"المواطن المتميز": في استحالة المصالحة بين الإبداع وسلطة الاستبداد
عزيز تبسي 8 ديسمبر 2022
تغطيات
شارك هذا المقال
حجم الخط
جلس على كرسي، مغطيًا وجهه بكفه، وضاغطًا بأصابعه على صدغه، هكذا ظهر الروائي "دانيال مانتوفاني" في المشهد الأول من الفيلم الأرجنتيني-الإسباني "المواطن المتميّز" The Distinguished Citizen (2016)، وهو ينتظر في رواق الأكاديمية السويدية، الدعوة لدخول القاعة الكبرى لتسلم جائزة نوبل للآداب.
انطلق الفيلم، الذي اشترك في إخراجه المخرجان الأرجنتينيان ماريانو كون وغاستون دوبارت، من حالة افتراضية- لم يحصل أي روائي أرجنتيني على جائزة نوبل للآداب- ليقارب عالم الثقافة والمؤسسات السلطوية، وموقع الثقافة بين الحواضر الأوروبية وأطراف العالم المعاصر.
لا تصنع جائزة نوبل روائيًا، وإنما تكرم ما صنعه الروائي قبل وصوله إليها، وتدفع به إلى النجومية، الموقع الخطر والملتبس في آن، حيث سيجد نفسه جنبًا إلى جنب مع لاعبي كرة قدم، وملاكمين ومغنين.
اتجه دانيال مانتوفاني إلى المنصة بعد تسلمه الجائزة من ملك السويد، وألقى خطابًا غير مكتوب، اختصر فيه ما يشغل تفكيره بعد حصوله على الجائزة: "يعتريني شعوران مختلطان حيال تسلمي جائزة نوبل، شعور بالإطراء، من ممثلي المؤسسات الثقافية والسلطوية أنا الفنان الذياوسكار يضمن لكم الراحة، التي لا علاقة لها بالروح. والشعور المر الذي يطغى عليّ، انحدار مستوى الفنان... أشكركم على إنهاء مغامرتي الإبداعية".
تنتقل الصورة إلى الروائي بعد مرور خمس سنوات، وهو يجول في شوارع برشلونة في الصباح، عائدًا إلى بيته الذي يشبه قلعة، تنتظره سكرتيرته، الجالسة أمام حاسوبها المحمول وأوراقها، لتبلغه بالدعوات الموجهة إليه من مؤسسات ثقافية لحضورها أنشطتها، يشير بكفه برفض معظم الدعوات، باستثناء ثلاث دعوات يعلق عليها بالكلمات، دعوة من ناشر كتبه، لكونه لم يكتب أي كتاب من خمس سنوات، فيطلب منها أن تقترح عليه جمع ما كتبه من مقالات ومقدمات كتبها لكتب ونشرها بكتاب، والثانية من مخرج باكستاني يطلب الموافقة لتحويل إحدى رواياته إلى فيلم، يرفضها بعبارة، لا تخلو الباكستان من الكتاب، عليهم الكتابة عن واقعهم، ورسالة من عمدة "سالاس" مسقط رأسه في الأرجنتين، تدعوه لزيارتها لتكريمه. يقول لسكرتيرته بأنه لم يزر "سالاس" من حين غادرها قبل أربعين عامًا، يرفض الدعوة، ثم يعود ليقبل بها، ويطلب منها الحجز للسفر، ويرفض مرافقتها، يريد السفر وحيدًا. تجنب الفيلم ذكر الأسباب التي دفعت شابًا في العشرين من عمره لمغادرة بلدته، ورفضه العودة إليها خلال الأربعين عامًا، رغم وقوع حدثين عائليين مأساويين، وفاة والدته ووالده، وهو ابنهما الوحيد. ما من سبب مقنع لزيارة بلدته، إلا رغبته التأكد من وجودها، بتفحص الواقع الذي انشغل به وكتبه، بعد أن بات بعيدًا عنه.
نحا الفيلم فور وصول الروائي إلى مطار العاصمة بوينس أيرس، إلى السخرية، بتصوير المفارقات، حمل السائق الذي انتظره بقاعة الاستقبال يافطة كتب عليها اسمه الأول والحرف الأول من لقبه، للدلالة على أنه لا يعرفه، ولم يرى صورته. يتجهان إلى سيارة بالية مركونة قرب سيارة حديثة، يتجه الروائي بتلقائية مع حقيبته باتجاهها، فيشير له السائق باتجاه الأخرى. ويطلب منه حين يتجه للجلوس في المقعد الخلفي، أن يتجه للمقعد الأمامي لأنه لا يحمل رخصة نقل عمومي.
اختار السائق طريقًا زراعيًا يختصر المسافة بين العاصمة وسالاس، من سبع ساعات إلى ست، لكن الطريق الترابي المهجور، تسبب بثقب دولاب السيارة، بمكان لا تمر به السيارات، يبلغه بعدها أنه لا يحمل دولابًا بديلًا، ولا هاتفًا نقالًا ليبلغ عما حصل معه. "كيف سيأتون لنجدتنا؟ حين يشعرون بتأخرنا".
يفشل السائق، قبل حلول الظلام، بإشعال الحطب ليتدفأ، يمزق الروائي صفحات من روايته، ويعطيها للسائق لإشعالها، وحينما تظهر على وجه السائق علامات الاستغراب يقول له: "عندي نسخ أخرى". في الصباح يمزق السائق أوراقًا أخرى من الرواية، المرمية أمام الزجاج، ويغادر السيارة، لقضاء حاجته البيولوجية. كأنه تنبؤ بمصائر الثقافة خارج أوروبا، كقيمة استعمالية لتلبية بعض الحاجات اليومية.
تصل شاحنة متوسطة، أرسلها العمدة، للبحث عنهما، ينتقلان إليها، ويتابعان طريقهما إلى سالاس. تضع الروائي أمام فندق البلدة، حيث حجز العمدة غرفة لإقامته خلال أيام زيارته. يذهب ماشيًا للقاء العمدة في مكتبه، الذي يرحب به بطريقة استعراضية، تخفي جهله بكتبه وآرائه، ويفاجئه حين يهم الروائي للذهاب للقاء الأهالي، سيرا على الأقدام، بأن رجال المطافئ، ينتظرون في الخارج وقد تجهزوا لتكريم الضيف الكبير، يظهر بعدها الروائي فوق سطح سيارة المطافئ إلى جانب العمدة وملكة جمال سالاس، يحيون السائرين في شوارع البلدة، وهم بطريقهم إلى قاعة التكريم، حيث يفاجئه معدو البرنامج بفيلم عن حياته لتعريف المشاهد على ماضي الروائي، فهو من مواليد شباط/فبراير 1954 لأبوين حظيا باحترام أهالي البلدة، توفيت أمه "كلارا" قبل أربعين عامًا، أي بعام مغادرته الأرجنتين، وتوفي والده "فيكتور" بعدها بعشر سنوات. ظهرت علامات التأثر على الروائي وسالت دموعه.
يفتتح بعدها العمدة التكريم بخطاب يوظف به حضور الروائي الحائز على جائزة نوبل، لغايات انتخابية، ويضم اسمه إلى قائمة مشاهير الأرجنتين، مارادونا وفرنسيس بابا الفاتيكان، وميسي، وملكة هولندا. يقدم بنهايته ميدالية حملتها ملكة جمال سالاس، ويجتمعون بعدها لالتقاط صور تذكارية. من الجلي أن الحضور الأبكم لأهالي البلدة في اللقاء الأول والندوات واللقاءات التي تلته، أنهم لم يقرأوا أيًا من كتبه ورواياته.
تحدث بعدها عن تجربته، وحين سأل الحضور عن أي أسئلة يرغبون بطرحها، اعترضت شابة على كلامه في الربط بين الإبداع والمعاناة، وأن أوروبا بلا مبدعين لأنها بلا معاناة، يتنكر دانيال لما قالته، "أنه لا يذكر أنه كتب مثل هذا، وأنه لا يؤمن بخرافة الفنانين المعذبين، ولا يمكن تعميم تجربتي فان غوخ ورامبو على تجارب الفنانين الآخرين".
يأتي بعد نهاية التكريم والمحاضرة صديق شبابه "أنطونيو"، ويسأله في سياق الحديث عن حياته، إن تزوج وأنجب أولادًا فيبلغه دانيال أنه لم يتزوج، وحين يرد اليه السؤال ذاته، يبلغه أنه تزوج "إريني"، "أنت غادرت وأنا تزوجت حبيبتك"، ويبلغه أنها تعمل بقرية بعيدة عن سالاس مع الأطفال المعدمين، ويدعوه إلى العشاء، يعتذر لارتباطه بعشاء مع الجمعية الزراعية، ويؤجلا العشاء إلى الليلة التالية.
يذهب بعدها لإجراء مقابلة تلفزيونية لقناة محلية، يجيب فيها عن عدة أسئلة، ينهيها المذيع بسؤال: ماذا يشرب الحائز على جائزة نوبل؟ وقبل أن يسمع الجواب، يرفع من تحت الطاولة عبوة عصير فاكهة محلية ويقوم بالدعاية لها.
يلتقيه رجل وهو خارج من الإستوديو، ليشكره على تخليد ذكرى والده بإحدى رواياته، ويطلب منه التوقيع على نسخة منها حملها معه، ويدعوه لتناول الغداء الذي ستعده أمه، وينهمك بإرشاده إلى البيت، ويعطيه مخططًا للوصول إليه، ويحسب أن الكاتب لن يرفض الدعوة.
تأتي "إريني" إلى صالة الفندق لترحب به، تبلغه بزواجها وإنجابها لابنة، وأنها سعيدة بحياتها الزوجية، يعاتبها، بأنها لم تأت لحضور تكريمه، يطلب منها زيارة البحيرة التي كانا يلتقيان على ضفتها... تأخذه بسيارتها، ليرى هناك أن البحيرة جافة.
يخبرها بأنه لم يستطع الكتابة عن أوروبا، ظلت رواياته تنهل من الحياة في سالاس.
حين قررا العودة إلى البلدة، لا يدور محرك سيارتها، فتستنجد بزوجها أنطونيو. بهذا يشير المخرجان إلى جفاف العاطفة القديمة، وأن زواجها من أنطونيو إنقاذ لحياتها المعطوبة. السيارة التي ستتعطل مرة أخرى حينما أتت لتبلغه بضرورة مغادرة سالاس، وعدم الذهاب مع أنطونيو لصيد الخنازير، فتعجز عن إنقاذه وتتركه لمصيره.
يعود إلى الفندق، وقبل أن يصعد إلى غرفته، يعرض عليه موظف الاستقبال ملف لقصص كتبها، يعده دانيال بقراءتها، وإعطاء رأيه فيها.
يفاجأ بعدها الشابة التي اعترضت على كلامه في المحاضرة، تقرع على باب غرفته بالفندق، تحمل بيدها كتابًا لتقرأ منه أسطرًا من كتابه تتعارض مع ما قاله بمحاضرته، ما إن يتهيأ للرد عليها حتى تهاجمه بقبلة، وتغلق خلفها الباب، ليقضيا ليلتهما معًا، تضطره للتخلف عن دعوة العمدة للعشاء، ويتناول العشاء معها في غرفته.
سعى المخرجان بهذه المشاهد من الفيلم، لإدانة وتحرير شخصية الروائي من الهالة المزيفة التي عادة ما يوضع الكتاب بها، فهم يحملون أفكارًا قابلة للتغيير، ويكذبون لتبرير بعض الأفعال التي تخالف التقاليد الاجتماعية، وينزلقون إلى ممارسة الجنس مع فتيات بأعمار أولادهم.
ننتقل بعدها وفق البرنامج الذي حدده عمدة سالاس، لتقييم لوحات قدمت لمسابقة، رسمها فنانون هواة من البلدة، يرفض دانيال جميع اللوحات، ويقبل لوحة رسمت على قفا غلاف أداة كهربائية، كإشارة لمتسابق يرغب بالرسم ولا يملك ثمن قماش اللوحة، ويقترحها للفوز بالجائزة. يكون هذا الرأي مقدمة للصدام مع الدكتور "فلورسيو روميرو"، الذي يشترك بلوحة في المسابقة. يدخل الدكتور القاعة، بطريقة اقتحامية حيث جلس دانيال وأحد فناني سالاس يتحدثان عن الثقافة والفن، ويتجه من فوره إلى المكان الذي وضعت فيه اللوحات، ويخرج لوحته ويضعها في الصدارة، يلتفت بعدها إليهما ويعرف نفسه برئيس جمعية سالاس للفنون البصرية، ويبلغه أن رفضه للوحته خاضع لعادات وتقاليد بلاد الخارج، وأن ذاك ما يحاول فرضه هنا، إلى جانب أدبك، المبتلى بالحقد والكراهية تجاه بلدك وجذورها، وينهي عبارته بالتهديد والوعيد. ما إن يغادر دانيال القاعة، ويتجه إلى الفندق، حتى تتعقبه سيارة، وتتقصد إزعاجه. يظهر فجأة صديقه أنطونيو وينقذه من مضايقاتها، ويعلمه أن هؤلاء بلطجية الدكتور "روميرو"، ويعيده إلى الفندق، ويبلغه أن زوجته "إريني" قرأت كل كتبه، التي كانت توصي عليها من "بوينس أيرس".
تسمح الأنظمة الديموقراطية بمساحات للحرية، لم تلزمه دخول الأكاديمية السويدية باللباس الرسمي، وتساهلت مع عدم مصافحته الملك والملكة، وغفرت قوله إن الجائزة التي منحتها له مقبرة لإبداعه... لكن لم تفسح له ديموقراطية بلدته رفض رسومات المقدمة للمسابقة، تعبير عن استحالة التفاهم أو المصالحة مع ديموقراطية الابتسامات المرائية وأذرع البلطجية.
ينتظره بردهة الفندق رجل مصطحبًا ابنه العاجز الجالس بينهما على كرسي متحرك، يعرض عليه مشكلة ابنه، ويطلب منه مساعدة مالية لحلها بشراء كرسي متحرك بمبلغ يقارب تسعة آلاف دولار. يرفض طلب الرجل، مستعرضًا أسباب الرفض، وحين يصل إلى غرفته، يهاتف سكرتيرته ويطلب منها شراء الكرسي أو إرسال ثمنه إلى العنوان الذي سيرسله إليها.
ينتقل بعدها إلى بيت "أنطونيو" ملبيًا دعوته للعشاء، وتكون فرصة لأنطونيو لاستعراض مهاراته بشي اللحوم وطبخ رؤوس الخراف، ولإبلاغ دانيال مدى الحب الذي يعيشه مع "إريني"، حين يطلب منها تقبيله بطريقة استعراضية وهم جالسون حول مائدة العشاء. يسر دانيال لأنطونيو وهو يجلي الصحون في المطبخ عن زيارة شابة لغرفته في الفندق، وتقف أثناء الكلام، أمام نافذة المطبخ دراجة نارية، يرى حين يرفع الراكبان خوذتيهما، وجه الشابة التي عاشرها قبل ساعات في الفندق تخاطب أنطونيو ببابا. يسأله أنطونيو لإتمام الحديث إن نام معها، فيجيبه دانيال لا.
يعرفانه بعد دخولهما البيت على ابنتهما "جوليا" وخطيبها "روكي". يتابع أنطونيو ودانيال وروكي سهرتهم في حانة، يشرب أنطونيو بمبالغة، ويتحدث عن علاقاته اليومية بالعاهرات اللاتي يلتقيهن في هذه الحانة، ويؤكد في النهاية أنه ملتزم بعلاقته الزوجية مع "إرني" لأنه يعود في آخر الليل إلى فراشه الذي يجمعه بها، ويطلب من "روكي" على سبيل إثارة جو من الدعابة، تقليد صوت الخنزير البري، فيقوم "روكي" بذلك. يغادر دانيال الحانة، ويطلب أنطونيو من "روكي" إيصاله بدراجته إلى الفندق، ليجد هناك بانتظاره "جوليا" عارية على الفراش، يطردها، ويواجهها بكونها مخطوبة، فتقول له إنها تركت خطيبها... ترتدي ثيابها، وتقف أمامه، وتشتمه بكلمة: مخنث.
يمضي في الصباح إلى موعد في حديقة، حيث ترفع الستارة عن تمثال نصفي له، لم يحضر الاحتفال سوى بضعة أشخاص. ينتحي به عمدة سالاس جانبًا بعد الانتهاء من رفع الستارة ليبلغه باضطراره لقبول بعض اللوحات التي رفضها، مبررًا ذلك بأن دانيال سيغادر سالاس بينما هو باق، وعاجز عن مواجهة الضغوط التي ستمارس عليه. ويوم إعلان نتائج المسابقة، تفوز لوحة الدكتور، ويعترض دانيال على النتيجة، وقبل مغادرته القاعة التي أثيرت ضده، يضع الميدالية التي منحوها إليه على الطاولة ويغادر.
توزع نشرات في البلدة تستنكر كتابات دانيال ويلطخ التمثال بالدهان الأحمر، وبدأت نظرات الاستهجان تظهر على وجوه الناس الذين يصادفهم وهو يسير في الشارع.
قاده نثار الحنين لزيارة بيته الأول، فيجده وقد تحول إلى مقهى مطوق بجدار من الزجاج المصمت، تجاهل صاحبه الجديد كلماته بأنه سكن لسنوات في هذا المكان. انتقل بعده للمقبرة لزيارة قبري والديه. يقتلع من فوق القبر زهرة ناعمة ويضمها بين دفتي دفتره.
حين يعود إلى الفندق، يعطيه موظف الاستقبال صندوقا أحضره أطفال مدرسة سالاس، يحوي مجموعة رسومات أظهروا فيها احترامهم ومحبتهم له.
يقول لموظف الاستقبال، الذي كان قد أعطاه قصصًا كتبها، لسماع رأيه بها، أنه قرأ القصص ووجدها جميلة، وسيختار إحداها ليضمها لمختارات قصصية ستصدر بكتاب في برشلونة، ومنحه مبلغًا من المال ليساعده على نشر قصصه.
وهناك الوجوه الأخرى لسالاس: عمدة يريد الاحتفاظ بمنصبه بتقديمه التنازلات والتسويات. أنطونيو المتهتك والخائن اليومي لزوجته، وجوليا التي تخون خطيبها، وروكي بات يشبه الخنازير التي يصطادها ويقلد قباعها. إريني الجافة كبحيرة والمعطوبة كسيارتها، والدكتور فلورسيو روميرو وجه السلطة، المتخفية خلف غلالة ديموقراطية، والبلطجية المستنفرون على الدوام لإيذاء أي محتج على الوضع السائد، الأهالي غير المبالين، المنصرفون إلى أعمالهم.
لم يشر مخرجا الفيلم إلى الكيفية التي غادر بها دانيال بلدته قبل أربعين عامًا، لكنهما سيرصدان خروجه الجديد منه، راكضًا تتعقبه طلقات بندقيتي أنطونيو المرعبة، وروكي القاتلة، سيعرف بعد فوات الأوان أن جائزة نوبل غير كافية لحمايته في بلاد لمّا تزل اليد العليا فيها للبلطجية.
يظهر دانيال في المشهد الأخير للفيلم، في حفل ترويجي لروايته الجديدة، التي حملت اسم "المواطن المتميز"، التي استقاها من تجربة الأيام الثلاثة التي قضاها في سالاس، لم يستطع تجاهل بلدته، حتى وهي تطرده للمرة الثانية بعيدًا عنها.
عزيز تبسي 8 ديسمبر 2022
تغطيات
شارك هذا المقال
حجم الخط
جلس على كرسي، مغطيًا وجهه بكفه، وضاغطًا بأصابعه على صدغه، هكذا ظهر الروائي "دانيال مانتوفاني" في المشهد الأول من الفيلم الأرجنتيني-الإسباني "المواطن المتميّز" The Distinguished Citizen (2016)، وهو ينتظر في رواق الأكاديمية السويدية، الدعوة لدخول القاعة الكبرى لتسلم جائزة نوبل للآداب.
انطلق الفيلم، الذي اشترك في إخراجه المخرجان الأرجنتينيان ماريانو كون وغاستون دوبارت، من حالة افتراضية- لم يحصل أي روائي أرجنتيني على جائزة نوبل للآداب- ليقارب عالم الثقافة والمؤسسات السلطوية، وموقع الثقافة بين الحواضر الأوروبية وأطراف العالم المعاصر.
لا تصنع جائزة نوبل روائيًا، وإنما تكرم ما صنعه الروائي قبل وصوله إليها، وتدفع به إلى النجومية، الموقع الخطر والملتبس في آن، حيث سيجد نفسه جنبًا إلى جنب مع لاعبي كرة قدم، وملاكمين ومغنين.
اتجه دانيال مانتوفاني إلى المنصة بعد تسلمه الجائزة من ملك السويد، وألقى خطابًا غير مكتوب، اختصر فيه ما يشغل تفكيره بعد حصوله على الجائزة: "يعتريني شعوران مختلطان حيال تسلمي جائزة نوبل، شعور بالإطراء، من ممثلي المؤسسات الثقافية والسلطوية أنا الفنان الذياوسكار يضمن لكم الراحة، التي لا علاقة لها بالروح. والشعور المر الذي يطغى عليّ، انحدار مستوى الفنان... أشكركم على إنهاء مغامرتي الإبداعية".
تنتقل الصورة إلى الروائي بعد مرور خمس سنوات، وهو يجول في شوارع برشلونة في الصباح، عائدًا إلى بيته الذي يشبه قلعة، تنتظره سكرتيرته، الجالسة أمام حاسوبها المحمول وأوراقها، لتبلغه بالدعوات الموجهة إليه من مؤسسات ثقافية لحضورها أنشطتها، يشير بكفه برفض معظم الدعوات، باستثناء ثلاث دعوات يعلق عليها بالكلمات، دعوة من ناشر كتبه، لكونه لم يكتب أي كتاب من خمس سنوات، فيطلب منها أن تقترح عليه جمع ما كتبه من مقالات ومقدمات كتبها لكتب ونشرها بكتاب، والثانية من مخرج باكستاني يطلب الموافقة لتحويل إحدى رواياته إلى فيلم، يرفضها بعبارة، لا تخلو الباكستان من الكتاب، عليهم الكتابة عن واقعهم، ورسالة من عمدة "سالاس" مسقط رأسه في الأرجنتين، تدعوه لزيارتها لتكريمه. يقول لسكرتيرته بأنه لم يزر "سالاس" من حين غادرها قبل أربعين عامًا، يرفض الدعوة، ثم يعود ليقبل بها، ويطلب منها الحجز للسفر، ويرفض مرافقتها، يريد السفر وحيدًا. تجنب الفيلم ذكر الأسباب التي دفعت شابًا في العشرين من عمره لمغادرة بلدته، ورفضه العودة إليها خلال الأربعين عامًا، رغم وقوع حدثين عائليين مأساويين، وفاة والدته ووالده، وهو ابنهما الوحيد. ما من سبب مقنع لزيارة بلدته، إلا رغبته التأكد من وجودها، بتفحص الواقع الذي انشغل به وكتبه، بعد أن بات بعيدًا عنه.
نحا الفيلم فور وصول الروائي إلى مطار العاصمة بوينس أيرس، إلى السخرية، بتصوير المفارقات، حمل السائق الذي انتظره بقاعة الاستقبال يافطة كتب عليها اسمه الأول والحرف الأول من لقبه، للدلالة على أنه لا يعرفه، ولم يرى صورته. يتجهان إلى سيارة بالية مركونة قرب سيارة حديثة، يتجه الروائي بتلقائية مع حقيبته باتجاهها، فيشير له السائق باتجاه الأخرى. ويطلب منه حين يتجه للجلوس في المقعد الخلفي، أن يتجه للمقعد الأمامي لأنه لا يحمل رخصة نقل عمومي.
اختار السائق طريقًا زراعيًا يختصر المسافة بين العاصمة وسالاس، من سبع ساعات إلى ست، لكن الطريق الترابي المهجور، تسبب بثقب دولاب السيارة، بمكان لا تمر به السيارات، يبلغه بعدها أنه لا يحمل دولابًا بديلًا، ولا هاتفًا نقالًا ليبلغ عما حصل معه. "كيف سيأتون لنجدتنا؟ حين يشعرون بتأخرنا".
يفشل السائق، قبل حلول الظلام، بإشعال الحطب ليتدفأ، يمزق الروائي صفحات من روايته، ويعطيها للسائق لإشعالها، وحينما تظهر على وجه السائق علامات الاستغراب يقول له: "عندي نسخ أخرى". في الصباح يمزق السائق أوراقًا أخرى من الرواية، المرمية أمام الزجاج، ويغادر السيارة، لقضاء حاجته البيولوجية. كأنه تنبؤ بمصائر الثقافة خارج أوروبا، كقيمة استعمالية لتلبية بعض الحاجات اليومية.
تصل شاحنة متوسطة، أرسلها العمدة، للبحث عنهما، ينتقلان إليها، ويتابعان طريقهما إلى سالاس. تضع الروائي أمام فندق البلدة، حيث حجز العمدة غرفة لإقامته خلال أيام زيارته. يذهب ماشيًا للقاء العمدة في مكتبه، الذي يرحب به بطريقة استعراضية، تخفي جهله بكتبه وآرائه، ويفاجئه حين يهم الروائي للذهاب للقاء الأهالي، سيرا على الأقدام، بأن رجال المطافئ، ينتظرون في الخارج وقد تجهزوا لتكريم الضيف الكبير، يظهر بعدها الروائي فوق سطح سيارة المطافئ إلى جانب العمدة وملكة جمال سالاس، يحيون السائرين في شوارع البلدة، وهم بطريقهم إلى قاعة التكريم، حيث يفاجئه معدو البرنامج بفيلم عن حياته لتعريف المشاهد على ماضي الروائي، فهو من مواليد شباط/فبراير 1954 لأبوين حظيا باحترام أهالي البلدة، توفيت أمه "كلارا" قبل أربعين عامًا، أي بعام مغادرته الأرجنتين، وتوفي والده "فيكتور" بعدها بعشر سنوات. ظهرت علامات التأثر على الروائي وسالت دموعه.
يفتتح بعدها العمدة التكريم بخطاب يوظف به حضور الروائي الحائز على جائزة نوبل، لغايات انتخابية، ويضم اسمه إلى قائمة مشاهير الأرجنتين، مارادونا وفرنسيس بابا الفاتيكان، وميسي، وملكة هولندا. يقدم بنهايته ميدالية حملتها ملكة جمال سالاس، ويجتمعون بعدها لالتقاط صور تذكارية. من الجلي أن الحضور الأبكم لأهالي البلدة في اللقاء الأول والندوات واللقاءات التي تلته، أنهم لم يقرأوا أيًا من كتبه ورواياته.
تحدث بعدها عن تجربته، وحين سأل الحضور عن أي أسئلة يرغبون بطرحها، اعترضت شابة على كلامه في الربط بين الإبداع والمعاناة، وأن أوروبا بلا مبدعين لأنها بلا معاناة، يتنكر دانيال لما قالته، "أنه لا يذكر أنه كتب مثل هذا، وأنه لا يؤمن بخرافة الفنانين المعذبين، ولا يمكن تعميم تجربتي فان غوخ ورامبو على تجارب الفنانين الآخرين".
يأتي بعد نهاية التكريم والمحاضرة صديق شبابه "أنطونيو"، ويسأله في سياق الحديث عن حياته، إن تزوج وأنجب أولادًا فيبلغه دانيال أنه لم يتزوج، وحين يرد اليه السؤال ذاته، يبلغه أنه تزوج "إريني"، "أنت غادرت وأنا تزوجت حبيبتك"، ويبلغه أنها تعمل بقرية بعيدة عن سالاس مع الأطفال المعدمين، ويدعوه إلى العشاء، يعتذر لارتباطه بعشاء مع الجمعية الزراعية، ويؤجلا العشاء إلى الليلة التالية.
يذهب بعدها لإجراء مقابلة تلفزيونية لقناة محلية، يجيب فيها عن عدة أسئلة، ينهيها المذيع بسؤال: ماذا يشرب الحائز على جائزة نوبل؟ وقبل أن يسمع الجواب، يرفع من تحت الطاولة عبوة عصير فاكهة محلية ويقوم بالدعاية لها.
يلتقيه رجل وهو خارج من الإستوديو، ليشكره على تخليد ذكرى والده بإحدى رواياته، ويطلب منه التوقيع على نسخة منها حملها معه، ويدعوه لتناول الغداء الذي ستعده أمه، وينهمك بإرشاده إلى البيت، ويعطيه مخططًا للوصول إليه، ويحسب أن الكاتب لن يرفض الدعوة.
تأتي "إريني" إلى صالة الفندق لترحب به، تبلغه بزواجها وإنجابها لابنة، وأنها سعيدة بحياتها الزوجية، يعاتبها، بأنها لم تأت لحضور تكريمه، يطلب منها زيارة البحيرة التي كانا يلتقيان على ضفتها... تأخذه بسيارتها، ليرى هناك أن البحيرة جافة.
يخبرها بأنه لم يستطع الكتابة عن أوروبا، ظلت رواياته تنهل من الحياة في سالاس.
حين قررا العودة إلى البلدة، لا يدور محرك سيارتها، فتستنجد بزوجها أنطونيو. بهذا يشير المخرجان إلى جفاف العاطفة القديمة، وأن زواجها من أنطونيو إنقاذ لحياتها المعطوبة. السيارة التي ستتعطل مرة أخرى حينما أتت لتبلغه بضرورة مغادرة سالاس، وعدم الذهاب مع أنطونيو لصيد الخنازير، فتعجز عن إنقاذه وتتركه لمصيره.
يعود إلى الفندق، وقبل أن يصعد إلى غرفته، يعرض عليه موظف الاستقبال ملف لقصص كتبها، يعده دانيال بقراءتها، وإعطاء رأيه فيها.
"سعى المخرجان من خلال الفيلم لإدانة وتحرير شخصية الروائي من الهالة المزيفة التي عادة ما يوضع الكتاب بها، فهم يحملون أفكارًا قابلة للتغيير، ويكذبون لتبرير بعض الأفعال التي تخالف التقاليد الاجتماعية، وينزلقون إلى ممارسة الجنس مع فتيات بأعمار أولادهم" |
سعى المخرجان بهذه المشاهد من الفيلم، لإدانة وتحرير شخصية الروائي من الهالة المزيفة التي عادة ما يوضع الكتاب بها، فهم يحملون أفكارًا قابلة للتغيير، ويكذبون لتبرير بعض الأفعال التي تخالف التقاليد الاجتماعية، وينزلقون إلى ممارسة الجنس مع فتيات بأعمار أولادهم.
ننتقل بعدها وفق البرنامج الذي حدده عمدة سالاس، لتقييم لوحات قدمت لمسابقة، رسمها فنانون هواة من البلدة، يرفض دانيال جميع اللوحات، ويقبل لوحة رسمت على قفا غلاف أداة كهربائية، كإشارة لمتسابق يرغب بالرسم ولا يملك ثمن قماش اللوحة، ويقترحها للفوز بالجائزة. يكون هذا الرأي مقدمة للصدام مع الدكتور "فلورسيو روميرو"، الذي يشترك بلوحة في المسابقة. يدخل الدكتور القاعة، بطريقة اقتحامية حيث جلس دانيال وأحد فناني سالاس يتحدثان عن الثقافة والفن، ويتجه من فوره إلى المكان الذي وضعت فيه اللوحات، ويخرج لوحته ويضعها في الصدارة، يلتفت بعدها إليهما ويعرف نفسه برئيس جمعية سالاس للفنون البصرية، ويبلغه أن رفضه للوحته خاضع لعادات وتقاليد بلاد الخارج، وأن ذاك ما يحاول فرضه هنا، إلى جانب أدبك، المبتلى بالحقد والكراهية تجاه بلدك وجذورها، وينهي عبارته بالتهديد والوعيد. ما إن يغادر دانيال القاعة، ويتجه إلى الفندق، حتى تتعقبه سيارة، وتتقصد إزعاجه. يظهر فجأة صديقه أنطونيو وينقذه من مضايقاتها، ويعلمه أن هؤلاء بلطجية الدكتور "روميرو"، ويعيده إلى الفندق، ويبلغه أن زوجته "إريني" قرأت كل كتبه، التي كانت توصي عليها من "بوينس أيرس".
تسمح الأنظمة الديموقراطية بمساحات للحرية، لم تلزمه دخول الأكاديمية السويدية باللباس الرسمي، وتساهلت مع عدم مصافحته الملك والملكة، وغفرت قوله إن الجائزة التي منحتها له مقبرة لإبداعه... لكن لم تفسح له ديموقراطية بلدته رفض رسومات المقدمة للمسابقة، تعبير عن استحالة التفاهم أو المصالحة مع ديموقراطية الابتسامات المرائية وأذرع البلطجية.
ينتظره بردهة الفندق رجل مصطحبًا ابنه العاجز الجالس بينهما على كرسي متحرك، يعرض عليه مشكلة ابنه، ويطلب منه مساعدة مالية لحلها بشراء كرسي متحرك بمبلغ يقارب تسعة آلاف دولار. يرفض طلب الرجل، مستعرضًا أسباب الرفض، وحين يصل إلى غرفته، يهاتف سكرتيرته ويطلب منها شراء الكرسي أو إرسال ثمنه إلى العنوان الذي سيرسله إليها.
ينتقل بعدها إلى بيت "أنطونيو" ملبيًا دعوته للعشاء، وتكون فرصة لأنطونيو لاستعراض مهاراته بشي اللحوم وطبخ رؤوس الخراف، ولإبلاغ دانيال مدى الحب الذي يعيشه مع "إريني"، حين يطلب منها تقبيله بطريقة استعراضية وهم جالسون حول مائدة العشاء. يسر دانيال لأنطونيو وهو يجلي الصحون في المطبخ عن زيارة شابة لغرفته في الفندق، وتقف أثناء الكلام، أمام نافذة المطبخ دراجة نارية، يرى حين يرفع الراكبان خوذتيهما، وجه الشابة التي عاشرها قبل ساعات في الفندق تخاطب أنطونيو ببابا. يسأله أنطونيو لإتمام الحديث إن نام معها، فيجيبه دانيال لا.
يعرفانه بعد دخولهما البيت على ابنتهما "جوليا" وخطيبها "روكي". يتابع أنطونيو ودانيال وروكي سهرتهم في حانة، يشرب أنطونيو بمبالغة، ويتحدث عن علاقاته اليومية بالعاهرات اللاتي يلتقيهن في هذه الحانة، ويؤكد في النهاية أنه ملتزم بعلاقته الزوجية مع "إرني" لأنه يعود في آخر الليل إلى فراشه الذي يجمعه بها، ويطلب من "روكي" على سبيل إثارة جو من الدعابة، تقليد صوت الخنزير البري، فيقوم "روكي" بذلك. يغادر دانيال الحانة، ويطلب أنطونيو من "روكي" إيصاله بدراجته إلى الفندق، ليجد هناك بانتظاره "جوليا" عارية على الفراش، يطردها، ويواجهها بكونها مخطوبة، فتقول له إنها تركت خطيبها... ترتدي ثيابها، وتقف أمامه، وتشتمه بكلمة: مخنث.
"لم يشر مخرجا الفيلم إلى الكيفية التي غادر بها دانيال بلدته قبل أربعين عامًا، لكنهما سيرصدان خروجه الجديد منه، راكضًا تتعقبه طلقات بندقيتي أنطونيو المرعبة، وروكي القاتلة، سيعرف بعد فوات الأوان أن جائزة نوبل غير كافية لحمايته في بلاد لمّا تزل اليد العليا فيها للبلطجي" |
توزع نشرات في البلدة تستنكر كتابات دانيال ويلطخ التمثال بالدهان الأحمر، وبدأت نظرات الاستهجان تظهر على وجوه الناس الذين يصادفهم وهو يسير في الشارع.
قاده نثار الحنين لزيارة بيته الأول، فيجده وقد تحول إلى مقهى مطوق بجدار من الزجاج المصمت، تجاهل صاحبه الجديد كلماته بأنه سكن لسنوات في هذا المكان. انتقل بعده للمقبرة لزيارة قبري والديه. يقتلع من فوق القبر زهرة ناعمة ويضمها بين دفتي دفتره.
حين يعود إلى الفندق، يعطيه موظف الاستقبال صندوقا أحضره أطفال مدرسة سالاس، يحوي مجموعة رسومات أظهروا فيها احترامهم ومحبتهم له.
يقول لموظف الاستقبال، الذي كان قد أعطاه قصصًا كتبها، لسماع رأيه بها، أنه قرأ القصص ووجدها جميلة، وسيختار إحداها ليضمها لمختارات قصصية ستصدر بكتاب في برشلونة، ومنحه مبلغًا من المال ليساعده على نشر قصصه.
وهناك الوجوه الأخرى لسالاس: عمدة يريد الاحتفاظ بمنصبه بتقديمه التنازلات والتسويات. أنطونيو المتهتك والخائن اليومي لزوجته، وجوليا التي تخون خطيبها، وروكي بات يشبه الخنازير التي يصطادها ويقلد قباعها. إريني الجافة كبحيرة والمعطوبة كسيارتها، والدكتور فلورسيو روميرو وجه السلطة، المتخفية خلف غلالة ديموقراطية، والبلطجية المستنفرون على الدوام لإيذاء أي محتج على الوضع السائد، الأهالي غير المبالين، المنصرفون إلى أعمالهم.
لم يشر مخرجا الفيلم إلى الكيفية التي غادر بها دانيال بلدته قبل أربعين عامًا، لكنهما سيرصدان خروجه الجديد منه، راكضًا تتعقبه طلقات بندقيتي أنطونيو المرعبة، وروكي القاتلة، سيعرف بعد فوات الأوان أن جائزة نوبل غير كافية لحمايته في بلاد لمّا تزل اليد العليا فيها للبلطجية.
يظهر دانيال في المشهد الأخير للفيلم، في حفل ترويجي لروايته الجديدة، التي حملت اسم "المواطن المتميز"، التي استقاها من تجربة الأيام الثلاثة التي قضاها في سالاس، لم يستطع تجاهل بلدته، حتى وهي تطرده للمرة الثانية بعيدًا عنها.