فيلم "فصم العرى".. عن طائفة منغلقة أنشأها بوتين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيلم "فصم العرى".. عن طائفة منغلقة أنشأها بوتين

    فيلم "فصم العرى".. عن طائفة منغلقة أنشأها بوتين
    سمير رمان 30 يوليه 2022
    تغطيات
    من الفيلم التسجيلي "فصم العرى/ Broken Ties"
    شارك هذا المقال
    حجم الخط
    الزوجة لا تفهم زوجها. الأخ في شجارٍ مع أخيه، والأمّ تجادل ابنتها. هكذا يرى المخرج أندريه لوشاك روسيا وقد قسمتها الحرب على نفسها في فيلمه الوثائقي "فصم العرى/ Broken Ties"، أو "كسر العلاقات". تُسمع في الفيلم أصوات مواطنين روس يرون الحرب كارثةً حقيقية، وأنّها قد تودي بالعالم إلى مصيرٍ مجهول، في حين نرى أقاربهم على ثقةٍ أنّها أمرٌ طبيعي، وأنّ فلاديمير بوتين محقّ، ويلقون بالذنب على أوكرانيا، وعلى حلف "الفوبيا الروسية" في الغرب!
    درس أندريه لوشاك على مدى شهرين ديناميكية العلاقات بين أفراد سبع أسّرٍ. وكان المخرج غادر روسيا إلى جورجيا في شهر مارس/ آذار من العام الجاري، وعمل في الغالب عن بعدٍ لتحقيق فيلمه، يساعده مخرجان آخران عملا من الداخل، أحدهما باسمه الصريح، والآخر تحت اسمٍ مستعار. استمع المخرج إلى حجج الأطراف كافّةً، من دون أن يحاول تغيير قناعاتهم. كانت أسئلته تتمحور حول الكيفية التي تشكّل قناعات مؤيدي ومعارضي الحرب، على حدٍّ سواء، وحول كيف انعكست رؤاهم على علاقاتهم الأسرية.
    الصحافية كسنيا لارينا
    تقول الصحافية كسنيا لارينا: "جاء الفيلم صاعقًا، مرعبًا، لا يعطي بصيص أملٍ. إنّه نفقٌ مظلمٌ بلا بصيص أملٍ حتى. إنّه الطريق الذي قاد بوتين شعبه عبره، وعلى روسيا أن تجتازه وتتحمل خسائر هائلة. الخسائر ليست بالآلاف، بل بالملايين، والفيلم لا يتحدث عن الخسائر البشرية من قتلى وجرحى سقطوا وسيسقطون في هذه الحرب، بل يتحدث عن إبادة عقلية جماعية أخطر حتى من الإبادة الجماعية الجسدية. خاتمة الفيلم مرعبة، فأمامنا فاشية عادية تمارس أعمالًا يومية معتادة. مع أطفالٍ بلباسٍ مدرسيٍّ جديد، وعجائز وشيوخ يرسمون إشارة الصليب المعقوف رمز الفاشية والنازية. ليست هنالك دروس أخلاقية من المؤلّف؛ لقد تجمّد ذعرًا مما رأى".
    أندريه لوشاك
    "درس المخرج لوشاك على مدى شهرين ديناميكية العلاقات بين أفراد سبع أسّرٍ"

    في لقاءٍ مع راديو "صوت الحرية"، يتحدث المخرج عن عمله في الفيلم:
    "بعد دخول الجيش الروسي إلى أوكرانيا، صبيحة الرابع والعشرين من فبراير/ شباط، أصبح واضحًا أنّ قوانين جهنمية جديدة ستصدر لتقييد حرية التعبير. وبالفعل، رأينا أن الحديث عن الحرب أصبح جريمة، كما الحطّ من معنويات الجيش الروسي... لهذه الأسباب، ولأن إشاعات فرض التعبئة العامّة كانت قوية، فقد سارعتُ إلى مغادرة روسيا، وتوجهت إلى جورجيا، التي أحبّ فعلًا، وحيث شعرت بالراحة وحرية العمل طيلة الأشهر الثلاثة التي انقضت".
    يتابع المخرج حديثه، فيقول: "جاء على لسان إحدى بطلات الفيلم أنّ مؤيدي بوتين ليسوا سوى طائفة منغلقة تهتم فقط بمصالحها الضيقة، ويجب التعامل معها على هذا الأساس، وإعادة برمجة أعضائها. ربما يكون هذا الكلام قاسيًا بعض الشيء، ولكنّه صحيح عمومًا. لقد أصبح المؤيدون لبوتين مبرمجين ضمن مصفوفةٍ رياضية يصعب عليهم الخروج منها. إنّهم بمثابة أحياءٍ ـ أموات، ينفذون إرادة بوتين من دون وعيّ، وبلا إدراك. ولكنّهم في الوقت نفسه ضحايا، ومن المهمّ جدًا فهم هذا الأمر. وكانت الرسامة أليسا من بين أولئك الذين فهموا أهمية هذا الأمر، فبقيت في روسيا، لأنّها رأت أنّه من المهمّ إثبات أنّ الروس ليسوا كلّهم مسوخًا حانقة، بل هم اناسٌ مضللون مغيبون. وهذه مسألة معقدة، خاصّة عندما يصنعون متعمدين من البشر مسوخًا، وهذه سياسة الدولة الفعلية اليوم. إنّ الوقوف في وجه هذه السياسة أمرٌ بالغ الأهمية، كما هو مهمّ إيصال رسالة للآخرين أنه في إمكانهم رؤية أناس روس يمتلكون قلوبًا تستطيع الحبّ، ويعانون كثيرًا نتيجة عدم قدرتهم على التواصل مع أبنائهم وأحبائهم الذين يخوضون الحرب. من الضروري والمهم إظهار مثل هؤلاء الناس على أنّهم ضحايا دعايةٍ لا ترحم ظلّت لسنواتٍ تضخ سمّها في عقول المواطنين، وهي سياسة معتادة تتبعها الأنظمة الشمولية في اصقاع الأرض".

    يثير الفيلم عددًا من المسائل من بينها مسألة الصراع بين الأجيال. فمن ناحيةٍ، يعتقد كثيرون أنّ جيل العهد السوفييتي يقف داعمًا لسياسات بوتين، بينما يعارضها الشباب. ولكنّ الانقسام اتخذ منحىً آخر، حيث يعرض الفيلم زوجين من الشباب يقفان على طرفي نقيض. ففي حين يدعم الزوج بوتين، فإنّ الزوجة تعارضه بشدّة. وبالفعل، بقي الشابّ يدعم المعارض نافالني حتى حلّت لحظةٌ تحوّل فيها موقفه تحولًا جذريًا. إنّها فقاعةٌ طائفية بكلّ ما للكلمة من معنى جذبت إلى داخلها مواطنين من كلّ أطياف المجتمع. نجد فيها المثقفين، أمثال المترجم الشهير إيغور إيغوروف، الذي وافته المنية قبل أيام. لقد كان مترجمًا متمكنًا من اللغة الصينية، وسبق له أن ترجم مجموعة كاملة للكاتب الصيني مو يان، الحائز على جائزة نوبل للآداب. لقد تحولّت مواده التي ينشرها على صفحته على فيسبوك بعد الـ24 من فبراير/ شباط (تاريخ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا) إلى رعبٍ كامل.

    المترجم الروسي عن الصينية إيغور إيغوروف
    يقول المخرج إنّه واجه صعوبة كبيرة في إقناع الناس بالإفصاح عن مواقفهم الحقيقية. وكانت الصعوبة الأكبر مع الرجال المتزوجين، الذين عارضوا بشدّة في البداية، ولكنّهم في نهاية الأمر، وبمساعدةٍ من نسائهم، وافقوا على المشاركة. كان أكثر المتحمسين للمشاركة هم أولئك الذين يعارضون الحرب عمومًا، فهم مستاؤون من كلّ ما يجري. لذلك عندما يجدون أحد أقربائهم يقف على الجانب الآخر، يبدأ الصراع الذي ينتهي غالبًا بتداعي العلاقات الأسرية.

    "أصبح المؤيدون لبوتين مبرمجين ضمن مصفوفةٍ رياضية يصعب عليهم الخروج منها. إنّهم بمثابة أحياءٍ ـ أموات، ينفذون إرادة بوتين من دون وعيّ، وبلا إدراك"


    يختم المخرج حديثه قائلًا: "واجهتني معضلة في إيجاد خاتمة الفيلم. فالدعاية الروسية تركّز على الأخوّة التي تجمع البلدين، وتدّعي أنّ روسيا هي أخت أوكرانيا الكبرى، الأمر الذي يستنكرونه في أوكرانيا التي عملت كثيرًا للتخلّص من آثار هذه الدعاية التي تعود إلى العهد السوفييتي. تنتهي كثير من الخصومات الأسرية بالصلح، وكان في إمكاني إيجاد نهاية إيجابية للفيلم يكون فيها نورٌ في نهاية النفق، وتسود فيها روح المصالحة بين روسيا وأوكرانيا. ولكنني اعتقدت أنّ مثل هذه النهاية سيكون فيها كثير من الرياء والنفاق، وهي نهاية غير واقعية. ولأنني لست أرى أيّ ضوءٍ في نهاية هذا النفق المظلم، فقد ارتأيت في نهاية الأمر أن أنهي الفيلم بعباراتٍ قاسية تجعل من المستحيل قيام أيّ روابط أسرية مستقبلية بين الدولتين"!
يعمل...
X