قائمة جائزة "بيلي غيفورد".. تنوّع خيالي في كتب واقعية
سناء عبد العزيز 26 سبتمبر 2022
تغطيات
القائمة الطويلة لجائزة "بيلي غيفورد"
شارك هذا المقال
حجم الخط
أعلنت جائزة "بيلي غيفورد" عن قائمتها الطويلة لهذا العام يوم 22 سبتمبر/ أيلول، بعد تأجيل لأكثر من أسبوع بسبب وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وتُعد الجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني من أرفع الجوائز في المملكة المتحدة للأعمال غير القصصية، وهي مفتوحة أمام جميع الجنسيات، وكافة الموضوعات من دون أي تقييد يذكر.
في هذا العام، اختارت لجنة التحكيم برئاسة الكاتبة كارولين ساندرسون القائمة المكونة من 12 كتابًا من بين 362 كتابًا، نُشرت في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إلى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وهو ما جعل من الاختيار مهمة صعبة دفعت ساندرسون إلى الإقرار بأنها "كانت عملية شاقة جدًا، ولكنها أيضًا في غاية المتعة"، معربة عن سعادتها بمدى التنوّع الذي تمكنوا من تحقيقه؛ من الريبورتاج، إلى مذكرات تلقي الضوء على كتب التاريخ والعلوم الشعبية، وربما الأهم من ذلك "أن الكتب المختارة تضع تجربة القارئ في الاعتبار".
استكشاف شخصيات مجهولة
تضمنت القائمة العديد من السير الذاتية والغيرية، بعضها لشخصيات معروفة، وبعضها عمد إلى استخراج أبطال مجهولين من صفحات التاريخ. في كتابه "فنان الهروب: الرجل الذي خرج من أوشفيتز لتحذير العالم"، يعرفنا الكاتب البريطاني، جونثان فريدلاند، على واحد منهم يدعى "رودولف فربا"؛ أول يهودي ينجح في الفرار من معتقل أوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية، ورحلة كفاحه لفضح حقيقة الهولوكوست للعالم، ومحطة وصوله إلى روزفلت وتشرشل والبابا، لينجح في نهاية المطاف في إنقاذ أكثر من 200 ألف شخص.
في "عشاء مع جوزيف جونسون.. كتب وصداقات في عصرٍ ثوري"، تقدم لنا الكاتبة البريطانية، ديزي هاي، شخصية أخرى، ناشر وموزع كتب دأب على الالتقاء بكوكبة من المفكرين، في أواخر القرن الثامن عشر في لندن.
شهدت سنوات جونسون كصانع كتب تحولات سياسية واجتماعية وثقافية ودينية عميقة في بريطانيا وخارجها، وشارك العديد من مؤلفيه في الثورة من أجل الإصلاح، وأعلنوا عن حقوق النساء والأطفال، ورسموا تطور علاقة بريطانيا بأميركا وأوروبا. وكان لجونسون الفضل في توصيل أصواتهم للناس، حتى عندما تآمرت قوى خارجية لإسكاتهم. وما يجعل الكتاب بمثابة صورة رائعة لعصر ثوري، أنه حول مائدة جونسون كان يجتمع أسبوعيًا كتّاب وسياسيون وشخصيات استثنائية أعادت تشكيل العالم الأدبي، بمن في ذلك الفنان السويسري هنري فوسيلي، وكبير النحاتين، وليام بليك، وجوزيف بريستلي، وبنجامين فرانكلين، ووليام وردزورث، وصمويل تيلور كوليردج، وكذلك الشاعرة آنا باربولد، والروائية ماريا إيدجورث، والفيلسوفة ماري ولستونكرافت. ومن خلالهم، تحاول هاي القبض على اللحظة الفاصلة في تحول أمة بأكملها.
طفولة محفوفة بالمخاطر
استأثرت بريطانيا وحدها بسبعة عناوين من القائمة الطويلة، فإلى جانب فريدلاند وهاي، أدرجت سيرة مات رولاند هيل "الخطايا الأصلية: مذكرات"، التي تسرد طفولته كابن لوزير في كنيسة مسيحية إنجيلية في جنوب ويلز، ثم في جنوب شرق إنكلترا، وكيف كانت فترة محفوفة بالصراع الأسري المرير والخوف. في أواخر سن المراهقة، فقد "مات" إيمانه وبدأ في البحث عن الخلاص في مكان آخر، وبعد أن استغرقته الكتب اتجه إلى معاقرة الكحول وإدمان المخدرات. إنها مذكرات عن الإيمان والأسرة والعار والإدمان تُظهر كيف يمكن للقصص التي نرويها أن تساعدنا على البقاء على قيد الحياة. وصفته صحيفة "الغارديان" بأنه "موهبة ملتهبة لا يمكن توقع خطوته التالية".
على وتيرة أخرى، تروي لنا أندريا إليوت، الصحافية الحائزة على جائزة بوليتزر، في كتابها "الطفلة الخفية: الفقر والبقاء والأمل في مدينة أميركية"، قصصًا ملهمة للتعامل مع المحن الشديدة، كالفقر والتشرد والعنصرية والإدمان والجوع وغيرها، من خلال حياة الطفلة الموهوبة داساني كوتس، الضاجة بالتفوق والمعاناة.
كوتس التي عاشت في ملاجئ مدينة نيويورك المخصصة للأسر المشردة مع أسرتها كبيرة العدد، استغرقت من الكاتبة عقدًا من الزمن للإلمام بقصتها التي لا تنسى في أميركا غير العادلة. ترصد إليوت أكثر من 400 مخالفة في هذا الملجأ الذي يفتقر إلى أدنى فرصة للحياة بدءًا من الحمامات الخربة، والعفن على الجدران، إلى التحرش الجنسي، واغتصاب الأطفال. وعلى الرغم من منع الصحافة دخول المبنى، تمكنت الصحافية من تسريب كاميرا إلى عائلة كوتس لتوثيق التجاوزات المسكوت عنها.
في كتابها "للمرة الرابعة، نحن نغرق: البحث عن ملاذ بالهجرة الأكثر دموية في العالم"، تكشف الأيرلندية سالي هايدن، الحائزة على جائزة أورويل 2022، عن انتهاكات لا تقل قسوة بشأن اللاجئين، هؤلاء الذين أدارت لهم أوروبا ظهرها، وما ترتب على ذلك من تأجيج واحدة من أكثر كوارث حقوق الإنسان تدميرًا في التاريخ. تركز هايدن في كتابها على الأشخاص الذين اتخذوا خيارات لا يمكن تخيلها، وخاطروا بكل شيء للبقاء على قيد الحياة، في نظام يطلب منهم أن يصمتوا ويختفوا تمامًا.
امرأة محظوظة وأخرى حافية
وراء كل كتاب حكاية، أو عدة حكايات تفضي إلى بعضها مثل ثقوب في أروقة الزمن. ذات يوم، قررت الكاتبة البريطانية بولي مورلاند إخلاء منزل والدتها الراحلة من محتوياته، وإذا بغلاف مهترئ يسقط خلف رف المكتبة. لتجد داخل الظرف صورة قديمة للوادي المشجر الذي تعيش فيه، وكتابًا بعنوان "رجل محظوظ" لجون بيرغر، عن طبيب ريفي كان يعمل في الوادي نفسه قبل أكثر من نصف قرن.
قادها هذا الاكتشاف بالصدفة إلى طبيبة رائعة تعمل باجتهاد على خدمة مجتمع الوادي اليوم، والمدهش أن تلك المرأة قرأت الكتاب نفسه في سن المراهقة، وما تفعله اليوم ليس إلا استلهامًا لكلماته.
توظف مورلاند هذه القصة بعد نصف قرن من التغيير المزلزل، سواء في مجتمعنا، أو في طرق ممارسة الطب، لتلقي الضوء على ما يعنيه أن تكون طبيبًا اليوم في عالم معقد وشائك. كما تستفيد من قصة الطبيبة، وقصص مرضاها، في كشف الدور الأوسع لمهنة الطب في المجتمع، وذلك بأسلوبها الطريف والجريء والمؤثر الذي في وسعه أن يخاطب القراء في كل مكان.
لكن سكولاستيك موكاسونجا، الفرنسية الوحيدة في قائمة "بيلي غيفورد"، تحكي لنا نوعًا آخر من البطولة في كتابها "المرأة الحافية". فعندما قُتلت أسرتها في الإبادة الجماعية للتوتسي على يد الهوتو في رواندا، لم تتمكن موكاسونجا من تلبية رغبة والدتها في تغطية جسدها بالزنجبيل. وبصفتها الوحيدة من أفراد عائلتها التي هربت من مذبحة الهوتو، راحت تنسج في كتابها بدلًا من الوصية كَفَن والدتها بالكلمات، مستفيدة من التقاليد الموروثة في سرد القصص من أجل تكريم لا يُنسى.
في نثر جميل وواضح، تحدثنا موكاسونجا عن الشجاعة النادرة والشرسة لامرأة تناضل من أجل سلامة أطفالها، ونفي عائلتها إلى حدود بوروندي القاحلة، وكفاح مجتمعها للحفاظ على العادات. وهو ما وصفته لوسي بوبيسكو في "الأوبزرفر" بأنه "أنشودة جميلة للأمومة والمجتمع".
العنف والثورة في بريطانيا
تضمنت القائمة أيضا كتابين عن تاريخ بريطانيا الحافل بالعنف؛ "ميراث العنف: تاريخ الإمبراطورية البريطانية"، بقلم المؤرخة الأميركية كارولين إلكينز، الحائزة على جائزة بوليتزر. وهو عبارة عن دراسة مميزة للإمبراطورية البريطانية تكشف عن استخدامها العنف طوال القرن العشرين، استغرقت خمسة عشر عامًا من إلكينز في بحث مضن في أرشيف أربع قارات، فضلًا عن كم هائل من المقابلات بغرض تقديم تصحيح نهائي لنسخ التاريخ التي من شأنها أن تجعلنا نعتقد أن الإمبريالية البريطانية كانت شكلًا من أشكال التحرير للسكان غير المتحضرين.
وتعود آنا كيي في "الجمهورية المضطربة: بريطانيا بلا تاج" إلى عام 1649، عندما اختار شعب محافظ أن يتخذ سمت الثائر. فيعدم تشارلز الأول، ملك ستيوارت، بعد ظهر أحد أيام شهر يناير/ كانون الثاني، بتهمة الخيانة، وتلغى الملكية في غضون أسابيع، وينبذ مجلس اللوردات "غير المجدي والخطير". "بريطانيا بلا تاج" هي قصة نادرة وغريبة تُروى عن بريطانيا الثائرة في ظل سنوات عاصفة، وضعتها على مسار جديد.
كتب نادرة
إلى جانب كتب السيرة، ضمت قائمة "بيلي غيفورد" كتابًا نقديًا رائعًا عن الشاعر جون دون، بقلم البريطانية كاثرين رونديل، تحت عنوان "مطلق اللاحدود: تحولات جون دون"، وهو بمثابة نافذة مشرعة على الحيوات العديدة التي عاشها الشاعر، فضلًا عن هواجسه، وكلماته الملتهبة، وعصره الإليزابيثي العاصف.
تكشف رونديل في كتابها النقاب عن أروع عقل دار في حياة متقلبة، فأحيانًا يبدو شخصًا غريبًا دينيًا، وأحيانًا واعظًا مشهورًا وباحثًا في القانون ومغامرًا في عرض البحار ونائبًا برلمانيًا، وكاهنًا، وعميد كاتدرائية القديس بولس ـ وربما أعظم شاعر حب في تاريخ اللغة الإنكليزية. باختصار، جون دون لم يكن قادرًا على أن يكون مجرد شخص واحد.
تظهر في القائمة كذلك حكايات غير عادية نادرًا ما يتحمس لها المؤلفون، فهي تحتاج إلى مخيلة واسعة، كما نرى في كتاب "أراض أخرى: الكون في طور التكوين"، للبريطاني توماس هاليداي، الذي يأخذنا في رحلة مبهجة عبر الزمن، لنشهد كوكبنا بقاراته السبع في طور التكوين.
في الطريق المقابل، ترصد "مملكة الشخصيات: قصة اللغة والوساوس والعبقرية في الصين الحديثة" للأميركي جينغ تسو فترة زمنية شائكة في تاريخ أمة تعيد اختراع أقدم لغة حية في العالم. يسلط تسو الضوء على أن التحدي الأكبر الذي واجهته الصين كان تحديًا لغويًا، يتلخص في جعل اللغة الصينية الهائلة، في متناول عالم رقمي معولم. يتتبع الكتاب المبتكرين الجريئين الذين قاموا بتكييف النص الصيني ـ ونظام القيم الذي يمثله ـ مع التطورات التكنولوجية التي ستشكل القرن العشرين وما بعده، من البرقية، إلى الآلة الكاتبة، إلى الهاتف الذكي.
إلى هذا المدى تنوعت الكتب المختارة في قائمة "بيلي غيفورد" هذا العام، لتكشف عن النطاق الواسع الذي تستطيع الكتب غير الخيالية التجول فيه بحرية، والعودة بوفرة من الحكايات تكاد تفوق غرابتها ما يمكن أن يجلبه الخيال.
مصادر:
https://www.youtube.com/watch?v=dRkyR62s5PY
https://thebailliegiffordprize.co.uk...list-announced
https://www.theguardian.com/books/20...fford-longlist
سناء عبد العزيز 26 سبتمبر 2022
تغطيات
القائمة الطويلة لجائزة "بيلي غيفورد"
شارك هذا المقال
حجم الخط
أعلنت جائزة "بيلي غيفورد" عن قائمتها الطويلة لهذا العام يوم 22 سبتمبر/ أيلول، بعد تأجيل لأكثر من أسبوع بسبب وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وتُعد الجائزة البالغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني من أرفع الجوائز في المملكة المتحدة للأعمال غير القصصية، وهي مفتوحة أمام جميع الجنسيات، وكافة الموضوعات من دون أي تقييد يذكر.
في هذا العام، اختارت لجنة التحكيم برئاسة الكاتبة كارولين ساندرسون القائمة المكونة من 12 كتابًا من بين 362 كتابًا، نُشرت في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، إلى 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وهو ما جعل من الاختيار مهمة صعبة دفعت ساندرسون إلى الإقرار بأنها "كانت عملية شاقة جدًا، ولكنها أيضًا في غاية المتعة"، معربة عن سعادتها بمدى التنوّع الذي تمكنوا من تحقيقه؛ من الريبورتاج، إلى مذكرات تلقي الضوء على كتب التاريخ والعلوم الشعبية، وربما الأهم من ذلك "أن الكتب المختارة تضع تجربة القارئ في الاعتبار".
استكشاف شخصيات مجهولة
تضمنت القائمة العديد من السير الذاتية والغيرية، بعضها لشخصيات معروفة، وبعضها عمد إلى استخراج أبطال مجهولين من صفحات التاريخ. في كتابه "فنان الهروب: الرجل الذي خرج من أوشفيتز لتحذير العالم"، يعرفنا الكاتب البريطاني، جونثان فريدلاند، على واحد منهم يدعى "رودولف فربا"؛ أول يهودي ينجح في الفرار من معتقل أوشفيتز خلال الحرب العالمية الثانية، ورحلة كفاحه لفضح حقيقة الهولوكوست للعالم، ومحطة وصوله إلى روزفلت وتشرشل والبابا، لينجح في نهاية المطاف في إنقاذ أكثر من 200 ألف شخص.
في "عشاء مع جوزيف جونسون.. كتب وصداقات في عصرٍ ثوري"، تقدم لنا الكاتبة البريطانية، ديزي هاي، شخصية أخرى، ناشر وموزع كتب دأب على الالتقاء بكوكبة من المفكرين، في أواخر القرن الثامن عشر في لندن.
"استأثرت بريطانيا وحدها بسبعة عناوين من القائمة الطويلة" |
شهدت سنوات جونسون كصانع كتب تحولات سياسية واجتماعية وثقافية ودينية عميقة في بريطانيا وخارجها، وشارك العديد من مؤلفيه في الثورة من أجل الإصلاح، وأعلنوا عن حقوق النساء والأطفال، ورسموا تطور علاقة بريطانيا بأميركا وأوروبا. وكان لجونسون الفضل في توصيل أصواتهم للناس، حتى عندما تآمرت قوى خارجية لإسكاتهم. وما يجعل الكتاب بمثابة صورة رائعة لعصر ثوري، أنه حول مائدة جونسون كان يجتمع أسبوعيًا كتّاب وسياسيون وشخصيات استثنائية أعادت تشكيل العالم الأدبي، بمن في ذلك الفنان السويسري هنري فوسيلي، وكبير النحاتين، وليام بليك، وجوزيف بريستلي، وبنجامين فرانكلين، ووليام وردزورث، وصمويل تيلور كوليردج، وكذلك الشاعرة آنا باربولد، والروائية ماريا إيدجورث، والفيلسوفة ماري ولستونكرافت. ومن خلالهم، تحاول هاي القبض على اللحظة الفاصلة في تحول أمة بأكملها.
طفولة محفوفة بالمخاطر
استأثرت بريطانيا وحدها بسبعة عناوين من القائمة الطويلة، فإلى جانب فريدلاند وهاي، أدرجت سيرة مات رولاند هيل "الخطايا الأصلية: مذكرات"، التي تسرد طفولته كابن لوزير في كنيسة مسيحية إنجيلية في جنوب ويلز، ثم في جنوب شرق إنكلترا، وكيف كانت فترة محفوفة بالصراع الأسري المرير والخوف. في أواخر سن المراهقة، فقد "مات" إيمانه وبدأ في البحث عن الخلاص في مكان آخر، وبعد أن استغرقته الكتب اتجه إلى معاقرة الكحول وإدمان المخدرات. إنها مذكرات عن الإيمان والأسرة والعار والإدمان تُظهر كيف يمكن للقصص التي نرويها أن تساعدنا على البقاء على قيد الحياة. وصفته صحيفة "الغارديان" بأنه "موهبة ملتهبة لا يمكن توقع خطوته التالية".
على وتيرة أخرى، تروي لنا أندريا إليوت، الصحافية الحائزة على جائزة بوليتزر، في كتابها "الطفلة الخفية: الفقر والبقاء والأمل في مدينة أميركية"، قصصًا ملهمة للتعامل مع المحن الشديدة، كالفقر والتشرد والعنصرية والإدمان والجوع وغيرها، من خلال حياة الطفلة الموهوبة داساني كوتس، الضاجة بالتفوق والمعاناة.
"في كتابها "للمرة الرابعة، نحن نغرق: البحث عن ملاذ بالهجرة الأكثر دموية في العالم"، تكشف الأيرلندية سالي هايدن، الحائزة على جائزة أورويل 2022، عن انتهاكات قاسية في حق اللاجئين" |
كوتس التي عاشت في ملاجئ مدينة نيويورك المخصصة للأسر المشردة مع أسرتها كبيرة العدد، استغرقت من الكاتبة عقدًا من الزمن للإلمام بقصتها التي لا تنسى في أميركا غير العادلة. ترصد إليوت أكثر من 400 مخالفة في هذا الملجأ الذي يفتقر إلى أدنى فرصة للحياة بدءًا من الحمامات الخربة، والعفن على الجدران، إلى التحرش الجنسي، واغتصاب الأطفال. وعلى الرغم من منع الصحافة دخول المبنى، تمكنت الصحافية من تسريب كاميرا إلى عائلة كوتس لتوثيق التجاوزات المسكوت عنها.
في كتابها "للمرة الرابعة، نحن نغرق: البحث عن ملاذ بالهجرة الأكثر دموية في العالم"، تكشف الأيرلندية سالي هايدن، الحائزة على جائزة أورويل 2022، عن انتهاكات لا تقل قسوة بشأن اللاجئين، هؤلاء الذين أدارت لهم أوروبا ظهرها، وما ترتب على ذلك من تأجيج واحدة من أكثر كوارث حقوق الإنسان تدميرًا في التاريخ. تركز هايدن في كتابها على الأشخاص الذين اتخذوا خيارات لا يمكن تخيلها، وخاطروا بكل شيء للبقاء على قيد الحياة، في نظام يطلب منهم أن يصمتوا ويختفوا تمامًا.
امرأة محظوظة وأخرى حافية
وراء كل كتاب حكاية، أو عدة حكايات تفضي إلى بعضها مثل ثقوب في أروقة الزمن. ذات يوم، قررت الكاتبة البريطانية بولي مورلاند إخلاء منزل والدتها الراحلة من محتوياته، وإذا بغلاف مهترئ يسقط خلف رف المكتبة. لتجد داخل الظرف صورة قديمة للوادي المشجر الذي تعيش فيه، وكتابًا بعنوان "رجل محظوظ" لجون بيرغر، عن طبيب ريفي كان يعمل في الوادي نفسه قبل أكثر من نصف قرن.
قادها هذا الاكتشاف بالصدفة إلى طبيبة رائعة تعمل باجتهاد على خدمة مجتمع الوادي اليوم، والمدهش أن تلك المرأة قرأت الكتاب نفسه في سن المراهقة، وما تفعله اليوم ليس إلا استلهامًا لكلماته.
"تروي لنا أندريا إليوت، الصحافية الحائزة على جائزة بوليتزر، في كتابها "الطفلة الخفية: الفقر والبقاء والأمل في مدينة أميركية"، قصصًا ملهمة للتعامل مع المحن الشديدة، كالفقر والتشرد والعنصرية والإدمان والجوع وغيرها" |
توظف مورلاند هذه القصة بعد نصف قرن من التغيير المزلزل، سواء في مجتمعنا، أو في طرق ممارسة الطب، لتلقي الضوء على ما يعنيه أن تكون طبيبًا اليوم في عالم معقد وشائك. كما تستفيد من قصة الطبيبة، وقصص مرضاها، في كشف الدور الأوسع لمهنة الطب في المجتمع، وذلك بأسلوبها الطريف والجريء والمؤثر الذي في وسعه أن يخاطب القراء في كل مكان.
لكن سكولاستيك موكاسونجا، الفرنسية الوحيدة في قائمة "بيلي غيفورد"، تحكي لنا نوعًا آخر من البطولة في كتابها "المرأة الحافية". فعندما قُتلت أسرتها في الإبادة الجماعية للتوتسي على يد الهوتو في رواندا، لم تتمكن موكاسونجا من تلبية رغبة والدتها في تغطية جسدها بالزنجبيل. وبصفتها الوحيدة من أفراد عائلتها التي هربت من مذبحة الهوتو، راحت تنسج في كتابها بدلًا من الوصية كَفَن والدتها بالكلمات، مستفيدة من التقاليد الموروثة في سرد القصص من أجل تكريم لا يُنسى.
في نثر جميل وواضح، تحدثنا موكاسونجا عن الشجاعة النادرة والشرسة لامرأة تناضل من أجل سلامة أطفالها، ونفي عائلتها إلى حدود بوروندي القاحلة، وكفاح مجتمعها للحفاظ على العادات. وهو ما وصفته لوسي بوبيسكو في "الأوبزرفر" بأنه "أنشودة جميلة للأمومة والمجتمع".
العنف والثورة في بريطانيا
تضمنت القائمة أيضا كتابين عن تاريخ بريطانيا الحافل بالعنف؛ "ميراث العنف: تاريخ الإمبراطورية البريطانية"، بقلم المؤرخة الأميركية كارولين إلكينز، الحائزة على جائزة بوليتزر. وهو عبارة عن دراسة مميزة للإمبراطورية البريطانية تكشف عن استخدامها العنف طوال القرن العشرين، استغرقت خمسة عشر عامًا من إلكينز في بحث مضن في أرشيف أربع قارات، فضلًا عن كم هائل من المقابلات بغرض تقديم تصحيح نهائي لنسخ التاريخ التي من شأنها أن تجعلنا نعتقد أن الإمبريالية البريطانية كانت شكلًا من أشكال التحرير للسكان غير المتحضرين.
وتعود آنا كيي في "الجمهورية المضطربة: بريطانيا بلا تاج" إلى عام 1649، عندما اختار شعب محافظ أن يتخذ سمت الثائر. فيعدم تشارلز الأول، ملك ستيوارت، بعد ظهر أحد أيام شهر يناير/ كانون الثاني، بتهمة الخيانة، وتلغى الملكية في غضون أسابيع، وينبذ مجلس اللوردات "غير المجدي والخطير". "بريطانيا بلا تاج" هي قصة نادرة وغريبة تُروى عن بريطانيا الثائرة في ظل سنوات عاصفة، وضعتها على مسار جديد.
كتب نادرة
إلى جانب كتب السيرة، ضمت قائمة "بيلي غيفورد" كتابًا نقديًا رائعًا عن الشاعر جون دون، بقلم البريطانية كاثرين رونديل، تحت عنوان "مطلق اللاحدود: تحولات جون دون"، وهو بمثابة نافذة مشرعة على الحيوات العديدة التي عاشها الشاعر، فضلًا عن هواجسه، وكلماته الملتهبة، وعصره الإليزابيثي العاصف.
"سكولاستيك موكاسونجا، الفرنسية الوحيدة في قائمة "بيلي غيفورد"، تحكي لنا نوعًا آخر من البطولة في كتابها "المرأة الحافية"، عن قتل أسرتها في الإبادة الجماعية للتوتسي على يد الهوتو في رواندا" |
تكشف رونديل في كتابها النقاب عن أروع عقل دار في حياة متقلبة، فأحيانًا يبدو شخصًا غريبًا دينيًا، وأحيانًا واعظًا مشهورًا وباحثًا في القانون ومغامرًا في عرض البحار ونائبًا برلمانيًا، وكاهنًا، وعميد كاتدرائية القديس بولس ـ وربما أعظم شاعر حب في تاريخ اللغة الإنكليزية. باختصار، جون دون لم يكن قادرًا على أن يكون مجرد شخص واحد.
تظهر في القائمة كذلك حكايات غير عادية نادرًا ما يتحمس لها المؤلفون، فهي تحتاج إلى مخيلة واسعة، كما نرى في كتاب "أراض أخرى: الكون في طور التكوين"، للبريطاني توماس هاليداي، الذي يأخذنا في رحلة مبهجة عبر الزمن، لنشهد كوكبنا بقاراته السبع في طور التكوين.
في الطريق المقابل، ترصد "مملكة الشخصيات: قصة اللغة والوساوس والعبقرية في الصين الحديثة" للأميركي جينغ تسو فترة زمنية شائكة في تاريخ أمة تعيد اختراع أقدم لغة حية في العالم. يسلط تسو الضوء على أن التحدي الأكبر الذي واجهته الصين كان تحديًا لغويًا، يتلخص في جعل اللغة الصينية الهائلة، في متناول عالم رقمي معولم. يتتبع الكتاب المبتكرين الجريئين الذين قاموا بتكييف النص الصيني ـ ونظام القيم الذي يمثله ـ مع التطورات التكنولوجية التي ستشكل القرن العشرين وما بعده، من البرقية، إلى الآلة الكاتبة، إلى الهاتف الذكي.
إلى هذا المدى تنوعت الكتب المختارة في قائمة "بيلي غيفورد" هذا العام، لتكشف عن النطاق الواسع الذي تستطيع الكتب غير الخيالية التجول فيه بحرية، والعودة بوفرة من الحكايات تكاد تفوق غرابتها ما يمكن أن يجلبه الخيال.
مصادر:
https://www.youtube.com/watch?v=dRkyR62s5PY
https://thebailliegiffordprize.co.uk...list-announced
https://www.theguardian.com/books/20...fford-longlist