلم الأقلّ أهمية، ولكن الرائع من حيث الإخراج، حيث أدّى دور شابّ ساذجٍ من أسرة ميسورة يقع في حبّ فتاةٍ ريفية لعوب (كلوديا كاردينالي).
"شارك بيرين في فيلم "سينما باراديسو" للمخرج جوزيبي تورناتوري، الذي يتحدث بكثيرٍ من الحنين عن انحسار موجة السينما الكلاسيكية" |
كما لعب بيرين أدوارًا سينمائية إلى جانب ممثلين كبار أمثال: جان لوي ترينتينيان؛ فيليب نوار؛ إيف مونتان؛ ميشيل بيكولي؛ فيتوريو غاسمان؛ مارتشيلو ماستروياني، فكان شريكًا كفؤًا لكلّ هؤلاء الممثلين، مع أنّه كان أقلّ شهرة منهم، لأنّ صفة الشاب الرومانسي لازمته طوال النصف الأول من حياته المهنية، حيث كان "صبيّ السينما الفرنسية الدائم".
ذروة الرومانسية جاءت في دوره كبحارٍ في فيلم "فتيات من روتشفورد"، والأمير في فيلم "جلد الحمار"؛ كلا الفيلمين أخرجهما جاك ديمي. إضافة إلى ذلك، كان بيرين شريكًا ندًا للممثلة الرائعة كاترين دينوف، فقد شكلا معًا ثنائيًا رومانسيًّا نموذجيًا لشاب أشقر وفتاة شقراء. وفي الوقت نفسه، شكَّلا دويتو موسيقيًا مميزًا غنّى فيه جاك: "جبت العالم أسعى وراء حلمي، كنت هناك حيث تتراقص مياه النيل، وكنت بين الصخور المغمورة تحت الماء....". ردّت عليه كاترين دينوف: "لست في حاجةٍ إلى حكايات، فحلمي جدّ بسيط: فقط أريده جميلًا مثل (أبولون)(*). الأمر لا يحتاج إلى معجزات: كل ما في الأمر أنّه يجب أن يكون عالمًا وشاعرًا، فيلسوفًا وبطلًا....".
لم يلتق بطل وبطلة فيلم "فتيات من روتشفورد" أبدًا، ولو لمرّة واحدة، مع أنهما كانا قد سارا جنبًا إلى جنب في شوارع البلدة نفسها، وكان اللقاء يتم فقط في مخيلتهما. في عالم المخرج جاك ديمي الرومانسيٍّ المتَخيّل المتقلب، لم يؤخذ لقاؤهما بعين الاعتبار. لعب جاك بيرين دور (ماكسانس)، الفتى الحالم، الرقيق، الذي يلتقي البطلة على ما يبدو، ويرى فيها فتاة أحلامه خارج أطر الفيلم، في طريقه من روتشفور إلى باريس. وبالمناسبة، كان هذا "الملاك" يظهر في هذا الفيلم، وفي أفلامٍ أُخرى، مرتديًا زيّ بحارٍ يحمل بندقيةً في يده.
"واحد من أجمل أدوار بيرين على الشاشة كان في فيلم "صحارى تارتاري" للمخرج فاليري دزوليني، عن رواية دينو بوتساري، المليء بأفكار وجودية عميقة" |
في فيلم "جلد الحمار"، كان بيرين في دور الأمير، والممثلة دينوف بدور الأميرة. لعب الممثل جان ماريه دور الملك العجوز، فتولى نقل تقاليد السينما الرومانسية الفرنسية إلى الجيل الجديد.
حافظ بيرين طوال حياته على موقفه الرومانسي، حتى عندما أصبح يفضل مهنة الإخراج على مهنة التمثيل. بدأ كل شيء من فيلم "home, sweet Home" للمخرج بنوا لامي، الذي تدور أحداثه حول انتفاضةٍ في مأوى للمسنين، لعب فيه بيرين دور الموظف الاجتماعي ومنتج الفيلم.
في الأعوام الأخيرة من حياته، التفت بيرين كليًا تقريبًا إلى مجال الأفلام الوثائقية، فعمل على مشاريع مهمة مكرسة للطبيعة، مثل: "العالم المصغّر: شعب الأعشاب/ le peuple del herbe"، وفيلم "المحيطات"، وفيلم "أوقات السنة". غير أنّ أكثرها شهرة كان فيلم "الطيور". وهذه أيضًا سينما رومانسية، حيث صورت الطيور أثناء تحليقها. ولكي يوثق هجرة الطيور الموسمية، قام الفريق بتطوير معدات التصوير إلى أقصى درجة ممكنة. جرى التصوير في برد القطب الشمالي، في المستنقعات، وفي الضباب مباشرة. شارك في تصوير الفيلم أكثر من 500 شخص من مختلف دول العالم، واستغرق تصوير لقطات الفيلم قرابة 3 أعوام. في هذا الفيلم، وفي الأفلام التالية، اكتسب بيرين مهنةً جديدة هي الإخراج.
(*) أبولون: أكثر آلهة الإغريق نفوذًا بعد أبيه زيوس. يعد إله النبوءة والحراثة والحيوان، وهو مثال للجمال والتألق والرجولة الخالدة.