مهرجان سان سيباستيان السينمائي يُتوِّج الإخراج النسوي والشباب
سمير رمان 1 أكتوبر 2022
تغطيات
الفائزون في مهرجان سان سيباستيان السينمائي السبعين (24/9/2022/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
يُعدُّ مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي، الذي يُقام في عاصمة إقليم الباسك شمال إسبانيا، أحد أضخم وأقدم المهرجانات، إذ يعود تاريخ انطلاقه لأول مرة إلى 21 سبتمبر/ أيلول 1953.
جوائز المهرجان الكبرى تمثلها "الصدفة الذهبية" التي تمنح لأفضل فيلم، وجائزة "الصدفة الفضية" لأفضل ممثل، ولأفضل ممثلة، وكذلك لأفضل مخرج. كما يمنح المهرجان جوائز شرف تقديرًا للمساهمات في تطوير صناعة السينما.
عاش مهرجان سان سيباستيان عصره الذهبي في سبعينيات القرن الماضي، عندما حصل للمرة الأولى على جائزة المهرجان مخرجون شباب، أمثال: المخرج فرانسيس فورد كوبولا، والمخرج تيرنس ماليك.
في دورته الـ70 هذا العام، منحت لجنة تحكيم المهرجان جائزة "الصدفة الذهبية" للفيلم الكولومبي "ملوك العالم/ Los Reyes del Mundo"، من إخراج لاورا مورا/ Laura Mora، الذي تحكي أحداثه حكاية مراهقين منبوذين قاموا برحلةٍ محفوفة بمخاطر رهيبة قاصدين بلوغ نهاية العالم. بقية الجوائز ذهبت أيضًا لأفلامٍ عن الشباب.
برنامج مسابقة المهرجان كان حافلًا، ووجدت لجنة التحكيم أمامها خيارات عديدة لتوزيع الجوائز، لكنّها اختارت منح الجوائز للإخراج النسوي، وموضوعات الشباب.
اشتمل فيلم "ملوك العالم" على كلا الأمرين. فهو فيلمٌ من أفلام السينما الفوضوية يتحدث عن خمسة شبابٍ يتخلون عن غابات المدن الكبرى الإسفلتية من أجل أماكن المحميات الطبيعية، حيث وُعِد أحد الشباب بالحصول على قطعة أرض سبق لعصابات "الثوار" أن انتزعتها من جدّته. من خلال تجربتها الشخصية، كانت لاورا مورا قد عانت شخصيًا من القسوة والعنف، وعاشت الخطر نفسه: قتل والدها أصبح مصدر إلهامٍ في فيلمها الأول "قتل المسيح". ومنذ اللقطات الأولى، يشعر المشاهد بالخطر والعنف، فحياة المراهقين المشردين في مدينة (ميديلين) تتأرجح كلّها على حافة خطرٍ مميت. ولكنّهم، وكما هي حال حياة الشباب الطائشة، لم يكونوا يخشون شيئًا، إذ كلّما كانت حياتهم محفوفة بالمخاطر أكثر، كلّما زاد شعورهم بالأدرينالين يتدفق أكثر في شرايينهم. بالإضافة إلى ذلك، ستخضع علاقات الأخوة التي تربطهم للاختبار خلال رحلتهم المجنونة على سفوح هضاب الغابات الإستوائية.
جاءت أكثر لقطات الفيلم إثارة للمشاعر عند توقف الشبّان في مبنى عقد القران، حيث يوجد بيت دعارة غريب. نساءٌ بدينات بوجوهٍ ذابلة، يصلحن، من حيث العمر، ليكنّ أمهات، إن لم نقل جدات، لهؤلاء الشبان، يتصرفن بنوعٍ من الأمومة تجاه أولئك الزبائن الشبان الذين لم يعرفوا أبدًا دفء الأسرة. تنتهي هذه المشاهد المليئة بالرقّة البريئة، ويخرج الفتية الرائعون لمواصلة طريقهم الطويلة، حيث سيصطدمون في طريقهم بأشكال غريبة من البيروقراطية الفاسدة، وسيلتقون بعصابات المخدرات. صحيح أنّ الشباب لن يحصلوا في الفيلم على قطعة الأرض الموعودة، ولكنّ هذا الفيلم سيمنح المشاهد إمكانية التمتّع بمرافقة أبطال الفيلم للتمتّع بالمناظر الطبيعة الجبلية الخلابة على وقع موسيقى مريحة.
خلال العامين الماضيين، أكّد مهرجان سان سيباستيان على نهجه بإعطاء الأولوية لعنصر الإخراج النسائي. فقبل عامين، فاز فيلم "البداية" للمخرجة الجورجية ديا كولومبيغاشفيلي. وفي العام الفائت، فاز فيلم "القمر الأزرق" للرومانية ألينا غريغوري. وهذا العام فازت الكولومبية لاورا مورا. وعلى الرغم من أنّ النقاد لم يكونوا على يقين من أن الفيلم الفائز هو الأفضل بين الأفلام المتنافسة، إلا أنّه، بالفعل، فيلم مفعم بالطاقة، وبحذاقة الصناعة السينمائية، التي شدّت الجمهور، وألهبت مشاعره. بالإضافة إلى ذلك، هنالك المزاج الذي يتطابق والمزاج السائد في أيامنا هذه، حيث تسود، كما في الفيلم، مشاعر الشكّ البدائية، والشعور بالعجز، تجاه بنية عالمنا الظالمة البعيدة تمامًا عن العدالة. يبدو أنّ السينما تحاول في هذا العالم الذي يقوده عجائز إلى حتفه، تحاول (ولو كان من خلال التصوير الفني) أن تنصّب في الأرض ملوكًا من الشباب حقًّا.
على النحو نفسه تقريبًا، ومع توجّه أكبر صوب الإيقاع البطيء، يمكن النظر إلى فيلمٍ "العدّاء"، وهو فيلم من أفلام سينما الطريق (حيث تغادر شخصيات هذه الأفلام الرئيسية المنزل في رحلةٍ طويلة تغيّر غالبًا قناعاتهم ونظرتهم إلى الحياة)، الذي صورته المخرجة الأميركية ماريان ماتياس، ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. إذ نلمس هنا، أيضًا، كيف تلعب المناظر الطبيعية الدور الرئيس، ولكن هذه المرّة مناظر وسط الغرب الأميركي، حيث الأراضي والطرق التي غسلتها الأمطار. لدينا هنا إيقاعُ جدّ هادئ يرافق أبطال الفيلم الشباب في رحلتهم للبحث عن عمل. أبطال الفيلم فتاة في الثامنة عشرة من عمرها فقدت والدها، وشابٌّ يسافر بحثًا عن عمل. تنشأ بينهما علاقةٌ غير ثابتة بسبب القلق وعدم اليقين.
يظهر التركيز على المواضيع والشخصيات الشبابية من خلال الممثلين الذين حصدوا جوائز المهرجان. وعلى الرغم من أنّ أفضل الممثلات كانت البرتغالية بياتريس باتاردا/ Beatriz Batarda ذات الـ 48 عامًا، فإنها لم تحصل على جائزة أفضل ممثلة، بل كانت هذه الجائزة من نصيب الممثلة الإسبانية كارلا كويليس/ Carla Qulez التي تصغرها بأكثر من 20 عامًا، والتي لعبت في فيلم "الأمومة" دور أمٍّ في الرابعة عشرة من عمرها (بيلار بالوميرو). أمّا أفضل ممثل فكان بول كيرشير عن دوره في فيلم "The Winter Boy" للمخرج الفرنسي كريستوف أونريه. بالإضافة إلى ذلك، حصلت ريناتا ليرمان، الصغيرة جدًا، على جائزةٍ عن دورها كابنة مضطربة لبطل الفيلم الأرجنتيني "الخيانة" للمخرج دييغو ليرمان. تعاملت الفتاة، التي لا تمتلك أي خبرة تمثيلية بشكلٍ رائع مع المهمة الملقاة على عاتقها، ولكن كان من الإجحاف منحها الجائزة عن فيلم يشارك فيه ممثلان رائعان في قمة النضوج، هما: خوان مينوخين/ Juan Minujin، وألفريدو كاسترو/ Alfredo Castro. الفيلم الوحيد الذي كسر توجه المهرجان، ونال جائزة المهرجان "الصدفة الفضية" لأفضل مخرج، كان فيلم الدراما العاطفية الياباني "Hundred Flowers/ مئة زهرة" للمخرج جنكي كاومورا، الذي تناول موضوع الخرف المرتبط بالعمر، الذي تعاني منه امرأة، إذ يروي الفيلم علاقتها الصعبة بابنها.
سمير رمان 1 أكتوبر 2022
تغطيات
الفائزون في مهرجان سان سيباستيان السينمائي السبعين (24/9/2022/Getty)
شارك هذا المقال
حجم الخط
يُعدُّ مهرجان سان سيباستيان السينمائي الدولي، الذي يُقام في عاصمة إقليم الباسك شمال إسبانيا، أحد أضخم وأقدم المهرجانات، إذ يعود تاريخ انطلاقه لأول مرة إلى 21 سبتمبر/ أيلول 1953.
جوائز المهرجان الكبرى تمثلها "الصدفة الذهبية" التي تمنح لأفضل فيلم، وجائزة "الصدفة الفضية" لأفضل ممثل، ولأفضل ممثلة، وكذلك لأفضل مخرج. كما يمنح المهرجان جوائز شرف تقديرًا للمساهمات في تطوير صناعة السينما.
عاش مهرجان سان سيباستيان عصره الذهبي في سبعينيات القرن الماضي، عندما حصل للمرة الأولى على جائزة المهرجان مخرجون شباب، أمثال: المخرج فرانسيس فورد كوبولا، والمخرج تيرنس ماليك.
في دورته الـ70 هذا العام، منحت لجنة تحكيم المهرجان جائزة "الصدفة الذهبية" للفيلم الكولومبي "ملوك العالم/ Los Reyes del Mundo"، من إخراج لاورا مورا/ Laura Mora، الذي تحكي أحداثه حكاية مراهقين منبوذين قاموا برحلةٍ محفوفة بمخاطر رهيبة قاصدين بلوغ نهاية العالم. بقية الجوائز ذهبت أيضًا لأفلامٍ عن الشباب.
برنامج مسابقة المهرجان كان حافلًا، ووجدت لجنة التحكيم أمامها خيارات عديدة لتوزيع الجوائز، لكنّها اختارت منح الجوائز للإخراج النسوي، وموضوعات الشباب.
اشتمل فيلم "ملوك العالم" على كلا الأمرين. فهو فيلمٌ من أفلام السينما الفوضوية يتحدث عن خمسة شبابٍ يتخلون عن غابات المدن الكبرى الإسفلتية من أجل أماكن المحميات الطبيعية، حيث وُعِد أحد الشباب بالحصول على قطعة أرض سبق لعصابات "الثوار" أن انتزعتها من جدّته. من خلال تجربتها الشخصية، كانت لاورا مورا قد عانت شخصيًا من القسوة والعنف، وعاشت الخطر نفسه: قتل والدها أصبح مصدر إلهامٍ في فيلمها الأول "قتل المسيح". ومنذ اللقطات الأولى، يشعر المشاهد بالخطر والعنف، فحياة المراهقين المشردين في مدينة (ميديلين) تتأرجح كلّها على حافة خطرٍ مميت. ولكنّهم، وكما هي حال حياة الشباب الطائشة، لم يكونوا يخشون شيئًا، إذ كلّما كانت حياتهم محفوفة بالمخاطر أكثر، كلّما زاد شعورهم بالأدرينالين يتدفق أكثر في شرايينهم. بالإضافة إلى ذلك، ستخضع علاقات الأخوة التي تربطهم للاختبار خلال رحلتهم المجنونة على سفوح هضاب الغابات الإستوائية.
المخرجة الكولومبية لاورا مورا فاز فيلمها "ملوك العالم" بجائزة الصدفة الذهبية في مهرجان سان سيباستيان السبعين (21/ 9/ 2022/ فرانس برس) |
"فيلم "ملوك العالم" إخراج نسائي، وأبطاله شباب، وهو فيلمٌ من أفلام السينما الفوضوية يتحدث عن خمسة شبابٍ يتخلون عن غابات المدن الكبرى الإسفلتية من أجل أماكن المحميات الطبيعية" |
خلال العامين الماضيين، أكّد مهرجان سان سيباستيان على نهجه بإعطاء الأولوية لعنصر الإخراج النسائي. فقبل عامين، فاز فيلم "البداية" للمخرجة الجورجية ديا كولومبيغاشفيلي. وفي العام الفائت، فاز فيلم "القمر الأزرق" للرومانية ألينا غريغوري. وهذا العام فازت الكولومبية لاورا مورا. وعلى الرغم من أنّ النقاد لم يكونوا على يقين من أن الفيلم الفائز هو الأفضل بين الأفلام المتنافسة، إلا أنّه، بالفعل، فيلم مفعم بالطاقة، وبحذاقة الصناعة السينمائية، التي شدّت الجمهور، وألهبت مشاعره. بالإضافة إلى ذلك، هنالك المزاج الذي يتطابق والمزاج السائد في أيامنا هذه، حيث تسود، كما في الفيلم، مشاعر الشكّ البدائية، والشعور بالعجز، تجاه بنية عالمنا الظالمة البعيدة تمامًا عن العدالة. يبدو أنّ السينما تحاول في هذا العالم الذي يقوده عجائز إلى حتفه، تحاول (ولو كان من خلال التصوير الفني) أن تنصّب في الأرض ملوكًا من الشباب حقًّا.
على النحو نفسه تقريبًا، ومع توجّه أكبر صوب الإيقاع البطيء، يمكن النظر إلى فيلمٍ "العدّاء"، وهو فيلم من أفلام سينما الطريق (حيث تغادر شخصيات هذه الأفلام الرئيسية المنزل في رحلةٍ طويلة تغيّر غالبًا قناعاتهم ونظرتهم إلى الحياة)، الذي صورته المخرجة الأميركية ماريان ماتياس، ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة. إذ نلمس هنا، أيضًا، كيف تلعب المناظر الطبيعية الدور الرئيس، ولكن هذه المرّة مناظر وسط الغرب الأميركي، حيث الأراضي والطرق التي غسلتها الأمطار. لدينا هنا إيقاعُ جدّ هادئ يرافق أبطال الفيلم الشباب في رحلتهم للبحث عن عمل. أبطال الفيلم فتاة في الثامنة عشرة من عمرها فقدت والدها، وشابٌّ يسافر بحثًا عن عمل. تنشأ بينهما علاقةٌ غير ثابتة بسبب القلق وعدم اليقين.
"على الرغم من أنّ أفضل الممثلات كانت البرتغالية بياتريس باتاردا ذات الـ 48 عامًا، فإنها لم تحصل على جائزة أفضل ممثلة" |
يظهر التركيز على المواضيع والشخصيات الشبابية من خلال الممثلين الذين حصدوا جوائز المهرجان. وعلى الرغم من أنّ أفضل الممثلات كانت البرتغالية بياتريس باتاردا/ Beatriz Batarda ذات الـ 48 عامًا، فإنها لم تحصل على جائزة أفضل ممثلة، بل كانت هذه الجائزة من نصيب الممثلة الإسبانية كارلا كويليس/ Carla Qulez التي تصغرها بأكثر من 20 عامًا، والتي لعبت في فيلم "الأمومة" دور أمٍّ في الرابعة عشرة من عمرها (بيلار بالوميرو). أمّا أفضل ممثل فكان بول كيرشير عن دوره في فيلم "The Winter Boy" للمخرج الفرنسي كريستوف أونريه. بالإضافة إلى ذلك، حصلت ريناتا ليرمان، الصغيرة جدًا، على جائزةٍ عن دورها كابنة مضطربة لبطل الفيلم الأرجنتيني "الخيانة" للمخرج دييغو ليرمان. تعاملت الفتاة، التي لا تمتلك أي خبرة تمثيلية بشكلٍ رائع مع المهمة الملقاة على عاتقها، ولكن كان من الإجحاف منحها الجائزة عن فيلم يشارك فيه ممثلان رائعان في قمة النضوج، هما: خوان مينوخين/ Juan Minujin، وألفريدو كاسترو/ Alfredo Castro. الفيلم الوحيد الذي كسر توجه المهرجان، ونال جائزة المهرجان "الصدفة الفضية" لأفضل مخرج، كان فيلم الدراما العاطفية الياباني "Hundred Flowers/ مئة زهرة" للمخرج جنكي كاومورا، الذي تناول موضوع الخرف المرتبط بالعمر، الذي تعاني منه امرأة، إذ يروي الفيلم علاقتها الصعبة بابنها.